|
حول نتائج انتخابات الرئاسة الأوكرانية ومهام الطبقة العاملة في أوكرانيا
ف. تيريشوك
الحوار المتمدن-العدد: 1082 - 2005 / 1 / 18 - 11:32
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
جريدة "الشيوعي" تنشر اليوم مقالة بقلم ف. تيريشّوك انتخابات الرئاسة في أوكرانيا انتهت. وكان الصراع فيها بين ممثلي طرفي البرجوازية، مجموعتي الرأسماليين الكبار الذين يشكلون الطغمة المالية والاقتصادية. وقد فاز في المعركة صنيعة رأس المال العالمي فيكتور يوشنكو. ولم يجئ فوزه نتيجة للحملة الانتخابية إياها بقدر ما جاء حصيلة للضغط على الهيئات الرسمية التنفيذية ولجان الاقتراع من خلال تحركات الاحتجاج الجماهيرية التي نظمتها البرجوازية الملتئمة حول يوشنكو ودفع تكلفتها رأس المال العالمي. في هذا السياق يمكن اعتبار فوز يوشنكو إلى حد بعيد مثابة انقلاب. انقلاب وليس ثورة كما يحلو للمدعين أنها كانت "ثورة برتقالية". فالثورة تعني سياسيا انتقال السلطة إلى الطبقة المعارضة للبرجوازية، أي إلى الطبقة العاملة. أما في حالتنا هذه فتمت إعادة توزيع جبنة السلطة بين أطراف البرجوازية نفسها، فانتقلت سلطة التقرير من طرف برجوازي إلى طرف آخر برجوازي أيضا. وما الانقلاب سوى انتقال للسلطة من طرف إلى آخر داخل البرجوازية نفسها، ولكن، خلافا للتقاليد البرجوازية في مثل هذا الانتقال، عبر انتخابات "شرعية". فما هي نتائج هذه الانتخابات وانعاكاستها على الطبقة العاملة الأوكرانية؟ لا بد هنا من الإجابة عن 3 أسئلة: علام حصلت الطبقة العاملة بنتيجة هذه الانتخابات؟ ماذا يمكنها أن تأمل وترتجي منها؟ ما الذي عليها فعله حيال نتائجها؟ إذن، علام حصلت الطبقة العاملة بنتيجة هذه الانتخابات؟ فعليا لم تحصل (وما كان يمكنها أن تحصل) على شيء. باستثناء- طبعاً- بعض التصدّق من قبل السلطة على الشعب بزيادة ضئيلة في الأجور على أعتاب الانتخابات لن تعتم زيادة الأسعار أن تلتهمها. فلم يتغير شيء إذاً في وضع الطبقة العاملة: فهي كانت ولا تزال موضع استغلال واضطهاد ومصدر زيادة لأرباح وثروات البرجوازية، ذلك أن بقاء العامل نفسه وعائلته على قيد الحياة مرهون بكونه يبيع قدرته على العمل كما تباع أية بضاعة أخرى. وثمن هذه البضاعة (من نوع خاص) لا يمكن أن يذهب في ظل الرأسمالية بعيداً عن الحد الأدنى لكلفة إعادة إنتاج هذه القدرة على العمل (لذا يعمل جل أبناء الطبقة العاملة دوامين أو ثلاثة لإعالة عيالهم وتعليم أطفالهم). وهل كان من الممكن، يا ترى، تغيير وضع الطبقة العاملة بواسطة الانتخابات؟ كلا، الانتخابات نفسها ما كان بوسعها أن تغير شيئا، بل هي فقط يمكن أن تضحي جزءا من المسيرة العامة لنهوض كفاح الطبقة العاملة من أجل تغيير وضعها كطبقة مهضومة الحقوق، للوصول إلى ما نسميه "الثورة". فعلى ظهر موجة مثل هذا النهوض فقط كان يمكن للحزب الشيوعي الأوكراني (بوصفة القوة السياسية الأقرب من الباقين إلى التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والمضطهدين) أن يفوز في الانتخابات ويبدأ عملية إبدال سلطة البرجوازية بسلطة العاملين الكادحين، وهو ما بدونه من غير الممكن تغيير علاقات التملك الفردي (تملك الرأسماليين الأفراد لوسائل إنتاج الخيرات المادية اللازمة لعيش المجتمع، وتالياً لنتائج هذا الإنتاج من خلال استئثارهم بالقيمة الزائدة عما يدفعونه للعمال من أجر)، وتغيير وضع العاملين أنفسهم كبضاعة في سوق العمل، هي الأرخص عادة بين باقي صنوف البضائع. وعلى هذا الأساس اتخذ مؤتمر عمال عموم أوكرانيا في العام الماضي قراره بدعم مرشح الحزب الشيوعي بيوتر سيموننكو آملاً أن يبدأ هذا المرشح الرئاسي عملا تحريضياً واسعاً لأجل النهوض بنضال العمال نحو تغيير علاقات الملكية في المجتمع تغييراً ثوريا وتحرير العاملين من ربقة البرجوازية وسيطرتها على أسباب عيشهم. غير أن هذا لم يحصل، بل حصل عكسه تماماً. فسيموننكو خاض الانتخابات ببرنامج يعبر عن مصالح (بل الأصح عن أوهام وضلالات) فئات واسعة من أبناء البرجوازية الصغيرة والمتوسطة. والوهم الأكبر كان في وعد هؤلاء بالفوز في ظل هيمنة "ديموقراطية" رأس المال الكبير، هيمنة الطغمة المالية والاقتصادية، وفي ظل تقاتل طرفي راس المال على السلطة حتى الاستماتة. فكانت النتيجة فشلا ذريعا وهزيمة نكراء. وإننا لنأمل أن يكون هذا مثابة هزيمة نكراء لأوهام قطاعات واسعة من الطبقة العاملة حول إمكان الوصول إلى السلطة من خلال انتخابات برلمانية أو رئاسية على الطريقة البرجوازية. فالتخلص من هذه الأوهام وحده سيمكّن أخيراً من رؤية الطريق الصحيح للتحرير. وإننا لندرك في الوقت نفسه أن التخلص من هذه الأوهام غير ممكن من دون وعي الطبقة العاملة لكونها طبقة بذاتها تخالف مصالحها مصالح البرجوازية كلياً ومن دون استيعاب ما كتبه في هذا الإطار ماركس ولينين كنواة نظرية لمثل هذا الوعي الطبقي. إن مسار الحملة الانتخابية لم يظهر وحسب أن مرشح الحزب الشيوعي خاض الانتخابات تحت شعارات برجوازية (لم تجد كلمة "الاشتراكية" لنفسها مكاناً بينها)، كان من السهل بمكان على مرشحي أطراف الطغمة "سرقتها" لاستخدامها من ضمن شعاراتهم الشعبوية ومعركتهم للفوز بأصوات الناخبين. كما أنه أظهر أن الكثير من أشكال الوعي البرجوازي يسيطر في أجواء أوساط العاملين، فيحسبون مصالح غيرهم وكأنها مصالحهم، أي يبنون قصوراً على رمال الأوهام. فما هي هذه الأوهام، يا ترى؟ إنها: 1- الأمل في "انتخابات نزيهة" في ظل هيمنة البرجوازية. فكثيرون من العمال الذين ساندوا جماعة "الثورة البرتقالية" (المرشح يوشنكو) اعتقدوا أنهم يكافحون في سبيل حقهم في اختيار سلطة عليهم تكون ضد الفساد وضد التدخل الرسمي لتشويه رأي الشعب وتزوير إرادته. غير أن الديموقراطية البرجوازية هي في واقع الأمر تزوير إرادة الشعب فعلاً لأنها لا تعني إلا "حق" العاملين في أن يسمحوا كل أربع أو خمس سنوات لهذا الطرف من أطراف البرجوازية أو ذاك أن ينهب مال الشعب وقوت الشعب باسم الشعب. ذلك أن رأس المال والبيروقراطية والفساد والتدخل الرسمي لتزوير الانتخابات إن هي إلا توائم ولدت من بطن واحد. فلا مجال لإزالة الفساد والتزوير من دون إزالة هيمنة رأس المال والبيروقراطية. أما في الجمهورية البرلمانية التي يعتبرها الكثير من العمال أكثر ديموقراطية من غيرها فيتاح للعمال أن يؤيدوا مرة كل أربع أو خمس سنوات هيمنة ممثلي كل طبقة البرجوازية عليهم، وليس هيمنة طرف منها فقط. وإن هذا لمشروح خير شرح في ما كتبه ماركس ولينين على سبيل توعية العمال لمصلحتهم كطبقة. وليس على العامل المهتم بمصيره ومصير عائلته إلا أن يبذل بعض الجهد للتمعن في هذا الشرح. 2- الأمل في أن تأتي سلطة "نزيهة" للبرجوازية، لا سلطة مافيات وعصابات، وفي أن تصبح السلطة مع مجيء يوشنكو إليها "نزيهة". وهو أمل خلّبي. فانظروا إلى من يحيط به: كلهم من جماعة السلطة سابقا ومساعدي الرئيس السابق كوتشما. ومن هنا يمكن أن ندرك أن من سيحكمنا سيكون من نفس المافيات والعصابات. وليس مستبعداً أيضا أن يتفق رجال المافيا من رهط المعارض حاليا يانوكوفيتش مع المافيات من رهط يوشنكو الحاكم سعيداً الآن على احترام المصالح العامة "العليا" للفريقين، أي على المصلحة المشتركة في نهب العاملين من أبناء الشعب. 3- الأمل في أن يكون الرأسمال "الوطني" أفضل للطبقة العاملة لأنه بصفته "وطنياً" سيقاوم غزو رأس المال الغربي والعالمي، وسيؤمن فرص عمل للناس. في هذا السياق استنتج مؤتمر عمال عموم أوكرانيا منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة أن "اقتصاداً تابعاً لرأس المال العالمي تكوّن نتيجة لإنجاز مسيرة العودة إلى الرأسمالية في بلادنا... وبات راس المال المحلي "الوطني" واقعاً أكثر فأكثر في براثن التبعية المالية لرأس المال العابر حدود القارات، إما مباشرة وإما من خلال رأس المال الروسي، الذي يقع هو أيضا بدوره فريسة تبعية مماثلة (شركة تيومين النفطية مثلا باتت تابعة لشركة النفط البريطانية "بريتيش بتروليوم"). ويتم تثبيت التبعية الاقتصادية بتبعية سياسية. وخير تجسيد لهذه التبعية مشاركة أوكرانيا في احتلال العراق". لذا لا يسع الطبقة العاملة أن تذود فقط عن حقها في العمل، بل عليها أن تذود أيضا عن حقها في أن لا تكون وهي تعمل مستغَلّة ومضطهدة، وهذا ممكن فقط بإزالة هيمنة راس المال والبرجوازية على السلطة: عالمياً ومحلياً. وليس صدفة أن طرَح حزب البلاشفة بقيادة لينين مع بداية الحرب العالمية الأولى مهمة تحويل الحرب العالمية إلى حرب أهلية ضد سلطة الرأسمالية "الوطنية". وبخلاف ذلك راح زعماء الأممية الثانية (الأممية الاشتراكية الديموقراطية بعكس الأممية الثالثة – الشيوعية) يبررون خيانتهم لمصالح العمال والتحاقهم ببرجوازياتهم "الوطنية" وتقاتلها على المستعمرات بكونهم يعملون للحفاظ على صناعة متطورة في بلدانهم وعلى آفاق الانتصارات المقبلة للبروليتاريا فيها. 4- الأمل في أن تأتي الانتخابات النيابية المقبلة عام 2006 بالنصر المبين لحزبنا الشيوعي فيقود الطبقة العاملة نحو الاشتراكية. هذا الوهم فندناه في البند 1. إن الطبقة العاملة يمكنها أن تستند فقط إلى تنظيم ذاتها ونضالها بقيادة الحزب الشيوعي، وإلى حقيقة أن الرأسمالية، والرأسمالية العالمية ليست استثناء، غير قادرة على حل معضلات المجتمع، بل حتى على حل مشاكلها الذاتية. فهي لا يسعها أن تغتنم الأرباح من دون أن تجر البشرية إلى الحروب والأزمات ومن دون أن تولد الأوضاع الثورية. فتطور الرأسمالية ذاته يفضي إلى الثورة. وليس على الطبقة العاملة إلا أن تكون على مستوى التحدي، أن ترتقي إلى مستوى المهام الثورية. ويمكن للطبقة العاملة أيضا أن تستند إلى تضامن أبناء الطبقة الواحدة معها في الحركة العمالية والشيوعية في البلدان الأخرى، ولا سيما المجاورة منها، والتي تخوض هي أيضا نضالا من أجل تحرير الكادحين من الطغيان الرأسمالي (أكثر من 180 حزباً شيوعيا وعماليا في أكثر من 150 بلداً من بلدان العالم). ما الذي ينبغي على العامل الواعي فعله في ظروف ما بعد الانتخابات إذاً؟ عليه أن يعالج بضع مهام تحيل طبقته إلى قوة عاتية قادرة على أن تعالج المهمات الثورية لصالح الطبقة العاملة كما لصالح كل البروليتاريين، كل المرتزقين من بيع قدرتهم على العمل يدوياً أو ذهنياً، كل الشعب العامل. وعليه تالياً: 1- التخلص بسرعة من الأوهام البرجوازية والاطلاع بصورة أعمق على النظرية الماركسية اللينينة بغية استيعابها وتكوين وعي طبقي شيوعي. ومن المهم بمكان هنا استئناف العمل المكثف لكل هيئات التعليم العمالي والشيوعي من جديد. 2- النضال من أجل منع جر الحزب الشيوعي إلى مواقع الانتهازية (من نزعات برلمانية إلى وطنية)، وضد الاستعاضة عن مهمة إعداد العمال وكل الجماهير الشعبية للثورة الاشتراكية في ظل احتدام أزمة الرأسمالية بمهام برجوازية شتى ("ديموقراطية" و"وطنية" و"قومية" و"حضارية" وما شابه)، تختبئ وراءها مشاكل فعلية ليست البرجوازية نفسها بقادرة على حلها، ولا يمكن أن تحل إلا في سياق ثورة اشتراكية. 3- إنشاء تنظيمات كفاحية داخل المؤسسات (شرعية وغير شرعية) في شكل لجان نقابية جديدة مفصولة عن ذوي الملكية ومرتبطة بمؤتمر عمال عموم أوكرانيا وبالحزب الشيوعي الأوكراني، تكون قادرة على التكافل والتضامن في نضالها المشترك من أجل إحقاق مصالحها الطبقية، وعلى دعم كل تحرك عمالي في سبيل الحقوق العمالية ومساعدته بكل الوسائل الممكنة، والاستفادة من كل تحرك لإنشاء وتدعيم التنظيمات العمالية. لقد بينت الانتخابات أن مسيرة عودة الرأسمالية إلى أوكرانيا بلغت ذروتها. وبعد نصف عام أو عام كامل لن يكون في جعبة الرأسماليين ما يعرضونه لتبرير هيمنتهم. وإن الكفاح الحقيقي لقادم، ويجب أن نستعد له. ف. تيريشوك نائب رئيس مؤتمر عمال عموم أوكرانيا ----------------------------------------------
#ف._تيريشوك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|