ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 13:01
المحور:
الادب والفن
رسائل إلى أمي
الرسالة السادسة
صباح الخير يا أمي .. لم أكتب إليك منذ زمن .. تجمدت الحروف في روحي وأبت أن تغادر باب شفتيِّ .. ليس لأن كلماتي لا تهبط في قلبك كما تهبط الطائرات الفارة من الحروب الخاسرة إلى مطار آمن .. لا .. ولكني كنت أشفق على هذا القلب كم أزج به إلى متاهات وحارات ضيقة وليالٍ أسوأ ما فيها أن ليلها يأكل جلَّ نهاراتها ..
ومع ذلك صباح الخير يا أمي .
هل أعددت لنا ركوة القهوة كما كنا نفعل في تلك الصباحات الجميلة لأهرع إليك قبل أن يستأذن الصباح في الانتشار على مساحات السماء ..
أركض إليك كطفلة فرحت بدميتها الجديدة لأقول لك هنئيني يا أم فطفلتي اليوم نطقت أول حرف .. طفلتي اليوم برز في فمها أول سن .. طفلتي اليوم خطت أولى خطواتها .. طفلتي اليوم وضعت مشبكاً وردياً في خصلات شعرها .. طفلتي اليوم ترقص أمام المرآة .. طفلتي اليوم تسمع محمود درويش ..
وطفلتي اليوم كبرت يا أمي ..
وأنا لا زلت طفلة .
هرمت يا أم .. في غضون أيام هرمت يا أم ..
أشعر أنني كبرت عشرين عاماً .. لم أعد طفلة مع أن الدمية تنام في حضني كل ليلة .. ولم أعد أمزق لها جدائلها كما كنت أفعل بالسابق ..
أنا كبرت يا أم ولذلك أخفيت عنك أخباري .. لكنك تبقين أمي النور الذي يضيء لي حياتي .. الأمل الذي أتنفسه كل يوم .. الحلم الذي أحلمه كل ليلة .. الحضن الذي لا أشعر بالآمان إلا حين أهبط فيه فارة من أفكار تهاجمني كل ثانية .. تقض مضجعي ..
هل كبرت فعلاً يا أم .. هل ودعت الطفولة .. وهذه الدمية ماذا أفعل فيها .. وهل ستعد حقائبها هي الأخرى وتذهب للدراسة ؟
ومع ذلك أعدّي لنا القهوة يا أم فطفلتي اليوم كبرت .. أنا وهي كبرنا .. ولم يعد هناك من طفلة إلا دميتي .. أعدّي لنا القهوة يا أم أنا وطفلتي الكبيرة سنشربها معك ذات صباح حين ينتشر الصباح دون استئذان على مساحات السماء ويمطر وروداً تزين فيها طفلتي خصلات شعرها وأزين فيها بقية عمري .
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟