أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محفوظ أبي يعلا - المثقف المغربي : المتوحد , الملتزم , الجديد















المزيد.....

المثقف المغربي : المتوحد , الملتزم , الجديد


محفوظ أبي يعلا

الحوار المتمدن-العدد: 3648 - 2012 / 2 / 24 - 08:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اهداء الى " المثقف الجديد " حمزة كاشغري بعد أن تم منعه من الكتابة وبعد أن افتى بعض " الكهنة " بوجوب اعمال حد الردة عليه .

المثقف كلمة تحيل إلى الثقافة . و الثقافة كلمة محدثة في اللغة العربية , لأن العرب لم تذكرها في أشعارها و في دواوينها . حتى في القرآن لم تذكر كلمة الثقافة . و يعرفها المعجم الوسيط بأنها العلوم و المعارف و الفنون التي يُطلب الحذق فيها . و جذر هذه الكلمة هو ثقف . و لهذا الجذر معنيان . المعنى الأول : ثقف أي صادف أو أخذ أو ظفر . و المعنى الثاني : ثقف , يثقفُ , ثقفاً و ثقافة أي صار حاذقاً خفيفاً فطناً . و منه قالوا : ثقف الكلام أي حذقه و فهمه بسرعة . و في لسان العرب : ثقف أي جدد و سوّى . و يربط نفس المعجم بين التثقيف و الحذق و سرعة التعليم .

قلنا أن المثقف كلمة تحيل إلى الثقافة , لأن المثقف هو ذلك الرجل الذي يشتغل في الحقل الثقافي أو ذلك الرجل الذي يكون ملماً بهذا الحقل و مهتماً به . و يعرف المثقف بأنه الحكيم , أو الأديب و قد يكون عالم دين .

اعتبر نور الدين الزاهي { باحث في علم الاجتماع } في إحدى محاضراته عن النخب المثقفة ان المثقف هو ذلك الشخص الذي يقرأ و يكتب و ينتقد . و يترتب عن هذا التعريف أن الإنسان حتى يكون مثقفاً يجب أن تتوفر فيه شروط ثلاثة . الشرط الأول : القراءة , أي أن يكون مطلعاً على ما جاء في الكتب و الصحائف . الشرط الثاني : الكتابة , أي أن يكون كاتباً , معبراً عن مواقفه و أرائه . الشرط الثالث : النقد . أي أن يكون ناقداً , مظهراً لعيوب مجتمعه أو محاسن ثقافته و توجهه الفكري .

و يمكن ان نقول أن المثقف المغربي قبل عهد الحماية كان يتمثل في خريج جامعة القرويين . أما في عهد الحماية فقد تمثل في خريج المدارس العصرية التي أحدثها المستعمر بموجب معاهدة الحماية . و قد شهد هؤلاء النوعان من المثقفين حروباً كلامية كثيرة . فالمثقف الأول كان يعيب على المثقف الثاني تغريبه و تبعيته للغرب . و أما المثقف الثاني فكان يعيب على المثقف الأول جموده , و تشبثه بالقيم التقليدية . إلا أنهما في العموم , اتفقا على مواجهة الفوضى و الظلم و الاستبداد .

و اليوم يعتبر مثقفاً كل شخص مفكر أو باحث جامعي أو متعلم و متأديب , و يطلق اللفظ حتى على المتعلم البسيط (1) .

ان للمثقف وظائف بالغة الأهمية . فهو شخص ينتقد و يعطي أفكاراً و تصورات
. و لعل أبرز نموذج للمثقف المغربي الذي كانت له رؤية حول المغرب هو الأديب الراحل علال الفاسي الذي ألف كتاباً بعنوان النقد الذاتي , تطرق فيه لأهم المواضيع التي يجب أن يعالجها مغرب ما بعد الاستقلال .

ان المثقف المغربي هو حفيد ابن باجة و ابن الطفيل و ابن رشد و غيرهم من الفلاسفة الأوائل الذين ظهروا في المغرب و الأندلس . أي أنه حفيد من أغنوا الفكر العالمي بكتب و فلسفات في غاية الأهمية . ثم انه ينتمي لبلد عرف ازدهاراً معرفياً و رجالاً كثر اشتغلوا بميادين الفكر , بمن فيهم الحكام , كالأمير الموحدي " يوسف بن عبد المؤمن " (2) الذي كان محباً لعلوم الأوائل . و أحمد المنصور الذهبي (3) الذي ألف كتاباً في السياسة . و من شأن هذا الانتماء التاريخي أن يمنح للمثقف المغربي ثقة في ذاته .

إلا أنه من الملاحظ ان المثقف المغربي شخص لا يمتلك هذه الثقة . فهو شخص يميل إلى الانزواء و البؤس . و ربما ميوله السلبية هاته ترجع للمجتمع , فهو عاجز عن التواصل مع مجتمعه الذي يحتقره و الذي لا يرى في الثقافة ما يثير الاهتمام . ففي المجتمع الذي تغلب عليه الأمية و ثقافة المال يجد المثقف مجموعة من الصعوبات و الاكراهات . و يقول عبد الله العروي في هذا الصدد أن البؤس يقود الكثير من المثقفين إلى اليأس من إصلاح شؤون المجتمع (4) . و رغم ذلك فإنهم ـ أي المثقفين ـ يحدوهم الحنين إلى وحدة المجتمع الأصيل (5) .

و لعل المثقف المغربي يميل إلى التوحد الذي تحدث عنه ابن باجة في كتابه " تدبير المتوحد " . فهو يميل إلى الانزواء و إلى الغرابة , خصوصاً و أن مدينته غير كاملة , أي لا يحكمها الفلاسفة أو لنقل " العقل " . لهذا قال ابن باجة و هو يصف المتوحد أو النابت : " و على الاجمال فإن السعداء إن أمكن وجودهم في المدن غير الفاضلة أو الناقصة فإنما تكون لهم سعادة المفرد , وصواب التدبير إنما يكون تدبير المفرد و سواء كان المفرد واحدا أو أكثر من واحد , ما لم يتجمع على رأيهم أمة أو مدينة . و هؤلاء هم الذين يعنونهم الصوفية بقولهم الغرباء , لأنهم و إن كانوا في أوطانهم و بين أترابهم و جيرانهم غرباء في آرائهم قد سافروا بأفكارهم إلى مراتب أخرى هي لهم كالأوطان" (6) . فغرابة المتوحد عند ابن باجة كغرابة الصوفي في قومه . و هذا الكلام يذكرنا بما قاله أبو حيان التوحيدي : " الغريب من إذا ذَكَر الحق هجر , و إذا دعا إلى الحق زجر (...) الغريب من إذا قال لم يسمعوا قوله (...) الغريب من إذا نادى لم يجب و إذا هادى لم يجب " . فمن غير المثقف الذي يدعو إلى الحق و لا يلقى مجيباً , و الذي يقول و لا يسمع كلامه؟ و أمام هذه الوضعية ماذا يمكن للمثقف أن يقدمه غير الصمت؟ أو التساؤل بحيرة : ما الذي قاله الإنسان منذ أن فتح فاه؟ ماذا ينقص الكون لو سكت؟ (7) .

و لكن المثقف في ميله إلى التوحد يتحمل جزء من العتاب . فالابتعاد عن الناس و عدم الاهتمام بقضاياهم اليومية , يؤدي لا محالة إلى نفور الناس منه و هجرانه . و هنا يمكن أن نتحدث عن المثقف النبي و المثقف الرسول . فالنبي هو الشخص الغير ملزم بنشر رسالته التي يؤمن بها . بينما الرسول شخص ملزم بنشر رسالته في جماعته . و عليه , فالمثقف الرسول هو ذلك المثقف الذي يموت من أجل فكرة . انه كسقراط أول شهيد لحرية الفكر . أو كابراهيم عليه السلام . و نحن اذ نقرأ قصص بعض مثقفي عصر النهضة الأوربية نتعجب من قوتهم و ايمانهم العميق برسالتهم . فكم من مثقف أحرقتهم محاكم التفتيش و عذبتهم من أجل أن لا يخالفوا السائد .

ان المثقف الرسولي , أو المثقف الملتزم , هو مثقف يمتلك شخصية كارزمية محملة بالهموم التاريخية و الاجتماعية الضخمة , و هو شخص طوباوي ينذر وقته و قدراته و حياته من أجل تحقيق أهدافه التي يؤمن بها (8) . و هو شخص يفضل مخالطة الناس على الانزواء وحيداً في صومعته .

غير أن هذا النوع من المثقفين , و هم غالباً , ما ينعتون بمثقفي الأحزاب , تراجع , أمام المثقف الجديد , و هو مثقف يضع نفسه خارج القوالب الفكرية و الإيديولوجية و السياسية الجاهزة , انه يفكر لنفسه , و لا ينتظر تعاليم القائد الملهم , أي قائد الحزب , فهذا المثقف يرى أن الحزب لا يفكر و الجماعة لا تفكر , بل الذي يفكر هو الفرد و هو إما قائد الحزب أو قادته . و من هذا المنطلق يرى المثقف الجديد أن المثقف الرسولي الحزبي مجرد ببغاء يردد أقوال مفكري الحزب (9) . انه بالمختصر , حسب رأيه , مثقف لا يملك عقلاً ناقداً .

ان المثقفون الجدد الذين بدأنا نلاحظ بروزهم في الآونة الأخيرة . هم مثقفون شباب يقرأون و يكتبون و ينتقدون . و غالباً ما ينشرون مقالات متنوعة على المواقع الالكترونية . و الغريب أنهم يكتبون ـ و ربما يقرأون ـ أكثر مما يكتب و يقرأ الأساتذة الجامعيون أو حتى المثقفون الحزبيون . و قد انجز السوسيولوجي المغربي محمد الشرقاوي , في هذا الصدد , بحثاً حول سياسة البحث في مجال العلوم الاجتماعية و الإنسانية , جاءت من بين نتائجه النتيجة التالية :

ـ 55 في المئة من الأساتذة الجامعيين لم ينشروا أي انتاج علمي طيلة حياتهم المهنية (10)

إنه يتبين من هذه النتيجة أن النخبة التي من المفروض أن تمارس وظيفتها العلمية و الثقافية سلمت نفسها للكسل و الخمول أو لنقل بتعبير اخوان الصفاء نامت نومة الغفلة و رقدت رقدة الجهالة . و بدلاً منها صعدت مجموعة جديدة , أكثر انفتاحاً , و أكثر امتلاكا للعقل النقدي , فهي مجموعة خرجت من الايديولوجيات الحزبية و مارست , حسب رأي محمد سبيلاً , دورها في كشف الأوهام و تعرية الأساطير . و هم من أسميناهم بالمثقفون الجدد .

ختاماً , يصعب قتل المثقف . فرغم سوء المنظومة التعليمية , و الإكراهات المتنوعة التي أنتجتها الأنظمة العربية قصد تجهيل شعوبها , فان بعض أفراد هذه الشعوب , و من بينهم المغاربة , لازالوا يفضلون مواصلة طريق القراءة و الكتابة و اعمال العقل النقدي . و هم في مواصلتهم لهذا الطريق , يحملون في داخلهم روحاً تفاؤلية . و يرددون كما ردد الأوائل : هذا العالم مكانٌ صالح للعيش .


الهوامش
ــــــــــــــ
1 ـ عبد الله العروي , ثقافتنا على ضوء التاريخ , المركز الثقافي العربي , الطبعة الثالثة 1992 , ص 172 .
2 ـ يروي المؤرخ عبد الواحد المراكشي ان ابن الطفيل قدم ابن رشد إلى الأمير يوسف بن عبد المؤمن و تحاوروا في السماء هل هي قديمة أم حديثة فقال ابن رشد عن الأمير : رأيت منه غزارة حفظ لم أظنها في أحد من المشتغلين بهذا الشأن ـ أي الفلسفة . و يذكر عبد الواحد المراكشي أن هذا الأمير الموحدي أمر ابن الطفيل برفع القلق عن عبارات ارسطو حتى يفهمها الناس . و قد قام بهذه المهمة ابن رشد .
3 ـ احمد المنصور الذهبي , أقوى سلاطين المغرب في عهد السعديين . ألف كتاباً سياسيا تحت عنوان : " كتاب المعارف في كل ما تحتاج إليه الخلائق " .
.4 ـ عبد الله العروي , ثقافتنا على ضوء التاريخ . مرجع سابق , ص : 175
.5 ـ مرجع نفسه , ص : 173
6 ـ ابن باجة , تدبير المتوحد , تحقيق معن زيادة , دار الفكر , طبعة 1 , بيروت , 1978 , ص : 46
7 ـ عبد الله العروي , أوراق , المركز الثقافي العربي , الطبعة السادسة 2004 , ص : 10
.8 ـ محمد سبيلا , السياسة بالسياسة , في التشريع السياسي , افريقيا الشرق , ص : 174
.9 ـ مرجع نفسه , ص : 176
10ـ نور الدين الزاهي , المدخل لعلم الاجتماع المغربي , دفاتر وجهة نظر (20) , ص : 39



#محفوظ_أبي_يعلا (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسس الديمقراطية
- في انتظار المُخلص
- 20 فبراير , المجد لمن قال لا !
- زَيد الرُومَانْتيكي وَ عَمْرو العَقْلاني
- أبْجَدِيّة الحَيَاة أنْتِ !!.


المزيد.....




- حذّر من -أخطاء- الماضي.. أول تعليق لخامنئي على المحادثات مع ...
- نتنياهو لماكرون: -نرفض إقامة دولة فلسطينية لأنها ستكون معقلا ...
- خامنئي: لا تفاؤل مفرط ولا تشاؤم بشأن المحادثات النووية مع وا ...
- الأردن يعلن إحباط مخططات -تهدف إلى المساس بالأمن الوطني-
- حماس تدرس مقترحاً إسرائيلياً جديداً لهدنة في غزة وإطلاق الره ...
- مئات الكتاب الإسرائيليين يدعون إلى إنهاء الحرب في غزة
- هجوم لاذع من لابيد على نتنياهو مستندا إلى قضية -قطر غيت-
- الاستخبارات الروسية: أهداف روسيا في أوكرانيا لن تتغير قيد أن ...
- الإمارات.. حريق برج سكني في الشارقة يودي بحياة 5 أشخاص (صورة ...
- الذكاء الاصطناعي يكتشف 44 نظاما كوكبيا مثيلا للأرض في درب ال ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محفوظ أبي يعلا - المثقف المغربي : المتوحد , الملتزم , الجديد