|
الهديل المرتعش لحمائمنا فوق الخرائب
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3668 - 2012 / 3 / 15 - 10:12
المحور:
الادب والفن
الى صلاح فائق
1
تنعكس الظهيرة المدخّنة ، على ما نلامسه بين الحجارة المحرّمة لشواطىء الحلم ، وتدفعنا صوب أرض تفرط في تحالفاتها مع الرهائن . فتياتنا في المحافظة على عفَّتهنَّ ، ينجذبن في الربيع الى فحول الضفّة الأخرى ويرجعنَّ متشنجات . المضاجعات طيّعة ومحفوفة دائماً بالنباهة ، وفتياتنا يؤالفنّ بين الفرو الأزرق لأئدائهن النجمية ، وبين التغضنات الممغنطة لرغباتهنَّ . دفء أيامنا يتحرّك في نسيمه ، لكنَّ الموت المماثل ، يتضوع في براهيننا الجنسية بلا تحفظات . الاطلاع على ما يخبئه لنا الصاروخ المختلس للشحرور ، يصعب التكهن به ، أو الاقتراب من دلائله الضرورية للحظات موتنا . اشارات مجمّعة لا تغمض ، ترافقنا في رحلاتنا ، ولا أحد منَّا يدوس فيها المادة المؤثّرة لمصيره الأكثر نحافة من مشط البنفسج . فولاذ الليل المزمجر في ثقل اتكالنا على آلهتنا التي لم تفطم بعد ، لا يمحنا الرجاء ، ونوافذ ميزان صلاتنا ، كسّرت شواخصها رياح التجمدات في غياهب اللاعودة . نخاطر في كلّ عبور الى ضفّة ما ، بكل ما ادخرماه طوال العام ، ونعرض أسلحتنا للمقايضة . في اللامبالاة التي ننجزها مع قرابتنا للمذنبات ، نوثق ايمان آبارنا في هدايتها للمنتحرين ، والمحصّلة الأخيرة لعملنا ، هي تحفظات قليلة نحاول فيها ، اغواء مجاعاتنا الجماعية .
2
ضياء كثير يشملنا بعطفه في الهضاب الناعمة للشجرة ، لكننا نتشبث في زعزعتنا للادراكات ، بالعلامة المصعوقة للحركة . تمتزج المادة بحلمنا المحترق في فردوسه ، وننقادُ مع القلق الى ظهيرة الأشواك . مجابهتنا للخطيئة ، تلزمنا أن نصون الخطط المتعزيّة لهلاك الذبيحة . في انفجار ما تكابده الانسانية ، لا يحاذي التوجع أيّ أمل بامتلاك لحظة جليلة للدفن . كلّ ميزان نرثه من الظلمة المتغضّنة للبحر ، تغلقه الطبيعة ، ويضطجع على المنجل الشهم للجفاف ، وتخلو شمس العالم دائماً من الدعامات الرحيمة التي تعطرّنا في اليقظة المتعذّرة لصمت أرواحنا . تمثلات مزدوجة نعبرها تحت الأًصداء الهامسة للرهونات التي لا نعود اليها . نصالح خرائبنا بجروح لا تنصعق ، وينهمك الحمقى منّا بمجابهة ما خسروه في الذروة التنظيمية التي تتجابه فيها الأشياء المتضادّة للنهار ، وتتضوّع من أسلحتهم النجوم المحطمة للهزائم . حصادنا في الليل الأزرق لانعدام أيّة فضيلة ، يقرّب المادة ، ولا يشرك ملح تعبنا في الغفران الحاسم للحياة .
3
في رتابة احساسنا بالزمن ، تظهر أشياء غائصة في السنبلة المهجورة للنهار الشاحب ، يمكننا الاعتماد عليها . نخلع عنّا موتنا وننتحرّ عبر اصغاء طويل لنار الديمومة . نسائم الحروب التي تحوم فوق الأطلال المتضوّعة بالدخان في ليلنا الخالي من الفراشات ، تنفصل عن رمادها العتيق ، وتضرم النار في أحلامنا . كلّ ما غنّيناه في الماضي ، توقف في قبره من دون إنصاف ، والملح الذي فوّضناه حياتنا ، سال في الصخور التي لوّثها الصيف بقوانينه الضارية . كلّ شجرة شهمة ، تجرح الباب . ما يعيد العافية الى الأمكنة التي نتوسد موتنا فيها ، هي الظهيرة المفصولة عن العارضة المحتومة للساعات . الهدنة تتضرّج بهناء الهاوية . حجارة جشعة نرافقها في رحلاتنا الى عدواننا على الآخرين . التحليق تحت الحشائش البنفسجية للنجوم ، يفسد كل مسعى لنا في الوصول الى ثمرة مغامراتنا . لا شمس ينبوع تضيء لنا طرقنا المرّتجّة ، ولا الأيام تنصب علامة الى أولئك الذين ناموا في منفاهم ، نوم الصخور .
4
أتلو عليكِ ما يديمُ البشارة في ما فاتكِ من الفجر الأسير لحرّيتكِ . زمنكِ مغلق وتعوزه التلميحات . تبعد الصلاة في الحقول المحجوبة لتعجلّنا النهاية ، كلّ سرّ محفوظ . نتأوهُ في رطوبة التجربة ، ولا ضوء يعظنا بين الثكنات المسيّجة لحاضرنا المقرون بالتحطمّات . جسور الصيف التي تحملها أرض جروحنا الناضجة ، تتلألأ ما بين الحياة والموت ، والمرض تربكه ثمار حبّنا في هوسها بالانصات الى مراكب الكرملين . معجزات مرّصعة بلبلاب النجوم ، نتلمسُ من خلالها ، النهوض الهادىء من نومنا المليء بالشظايا . البرك التي قابلنا فيها الجماجم المتصدعة للنحل ، امتلأت من جديد وأصبحت لها حدائق تضيء النهار والحجارة . لحظات ادراك تتنفس الآن في الجاذبية العتيقة لصخور الفراغ .
5
نحتاجُ الى حكمة القتلى ، والى الريش المضحك لحضارة اللصوص . الشغف الباطني في الأشياء التي ندمنُ النوم تحت ظلالها ، لا يرشدنا الى زقاق النحلة . نحفظ حياتنا ، في تهديمنا الدائم للصاعقة المتكئة على البرد المرميّ في الحديقة . ضريح الغريب معلق في الوصال ، نصل اليه بفضول ، تضبط حرارته الفوضى الشاملة لمحاولاتنا . يحملُ الوباء الغريق فوق ندى المفاجآت ، وانعدام الوزن ينّجينا من اذلالات ما ينمو في لهفتنا للحركة . نسيم التعذيب يملأ المواقع الكبيرة للحلم ، وينسى النائم براعة الرحلة ، ولا يركن الى الرأفة في تحرّره من الهزيمة المدّوخة لماضيه .
6
كنّا مع السيّاب في أوّل احتضاره ، وحدث الانهيار في المنجم . بدت الثورة معجزة وهي تُهيّج الجموع ، لم نكن نظنُّ انها مجيء الطاعون . تفتّحت في سنوات العراق الأنفاق ، وتلّطخت الآبار بالدم والجماجم . كنّا نلتصق بعظام اخوتنا الأعداء ، ونحصّن النفاية الكبيرة لمذاهبنا وأحزابنا الفاشية . اشارات مبهمة نلمحها في درب التبّانة ، نطيعها بخضوعنا للهستيريا ، وتثقل ثاراتنا بالصرير . لحظات السرور الوردية العذبة ، مهدمة في حياتنا ، وأسلحتنا الدينية والسياسية لاهثة دائماً في أفعالنا المريعة بدروب الاجرام . كلّ حزب يقتل متخلياً عن ضوء نجمته المحتشمة ، والدين يقتل ويشجّع على الكراهية ، وثقافتنا الرصينة تمنح القاتل ارتعادات البندقية ، وتحرّضه على احراق المخطوطات والتبول في عوالم المتحف . تنّقض على ايماننا الصارم وطرقنا في الحبّ ، رائحة اللعنة الأبدية ، ولا مخلّص يدلنا على مرايا التأمينات . تتغلغل وحشيتنا في صلاتنا الى الآلهة ، وأهدابنا مثقلة بالنظر الى الأسفل . في كلّ شارع بالعراق مقبرة ، وفي كلّ غيمة بحقول العراق تصدعات ضخمة . ذباب فارسي يطير في الهياكل العظمية لشعائرنا وأفاعي الكهوف تلدغ المُناخ الجنائزي لمتاهة سنوات 1958 – 2012 . تطلب منّا فسيفساء الطغاة المغطاة بالعفونة ، أن نحلّ جدائلنا ونستريح في تأليهها . نحن قرود أدمنت الحفاوة السوداء لنسيم القبور . ظلمات تدفعنا الى خزي الاغتيالات ، ونتعجّل خنق الوردة النظيفة لمستقبلنا المفرط في عتمته المتوحشة .
7
نمور السنوات الماضية ، محبوسة في الظلمة المضرّجة لقبري . جسور مضمّدة كثيرة عبرتها ، حاملاً الشمعة الجافّة لندم الذين تخليت عنّهم وقتلوا في قيلولة المدفعية . أيّ هدف جليل تسلقت من أجله ، تلك الجرائم الموثقة بالتوابل ؟ اشارات رذائل متجمّدة ولا محدودة . الهواء المريض الذي نعبره الآن ، ينبعث من التاريخ الموحش للماضي . خسارات انتقالية تتناسل دائماً في طرقنا التي ينسج فيها الزمن عقاقيره الشيكسبيرية . ضحك علينا الصيدلي الغبي وفتح لنا أبواب محركاته في صعودنا صوب ضوء المستقبل . في العصر الطويل والمتصدع للعظام التي خلّفتها الحرب في غرفنا ، كنّا نفترق عن موتنا ونحدق في الشائعات الأثيرة للطيور ، وكان صبّار عذابنا ، يتحجّر في ضراعته تحت الحطام الثقيل لليل . الربّ موجود ، لكنّنا لم نطلب منه اشارة نعبر فيها نهر الجمجمة . كانت جروح قمحنا صائتة ومرفوعة فوق النفايات الجاثمة للسلطة . سموم تتوارى وتتحرّك ، وتغرق أمواجها الملايين . كانت رائحة الموت المطمئنة ، تدهمنا مثل الشفرات المجذافية للجحيم . شرّك تعفنات عظيمة ، أوسعَ خرائبنا صقيع تهدماته ، وصعد غبار الفضائح الى الهاوية الصارمة التي عبرناها في قنوط ، يديم صحراء هشيمنا .
8
متحّدَّين التصفية الشاملة لصقيع العالم الأكثر طولاً من بين كلّ الرعايات للجفاف ، نناوش بسهامنا ما تهدّدنا به الطبيعة ، والأمراض الكبيرة لإلاهاتنا المنقلبات على صمتهنَّ في حجارة أرضنا التي تصّفرّ بلا أشجار ولا مراكب . الدويبات التي تطقطق فوق سنابل حقولنا المنبطحة ، تغلق الباب اللازوردي للأفق ، ويصمت في الفجر نسيم أنهارنا ، حانياً بعاهته على الهديل المرتعش لحمائمنا فوق الخرائب . نريد الآن أن نفرز تشابه بجعاتنا المحمومات ، عن الغراميات المرتابة للغربان . برد عجائبي يتغلغل في غضب الموتى ، ويهدم في فراغ أصائلنا القبور . جيش العدوّ يتقدم صوب الضواحي المتخفية لأرضنا ، وترتقي أسلحته الانطباعات الحانقة . متاهة أخرى نضيّع فيها صلوات ايماننا ونقيضه .
9
اشارات سأم لا تفصحُ عن تشظياتها المتّراصّة ، توغلُ في المسالك المترنحة للحظتنا الراهنة ، ويسهر في انفجاراتها الأحياء . المرايا الزرق لليل ، تسرّع زمنها فوق القطن المتآخي والموشوم لقبورنا القابضة على الخواتم الجيولوجية للنجوم . تواصلُ النحلة في شجرة السياسية ، فضائلها المتفحّصة وتمنعنا من التغلب على الغنغرينا الشرسة للسياسيين . في هذه الندامات والاكراهات التي تحيط بنا ، تسقط الشمس في العناكب المقاتلة لبحيرات الأكاذيب . كلّ رائحة في نداوة المنجل ، وكلّ دفء في جغرافيا العصافير ، وكلّ نبع يكابد شيخوخته ، علامات تنمو في الحمّى العنيفة لمصائرنا المغردة على غبطة محنتنا . تصعد المعجزة بهدوء تام من الأعماق السرّية لارشيف الألم ، وتمنحنا رسالة الزنزانة . فكرة تتضخّم وتصارع نفسها في إيابنا من اصلاح الساعات العاطلة للموتى ، وهم يلّمعون أسلحتهم في الغوّاصات .
14 / 3 / 1012
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأضواء العطرية للحجارة الكريمة { 5 قصائد }
-
تقديم القرابين . 8 قصائد
-
ميراثنا المعشوق بين الدموع
-
المقدس والمدنس
-
القيثارات العتيقة لموتنا
-
بين الأشجار الضامرة للعزيز المتوفَّى
-
غبار عظيم في ثيابنا القربانية
-
كل نبع يوثقُ الغرقى الى ثقل سهاده
-
العتمة . الفناء
-
صلاتنا الى الرغبة
-
الايماءة البطيئة لموتي
-
17 قصيدة
-
الطاقة العظيمة للمادة
-
مجموعة جديدة { في سطوع نذورنا تحت ضوء الأصداف }
-
أبواب الزمن
-
في خرائب الفايكينغ
-
الأشجار الحامضة لصيف مخاوفنا الأمومي
-
أشجار الدفن العالية
-
حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }
-
تحطمات هائلة
المزيد.....
-
مكتب نتنياهو يُعلن إرسال وفد إلى الدوحة نهاية الأسبوع لمناقش
...
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|