|
دولة قطر ومؤتمر القمة العربية
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 3681 - 2012 / 3 / 28 - 10:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انهت عواصف التغيير السياسية التي قادها الشباب العربي في العام المنصرم ، صيغة تكررت اجندتها في مؤتمرات القمة العربية على مدى نصف قرن . كانت تلك الأجندة تعبيراً عن هيمنة خطاب سياسي محدد ، تحوّل مع مرور السنين ــ في وعي سكان العالم العربي ــ الى مصدر أساس من مصادر شرعية انظمتهم السياسية . تحكمت الدول العربية { ذات الكثافة السكانية العالية والموقع الجغرافي المتميز والجيوش الجرارة ،} بمقولات ذلك الخطاب السياسي ، فكانت أجندة المؤتمرات تدور حول قضايا : التضامن والوحدة ، وتحرير فلسطين ، والدفاع عن الأصالة ، والتهيؤ للمعركة الفاصلة مع الأعداء ، ووضع الستراتيجيات انطلاقاً من كون الأمة العربية حقيقة سياسية واقعة . وفي ذلك كله كان الستراتيج الراجح دائماً هو ستراتيج دعم واسناد المقاومة ، وكذلك دول الطوق أو مَن تبقى منها . وبعد انسحاب مصر ، وغياب تأثيرها العربي اثر معاهدة كامب ديفد ، خلا الجو للعراق وسورية ليكونا اللاعبين الأساسيين في التحكم بأجندة القمم العربية . بلغ العراق بها الذروة عام 1990 ، ثم تراجع دوره واختفى في الظل بعد غزو الكويت . فتصاعد دور سوريا الذي بلغ الذروة بعد احتلال العراق عام 2003 ، مسنوداً بدعم خليجي واقليمي : تركي وايراني ، وبتحالف ستراتيجي مع حركتين مسنودتين شعبياً في طول العالم العربي وعرضه هما حزب اللّه وحماس . أنهت انتفاضات الشباب العربي أجندة { القضايا القومية } ، بسبب من النقلة النوعية التي احدثتها في الوعي السياسي العام . فلأول مرة يحدث التغيير السياسي في العالم العربي انطلاقاً : لا من الطرق التقليدية كالأنقلابات العسكرية ، او التغيير من فوق بعزل الأب مثلاً من قبل الأبن كما تكرر المشهد في دول الخليج ، وانما بتحرك جماهيري مدني [ احتلال الساحات العامة واستغلال كاميرات الفضائيات ] . ترافق هذا التغيير مع تراجع مفاهيم { القضايا القومية } الى الظل ، وذيوع وانتشار مفاهيم : التعددية السياسية ودورية الأنتخابات ، وهي مفاهيم لا تنتمي الى المنظومة الفكرية العربية الأسلامية الموروثة ، والتي عملت على احيائها والعمل بها انظمة مجالس قيادات الثورات العربية ، التي كانت تتحكم بأجندة القمم العربية . حضيت المفاهيم السياسية الجديدة برعاية اعلامية مكثفة من فضائية الجزيرة القطرية ، وهي دولة لم تقم على اي اساس من اسس المفاهيم السياسية الحديثة ، بل هي تنتمي للنموذج التقليدي في قيام الدول في شبه الجزيرة العربية ، وفي عموم العالم العربي حيث تقوم شرعية السلطة فيها على الأساس القبلي { رئيس القبيلة هو الرئيس الشرعي للدولة ، بما يتضمنه ذلك من توريث } المتداخل بانتماء طائفي محدد . ثم ان دولة قطر كمساحة وكنفوس وكقوة عسكرية لا يتم تصنيفها في دائرة الدول العربية الكبيرة التي لها تأثير اقليمي . الاّ ان قطر استطاعت ان تفلت من هذه الشروط التقليدية وان تعوض ــ في سابقة تاريخية ــ تلك العوامل بعوامل : المال الوفير ، والأعلام ، وبدبلوماسية نشيطة . لقد دعمت قطر التغيير في تونس ومصر ، وبفاعلية اكبر في ليبيا . وكانت شريكاً في المبادرة الخليجية حول ازمة اليمن قبل ان تنسحب منها . وتلعب قطر الآن دوراً حاسماً في تطور الأحداث داخل سوريا ، بنقل ملفها الى الجامعة العربية اولاً ، ثم الى الأمم المتحدة مع دعم متواصل الى المعارضة السورية . لم يتوقف الدور القطري عند حدود التغيير الذي حصل . بل تواصل دورها بدعم مالي واعلامي لا حد له الى الحركات السياسة الأسلامية ، نتج عنه فوز ساحق للاخوان ، وبروز السلفية كتيار سياسي ضارب يتقاسم السلطة { حزب النور }مع الأخوان . هل ستنعكس هذه العلاقة السياسية الجديدة بين قطر والأحزاب السياسية الأسلامية ، على اجندة اول مؤتمر للقمة في المرحلة الجديدة ؟ وماذا سيكون عليه دور قطر في اروقة وكواليس المؤتمر ؟ وهل ستستفيد حكومة المالكي معنوياً من هذا المؤتمر ؟ بأن يسقط المؤتمرون عملياً بحضورهم الى بغداد ، تلك التهمة التي روجوا لها جميعاً : تهمة التعاون مع المحتل ، بعد ان شجعوا ودعموا جميعاً التدخل الخارجي لأحداث التغيير في ليبيا ؟ واذا كان الأمر كذلك ، فهل ينعقدهذا المؤتمر لمنح الشرعية للخارج كوسيلة من وسائل احداث التغيير في العالم العربي ، تمهيداً لتدخله في سورية ؟ اين نضع ترسانة ضخمة من الفتاوى التي كفرت التعاون مع المحتل ، والتي تسببت بمقتل الآلاف من سكان العراق ، وبخسائر مادية هائلة غالبيتها تعود للأمة لا لفرد او لمؤسسة بعينها ؟ لم تصدر فتوى بتكفير الذهاب الى مكان كان الأحتلال الأمريكي قد دنس تربته الطاهرة . فلا القرضاوي اصدر فتوى بتحريم الأجتماع الى حكومة ادانتها فتاويه سابقاً ، ولا اي فقيه آخر من اية طائفة اخرى ؟ هل يشير هذا الصمت من قبل الفقهاء الى رضى وترحيب بمرحلة جديدة ، سيمثل فيها الدولار البترولي دور الفاتح { من غير خيول وسيوف ودماء } لبلدان مصر والهلال الخصيب وشمال افريقيا بالتعاون مع الأحزاب الأسلامية الحاكمة ؟ وبدلاً من ان يصرخ الأعرابي فاتح ارض العراق والشام قبل 1500 سنة ، وهو يشير بسيفه الذي يقطر من دم المزارعين : هذه الأرض بستان لنا ، سيستعير لغة عصرية في التعبير قائلاً : هذه الأرض {مجالنا الحيوي ، }التي بدلاً من ان نفرض عليها الخراج ، سنعتصر دماء كادحيها . لكن ثمة تناقضات لا تمنح للصورة هذا الصفاء منها : تناقضات العوائل الحاكمة في بلدان الجزيرة والخليج ، وصراعاتها الدائمة حول زعامة مجلس التعاون الخليجي . ومنها دخول هذه العوائل في السوق العالمي كاصحاب سيولة نقدية هائلة ، وامتثالها الى قوانين المنافسة في هذا السوق بحثاً عن مراكز القوة والنفوذ . تتداخل هذه التناقضات مع تناقض اقليمي عريض هو التناقض الطائفي السني الشيعي ، الذي جر اليه تركيا وايران في مواجهة طائفية كبرى في سورية . فهل ستكون سورية هي الضحية الأخيرة في مسلسل انهاء مرحلة ، بعد ان كان العراق ضحية البداية ؟ ام ان مصير سورية مرتبط بمصير الصراع حول البرنامج النووي الأيراني ؟. اجندة مؤتمر القمة الجديد في بغداد المعلنة ، اجندة موضوعاتها اقرب ما تكون الى جدول اعمال مختصين من طبقة التكنوقراط :مسألة المياه والتصحر والتكنولوجية . وحتى لو ركز قادة القمة على جدول الأعمال هذا دفعاً لخلافاتهم حول الموقف من برنامج ايران النووي ، او بالموقف من نظام الأسد ، فأنّ المؤتمر سينهي اعماله ــ عن وعي او بدونه ــ بالختم بالشمع الأحمر على بوابة مرحلة في تاريخ العرب الحديث مع مفاهيمها السياسية المحايثة ، ومباشرة رفع الستار عن مرحلة جديدة محمولة على مفاهيم سياسية جديدة ، ستكون تأثيراتها على تطور الوعي السياسي ــ وعى المؤتمر ذلك ام لم يعيه ــ هائلاً ، او من النوع الذي لا يمكن لخالقيه السيطرة عليه . 28 ــ 3 ــ 2012
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نباح
-
موت
-
قصيدتان مونولوج غروب
-
قصيدة حب
-
الرفاعي
-
بلادي
-
مفارقة
-
الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 6
-
الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5
-
عن قضية المرأة
-
الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 4 من 6
-
خارطة الشرق الأوسط ومسالة الأقليات 3 من 6
-
خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 2 من 6
-
خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 1 من 6
-
الرحلة الى العراق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|