وفا ربايعة
الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 23:08
المحور:
الادب والفن
أحدَ عَشرَ عاماً ، لم تتغيَّر تلكَ الابتسامة ، لم تتغيَّر تلكَ الرغبةُ باحتضانِهِ على الباب ، أثناءَ ترتيبِ حقائبِهِ في السيارةِ للسفر ، أحَدَ عشَرَ خريفاً مرَّ ، وكأنني ما أزالُ تلكَ الطالبةَ التي تختلِسُ الصُبحَ كي تهمِسَ لهُ بأنَّها ستنتظِرُهِ كيّ يعودَ إليها ، وهوَ يُبادِلُها ذلكَ الوعدَ الخفيَّ بالرجوعِ إلى صَدرِها ، هرباً من صخبِ القاهرة القاتل ، مازِلتُ أذكُرُ شغفي – بوجودِهِ – كُلَّما فُتِحَ بابُ بيتِهِ أمامَ زائرٍ ما ، كي أحظى بصوتِهِ الذي تدُقُّ لهُ كُلَّ جوارِحي فرحاً ، أما اليوم وبعدَ كُلِّ مُحاولاتي بالهروبِ ، إلاَّ أنَّ القدَرَ يُعيدُني إليهِ لحظةِ السفرِّ ، أمامَ البوابةِ التي أخذَتهُ إلى الداخل دونَ أيِّ التفاتةٍ لدموعي المُتراكِمةِ في جوفي عَقداً ، شنقَ حُبّاً قديماً وُلِدَ لحظةَ سفري إلى هُنا أيضاً .
قُتِلتُ اليومَ على بوّابتي ، ولم تقتُلني الأعوامُ الماضية التي هربَ فيها وتركني أعدُّ أضلاعَ خيبَتي ، وتزوَّجَ بأُخرى ، مُقنِعاً نفسَهُ بأنَّهُ لا يرغبُ بالصلاةِ في سريري ، وفي طريقي إلى العمل – وللمرّةِ الأولى – أشعرُ بأنَّ نفسَ الحجارةِ المُتكدِّسةِ في الشارع والتي أمرُّ بِها كُلَّ صباح ، تعودُ لها ذاكرتُها أيضاً ، لتروي تفاصيلَ لقاءاتِنا السريّةِ صباحاً ، أثناءَ ذهابي للمدرسة ، تلكَ المدرسةُ التي حملَت أُولى نبضاتي بالحُبّ عندما كُنتُ طالبةً في المرحلةِ الثانوية ، والتي أعودُ إليها اليوم كادِراً في الهيئةِ التدريسيّة ، كم نحنُ بُلهاءٌ أيُّها القدَر ،
عندما تُسيِّرُنا مُغمضي الأعيُن في طريقٍ ما ، وعندما نحاوِلُ التملُّصَ من قبضتِكَ ، تُعيدُنا إلى نفسِ الطريقِ بدموعٍ تقتلُها خناجِرُ الذكريات .
لَم يتغيَّر كِلينا : عدا أنَّهُ حصلَ على درجةٍ أكاديميّةٍ أعلى ، وزوجةٍ وطفلٍ ووظيفةٍ فاخرة في إحدى الجامِعات ، وأنا حصلتُ على خيبةٍ أكبر وانكساراتٍ كثيرة كادت تقودُني إلى حتفي ، لم تتغيَّر ابتسامَتُنا لحظةَ اللقاء ، إذ أننا لم ننتبِه إلى زوجتِهِ المُحملِقةَ في طيفيّنا ، أُلملِمُ نفسي وأمضي بخطواتٍ مُتسارعة وأترُكُ مسرحَ الجريمةِ ، وأنا أُخفي رغبتي بالبُكاء ، ولا يهمُّني الشجارِ الذي دارَ خلفي ..!!
#وفا_ربايعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟