|
الثورة المصرية وأزمة ما بعد الموجة الأولى
علاء فروح
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 00:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورة تيار جارف يكسر السد ويعلو عليه .لا ضابط ولا حدود لعفويته ولا كابح لرعونته أيضاً إلى أن يهدأ وتفرغ طاقته المحبوسة فى الإمتداد قليل التبصر ثم يبدأ فى الإنحسار تدريجياً ومن ثم تبدأ جميع الأطراف فى حساب المكسب والخسارة ..هكذا كانت الثورة المصرية فى موجتها الأولى ،ولم تكن فى ذلك استثناءً عن غيرها من الثورات ،والثورات إما أن تخمد و تنتهى عند ذلك الحد وتسجل فى التاريخ الذى لن يكتبه الثوار بطبيعة الحال لأن أعواد المشانق لا تكتب تاريخا وإنما يكتب عنها و تذكر بعد حين على أنها كانت مجرد حركة كبيرة من الحركات التى سعت الى التغيير ،وتضاف الى غيرها من حركات التحرر الوطنى ,و إما أن تكون قادرة على التخلص من عفويتها وعلى إكتساب المزيد من النضج الذى يؤهلها للقيام بموجتها التالية متداركة كل أخطائها ساعية للحسم راسمة كلمة النهاية بمداد من نور على جبهة الوطن فنضج الثوار فحسب هو ما يجعل الثورة قادرة على النهوض من مأزق ما بعد الموجة الأولى ..مأزق العفوية الذى هو مأزق الثائر نفسه فالثائر هو الإنسان الفاضل الشديد الصدق والنقاء .هو الراغب أبداً فى حياة عادلة لا لنفسه وإنما لغيره من بنى جلدته ،بل وللإنسانية كلها أما هو فيقدم حياته ثمنا لذلك بكل سخاء ..هذا الثائر لا يجيد الحسابات ولا يعرفها إذ لوعرفها لما ثار ..لا يفهم ماذا تعنى المواءمات السياسية ،ولكنه من دون ذلك يخسر أيضا .تلك هى أزمته .إنه كأبطال الإغريق الذين يسعون إلى حتوفهم المتيقنة دونما تنازل أبدا وكأنهم أعوان لأقدارهم .كأن الموت هو غايتهم لا الحياة .لقد أسمينا شهدائنا فى مصر (ورد الجناين) ،ولقد كانوا كذلك ..لقد إكتشف الثوار فى مصر أنهم كانوا وحيدون تماما فى مواجهة النظام فى ماسبيرو وفى شارع محمد محمود وفى مجلس الوزراء وأن أصدقاء الأمس يجلسون الآن مع النظام العسكرى ويتفاوضون مع الأمريكان ولا يتورعون عن إتهامهم بالخيانة والعمالة ،بل إنهم هللوا وأبدوا سرورا حينما أغلق المجلس العسكرى الجمعيات الأهلية وطارد منظمات حقوق الأنسان ..لم يتورعوا عن القول بإسقاط شرعية الميدان وتدبيج قانون لمنع التظاهرات ..لقد إكتشفوا أن أصدقاء الأمس لم يكونوا أصدقاء فى يوم من الأيام وأن الموجة الأولى لم تنحسر تلقائياً ولكنها حوصرت بسيل من المؤامرات والتوافقات واستسلم الثوار الذين لم يكن بمقدورهم أخلاقيا ولا عمليا أن يواجهوا قوة مدنية كقوة الإخوان المسلمين بعد أن تشوهت صورتهم أمام الرأى العام ووقعنا جميعا فى الهوة الفاصلة بين الموجة الأولى والموجة الثانية التى حسبنا أن مواجهات محمد محمود كانت بدايتها فإذا بنا نتعرض لمذبحة بشرية هائلة فى بور سعيد ،وبدأ الثوار يفطنون إلى مأزق الثورة ..لقد كان التحالف بين التيار الإسلامى وفى مقدمته الإخوان المسلمين وبين المجلس العسكرى يقتضى تقسيم المنافع بينهما ..المجلس العسكرى يعطى ويمنح والأخوان يهتبلون الفرصة التاريخية وكان الثمن وأد الثورة والتسامح مع الدماء والتصالح فى الأموال المنهوبة وقد بدا ذلك جليا فى المشروع بقانون الذى قدمه حزب الحرية والعدالة وحاول تمريره .كان ثمنا دفع جزء كبير منه بكل يسر ،ولكن هذا الإتفاق الذى رعته أمريكا لم يكن هو الحل النهائى ولم يكن ممكنا له ذلك إذ أن طرفى الإتفاق لم يكن أحدهما من السذاجة أن يأمن للآخر لأسباب تاريخية وعقائدية أيضا فالجيش المصرى علمانى النزعة والتكوين بينما التيار الإسلامى يسعى الى السيطرة عليه فى إطار سيطرته على كل مؤسسات الدولة بينما يمتلك المجلس العسكرى كل أوراق اللعبة فنزع عن البرلمان صلاحياته ودفع بمرشح له للرئاسة معروف بعدائه للتيار الإسلامى بخاصة وعدائه للديمقراطية بعامة وحصن لجنة الإنتخابات الرئاسية التى إختارها على عينه من الطعن على قراراتها بموافقة الإخوان وأتباعهم السلف فى حزب النور حين كان الإتفاق ساريا فما كان الإخوان إلا أن دفعوا بمرشح لهم أملين فى شعبيتهم ومعولين على رعاية أمريكا التى رعت من قبل إتفاقهم مع العسكر ،وبدأت الحرب التى هى فى حقيقتها حرب للمصالح لا مكان لمصر فيها ..هل نضج الثوار فى مصر بما يكفى ليعبروا بثورتهم الى الضفة الأخرى من النهر ؟ أم أن صدقهم سيدفعهم الى الخيار الذى سيودى بهم وبثورتهم ؟ إن المنتصر فى تلك الحرب -حرب المصالح- هو من سيحكم مصر وهو من سيعلقهم على أعواد المشانق لاحقا ،وهو أخيرا من سيكتب تاريخ ثورتهم فيملؤه زورا وبهتانا وإفكا
#علاء_فروح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملوك ومماليك ..التيار الاسلامى ومعضلة النهضة (4)
-
ملوك ومماليك ..التيار الاسلامى ومعضلة النهضة (3)
-
ملوك ومماليك ..التيار الاسلامى ومعضلة النهضة (2)
-
ملوك ومماليك ..التيار الاسلامى ومعضلة النهضة (1)
-
آمال المرأة ومنحنيات الربيع العربى
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|