جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 3648 - 2012 / 2 / 24 - 00:28
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
رحلة تاريخية سريعة :
من الغابة إلى النظام الوراثي والطائفي الاسدي في سورية – 1 على جدار ثورتنا السورية رقم :24 - كأن التاريخ يعيد نفسه !
عندما وصل إنسان الغابة في سورية والمشرق العربي , في العصر الحجري الحديث -- أي قبل خمسة عشر قرناً – إلى طريق مسدود لتأمين غذاء مجموعاته البشرية المتكاثرة بواسطة وسائل إنتاجه أو أدوات إنتاجه الجسدية من الصيد وجمع الثمار من الغابة .. حيث لم يعد جمع القوت والصيد من الطبيعة كافياً لإطعام الأفواه البشرية المتكاثرة الجائعة ..حتى أضحت حياته كلها مهددة بالإنقراض حسب أبحاث علماء ( الأنثربولوجيا - anthropologie– علم الإنسان وتطوره - الإيكولوجيا -- ecologie علم التنبؤ بالبيئة المعمقة .
ولولا حدوث الطفرة الديالكتيكية في وسائل إنتاج الغذاء بإكتشاف الزراعة لإنقرض الجنس البشري من على سطح الأرض .. وهذه الموضوعة العلمية يجمع العلماء فيها ,, على أن الفضل الأول لإكتشاف الزراعة يعود للمرأة لأنها كانت تلاحظ وتعيش قضية جمع الحبوب وحفظها في أكواخ الغابة وكهوفها وتلاحظ نمو بذور القمح والشعير وغيرها بعد دفنها بالتربة و بدأت العناية بها لتعطي محصولاً جيداً ,,,
وما كان للرجل التائه في الغابة خلف الطرائد وجمع الثمار إمكانية ملاحظة ذلك
... إذا الفضل الأول ببقاء الجنس البشري يعود أولاً واّخراً للمرأة ,,وهذا ما أكده علماء الشرق والغرب .. وقد أطلق العالم البريطاني الشهير (غوردون تشايلد)على هذه الطفرة المصيرية إسم ( ثورة العصر الحجري الحديث ) وهذا ما أكدته مجموعة من العلماء السوفييت في دراستهم العلمية الهامة تحت عنوان ( الجديد حول الشرق القديم ) الصادر عن دار التقدم 1980 --- المرأة المستعبدة من الرجل الذي لايزال 70 % منه على الأقل في وطننا العربي يعيش في الغابة ويعامل المرأة كالرقيق ويعتبرها ناقصة عقل ودين وينظر إليها النظرة الدونية ولولاها لما عم ربيع الحرية وثوراتها الوطن العربي وغيره وانتصرت على الإستبداد والديكتاتوزية ’’’ هذه الإنسانة المبدعة بالتضحية والتجدد التي عوملت كجارية وأمة ومازالت مستعبدة في بلادنا هي التي أنقذت الجنس البشري من الإنقراض وهذا مأكده العلماء السوفييت في مكتشفاتهم في كهوف جبل الكرمل وأماكن أخرى من فلسطين المحتلة وفي بقايا المستوطنات البشرية الأولى حول الفرات قرب بلدة مسكنة على ضفة الفرات قرب الرقة التي تم فيها تدجين الحيوان إلى جانب إستعمال المحراث للأول مرة في التاريخ , الذي بدأ بعصا صلبة محددة الرأس لشق التربة إلى المحاريث المعدنية بعد اكتشاف النار والحديد إلى المحاريث العادية المعروفة في عصرنا ...
... وهكذا بنيت أولى القرى في العالم القديم على ضفاف أنهار دجلة والفرات والعاصي وبردى , والكلب , والكبير الجنوبي , والليطاني , والأردن ...
..وبقيت البلاد السورية ألتي أطلق عليها فيما بعد بلاد الشام رائدة الحضارة ألإنسانية وتطورها الإنساني رغم كل محاولات التشويه في قسمات وجهها الصبوح والخلّاق في عهود الإستبداد والظلام الطويلة التي مرت عليها ورحلت كالسراب الخادع في قيظ الصحراء ..كما رحلت كل الديكتاتوريات ومافياتها في عصرنا الحديث ...
بلادنا الحبيبة أنتجت أول دولة إمبراطورية لامركزية مسالمة في عصر الوحوش الكاسرة ,, هي الإمبراطورية الاّرامية ( 1500 ق . م ) وعاصمتها دمشق وملكها الأول ساويروس . ومنه استمدت إسمها ( سورية ) كما يعتقد بعض العلماء ..وكانت المناطق الأخرى شبه لامركزية مع العاصمة فهناك : اّرام حماة واّرام حمص واّرام عنجروإسمها القديم ( صوبا ) وغيرها .. ومن سورية الحضارة والإنسان إنطلقت جحافل الهكسوس لتسيطر على مصر في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد وكانت عاصمة الهكسوس قرية ( المشرفة) ضاحية حمص اليوم والقريبة من الرستن البطلة ولم يتفق المؤرخون عن موطن الهكسوس الأول الذي انحدروا منه حتى بلوغهم مصر ثم انقراض مملكتهم ,,,
بقيت الدولة الأرامية راسخة في أرضها رغم كل الغزوات الوحشية التي تعرضت لها وأخطرها الغزوالاّشوري بقيادة تغلات فلاسر الذي دمر وأحرق دمشق وغوطتها وسجل إسمه على صخرة نهر الكلب شمال بيروت كما سجل رعمسيس الثاني فرعون مصر إسمه على نفس الصخرة عندما إحتل الساحل السوري ثم رحل ....
وكماقال المؤرخون عن اليونان وأثينا بشكل خاص بأنها اّسرة لمحتليها .. فإنني أؤكد بأن دمشق والدولة الاّرامية كانت اّسرة لجميع الغزاة الذين اعتدوا عليها واحتلوا أرضها ....
فهي أول من أوجد اللغة الأبجدية : أبجد هوز ..الخ في تاريخ البشرية وهي أول من استعملت الأرقام من الهند ولم تدع أنها ابتكارها ’ كما يفعل الاّخرون ,
ولم يسجل في التاريخ أنها غزت أحد اً ... ومن هده الدولة الكنعانيون في فلسطين وفرعها الأّخر في لبنان الذي أطلق عليه اليونان إسم ( الفينيقيين) نسبة إلى كلمة ( فينيقس ) في اليونانية وتعني اللون الأحمر لانهم كانوا يتاجروا بالأرجوان الأحمر الذي يستخرجونه من البحر وهم اّراميون كنعانيون , ومن الفينيقيين الاّراميين سكان قرطاجة وقائدها هانيبال الذي هزم روما وجبروتها ( يمكن مقارنة لهجة الريف التونسي اليوم مع لهجة فلاحي جبل لبنان فهي واحدة ) ..ومن الاّرامية اشتقت اللغة السريانية والعبرية ثم العربية التي كتبت دون تنقيط مستمدة من الخط السطرنجيلي الكوفي السرياني . – راجع موسوعة تاريخ العرب قبل الإسلام للعلامة الدكتور جواد علي ومصادر لغوية عديدة .. حتى اليهود نسو لهجتهم العبرية – وليس لغتهم – لأنها لهجة اّرامية لا أكثر – وتكلموا اللغة الاّرامية لأنها كانت لغة الثقافة والسياسة والتجارة ...كما أن السيد المسيح وتلاميذه تكلموا الاّرامية وكتبوا بها الأناجيل الأربعة بها ..ولم يتكلموا العبرية مطلقاً التي تزعم الأسطورة الصهيونية أن العبرية أم اللغات السامية الأسطورية ( لأن كل المكتشفات الأثرية لم تثبت أسطورة سام وحام وأمثالها التي نقلوها عن الأساطير السومرية في جنوب العراق )
وبقي إنسان بلاد الشام والرافدين واثقاً من نفسه معتزاً بجذوره وحضارته رغم عهود الظلامية والإستبداد الطويلة ,,صبوراً أكثر من طيور القطب أمام الشتاء الهمجي الطويل والدموي الذي وطده الإحتلال والإستلاط الخارجي وكلاب حراسته من حكام الإستبداد والنهب والخيانة والقتلة والوكلاء بالعمولة ..
وكان إنساننا دوماً كالعنقاء دوماً كالعنقاء ينتفض من تحت الرماد ليعيد البناء من الصفر بعد كل كارثة ..تم ذلك في حقب متتالية من التاريخ , نمر على بعضها سريعأًعلى سبيل المثال لا الحصر ليرى طغاة اليوم الذين يستعبدون شعبنا ويغتالون شبابنا في شوارع المدن السورية ويتلذذون بدماء الضحايا وصرخات الثكالى ,هؤلاء الجهلة والحيوانات المفترسة التي تقودها غرائز الطغاة وكل أعداء الإنسان , ورئيس عصابتهم بشار الوريت وزوجته الخرساء إبنة حمص سابقاً التي تتلذذ بتدمير مسقط رأسهاحمص وشرب دماء أهلها في بابا عمرو دون أي شعور بالخزي والعار والعيب ..وماهي هذه السبية التي تنام مع قاتل أهلها ومدمر مرابع طفولتها حمص الأبية...
حمص العاصمة الثانية لتدمر الثائرة في التاريخ على أكبر إمبرطورية في العالم القديم خضع لسلطانها حوض البحر المتوسط كله الذي أطلق عليه "" البحيرة الرومانية"" حمص قلب سورية الحّرة ومنها انطلق جيش تدمر بقيادة أذينة أولاً الذي أعلن استقلال سورية عن روما وفيها استشهد غدراً عام 266 م على يد إبن أخيه الخائن بدافع من الرومان .. لتتابع زوجته الوفية زنوبيا الحفاظ على الإستقلال وبناء دولة من طراز جديد في العالم القديم حيث أضحت موئلا لجميع أحرار المشرق المضطهدين في بلدانهم فإليها لجأ بطريرك إنطاكية النسطوري ( بولس السميساطي ) والمسيحيين المضطهدين وكذلك الفلاسفة المضطهدين أمثال لونجينيوس وأنصار مذهب ماني في العراق وفارس وعدد من التجار اليهود والأرمن حتى أضحت تدمر وسورية كلها واحة للديمقراطية البدائية رغم وجود الرق وبقايا الوثنية وعرفت تدمر والبلاد السورية كلها مايشبه فصل السلطات اليوم حيث كان لمجلس الشيوخ فيها سلطة التشريع والقضاء .. ولم تستطع زنوبيا الحفاظ على استقلال سورية لعدة سنوات بل أرسلت جيشها = الجيش السوري بقيادة – القائد االشهير – زبدا – لمساعدة أقباط مصر الثائرين على الإحتلال الروماني وتمكنوا بمساعدة الجيش السوري التدمري من تحرير مصر كلها عام 270 م
ورغم تجميع روما كل جيوشها للقضاء على واحة استقلال وحرية تدمر وحمص قلب سورية ... كما تفعل جيوش إيران وإسرائيل والقرداحة وحزب ولاية الفقيه في حمص وحماة وتدمر وجميع المدن السورية لدعم الطاغية بشار في محاولة يائسة للقضاء على ثورة الأستقلال والحرية .... فعلت روما عام 275م لكنها هزمت مرتين أمام فرسان ورماة استقلال سورية أمام خلقيدونية قرب القسطنطينية أولاً ثم أمام حمص في المرة الثانية .. لكن تواطؤ الفرس مع الإمبرطور الروماني أورليان وشراء ذمم بعض القبائل العربية التي كان شيوخها لايغادرون كرم الضيافة التدمري مكن الطاغية أورليان من إحتلال سورية واعتقال قائدة استقلالها وثورتها زنوبيا -- ملكة الشرق – لكنها بقيت شامخة أمام الطاغية الذي قال لها بعنجهية المنتصر : أما كان الأفضل لك الإستسلام أمام قوة روما التي لاتقاوم : فأجابته برأس مرفوع والقيود في معصميها :
بئس تاج على رأس خانع ذليل -- ونعم قيد في أيدي حر أبي ..
كما قالت : هناك فارق كبير بين حضارة القوة ..وقوة الحضارة ..
هذاغيض من فيض من تاريخنا وحضارتنا العصية على الطغاة والغزاة منذ أقدم العصور التي يجهلها صبية النازيين الجدد وشبيحتهم ودباباتهم وسيدهم الذي لن يفيق من غيبوبته وساديته على ما يبدو إلا برصاصة الرحمة التي تعيد لسوريا استقلالها ,, وتقذف بأ جير أورليان وكوهين الجديد بشار المستهتر بحياة أهل بلده وبكل حضارتها وكرامة أهلها ..بل بحق الشعوب في تقرير مصيرها وفق شرعة ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان... تقذفه إلى مزابل التاريخ بغير أسف – وإلى اللقاء في حلقة قادمة
المراجع باختصار :
1- مهد الحضارة – ألبرخت كوتسه ص-126
2- أصل إنتشار المحاريث — بي لايسر -81
3- طقوس الجنس عند السومريين . س . ن . كريمر تعريب نهاد الخياط – 24
4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – د. جواد علي – ج 2 ص 82- 83 - 121
5- نور الدين حاطوم – تاريخ الشرق القديم ص158 – جامعة دمشق
6- فيليب حتي – تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ج1 ص 426
7- ثورة العصر الحجري الحديث – غوردون غراي – 56 –91
8- مجلة المشرق اللبنانية لعام 1898 سنة أولى ج3 ص 592
9- مجلة المشرق – ج 22 = = ج 22ص 1033
10- الجديدحول السرق القديم – دار التقدم موسكو – مجموعة من العلماء السوفييت - 1980
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟