محمد ضياء عيسى العقابي
الحوار المتمدن-العدد: 3644 - 2012 / 2 / 20 - 08:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إحدى سمات الطغمويين(1) هي "الديماغوجية" بجانب السمات الأخرى وهي الطائفية(2) والعنصرية والدكتاتورية.
ماذا نستطيع أن نفهم مما جاء في بيان أصدرته المتحدثة الرسمية بإسم "إئتلاف العراقية"، الذي نقلت فضائية (الحرة – عراق) عنه ما يلي نصاً بتأريخ 19/2/2012:
"السيدة ميسون الدملوجي الناطقة الرسمية بإسم العراقية قالت إنها تستغرب الإستمرار في إستخدام الإعلام كوسيلة لإطلاق الأحكام قبل إجراء التحقيقات والمحاكمات الأصولية".
أسألُ: أيُ حكم أطلقه أيً كان على الهاشمي عبر الإعلام قبل إجراء التحقيقات والمحاكمات الأصولية؟ وماذا تعني كلمة "الإستمرار"؟ هل صدر حكم من قبل وصدر حكم الآن أيضاً؟ فهل صدر حكمان، وما هما؟ لا يوجدان، بالطبع، فهما يكمنان في كلام التورية الديماغوجي للسيدة ميسون.
وكيف تدعو السيدة إلى إجراء التحقيقات الأصولية وقد جرت هذه التحقيقات بالفعل من قبل تسعة قضاة في الوقت الذي تتطلب أصول المحاكمات إجراءها من قبل قاضً واحد فقط؟ مع هذا زاد مجلس القضاء عدد قضاة التحقيق إلى خمسة ومن ثم إلى تسعة ليطمئن قلب السيدة ميسون وقلب إئتلافها وقلب تركيا والسعودية وكل أصحاب المصلحة في التأليب ضد العراق الديمقراطي؟
كل الذي حصل هو أن مجلس القضاء، كما يبدو واضحاً، أراد تنوير المواطنين بطبيعة التهم الموجهة للهاشمي قطعاً لدابر التشويه والبلبلة، علماً أن أصول التحقيق الجنائي تقتضي إجراءه علناً إلا في حالات خاصة جداً حسب تصريح النائب والقاضي السيد محمود الحسن الذي أدلى به لفضائية الحرة يوم 18/2/2012. لذا فإعلان الإتهام لا غبار عليه قانوناً.
لماذا، إذاً، هذا الإستغراب من جانب السيدة ميسون؟ لماذا لا تريد الشفافية؟ أما تريد التعتيم على القضية لتسهل لفلفتها بإسم الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة؟ وهل حقاً يعني إئتلاف العراقية ما يقوله حول المصالحة والوحدة الوطنية أم أنه مجرد إنحناءة أمام الريح التي عصفت به يوم فشلت محاولاته لإثارة الجمهور والتخريب والإنسحاب من مجلس النواب والحكومة فجاءته صفعات من تنظيماته التي تناثرت ومن جماهيره التي إشمأزت ومن الجماهير العراقية بالعموم التي تقيأت ومن الحكومة والبرلمان عندما واصلا أعمالهما بنمط إعتيادي مع إعلان العزم على التحول إلى تشكيل حكومة أغلبية، في حالة التمادي.
يندرج تصريح السيدة ميسون في باب الديماغوجية لأتها إستخدمت التورية الكلامية ولعبت على وتر الجهل القضائي لدى الكثيرين، لتوحي بأن مجرد إعلان مجلس القضاء عن وجود قضية جنائية بتهم محددة (150 جريمة) جرى التحقيق فيها، ولشخص متهم ومحدد بالإسم (طارق الهاشمي)، هو بمثابة إصدار حكم دون محاكمة.
ويأتي هذا الجهد الديماغوجي من جانب السيدة ميسون إستكمالاً لجهود آخرين بهذا الصدد في إئتلاف العراقية. فكبيرهم السيد أياد علاوي، رئيس إئتلاف العراقية، أنكر من كردستان وجود أية جريمة أصلاً وإعتبر الموضوع كله مجرد محاولة لتلطيخ صورة السيد الهاشمي. وإنفعل النائب السيد حيدر الملا لحد توجيه الإهانة والتجريح وكيل الإتهام لمجلس القضاء الذي طلب، بدوره، رفع الحصانة النيابية عنه تمهيداً لإجراء التحقيق معه. (هنا صرخ السيد الملا بأن مجلس القضاء يريد تكميم الأفواه ونسي أن فاه أستاذه ورفيقه نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك لم يكمم وهو يشتم رئيس الوزراء من على شاشة الفضائية الأمريكية العالمية (سي.إن.إن.)، وإنما طلب رئيس الوزراء من مجلس النواب إقالته وحسب؛ وهو طلب منطقي لتأديبه لا غير مع إحتفاظه بحق الكلام، كما أرى.)
وبتأريخ 14/2/2012 وفي فضائية "الحرة" / برنامج "بالعراقي" تباكى الدكتور ظافر العاني، القيادي الآخر في إئتلاف العراقية، على حرمان محامي الدفاع عن السيد الهاشمي من حق مواجهة الشهود (الذين بلغ عددهم 60 شاهداً حسب النائب السيد علي العلاق الذي شارك في البرنامج أيضاً). هنا إنبرى له النائب عن التحالف الوطني وعضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب السيد حاكم الزاملي وأكد له أن لا صحة لذلك وأبدى إستعداده لإستقبال محامي الدفاع في أي وقت وترتيب لقاء له مع الشهود دون عناء.
لا أعرف متى يكف إئتلاف العراقية عن تكتيكاته البائسة التي لا يمكنها، مهما كانت حاذقة، أن تتغلب على ستراتيج الديمقراطية والبناء والإعمار الذي يلتزم به الآخرون. وفي الحقيقة فإن تكتيكات قادة إئتلاف العراقية البائسة كانت تنقلب عليهم في كل مرة يطلقونها. والتوسع في هذا الأمر سيكون موضوع مقال منفصل لاحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية.
والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية.
مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار.
والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
(2): الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.
طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي.
الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.
#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟