سعد عزيز دحام
الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 22:57
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ذكرياتي مع الشهيد عبدالعال الشرباجي
لازال سحر حديثك يقودنا لعوالم جمالية لم نراها من قبل, لازال عنادك وصمودك وشموخك يمنحنا القوة كلما حل بنا الوهن
سعد عزيز دحام*
حين فكرت بكتابة هذا المقال عن الشهيد تزاحمت الأفكار في رأسي, منها لو أني بحثت في كل قواميس الأرض لما وجدت المفردات التي تفي وتعطي الشهيد حقه، الشهيد الذي أهدى لنا الحياة ورحل تاركاً خلفه تلك الأنتظارات الطويلة لحبيبته وصانعاً اليتم المبكر لأطفاله.
وما أكثر الشهداء في زمن الطغاة, حيث يعيش الأنسان أعزلاً الا من الخوف, الخوف في زمن الطغاة من ضياع الحب مع اصوات الجزم العسكرية.
لهذا سمح الشهيد لحياته أن تتسرب من بين يديه ليمنحنا العشق ولنرتشف كأس التألق وارتعاشة القُبل, وفن الكتابة.
فقد كان للشهيد أهمية كبرى عبر التاريخ منذ ميثولوجيا سومر وبابل وبلاد النيل والمهابهارتا مروراً بكل الأديان اليهودية والمسيحية والسيخ والهندوس والأسلام وغيرهم وحتى ثورات مايسمى بالربيع العربي, فكانت مرةً من أجل المعتقد ومرةً من أجل الأنتماء للجماعة أو الوطن وأُخرى من أجل المبادىء السامية التي يؤمن بضرورة وجودها كمنهج اجتماعي انساني، وعليه فالشهيد هو لقب يُطلق على الشخص الذي يموت من أجل تحقيق هدف يجله.
وفي اللغة كلمة شهيد مشتقة من الجذر الثلاثي شهد, ويقال استشهد أي طلبت شهادته لتأكيد خبر قاطع, واستشهد في سبيل كذا أي بذل حياته تلبيةً لغاية كذا.
وموضوعي اليوم هو عن أحد شهداء الحزب الشيوعي العراقي الذي قدم عبر تاريخ نضاله الطويل قافلة كبيرة من الشهداء اللذين تبرعوا بحياتهم قرباناً لقضيتهم ولشعبهم العراقي ومن أجل حرية العراق وسعادة شعبه في مآثر علمت الدنيا معنى الأيثار, ولازال الحزب الشيوعي العراقي يُحيي ذكرى يوم الشهيد سنويا, ليعيد الى الذاكرة الجمعية تلك المآثر البطولية التي جمّلت وجه التاريخ.
في عام 1986 تم اعتقالي واعتقال والدي الأستاذ المناضل عزيز دحام البدر, وهو صاحب القضية المشهورة في حينها, حيث أنه في عام 1978 وحين تم استدعائه لدائرة أمن الشطرة، صفعه ضابط أمن الشطرة والذي أسمه ابو أكرم الدليمي على وجهه فما كان من والدي الا أن عادها عليه بأربعة صفعات ..وبعد ثلاثة ايام متتالية من التعذيب الوحشي كان والدي يقول لهم أتحداكم جميعاً أن ترغموني على الأعتراف، فسأله احد مفوضي الأمن وهو من السادة الحصونة قائلاً:
- شهالعنادة ياأبو سعد؟؟؟
فأجابه والدي ببيت ابوذية يقول مطلعه
- العنادة فخر للرجال والباس.
المهم حين أُعتقلنا تم تكبيلنا وعصب اعيننا وتم نقلنا الى مديرية أمن الناصرية ..وهناك جلبوا رفاقنا تباعاً، وهم كل من الشهيد البطل عبد العال الشرباجي, ورزاق مكطوف, وضهد جبر صويلح, والمرحوم سيد جاسم نعمة مشري, وحسن لطيف دفار, وزيد خلف, ومحسن كريم عبود, وناصر جابر, والفلاح الجميل عباس حنضل وأخوه, وكاظم جبر, ولكن هؤلاء الرفاق عباس حنظل وأخوه وكاظم جبر، اطلقوا سراحهم بعد اربعة اشهر من التعذيب.
أما نحن فقد بقينا سنة كاملة تحت التعذيب الوحشي, دون أن نرى ولاحتى ثغرة بسيطة لضوء الشمس, قبل أن يتم نقلنا الى بغداد لمحكمة الثورة سيئة الصيت, ومن ثم الى سجن الأحكام الخاصة في أبي غريب.
كان الشهيد عبدالعال الشرباجي أكبرنا سناً..وذو جسد نحيل, ولكنه منتصب القامة, حلو الحديث, شجاعاً لدرجة اذهلت جلاديه مما جعلهم ينقمون عليه, ويمارسون معه أشد أنواع التعذيب رغم كبر سنه, وفي كل مرة كان يبتسم رغم الألم ويقول هكذا نحن الشيوعيين, أقوى من الألم وصبرنا أشد فتكاً بجلادينا.
ومع مرور الوقت أصبحنا لا نعرف هل أن الوقت ليلاً أم نهاراً, لأن حفلات التعذيب اليومية كانت مستمرة في كل الأوقات, حيث أنهم يمارسون التحقيق وما يحتويه من وسائل تعذيب في النهار, لكنهم في آخريات الليل وحين يدب الخمر في رؤسهم، نصبح نحن الوسيلة الأفضل لترفيههم واشباع ساديتهم, حيث يعلقوننا في السقف من ايادينا المربوطة الى الخلف, مما جعل الكثير من أيادي رفاقنا يصيبها الشلل لفترة من الزمن, وايضاً يستخدمون معنا الصاعق الكهربائي, بصعق اجهزتنا التناسلية, كذلك يستخدمون الفلقة وهي عبارة عن عصا غليضة مثقوبة من الطرفين يدخل في ثقبيها حبل من الليف يربطون بها اقدامنا ويرفعونها الى الأعلى من خلال مسك طرفي العصا من الجانبين, كذلك يوجد اثنين آخرين يمسكون كل واحد بعصا ويتناوبون بضرب أصابع اقدامنا, تصعد عصا الأول لتهوي عصا الثاني على اطراف الأصابع وبكل ثقلهم وقوتهم فتتطاير الأظافر ولايبقى سوى اللحم وسيل من الدماء, وألم أكثر عمقاً من الوصف.
كان الرفاق يشجعون بعضهم البعض على الصمود, لكن أمام هذا السيل العارم من الألم كان جسد الشهيد عبدالعال الشرباجي قد تهاوى أخيراً وسقط مغشياً عليه.
كنت أصغرهم سناً, وأكثرهم لياقةً لأني قبل الأعتقال كنت لاعباً في المنتخب الوطني في الفنون القتالية (التايكواندو) لذا حين فقد الشهيد عبدالعال الشرباجي قدرته على الوقوف, كون قدماه لم يعودا قادرتان على حمل جسده النحيل, أبتسم قائلاً بصوته ذو طبقة القرار العذب, (ها قد دنت الساعة), ويقصد بها ساعة الرحيل عن الدنيا بنفس راضية, كنت الأقرب اليه وحاولت مراراً تدليك جسده عسى أن يستعيد بعض حيويته, لكن هراوات الجلادين كانت قد فتكت بجسده النحيل, فلم يدم بعدها الا أياما قلائل ليفارق الحياة قبل أن نرحل الى المحكمة.
اليوم وفي هذا الأستذكار أقول لصاحبي ورفيقي ومعلمي الشهيد عبدالعال الشرباجي, لازالت أبتسامتك حاضرةً في الذاكرة على الدوام, لازال سحر حديثك يقودنا لعوالم جمالية لم نراها من قبل, لازال عنادك وصمودك وشموخك يمنحنا القوة كلما حل بنا الوهن, لازالت أبيات الأبوذية التي ترتجلها تحلق كالنوارس على شاطىء الذكريات, لقد كنت مثالاً للشيوعي المقدام, والخوف لايعرف طريقاً اليك, سيبقى أسمك ايها الشهيد العظيم متوهجاً كالفنار, وعلى أمتداد الأجيال.
*عضو رابطة بابل للكتاب والفنانين الديموقراطيين في هولندا
#سعد_عزيز_دحام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟