جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 18:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن أكون مجافيا للحق إذا ما قلت أن متطرفي "السنة" في سوريا لا يختلفون عن متطرفي العلويين على الجهة الأخرى والذين ندينهم بشدة مثلما ندين أخوتهم في التطرف الطائفي في العراق, سنة كانوا أم شيعة, والذين بفضلهم تحول حلمنا العراقي لإقامة نظام عادل متنور على أنقاض نظام صدام إلى كابوس تمنيت لو أن الإخوة السوريين استفادوا من دروسه المجانية لكي يتخلصوا من قصة الطائفة الأكثرية والطائفة الأقلية, وهي قصة لن يكون بإمكانها أن تثمر سوى الحشف والنبات البري السام.
وأنا من أولئك الذين جنبوا أنفسهم خطر الوقوع في المواقف المتناقضة أواللجوء إلى الأحكام المزدوجة, اللذان باتا يشكلان الآن سمة من سمات الحركات الطائفية أو الرأي المضّلَل, وذلك حينما انتهجتُ خطا يقول لا للطائفية في الدين الواحد أو بين الأديان, ولا للعنصرية بين القوميات, ولا للتعصب للأحزاب والأفكار. لقد ضمن ذلك لي أن لا أحصر نفسي في زاوية التناقض الموقفي القاتل مثلما ينحصر فيها الطائفيون الآن سواء في سوريا أو في العراق, ففي ساحتين متجاورتين ولصيقتين يمكن لنا أن نرى كيف يتسبب غياب الموقف المبدئي الإنساني بصداع قاتل لأهله.
وإذ يدعي (طائفيو الشيعة) في العراق على أحقيتهم في تصدر الحكم كونهم الطائفة الأكثر عددا نراهم يقفون, نتيجة قربى سياسية متأسسة على قربى طائفية, إلى جانب النظام السوري ذا البناء الطائفي الذي يعتمد هو بدوره على تحشيد العلويين لحماية نظامه, وهم أقلية في سوريا, هذا إذا جاز لنا أن نتحدث بمفردات الوصف والتوصيف الطائفي.
وكذلك سيرتكب (طائفيو السنة) في سوريا نفس الخطأ حينما يدعون إلى بناء السلطة في سوريا وفق مبدأ الأكثرية الطائفية فيتسببون بموقف لا يحسد عليه لإخوتهم السنة في العراق حيث سيكون صعبا بعد ذلك على أي ( سني ) سواء كان سعوديا أو أردنيا أو مصريا الإدعاء بأن سنة العراق مهمشين من قبل الشيعة. فإن جرى ذلك فهو سوف لن يخرج من لعبة المواقف المزدوجة ولعبة الكيل بمكيالين.
.
وإني سأوافق لو قيل لي إن بشار الأسد ليس طائفيا مثلما هم طائفيو الإسلام السياسي كالشيخ عرعور وجماعته, ولكني لن أوافق إذا ما قيل أن بشار لا يستفيد مِن ولا يوظف المعادلة الطائفية " الاجتماعية " لحماية نظامه, مع أن العلماني أيضا قد يكون طائفيا بالمعنى الاجتماعي, ليس من من منطلق الانحياز الفقهي وإنما من منطلق الاصطفاف الفئوي أو الجهوي.
وحتى بين الملحدين نرى أن هناك من قد تُثار نخوته الطائفية وهو الذي لا يعترف بدين ولا يؤمن بخالق فيرجع سنيا أو شيعيا قبل أن يرجع مسلما.
وعلى الجهة العراقية سيكون سهلا أن أصدق أن صدام حسين لم يكن طائفي العقيدة السياسية, لكني لن أصدق حينما يقال لي أنه لم يستفد من المعادلة الطائفية لحماية نظامه, خاصة بعد الفترة التي تلت حرب الكويت..
والعلاقة بين حزب البعث في العراق وقائده صدام, وبين حزب البعث في سوريا وقائده بشار ومن قبله أبيه, مع القضية الطائفية والقبلية والجهوية هي متقاربة وحتى أنها متماثلة لكن مع فارق تجسده الرؤيا المعكوسة في المرآة حيث يمكن أن تنقلب الرؤيا فنرى يمين الصورة وقد صار يسارها ونرى يسارها وقد صار يمينها.
والصورة المتعاكسة نفسها التي نشاهدها اليوم في المرآة كانت قد حكمت المرحلة العراقية في الستينات بين بعثي سوريا من جهة وبعثي العراق من جهة أخرى حيث تم توصيف الحزب الواحد بمفردة اليسار في سوريا ومفردة اليمين في العراق فصارا وكأنهما انعكاس مقلوب لصورة في مرآة.
واليوم حينما نتحدث عن الطائفية, وعن صدام وبشار وأبيه, فإن من العبث أن نفكر أن الحزب الذي أسسه رجل مسيحي( ميشيل عفلق ) وكان أبرز مفكريه مسيحيا أيضا ( إلياس فرح ) وكذلك أبرز إعلامييه ( طارق عزيز ) كان تأسس لا لغرض سوى نصرة العلويين في سوريا على السنة, أو لنصرة السنة في العراق على الشيعة.
لكن الدفاع عن السلطة كان احتاج إلى مصدات ومتاريس من النوع القبلي والطائفي والجهوي. وإذا كان من العار أن يتجه السلطويون في كل من سوريا والعراق إلى تفعيل قضية الطائفية كمصدات دفاعية مضافة إلى مصداتها القبلية والجهوية, فإن علينا أن نكمل الجملة المفيدة بأمانة لنقول أن هذه النقلات, وخاصة الطائفي منها, وإن كان يتحمل وزرها بشار وصدام إلا أنها لم تأتي من فراغ, ففي مواجهة السلطة الصدامية والبشارية كانت هناك أحزاب طائفية تحارب في الداخل وفق نظريات تشكلت بفعل صراعات ماضوية ( الدعوة الشيعي في العراق ضد صدام "السني" والإخوان المسلمون السنة في سوريا ضد حافظ الأسد "العلوي" ) وكان هناك أيضا الحدث الأهم وهو قيام الثورة الخمينية في إيران التي أججت الصراع الطائفي في المنطقة لمصلحتها السياسية وأعادت ترتيب القوى والتحالفات بأشكال جديدة ( كانت السلطة السعودية "الوهابية" قبلها قد انتصرت للإمام بدر "الزيدي" في اليمن ضد السلال "السني" بدفع من عوامل التناقض الاجتماعي, أما الآن فهي ضد الحوثيين حتى لو كانوا مظلومين من السلطة, وكذلك يمكن أن يشار إلى أمر الإنحيازات في البحرين ), وهكذا نرى أن تحالفات الماضي قد تغيرت حينما حل التصنيف الطائفي أولا ليدفع بقية الأوصاف إلى خانات تالية.
واليوم, ومع التغيير الذي حصل في العراق على مبدأ توزيع السلطة فإن علينا أن نتساءل.. ترى هل حانت المرحلة التي وجب أن تصحح فيها معادلة توزيع الحكم في سوريا أيضا لكي تتناغم ونظرية الصورة والمرآة. ففي الماضي القريب كانت الصورة في العراق مكونة - بمفردات اللغة الطائفية - من "أقلية "سنية حاكمة و"أكثرية" شيعية محكومه, وكان انعكاس الصورة في المرآة يتحدث سوريا عكس ما تحدث به عراقيا وذلك بوجود أقلية علوية حاكمة وأكثرية سنية محكومة.
بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق فإن الصورة قد تغيرت حينما جرى تبديل المواقع طائفيا بين الحاكم والمحكوم, ذلك قد تسبب بتراجع نظرية الصورة والمرآة بين العراق وسوريا أو حتى أنه بشر بإمكانية سقوطها, وهي نظرية ظلت تتحكم بالعلاقات السلبية بين البلدين وتمنع أي تقارب حقيقي بينهما. واليوم فإن بالإمكان رؤية كيف تعمل قوى الإسلام السياسي لكي تعيد التناغم وفق نظرية الصورة والمرآة, فتكون هناك أغلبية سنية حاكمة في سوريا مقابل أغلبية حاكمة شيعية في العراق وهكذا سيكون مقدرا أن نشهد صراعا حادا بين بلدين كتب عليهما النزاع بشكل مستمر عبر التنقل من بعث "يميني" في العراق وبعث "يساري" في سوريا إلى صراع يتأسس على نظريات الأكثرية الحاكمة والأكثرية المحكومة من منطلقات طائفية.
بالتأكيد لا يصح تعويم بقية العوامل وتذويبها لصالح العامل الطائفي أو جعل هذا العامل الأخير هو المصدر الأول والأخير التي تأسست وتتأسس عليه المتغيرات, فصدام لم يسقط لأنه كان سنيا ولغرض تنصيب الأكثرية الطائفية الأخرى بل بسبب تحديه للإرادة الأمريكية أولا ودخوله في مواجهات غاب عنها العقل وأيضا بسبب القمع والاضطهاد الداخلي الذي هيأ الساحة الداخلية للقبول بالاحتلال بدون مقاومة ذات شأن.
كما أن بشار لم يدفع السوريين للثورة ضد نظامه بفعل إنتمائه العلوي وبفعل ميل الشعب السوري لتنصيب رجل من الطائفة السنية الأكثر عددا.. إن قولا بهذا الاتجاه هو تشويه للمشهد السياسي الحقيقي وليس تبسيطا أو تعويما أو اختزالا له فقط, فهناك مجموعة من التناقضات الأخرى التي جعلت التخلص منه تلاقي قبولا دوليا وإقليميا.
ويبقى من المؤكد أن هناك قوى داخلية سورية وإقليمية ودولية تحاول أن تأخذ المشهد السياسي من صورته الوطنية والاجتماعية لتحيله إلى مشهد طائفي وذلك كلازمة من لزوميات المشهد الطائفي العربي العام أو ذلك الخاص بنظرية الصورة والمرآة بين سوريا والعراق, فعلى امتداد التاريخ يمكن متابعة هذا التناقض التراكمي مما يجعلنا نبحث عن سر هذا الممنوع الذي يخيم على طبيعة العلاقات بين البلدين ويمنعهما من تحقيق لقاء من النوع الحميم.
من الأكيد أن المخابرات المركزية الأمريكية وكذلك الإسرائيلية لم تكن موجودة لكي يلقى عليها ذنب الصراع بين الإمام علي ومعاوية أو بين الأمويين والعباسيين, ولكنها الآن موجودة وهي قارئة جيدة للتاريخ وبإمكانها أن تكتشف كيف يمكن للماضي المتشقق أن يمنع تشكيل الحاضر المتماسك.
لهذا نتمنى لو أن التغيير السوري لن يذهب بإتجاه التناغم مع نظرية الصورة والمرآة مؤمنين أن القيادات الوطنية السورية الثائرة تدرك كم سيكون ذلك مؤلما سواء على صعيد الداخل السوري أو على صعيد العلاقة مع العراق.
إن تصحيح كلا الوضعين العراقي والسوري إنما يقوم على وجود مشروع وبرنامج وطني وقانون يمنع الفكر والفعل الطائفي ويفلح في إقامة حكم الأغلبية السياسية الذي يقصي العقلية الطائفية عن السلطة وعن البناء الثقافي والاجتماعي للدولة, وهو حل سيفتح الطريق أيضا نحو بناء علاقات سورية عراقية إيجابية ويساهم بإضعاف تأثير حديث الصورة والمرآة بينهما.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟