|
مرض الزعامة البارونية في الأحزاب الشيوعية / 3
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 20:19
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سادساً / قصور الزخم القيادي النمط الأول : الركود / النكوص / المضي بنفس الوجوه لنفرض أن منظمة مسؤولة عن مائة عضو تقودهم هيئة قيادية قوامها تسعة أعضاء ، و يقودها الزعيم (س) ، و له كلمة في اختيار بقية الهيئة القيادية . هذا الزعيم إما أن يكون من صنف الزعامة المتوازنة أو البارونية أو السكونية الخامدة (باستبعاد النوعين الآخرين). كم هي نسبة كل نوع ضمن بقية الأعضاء الثمانية ؟ هذه النسبة ستكون قصدية ، و سيعتمد نوعها على صنف الزعيم . فالزعيم المثالي يختار زعامات مثالية تشاركه القيادة و لن تكون هناك مشكلة ، إلا في حالة عدم وجود مثل هذه القيادة أصلاً في كل المنظمة (و إن كان الزعماء المثاليون من طراز عيسى و محمد يخلقون غالبية من القادة المثاليين حولهم) . أما الزعيم الباروني فسيختار من هم على شاكلته ، و مثله سيفعل الزعيم الخامد . لنفرض أن الزعيم الباروني أو الخامد قد توهم مرة فأختار قائداً مشاركاً مثالياً جديداً ، فما الذي سيحصل ؟ معروف أن الشخصية المثالية لا تخاف على كرسيها و لا تجامل ضد قناعاتها المبدئية بما هو صحيح و غير صحيح ، و لا تسكت عما تعتقد أنه الحق ، و لا تظهر آيات الإعجاب بالزعيم ، و هي الأثقف و الأكفأ و الأحكم و الأشجع ووو . و هي لا تحارب إلا بالكلمة . و عليه فسرعان ما سيبدأ صراع الإرادات بين الزعيم الباروني و مشاركيه في القيادة ممن هم على شاكلته من جهة ، و بين البعير المثالي الأبيض الجديد الذي يسير خارج القطيع الثماني الأسمر ، من جهة أخرى . و لن يكون بوسع هذا البعير الغريب الشكل تغيير أي شيء من موقعه القيادي البتة ، كما أن نتيجة مثل هذا الصراع محسومة سلفاً لصالح البارونيين أو الخامدين سواء بالعزل الفعلي (لن يتحصل من أي عملية تصويت على أكثر من صوت واحد ، و بالتالي فأن رأيه مهدور أو مهمش حيثما تقاطع مع رأي الزعيم) ، أو الرسمي (الإزاحة الرسمية لكونه : بلا بلا بلا بلا ؛ أو لاستقالته ) . الإحتمال الثالث الوارد في الحالات الإستثنائية هو أن ينزع البعير الأبيض لبوسه فيرتدي بزة رفاقه السمر . النتيجة النهائية واحدة : بقاء الركود أو النكوص بنفس الوجوه . و هذا هو أول نمط من أنماط قصور الزخم القيادي . النمط الثاني الركود / النكوص / المضي بوجوه جديدة لنفرض في المثال أعلاه أن الزعيم الباروني أو الخامد قد تسنم موقعه كزعيم جديد لنفس الهيئة القيادية أعلاه ، و لم يكن له كلمة في إختيار أعضائها . ألاحتمال الأمثل هو أن يكون كل القادة المشاركين معه قادة مثاليين . ما الذي سيحصل ؟ في الأغلب الأعم سيتكفل الزعيم الجديد بتصفية شركائه المثاليين (مع من يظن أنهم أتباعهم في المستويات الأدنى كافة) إما فراداً : الواحد تلو الآخر ، أو جماعات : بالجملة . الاحتمال الثاني هو أن يكون كل أو بعض القادة المشاركين بارونيين مثل قائدهم الجديد ، فما الذي سيحصل ؟ إذا إستطاع هؤلاء كسب ود زعيمهم الجديد و تطمينه على إخلاصهم الأبدي له ، فبها ، و هم باقون إلى حين ؛ و إلا ، فمصيرهم الإزاحة بهذه الحجة و الطريقة أو تلك ، و من شابه زعيمه فما ظلم . المحصلة النهائية هي فرض الركود أو النكوص بتغيير الوجوه . و لما كان الزعيم الباروني أو الخامد يحب المتزلفين و المتفانين في الإخلاص له و خدمته و التسبيح بحمده من الأقارب خصوصاً ، فسيكون لهؤلاء حق معلوم في تغيير الوجوه . في الصراع على السلطة بين الإنتهازي و الشريف تكون الغلبة دائماً للإنتهازي مثلما يعلمنا التاريخ و ذلك لتوفر أسلحة إزاحة غير شريفة بيد الإنتهازي ينأى الشريف عنها بنفسه . النمط الثالث زعامة الركود/ النكوص / المضي بنفس الوجوه ناقصاً واحد لنفرض أن الهيئة القيادية أعلاه التي يترأسها زعيم مثالي لا تضم شخصيات من نفس طرازه لعدم وجودها أصلاً في المنظمة . ما الذي سيحصل في حالة وفاته ؟ ستسود قيادة الركود / النكوص بفضل البارونيين و ذلك بنفس الوجوه ناقصاً واحد .
سابعاً / البارونية في زعامة الحزب الشيوعي لكل الإتحاد (البلاشفة) زعامة ستالين 1924للفترة - 1926 (الركود / النكوص / المضي بوجوه جديدة) ستة قادة مثاليين + قائد واحد باروني = قائد باروني واحد + صفر لنفرض أن أكبر حزب ثوري سياسي في تاريخ البشرية يضم أكثر من مليون و نصف عضو منظم ، يقوده مكتب سياسي يتزعمه قائد مثالي و معه خمسة قادة مشاركين مثاليين و واحد باروني . عندما يموت القائد المثالي ، كم من الوقت سيحتاج القائد الباروني لإزاحة رفاقه الخمسة الباقين ، الواحد تلو الآخر ، ليصبح الزعيم الأوحد ؟ الجواب : من 2 حزيران 1924 ، إلى 23 أكتوبر 1926 . فإذا ما علمنا بأن الزعيم المثالي قد كتب وصيته قبل وفاته يصف فيها أحد رفاقه الستة بالعبارات المؤلمة التالية : إن ..... شديد الفظاظة ، و إذا كانت هذه الفظاظة يمكن تحملها بين ظهرانينا و في العلاقات بيننا نحن الشيوعيين ، و لكنها لا تغتفر لمن يشغل منصب السكرتير العام . لذا أقترح على الرفاق أن يجدوا طريقة لنقل ...... من هذا المنصب و تعيين رجل أخر مكانه يكون في كل ميزاته على العكس من ...... ؛ أي ، أكثر تسامحاً ، و أكثر إخلاصاً ، و أكثر تأدباً و مراعاة لرفاقه ، و أقل تقلباً و ما شابه . فمن هو الزعيم الباروني هنا من بين أعضاء المكتب السياسي السبعة : لينين ، زينوفييف ، كامنيف ، ريكوف ، تومسكي ، تروتسكي ، ستالين ؟ الجواب معروف : إنه ستالين . يلاحظ أن لينين يشخص في وصيته (و التي بقيت محجوبة عن عموم كوادر الحزب حتى مجيء خروتشيف بعد وفاة الطاغية) ما يلي من "المناقب" (الفذة) لستالين : أنه فظ (جلف)، لا تليق شخصيته بمنصب السكرتير العام للجنة المركزية ، غير متسامح ، غير مخلص ، غير مؤدب ، لا يراعي رفاقه ، متقلب . هذه الصفات تليق برؤساء العصابات و ليس بالزعماء الثوريين ، إلا أن صاحبها يتربع على منصب سكرتير اللجنة المركزية . و لكن ما هي طبيعة المسؤوليات الفعلية هذا المنصب ؟ أستحدث منصب السكرتير العام للجنة المركزية في نيسان 1917، ليتولى مهمة تصريف الأعمال المكتبية أو السكرتارية للجنة المركزية و ذلك بعنوان " السكرتير الفني" ، و أول من شغلته هي : "إيلينا ستاسوفا" . ثم توسع كادر هذا المكتب ، فاحتاج إلى مدير ، فاستحدث منصب "السكرتير المسؤول" عام 1919 لإدارة هذا المكتب . و لتضخم الأعمال المكتبية للجنة المركزية ، فقد أستحدث منصب "السكرتير العام" سنة 1922 . و لم يرشح أحد من أعضاء اللجنة المركزية نفسه لهذا المنصب المكتبي البحت ، عدا ستالين ؛ فانتخب كأول سكرتير عام له (أي مسؤول الأفراد أو الذاتية) . و لكن ، ما هي واجباته ؟ مراقبة تكوين تشكيلة أعضاء الحزب ليس أكثر . كم بقي ستالين متربعاً على كرسيه هذا بعد أن حوله على منصب الزعيم المطلق للحزب مستغلاً مبدأ المركزية ؟ مدى الحياة : من عام 1922و حتى وفاته عام 1953 . سؤال : كيف يمكن لعضو المكتب السياسي أن يستغل منصبه كمدير تنفيذي للأفراد في الحزب لكي يتحول إلى زعيم للحزب و بعدها إلى زعيم مطلق للإتحاد السوفيتي برمته ؟ الجواب : أولاً / باستغلال منصبه كسكرتير عام للأفراد لتحديد من هم المندوبين الحزبيين الذين يتم ترشيحهم للمؤتمر العام القادم للحزب . ((هذه اللعبة مارسها و سيمارسها بشكل مباشر وغير مباشر كل سكرتير عام جديد للحزب الشيوعي السوفيتي بعدئذ (و مثله كل زعماء الأحزاب الشيوعية في العالم بين الحين و الحين) ، باستثناء خروتشيف الذي أقالته اللجنة المركزية للحزب نفسها عام 1964 ، مثلما سبق لها و أن ثبتته في منصبه ضد قرار المكتب السياسي عام 1957) . و لهذا فقد كان 1و55% من أعضاء المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي المنعقد في (17-25 نيسان 1923) هم من أزلام ستالين ممن إنتقاهم من الحزبيين المتفرغين المرؤوسين من طرفه بشكل غير مباشر . ثانياً / بتسويق نفسه باعتباره الوريث الشرعي و الأمين و الوحيد للينينية ، و إضافة لفظة "اللينينية" للآيديولوجيا الرسمية للحزب : الماركسية ، لتصبح : الماركسية – اللينينية . سؤال : كم كان ستالين أمينا على المبادئ اللينينية فكراً وممارسة ؟ الجواب : لا قرابة لستالين فكرياً و لا تنظيمياً باللينينية مطلقاً : ستالين لا يؤمن بغير ستالين سيداً و مثلاً أعلى يحتذى مثلما سأبين ، كما سبق للينين و أن بين مدى قرفه من ستالين عندما لم يفوت الفرصة ليكتب وصيته التي رفض فيها بشدة – حتماً بدوافع مبدأية – فظاظته و عدم إخلاصه و انتهازيته (تقلبه) و وجوب إقالته من منصبه لهذه الدواعي الجدية . شتان بين الثوري العبقري و بين الانتهازي الدموي الجلف . البون بين لينين و ستالين : مبدئياً : بعد المؤتمر الثالث عشر للحزب عندما توفي لينين ، لم يكن أعضاء المكتب السياسي للحزب متأكدين من الطريق الصحيحة الذي ينبغي إتباعها لبناء الاقتصاد و المجتمع الإشتراكي . هل يستمرون بالسياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) ،أم يستبدلونها بالإقتصاد المخطط ؟ كانت كلتا الخطتين تعودان أصلاً للينين . كان موقف تروتسكي و زينوفييف و كامنيف هو التوجه بكل قوة نحو التصنيع السريع و الإقتصاد المخطط . أما بوخارين و ريكوف و تومسكي فقد أيدوا الإستمرار بسياسة النيب . ما هو موقف ستالين المتاجر بالإخلاص للينينية ؟ سكت و لم يؤيد لا أولئك و لا هؤلاء في موضوع مصيري لا يجوز للشيوعي القيادي و صاحب المبدأ و الضمير السكوت بخصوصه . بقي ستالين يتفرج على الطرفين مثل أي أنتهازي و مناهض حقيقي للينينية ، وذلك لكون عينه متسمرة أصلاً على السلطة ، ليرى ما سيكون عليه القرار . فأن فشل في الممارسة ، فسيهتبلها فرصة لضرب متخذيه و تحميلهم مسؤولية الفشل مستقبلاً ، و أن نجح فسيضرب معاكسيه ، و سيستطيع في الحالتين أن ينأى بنفسه عن ألطرفين لأنه لم يؤيد أحداً منهما . أين هذا الموقف الإنتهازي من الفكر و الممارسة اللينينية المبدأية ؟ قبلها ، شهد عام 1922 موسم حصاد زراعي ممتاز بفضل سياسة النيب اللينينية . و لكن كانت هناك مشكلة دَور الصناعة الثقيلة المتدهور الذي لم يكن قد تجاوز مستواه لما قبل الحرب عام 1913 إلا بالكاد ، و كذلك مشكلة التضخم النقدي المتفاقم . أيدت لجنة التخطيط الحكومي (كوزبلان) مشروع تقديم الدعم المالي الضخم من خزانة الدولة للنهوض بالصناعات الثقيلة . أما قومسيارية المالية ، فقد رفضت هذه الخطة رفضاً باتاً لكي يتسنى لها مكافحة معدلات التضخم . كان تروتسكي – وليس الإنتهازي المتذبذب ستالين – هو العضو الوحيد في المكتب السياسي الذي وقف إلى جانب خطة كوزبلان ضد قومسيارية الشعب للشؤون المالية ، لتبدأ بعدها انطلاقة الصناعة الثقيلة في الإتحاد السوفيتي . لم يكن لينين مخطئاً عندما وصف تروتسكي في وصيته بكونه العضو الأكفأ في اللجنة المركزية . كم كان ستالين حريصاً على توجيه طاقات الحزب و العمال بكل مداها لبناء الصناعة الثقيلة ، عصب بناء الإشتراكية ؟ في نهاية الثلاثينات ، في المؤتمر الثامن عشر للحزب (10-21 آذار ، 1939) ، ألغى ستالين قسم اللجنة المركزية المتخصص في تطوير الصناعة ، مستبدلاً إياه بقسم مسؤول عن إدارة الأفراد ، و الآيديولوجيا ، و التثبت من إجراءات التحقق من الولاءات الحزبية . نعم : الولاء لستالين و توجيه طاقات اللجنة المركزية لحفر أدمغة المناضلين الشيوعيين لإكتشاف معيار إنحرافهم عن عبادة ستالين أهم من بناء الصناعة الثقيلة ! هذه هي المبدأية ! بعد سنتين ، و في الكونفرس الثامن عشر للحزب (15- 20 ، 1941) أستنتج المؤتمرون أن الإلغاء السابق لقسم اللجنة المركزية الذي كان يهتم بمتطلبات تطوير الصناعة قد أدى إلى إهمال حركة التصنيع ، و عليه فقد أقيمت من جديد سكرتاريات متخصصة مسؤولة عن الصناعة و النقل من المركز إلى مستوى المدينة . و لكن ما كان قد فات ، فات ، و أهدر من عمر التقدم . الأمانة للمباديء اللينينية تنظيمياً / يقول المبدأ اللينيني للحزب الشيوعي البلشفي : اللجنة المركزية هي أعلى سلطة لإتخاذ القرارات في الحزب و الدولة للفترة المحصورة بين مؤتمرين ، و يتم انتخاب أعضائها من طرف المندوبين للمؤتمر العام للحزب . و من ضمن دستور الحزب الذي وضعه لينين ، فأن على المؤتمر العام للحزب أن ينعقد على الأقل مرة كل ثلاث سنوات . و لهذا نجد أن الحزب قد عقد خلال السنوات الثمانية الممتدة بين عامي 1917-1924 ستة مؤتمرات و خمسة كونفرنسات و تسع و ستون إجتماعاً للجنة المركزية . و لتيسير مهمة اتخاذ القرارات في المسائل المستعجلة ، فقد قرر المؤتمر الثامن للحزب المنعقد عام 1919 استحداث المكتب السياسي للجنة المركزية و الذي يكون بدوره مسؤولاً تجاه اللجنة المركزية ، و التي يحق لأعضائها من غير المنتخبين في المكتب السياسي حضور جلساته و المناقشة فيها دون حق التصويت . كما كان هناك "المكتب التنظيمي" ، و هو مكتب تنفيذي تابع للجنة المركزية . و استناداً للينين ، فأن واجب " المكتب التنظيمي هو تخصيص القوى البشرية ، فيما يتكفل المكتب السياسي باتخاذ القرار بخصوص سياسة الحزب " . و القرارات التي يتخذها المكتب التنظيمي المسؤول عن كل المسائل الإدارية و الذاتية في الحزب و الدولة يتولى تنفيذها مكتب سكرتارية اللجنة المركزية ، و لا يحق لمكتب سكرتير اللجنة المركزية إتخاذ القرارات في اختصاصات المكتب التنظيمي إلا بموافقة المكتب الأخير ، و الذي بقي محافظا على إستقلاليته و حيويته طيلة عهد لينين ، حيث كان يجتمع ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل ، و يقدم تقاريره للجنة المركزية مرة كل أسبوعين بموجب نظام الحزب . ما ذا حصل لكل هذا البناء الهرمي و التنظيمي اللينيني للحزب في عهد ستالين ؟ و كم كان ستالين حريصاً على إدامته و تطويره لخدمة مصلحة حزب لينين و بناء الإشتراكية ؟ الجواب : قلب ستالين الهرمية أعلاه رأساً على عقب ليتفرد في السلطة . ألغى ستالين من منصبه كسكرتير عام للجنة المركزية ابتداءً سلطة اللجنة المركزية نفسها ، حيث لم تعد هذه أعلى سلطة لاتخاذ القرار في شؤون الحزب و الثورة ، بل مجرد مجموعه واجبها الاستسلام التام للقتل و التصفية و لحين مجيء لجنة مركزية جديدة تطأطئ رأسها له . و بدلاً من عقد المؤتمر العام للحزب كل ثلاث سنين حسب دستور الحزب اللينيني ، لم تنعقد سوى ثلاثة مؤتمرات فقط خلال عشرين عاماً (1934-1953) ، و ستصبح بدعة تمديد الفترة بين مؤتمر و آخر تكتيكاً مريحاً لكل الزعماء الستالينيين للأحزاب الشيوعية في العالم أجمع لإدامة عهد الزعيم الباروني . و لم يجتمع المكتب السياسي و لا مرة واحدة لفترة من 1950 و 1953 . و لماذا يجتمع و ليس هناك من شغل له ما دام ستالين بالوجود ! بالنسبة للينين ، فأن "اللجنة المركزية هي السلطة العليا للحزب" . و لذلك فقد لها القول الفصل في النظرية و الممارسة عبر التصويت بالأغلبية بالقرارات المقدمة إليها . و لذلك فهي التي توجه إليها لينين لحسم موضوع السلم أو الحرب مع ألمانيا بين عامي 1917و 1918 ، و كانت ثمرة قراراتها معاهدة برست ليتوفسك . و لم يتجاوزها لينين يوماً قط فيتفرد في اتخاذ أي قرار من إختصاصها و هو زعيم الإتحاد السوفيتى ، و لم يكن مهتماً أبداً بوجود أو عدم وجود أغلبية تقف إلى جانبه في مقترحاته المقدمة لها . و في بعض الحالات ، فقد كان عدد أعضاء اللجنة المركزية ممن يؤيدون بالتصويت بوخارين أو تروتسكي مثلاً أكثر من مؤيدي لينين ، مثلما كانت الحالة في التصويت الأول على مقترح الصلح مع الألمان عام 1918 ، و الذي دفع لينين للتهديد بالاستقالة . نعم هكذا يحترم الثوري مؤسساته الحزبية و لا يفرض عليها أمراً من فوق مستغلاً موقعه القيادي . هذه هي اللينينية التي بها ستالين و زمرته يتمسحون . الإنسان الثوري هو دائماً شخص ديمقراطي و حريص على الديمقراطية ، أما الدكتاتور فهو جوهرياً شخص إنتهازي و غير ثوري البتة سواء كان أسمه ستالين أو أنور خوجة أو ماو أو كيم إيل سونك أو تشاوتشسكو . و لا يمكن أبداً الجمع بين صفة الدكتاتورية و الثورية . قبلها تصرف ماركس بنفس الطريق في الأممية الأولى عندما سلم قياده - بحكم إحترامه لقواعد لعبة الديمقراطية التي إرتضى لنفسه الدخول فيها - لضابط متقاعد و هو مَنْ هو . في إجتماعات اللجنة المركزية ، كان لينين يسمح بكل نوع من أنواع النقد القاسي ضده ، فقد كانت ردة فعل "راديك" تجاه تأييد لينين لقرار السلم مع الألمان عام 1918 مثلاً أن قال له : " لو كان هناك خمسمائة رجل شجاع في بطروغراد لوضعناك في السجن!" هل عوقب راديك على هذا التطاول ضد زعيمه التاريخي ؟ لا أبداً . الثوري لا يتحول إلى جزار ولا إلى منتقم حقير ضد رفاقه مثل دأب الزعماء البارونيين . الثوري يترك للتاريخ الحكم على كلماته و مواقفه و مواقف و كلمات الآخرين . و الخلاف القائم هنا هو ليس شخصياً بل في إجتهاد كل واحد من المناضلين في أفضل السبل المتاحة حسب تصوره لخدمة حزبه و بلده ؛ و حسن النية هنا موجود ، و إن لم يتواجد حسن الخلق . أعود للدور اللجنة المركزية كأعلى هيئة لاتخاذ القرار في الحزب خلال فترة ما بين مؤتمرين حسب نص دستور الحزب اللينيني . بعد النجاح الباهر الذي حققته الخطة الخمسية الأولى – رأينا البون بين طبيعة دور ستالين و تروتسكي فيها – أنعقد المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي لكل الإتحاد و الذي سمي بمؤتمر المنتصرين . إنتخب المؤتمر (139) عضواً للجنة المركزية للحزب . و خلال الفترة بين إنعقاد هذا المؤتمر و المؤتمر الذي يليه ، قتل ستالين (98) عضواً من أعضاء اللجنة المركزية هؤلاء ، و طرد عشرة آخرين للفترة بين عام 1936-1940، و لم يبق سوى (31) عضواً في المؤتمر التالي ، و الذي لم يجدد العضوية سوى لأثنين منهم ! أي الإبادة الجماعية لأعلى هيئة قيادية في الحزب بلغت نسبة التصفية فيها بين مؤتمر و آخر (5و98%) . ما شأن الماركسية اللينينية التي يتشدق بها ستالين بالإبادة الجماعية للمناضلين الشيوعيين من الأعضاء المنتخبين للجنة المركزية لكونهم لا يحظون بثقة ستالين ؟ لو كان ستوليبين أو القيصر يحكم بدلاً من ستالين لما إستطاع أن يغدر بكل كل هؤلاء الشيوعيين القياديين الشرفاء ، و الذين لم يُعاد لهم الإعتبار إلا عام 1988 ! كيف كان يحكم ستالين إذن ؟ عبر المكتب السياسي الذي ملأه بنفر من الإمّعات ممن تخيّرهم بنفسه ، و جعل هذا المكتب مسؤولاً على اللجنة المركزية نفسها بدلاً من أن يكون – وفقاً للمبدأ اللينيني – مسؤولاً تجاهها . و طبيعي فأن حزباً يقوده زعيم لا يسمح طيلة 18 سنة سوى للإمعات بالحكم في الحزب ، فأن هذا الحزب لن يستطيع إعادة إنتاج القيادات المثالية المطلوبة لقيادته إلى بر الأمان إلا بعد فوات الأوان و ضياع الفرصة مثلما حصل مع غورباتشوف . لقد سقط الإتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1926 عندما نجح ستالين في طرد آخر زعيم من الزعماء المثاليين للمكتب السياسي للينين لينفرد بالحكم . و كل الإنتصارات التي تحققت في الإتحاد السوفيتي من عام 1917و حتى عام 1991 هي من تركة لينين و نضال حزبه و رفاقه الأمناء ، و نتاج التضحيات و النضال و العمل الشاق و العذابات لملايين الشغيلة و المقاتلين و البلاشفة اللينينيين الذين آمنوا بالهدف النبيل لبناء الإشتراكية و ليس البارونيين الستالينيين .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية / 2
-
مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية العالمية / 1
-
المرأة في العالم العربي : بين جدران و باب موصد كلما حركه الس
...
-
كشكش و شركاه
-
حكاية تنين العراق
-
حنقبازية سوق الصفافير
-
ليس في الأمر غرابة
-
إجوبة مختصرة على أسئلة مهمة
-
ملحمة السادة العميديين في الكفل عام 1983
-
هل نسي رافد ؟
-
ريما أم عظام
-
ليلة زيارة الموتى للمقابر
-
القتل و الإبتزاز و الدفن : مجرد تجارة ، ليس إلا
-
رجع الوجع / الحلقة الأخيرة للرواية / 20
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 19
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
-
رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
المزيد.....
-
-اعذروني على حفيدي الخائن-.. صورة لجد زيلينسكي تظهر على النص
...
-
المسبار السوفييتي كوزموس 482 يتحطم في المحيط الهندي بعد أكثر
...
-
ندوة: الهجرة في مواجهة اليمين المتطرف التحولات السياسية وتحد
...
-
كيف تنظر أنقرة إلى الإعلان المرتقب بحل حزب العمال الكردستاني
...
-
دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية: من أوسلو إلى مدريد… ال
...
-
النشاط الاسبوعي في مدينة هلسنبوري/السويد دعما لصمود غزة
-
واقع البروليتاريا العالمية والثورة الاشتراكية اليوم
-
حكومة حزب العمال البريطاني تنحرف يمينا.. تحوّل ظرفي أم جذري؟
...
-
محطات تاريخية في مسار النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستان
...
-
مصطفى علوي// معركة قرية با محمد.. حين يصير الجسد سلاحا في م
...
المزيد.....
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|