|
رائحة السينما ولعبة السرد
كاظم حسوني
الحوار المتمدن-العدد: 3688 - 2012 / 4 / 4 - 11:32
المحور:
الادب والفن
في مجموعته القصصية (رائحة السينما) الصادرة عن دار ازمنة - عمان 2008 ، اعتمد القاص نزار عبد الستار في اشتغاله على استثمار المكون الاسطوري والحكائي ، والسرد الشفاهي الشعبي ، لصياغة الواقع عبر الفن ، با لافادة من النص التراثي ، كبناء محرك الرتابة ومألوفية الحياة اليومية ، وذلك بأستدعاء العناصر الكامنة في مخزون التراث وتوظيفها في ابنية النص ، واجراء الازاحات ، وما يلزم من التغييرات في متن الاسطورة والحكاية ، بغية اعادة انتاجهما بما يتلاءم وتقنيات الكتابة الجديدة ، للاقتراب من محايثة الواقع واسطرته ، وكسر السياقات الخطية في السرد ، خروجاً عن الأطر والبنى التقليدية للقص ، حيث يبرز تمكنه في ابتكار صيغ وتقنيات ذات نزوع حداثي فيه جده وبراعة ، لقاص يعرف بالضبط ماذا يفعل للتعبير عن رؤاه وافكاره ، من خلال منحنيات السرد ، وفي التدقيق المتأني بجملته القصصية الطويلة المشحونة بطاقة ايحائية كبيرة ، ، ولنا ان ننظر في قصص (تماثيل) (شمورامات) (رائحة السينما) وسواها ، لنرى تحولات الأبنية السردية التي رسمت لنا لوحات فنية اخاذة ، بوصفها لملامح الشخصيات ، ورصد تحركاتها ، ونسج الأحداث والوقائع ، تلك المرويات المضمخة بعطر الخرافة والأسطورة والسحر ، التي عمقت بناء وحدات النص القصصي ، وفق لعبة مخيلة القاص ، التي استمدت دورها المؤثر من مرموزات المثيولوجيا المحلية والحكائية ، فضلا عن اعتماد الكاتب على مدونات ارثية ومرجعيات ووثائق ، تكشف عبر اتصالها عن انساق الواقع ، وحدوده العيانية التي اختفت وراء التشكل السردي ، كما نلاحظ ذلك من توجهات القاص نزار عبد الستار ورؤاه الأسلوبية التي تفصح عن اختفائه بالتجريب وسعيه لتجديد بنية السرد بأنماط مغايرة ، حيث اولى القاص عناية فائقة بلغته القصصية ذات الايحاءات ، ومضى ابعد من ذلك في مزجه مابين الواقعي والفنتازي ، لتشديد فضاء الكتابة ، وكذلك بأستثماره الوثيقة التاريخية ، بغية ازاحة الواقعية الحياتية ، والانتقال بنا الى مناخ اخر ، يمنح الواقع زخماً مليئاً بالثراء ، ، لنتأمل هذا المقطع من قصة تماثيل (اخرجت حفرياتهم من غرف المؤلفات جيلاً جديداً من التماثيل المحتشمة تمثل اشورنا صربال وهو يزاول نشاطاته الابداعية ، يقرأ ويكتب ، ويجمع الألواح الثقافية التي خرجت خلفه بأعداد مخيفة متسببة في اعاقة تحركات العمل) وفي قصته (شمورامات) نقرأ (عثرت قسمتها عليه بين خزفيات عواطفه ، يلون الاواني ويخترع ادوات المطبخ الطينية املاً في كسر قلبها ، سنوات طوال ، وهو مثل كبش المختبرات التنجيمية) في هذه المقاطع وفي نصوص اخرى ، نرى مرح اللغة ، والسخرية ، والفكاهة الممتزجة بأسلوب القاص ، كونها الوسيلة الانجح لتعرية الواقع ، ، في (صندوق الاماني) يقول البطل لزوجته (تمتعي برؤيتنا ونحن معك ، لأننا سنتلاشى انا والطباخ والتلفزيون ، وكل شيء مع صباح اليوم (التالي) القصة تتطرق هنا لأثار الحرب وتداعياتها المفجعة . . وعند التأني في قراءة مجموعته (رائحة السينما) لابد من التوقف والالتفات الى الهيمنة المكانية الدالة ، فأمكنة نزار منتقاة ، بوصفها بقعا مشبعة برائحة الماضي ، ومحاطة بهالة مثيولوجية وطبوغرافية ، اذ تبدو احياء مدينة الموصل القديمة منها خاصة ماثلة عبر الأشياء المأوى لشخصياته الشعبية ، المحملة بالموروث الموصلي ، فثمة تواشج بين الشخصية والمكان القديم ، المكان في اشيائه المخزونة ، وزمنه المعتق الكامن فيه ، وكلما عمد القاص على فتح كوة لاسترجاع الزمن ، تتوالى للتو ظلال الصور المرئية من مرايا السطور ، ، طالعة من اغوار الزمن الغابر او المتخيل ، ففي قصة (ابونا) يتطلع الابناء الى صورة ابيهم المعلقة على الجدار ، الميت منذ اعوام ، وهم ينتظرونه ان يتكلم ، او يتحرك ، او يشير اليهم بشيء ، عبر استدعاء زمن الأب في الصورة ، اذ يلعب الزمن تأثيرا مماثلاً للمكان في النص ودوراً مهماً في تحديد بنيته وفاعليته ، ، ومن خلال كل ذلك وما بيناه من ارتباط القاص بأنطولوجيا المكان وعنصر الزمان ، القصص تتحدث الينا ، تجتذبنا ، فـ(رائحة السينما) التي احتوت على سبع قصص كما جاءت على التوالي (ابونا) (رائحة السينما) (تماثيل) (صندوق الاماني) (بيت انحالات ) (شمورامات) (قبل ان يذهب الى مصيره) سعى فيها نزار عبد الستار الى تجاوز مألوف السرد ، مثلما تكشف لنا من جانب اخر عن دراية القاص او معايشته للبيئة والأمكنة التي يكتب عنها ، والتي انعكست على تقنية البناء المعماري ، التي تؤكد على خبرته وتمرسه في صناعة خطابه القصصي الذي حمل طابع المغايرة ، لأبنية السرد التقليدية ، فقارئ نصوصه تشده الثيمة ومستويات التعبير ، تشده الشعرية وحس الفكاهة ، ، التي طبعت اسلوبه ، وكأنه يضعنا على حافة الاشياء ، لتجاوز الممكن والمألوف بأفتراق عن الواقع ، لكنه يسوغ لنا ذلك باداء سردي مرن ، منفلت ، لكنه محكم البناء ، مبتكر ، يجسد شيئاً مغايراً ، ، بمعنى اخر اننا امام تجربة قصصية مدروسة بأناة ، لايمكن ان يصل اليها الا قاص فنان نجح في مسعاه بخلق عوالم انسانية جمالية رائعة ، ، فضلا عن تمكنه من منح قصصه تشكيلا دراميا مؤثرا ، عبر افادته من تقنيات السرد ، ودلالات التفاعل مابين الواقعي والغرائبي ، باستلهام قيم الخرافة والمثيولوجيا ، والارث الشعبي كمصادر في بناء عالمه القصصي . .
#كاظم_حسوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسونامي الحب في رواية (شنغهاي بيبي)
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|