أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مديح الصادق - شرَيْدَه اليوم شيخ العشيرة















المزيد.....

شرَيْدَه اليوم شيخ العشيرة


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 19:50
المحور: كتابات ساخرة
    


يُكثرون من لومِهم علي، زملاء وأصدقاء يتابعون ما أكتب باهتمام، ويُخضعونه لجملة من التساؤلات والنقاشات التي تتناول أكثر من جانب، أهمها الأفكار التي يغلب عليها أحيانا طابع قروي، إضافة إلى أن الأسلوب الذي أنتهجه مبني على التورية التي يرادفها شعبيا مصطلح ( الحسجة ) بالجيم المثلثة، وعذرهم في اعتراضهم هذا أن أغلب المتلقين في العصر الراهن متعجل إلى الإفصاح عما يجول في ذهن الكاتب مباشرة، أو ما يسمى بالطبخات الجاهزة في عرف الكُتَّاب، فهو لا يكلف نفسه عناء الربط بين الأ حداث والشخصيات ليستخلص النتائج المبتغاة من النص، فهناك صنف - كما يرى سلام الدليمي - متعجل لا يحبذ اللف والدوران؛ بل أن بعضهم ينأى بنفسه عن تفسير ما يعني الرمز
العالم - يا أخوتي - على سعته وترامي أطرافه؛ ما هو إلا قرية صغيرة، ليس في عصر التكنولوجيا الحديثة فحسب؛ بل منذ بدء الخليقة هو بهذا الشكل، فبعد أن غادر الإنسان عصر المشاعية الأولى، يوم كان اللحاف الواحد يستر قرية بأكملها، كبرت أم صغرت، وما كان يجود به الحقل وما عليه فهو ملك مشاع للجميع؛ من ذلك الزمان حتى اليوم، وحيثما توزَّعت ذرية أبينا آدم على بقاع الأرض؛ فإن قوانين القرية نفسها هي التي حكمت، وما زالت تحكم بني الإنسان، تخلفوا أم تحضروا؛ فالأنانية، وحسب السلطة والجاه، عند مَلاَّك الأرض، أو البرجوازي الصغير والكبير؛ لم تنتج سوى الجوع والخراب والتخلف والضياع والحروب والدمار، أما حب الإنسان لأرضه، والآلة التي منها يعيش؛ كانت وراء أن يدفع المساكين ثمن ذلك الحب من عرق جباههم، أو تقديم أرواحهم قرابين كي يبقى على عرشه السيد سلطانا، وليمت من يموت من هؤلاء المضحوك عليهم بانتظار جنة فيها ما لذ وطاب، دفاعا عن شعار ديني وهمي، أو وسام كاذب، تحت شعارات الوطن، أوالدين، بها يتستر أولئك وهؤلاء
القرية - عندي - هي العالم بأسره، أشخاصها وأحداثها يتكررون في كل عصر وزمان، دواوينها مدارس منها الفلاسفة ينهلون، والمصلحون، وقوانينها تحكم العالم في أعتى الإمبراطوريات، وأحدث الجمهوريات، ولعل قريتي ليست ككل ما تعرفون من قرى؛ ففيها العالم بأسرة يموج، وبين أكواخها كل ليلة تُنسج أحداث يشيب لها شعر الرضيع، وما دمتم قد استدرجتموني لدواوينها فليس في جعبتي الليلة سوى حكايتي تلك، عسى أن تفي بالمطلوب

إنها حكاية طريفة، واقعية وليست من نسج الخيال - كما الحال في أساليب أغلب الأدباء - بل أن بعض شخوصها لا يزال على قيد الحياة. الصداقة بمعناها الحقيقي لا تشترط تقاربا في الأعمار، أو في مستويات الدراسة وتحصيل العلوم، ولا الثراء أو الدين؛ وخير مثال على ذلك ما جمع ( الشريف الرضي ) مع ( أبي إسحق الصابي )، كاتب ديوان الإنشاء في العصر العباسي؛ على اختلاف في الأعمار والدين؛ ومثل ذلك كان بيننا، أنا وشيخ قبيلة عربية قحطانية، فارس شجاع، وكريم، على الرغم من علمه جيدا بما أحمل من أفكار تحارب استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ لكن اختلاف الرؤى لا يفسد للود قضية، كما يقال. هو معروف زعيما لقبيلته، ولدى القبائل الأخرى المجاورة على أنه سديد الرأي، إليه يحتكم الفرقاء عند اللبس أو الغموض في حل خلاف قد يتطور إلى ما لا تُحمد عقباه؛ وعليه فإن ما ينطق به من حكم لابد أن يكون نافذا مُطاعا، وإلا فإن السيف مشروع له أن يسلطه على رقاب الحانثين بالعهد

طرق الباب - على غير عادته - قبل منتصف الليل بقليل، لم يمهلني كي أبادره بالسؤال عما أن أمرا مستقبحا قد كان، بادرني: لا تقلق يا صديقي الأمر ليس بالخطير؛ لكن السرية تستوجب الانفراد آخر الليل بعيدا عن أنوف المتطفلين الفضوليين، وقد صبرتُ حتى انفضَّ الديوان عندي، وأظن عيالك قد غرقوا في النوم. من جيبه أخرج ورقة وقلما كي يوفر عليَّ حركة قد توقظ النيام فيحشرون الأنوف، هيَّا اجلس، من فضلك، واكتب بخط مقروء: نحن الموقعين أدناه: شيخ قبيلة ( كذا ) ورؤساء أفخاذها، نعلن أمام قبيلتنا، وباقي القبائل، القريبة والبعيدة؛ أننا مُتبرِّئون من ابن عمنا المدعو ( شريدة ) وأولاده، محيسن، وعليوي، وشعواط، وأن دمهم مهدور لا نطالب به؛ وذلك لكثرة مشاكلهم مع أهلهم والجيران، واستغلالهم صفتنا باعتدائهم على الآخرين، وحالهم هذا، مثل حال كل الفاسدين المنبوذين؛ به لا نرضى؛ بل نترفع عليه
بما أنني أعرف المقصودين حق المعرفة؛ فقد تفننت في صياغة هذا السَنَد المُسمى ( كسرة عصا ) في العرف العشائري، وأغلقت كل ما منه يمكن النفاذ من الثغرات، وأعدت قراءة ما كتبت أكثر من مرة على مسمع الشيخ، حشوت بداخله تفاصيل لكل ما ارتكبوا من تجاوزات بحق أهلهم والجيران، واشتكى منهم البعيد، وهم أخوة الشيخ قد تجاوزوا على مكانته وما يتمتع به من هيبة وجاه
أحضرت محبرتي كي يغمس بها إبهامه الأيسر، ويبصم بدلا من التوقيع، لم يبصم، تناول الورقة من يدي، طواها طيتين ودسها بجيبه، أغلق قنينة الحبر بلطف، وغادر مثلما جاء أول الأمر

أن تكون قريبا ممن هم في مواقع المسؤوليات، بحكم صداقة حميمة، أو تقدير من لدن الآخر لما تتمتع به من إمكانات؛ ذلك لا يجيز لك التدخل في الخصوصيات، إلا حين تُستشار، أو أن الموقف من حيث خطورته يفرض أن يكون تدخلك أمرا لا يقبل التأجيل؛ لذلك تظاهرتُ بعدم الاهتمام بما آلت إليه الأمور بعد تحرير ذلك الميثاق للشيخ، وهو الحليم الذي لا يخفى عليه تمثيل شاب مثقف في مقتبل العمر. في زاوية من ديوانه تقاسمنا قهوة بالهيل، من جيبه أخرج لفافة الورق، لم تزل كما كتبتُها دون توقيع من الشيخ؛ رغم أنها موقعة من جميع رؤساء الأفخاذ؛ لكنَّها لا تكتسب حكمها القطعي إلا بعد توقيع زعيم القوم. بلطف من كتفي هزَّني: إن الذي بين يدي لم يكن سوى تمثيل بتمثيل، هو السلاح الذي به أهددهم كلما خرجوا عن الطوع، العشيرة لا تستغني أبدا عن الأوغاد؛ فقد نحتاجهم يوما ما، حين يكون وَغْداً شرِساً خصمُك، فليس من حيلة لك سوى أن تواجهه بمن لديك من الأوغاد، وإن أردت النيل من خصم عزيز قومه؛ فماعليك إلا أن تسلط عليه مسعورة الأنياب؛ بعدها تُفصح عما لديك من أوراق، فتتظاهر بأنك غير راض، وقد أوفيتهم حقهم من التأديب؛ فما من عرش - يا صديقي المثقف - إلا ويبقى دائما بحاجة إلى مثل تلك المسعورات

ودار الزمان دورته التي أهلكت ما أهلكت من زرع وضرع، تفرق الأخوة كل في مدار، وتكشفت عورات، ودِيس على حرمات، أرض بابل وطأتها أحذية ثقال، وبها استهانت مجندات عاهرات، والغربان قد نهشت أحياء قبل أن تنهش الأموات، في كل جهات الأرض تفرقت ذريته، شيت ابن آدم كي يكفوا عن أكل لحم بعضهم بعضا، تذكرتُ حينها صديقي الشيخ الجليل، حملتُ أمتعتي، وما اخترتُ له من هدايا به تليق، ولَّيتُ وجهي صوب موقد لم أعهد له أن تنطفئ نار؛ فلا الدار دار كما عهدتها، وماهم كما تركتهم أهل الدار، ليس سوى كوكبة من المهاويل الراقصين، بثقلهم الأرض يرفسون، من تحت أقدامهم يخرج إيقاع ثقيل، بيارق تتمايل ذات اليمين وذات الشمال تصحبها رنَّة ( الخراخيش )، ونشيد جماعي: بيك اليوم ضوَّت الديرة، مات الشيخ الزين، ( شرَيَدَه ) اليوم شيخ العشيرة
شرَيْدَه الشيخ وعُمْرَتْ الديره
آذار - 2012



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامِر مضيفَك، حَجِّي مِحْكَان
- كاكه شاهين: عربي نه كه هشتم
- لسْتُ بَحثيِّاً، ولا شُوعيِّاً؛ أنا مُخْراطي
- ( فهد من مات؛ ذب ضيمه على عتيوي )
- مِنْ أخطاءِ الكتابةِ : مَنعُ المَصْروفِ، وصَرفُ المَمْنوعِ
- لكيلا نُخطِئ في الكتابة؛ مواضع همزة الوصل أول الكلمة
- أميثاقُ شرفٍ لِمَنْ ليسوا بشرفاء قط ؟
- أوقفوا مجازركم بحق معسكر أشرف، أيُّها الديمقراطيون
- اليسارُ والشيوعيَّة، وربيعُ الثوراتِ العربيَّة
- من أخطاء الكتابة، إهمال علامات الترقيم
- يُلقى القبضُ على هادي المهدي .. لمناسبة أربعينية الشهيد، أقا ...
- صغيرةٌ على الحُبِّ ... شعر
- خوازيقُ لأستاهِكُمْ أُحْضِرَتْ، أيُّها المُفسِدُون
- ليْ معَ الليبيينَ مِلحٌ، وخبزُ شعيرٍ، وكُسكُسي
- الشباب وجمهورية { الفيسبوك } الديمقراطية الشعبية
- جمهورية العراق الإيرانية الإسلامية
- أقمارٌ لنْ تغيب ... قصة قصيرة
- واندلعتْ { حربُ الفلافلِ } في تورونتو
- صوتُكَ الأقوى، يا عراقُ
- ارحلوا مِنْ حيثُ جئتُمْ؛ فالشيوعيونَ لا يُهزمونَ


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مديح الصادق - شرَيْدَه اليوم شيخ العشيرة