|
أهمية الشعر و جدواه
أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 3657 - 2012 / 3 / 4 - 13:47
المحور:
الادب والفن
لماذا يحتل الشعر أهمية ما في أية حضارة إنسانية ؟ العرب آخر مَن يتساءل عن شيء كهذا ، لأن حضارتنا كلها تأسستْ على قصيدة روحانية إلهية هي القرآن . كيف حدث هذا ؟ و ما معنى هذا ؟ و كيف لهذا أية علاقة بالشعر ؟ . في الحقيقة هذا موضوع حساس يقال إن سحيم (عبد بني حسحاس ) أدرك النبي وإن النبي تمثل بشطر من شعره ولكنه قدّم وأخر في الكلمات وأنقص من لفظه فاختل الوزن قال : كفى بالإسلام والشيب ناهياً فقال له أبو بكر: يا رسول الله، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً. ولما لم يستقم للرسول روايته على وجهه قال له أبو بكر: أشهد أنك رسول الله (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) (سورة يس الآية 69). هذه الرواية أثارت اهتمامي كثيراً ، فهي تشي بحساسية الشعر وخطورته على المقدس ، تلك الخطورة التي تحولت الى كراهة بحيث يعزف عالم جليل عن الشعر ويصمت مثل محمد سعيد الحبوبي . رغم براعته و موهبته العظيمة . ما هو خطر الشعر ؟ الميتافيزيقا تقول الكلام هو الذي خلق الإنسان ( في البدء كانت الكلمة) ، والكلمة تمت في الماضي . لكن هناك (كلام آخر) يأتي من المستقبل ، وهذا لا يُمكن أن يتم . إنه حيث الكلام يتكلَّم . الكلام المحض . أي القصيدة . فالقصيدة الجيدة تتميز بحضور نستطيع معه أن نستبعد اسم كاتبها وشخصه . من فكرة جاء بها الفيلسوف نيتشيه تقول (( إن الإنسان معبر وليس هدفاً )) و فكرة أخرى تقول ( إن أكثر الناس يدفعهم الماضي لكن المبدع يجذبه المستقبل) . من هاتين الفكرتين ظهرت أهمية جديدة للشعر . أي دور جديد له . فالقصيدة لم تعد هدفاً و غاية بل درباً . وهذا الدرب له علاقة بالفكر لأن كلاً من الفكر والشعر ينبثق من اللغة . صار الإنسان درباً كالقصيدة . إن قراءة الفلسفة الحديثة تنتهي إلى غيبية في حالة تجدد وانتظار واستحضار. وهذا يحتاج شعراء أكثر من الحاجة إلى فقهاء و مفسرين . هذا النشاط التقطه أدونيس مبكراً وأراد أن يكون لغماً لحضارتنا كما كان نيتشيه لغماً لكل الحضارات . هناك مهام رسولية و روحية تم القاؤها على الشعراء ، يقول هولدرلين (( ينبغي للشعراء أيضاً أن يكونوا الروحانيين في العالم)) هذا كلام خطير إذا عرف القاريء أن هولدرلين قبل جنونه الكامل بأشهر كتب رسالة إلى صديق يقول فيها (( إنه مُعرّض لبروق الآلهة )) ويقول إنه توصل إلى أن الإنسان في الحقيقة يقيم شعرياً على هذه الأرض . وهو يرى أنه تحوّل الى نشيد . وأن الكلام الشعري إصغاء ، بينما هو كلام يخرج من الكلام بلا إصغاء خارج الشعر. وقبل أن يصاب بالجنون بأيام كتب قصيدة يقول فيها (( ينبغي أن يرحل عندما يحين الأجل مَنْ تكلّمتْ الروح بلسانه )) ويستنتج الفيلسوف هيدغر من ذلك (( إن دروب أولئك المسافرين هي أكثر جمالاً من كل الأسفار الأخرى . وأجمل منها هي دروب القصيدة . لأن البلاد التي تعبرها القصيدة هي مواطن الجمال.)) . لكن الخطر يفتحه هيدغر بلا تردد حين يقول : إن القصيدة هي محاولة ل ( القران) بين السماء والأرض ، بين البشر والآلهة . لكنها محاولات فاشلة غالباً إلا أنها تنجح في زمن ما و مكان ما بحيث تتكثف اللغة و يتزمن الزمن . يدور الزمن حول نفسه ومعه الإنسان بسبب قصيدة . ولهذا تقترح الحرية محاولات مستمرة لقصائد تساعد الإنسان ليصبح الإنسان الكامل كما في كتاب الصوفي عبد الكريم الجيلي وكما في نموذج الإنسان الأعلى لنيتشه . لقد تمت لغة قديمة أسرت الإنسان ، والشعر فعل مقاومة دائمة لتحريره . حين يقول هولدرلين ( إن ما يبقى يؤسسه الشعراء ) فهو بالفعل يقصد ما هو عابر ولا ينتبه له أحد . الشاعر يصطاده و يحوله الى تاريخ . ما هو فانٍ يحوله الشاعر الى خلود يتأسس عليه قول و مكان في الوعي . الكلام تكرار لكلام سابق لكن القول خصوصية و إبداع . من أهم القصائد التي قرأتها هذا العام كانت قصيدة رسمية محيبس ( نخلة في النقابة ) فقد التقطت صوراَ لنخلة لا يراها سوى شاعر ، لأنها تبدو عابرة و مصيرها الفناء لولا الشاعرة (( النخلة في نقابة المعلمين والتي تسقى غالبا بكؤوس الخمرة تتأمل المارّة بانتباه علها تلمحه عابرا يهمس لها أنت سيدة المكان تنفرط الأماسي وتبقين تشربين الضياء الباهت للشوارع الفارغة وتعرضين عن الوشايات التي تحاك على مقربة منك قد يحصي لص غنائمه تحتك أو يرميك عابر بعقب سيجارة وقد تلتهمك نار حارس تجمدت أصابعه من البرد لكنك تنهضين صباحا مغتسلة بالمطر الغزير سابحة بالاشعة الباهرة لشمس سجدت على أعتابك )) من الجدير بالذكر أننا لا نكتب نقداً ألسنياً أو اجتماعياً ماركسياً أو فلسفياً لهذه النصوص . نحن جميعاً نكتب قراءات انطباعية ولا بأس في ذلك . يقول عمانوئيل كانت : ( يسهل عليك أن تكتشف شيئاً ما بعد أن يكون قد أشير عليك في أيّ اتجاه ينبغي أن تنظر لكي تراه .) وهذه بالضبط مهمة الناقد . التكرار والزخرفة اللغوية تشمل العمودي كما تشمل الحديث . فقيود القول أكبر من قيود الشكل . أنظر إلى قصائد الشاعر فائز حداد مثلاً هي قصائد حديثة شكلاً فقط . لكنه لا يختلف عن أحمد شوقي في الصناعة و زخرفة اللغة . وشعره يحيلك الى لغة فخمة ولا يحيلك إلى تجربة إنسانية . بل قصائده عبارة عن جدار لغوي يحجب القاريء عن نفسه و عن الشاعر مجرد إبهار لغوي . وقد لاحظت أن الجواهري أكثر حداثة من نزار قباني في جوانب كثيرة منها أن الجواهري شيخ يكتب عن شيخوخته ، بينما قباني ظل مصاباً بقطع في الذاكرة ويكتب كلام شيخ متصابٍ . فمَن هو الحديث ؟. ومَن هو المفصول عن العصر والواقع ؟ . هذه أمور سيقررها الزمان . هذه أفكار سريعة كتبتها بعد تأمل في كتيّب ل هايدغر ترجمه المرحوم بسام حجار .
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطني سفسطة و سفسطائيون لا يمكن دحضهم
-
نخاس الشعراء
-
عيد الحُب
-
واحسيناه
-
الأبد
-
الطائفية في دقيقة واحدة
-
شعر غامض و تقارير واضحة
-
الجحيم
-
صدر المسجد
-
ابن عُرس
-
نصف مُطرب نصف رادود حُسيني
-
الكتابة فوق الجُثث
-
الذّبح المقدّس
-
الرّادود باسم الكربلائي أكثر عقلانيّةً منّي
-
عازف اللّيل
-
الرّنين
-
صوتُ الشَّرق
-
الأدب
-
فم المحيط الهادي
-
أدونيس والمحيط الهادي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|