|
مفاهيم فكرية- الوجودية
عصام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 11:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الوجودية (existentialism) : مدرسة فلسفية تقول بأن الوجود الإنساني سابق على الماهية أي أن الإنسان صانع وجوده بغض النظر عن أي عوامل متحكمة فيه, ,ان العقل وحده عاجز عن تفسير الكون ومشكلاته والإنسان يستبد به القلق عند مواجهة مشكلات الحياة, وأساس الأخلاق قيام الإنسان بفعل إيجابي وبأفعاله تتحدد ماهيته, وإذن فوجوده العقلي يسبق ماهيته. كما تؤمن الوجودية بالحرية المطلقة التي تمكن الفرد من أن يمتع نفسه ويملأ وجوده على النحو الذي يلائمه. وهو أشهر مذهب استقر في الآداب الغربية في القرن العشرين . ويرتكز المذهب على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيه ، ولا يوجد شيء سابق عليها ، ولا بعدها ، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته ، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته . وهو بذلك تيار فلسفي يعلي من قيمة الإِنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه، وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار. ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإِنسان مبرراً للانتشار السريع. انتشرت الفكر الوجودي بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرهما حيث ادى إلى بعض الفوضى الاخلاقية والإِباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان، وهي تنادي بأن الإنسان لا يدري من أين جاء ولا لماذا يعيشً .
أول جذر وجودي كانت دعوة سقراط : أعرف نفسك بنفسك
يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كير كجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه: رهبة واضطراب. وقد نمى آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدجر الذي ولد عام 1889م ، وكارك يسبرز المولود عام 1883م . وقد أكد هؤلاء الفلاسفة أن فلسفتهم ليست تجريدية عقلية ، بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات . والفكر الوجودي لدى كيركاجورد عميق التدين ، ولكنه تحول إلى ملحد إلحاداً صريحاً لدى سارتر و أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وله عدة كتب وروايات تمثل مذهبه منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق. ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية ، كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني ، بسكال بليز: مفكر فرنسي. وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.
دخل المذهب الوجودي مجال الأدب على يد فلاسفة فرنسيين : هم جبرييل مارسيل المولود عام 1889م . وقد أوجد ما أسماه الوجودية المسيحية ، ثم جان بول سارتر الفيلسوف والأديب الذي ولد 1905م ويعد رأس الوجوديين الملحدين والذي يقول : إن الله خرافة ضارة . وهو بهذا فاق الملحدين السابقين الذين كانوا يقولون إن الله خرافة نافعة وسارتر غني عن التعريف ، ومن الشخصيات البارزة في الوجودية : سيمون دي بوفوار عشيقته التي قضت حياتها كلها معه دون عقد زواج تطبيقاً عملياً لمبادئ الوجودية التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية .
الافكار والمعتقدات : الوجود اليقيني للإنسان يكمن في تفكيره الذاتي ، ولا يوجد شيء خارج هذا الوجود ولا سابقاً عليه ، وبالتالي لا يوجد إله ولا توجد مثل ولا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين ، ولكي يحقق الإنسان وجوده بشكل حر فإن عليه أن يتخلص من كل الموروثات العقيدية والأخلاقية إن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته ، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة . الالتزام في موقف ما - نتيجة للحرية المطلقة في الوجود - من مبادىء الأدب الوجودي الرئيسة .. حتى سميت الوجودية : أدب الالتزام أو أدب المواقف .. أي الأدب الذي يتخذ له هدفاً أساسياً أصحابه هم الذين يختارونه . وبذلك جعلوا القيمة الجمالية والفنية للأدب بعد القيمة الاجتماعية الملتزمة . ولقد نتج عن الحرية والالتزام في الوجودية ، القلق والهجران واليأس : القلق نتيجة لنبذ القيم الأخلاقية والسلوكية . والهجران الذي هو إحساس الفرد بأنه وحيد لا عون له إلا نفسه . واليأس الذي هو نتيجة طبيعية للقلق والهجران ، وقد حاول سارتر معالجة اليأس بالعمل ، وجعل العمل غاية في ذاته لا وسيلة لغرض آخر ، وحسب الوجودي أن يعيش من أجل العمل وأن يجد جزاءه الكامل في العمل ذاته وفي لذة ذلك العمل .
يكفرون بكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإِنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإِلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج. يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة. يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته. يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان ، يقولون: إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره. يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء. يقولون: إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية. يقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أما الحياة بما فيها فمقودة لإِرادة الشخص المطلقة ، لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين. رغم كل ما أعطوه للإِنسان من أهمية فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة. الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود. للفلسفة الوجودية الآن مدرستان واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة. الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإِنسانية. وقد تكون جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين. تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية لهذا رفضت الدين والكنيسة.
#عصام_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاهيم فكرية- علم الجمال –ج2- أراء الفلاسفة فيه
-
مفاهيم فكرية- علم الجمال –ج1- التعريف والاتجاهات والتصنيف
-
شبكة بغداد بانكوك
-
الصحافة الالكترونية ودورها-الحوار المتمدن نموذجا
-
اشلاء على الطريق
-
ريتشارد ماثيو ستالمن
-
كولن باول وكونداليزا رايس -ج4 من اربعة أجزاء
-
كولن باول وكونداليزا رايس -ج3 من اربعة أجزاء
-
كولن باول وكونداليزا رايس -ج2 من اربعة أجزاء
-
كولن باول وكونداليزا رايس -ج1 من اربعة أجزاء
-
الامم المتحدة وسيف التمويل الاميركي
-
لا جدوى من البكاء
-
زيادة حجم بريد الهوتميل
-
ماذا حل بنظرية جو فيرميج
-
لم يكن سوى خادما ذليلا
-
تايلند : ترشيد حكومي وشعبي في استهلاك الطاقة
-
رحلة السادات ورحلة الالوسي2-2
-
رحلة السادات ورحلة الالوسي 1-2
-
ميجاوتي : سيدة الديمقراطية
-
فــؤاد ســالم: صوت الارض
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|