|
منعطف مصر التاريخي!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3636 - 2012 / 2 / 12 - 10:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان آخر منصب شغله عمرو سليمان هو منصب نائب رئيس جمهورية مصر العربية (من 29 كانون الثاني حتى 11 شباط 2011).
ولقد دَخَل هذا الرَّجُل التاريخ، في أقلِّ من خمس دقائق، وبصفة كونه صاحب القول الشهير الآتي: "قرَّر الرئيس محمد حسني مبارك أنْ يتخلَّى عن منصب رئيس الجمهورية، وأنْ يُكلِّف المجلس الأعلى للقوَّات المسلَّحة بإدارة شؤون البلاد".
ومع ذلك، يُوْصَف الرئيس حسني مبارك بـ "الرئيس المخلوع"؛ وهو الآن "سجين"، وقَيْد المحاكمة.
وكم أدهشني وحيَّرني "صَمْتُ" الرئيس المخلوع في هذا "الأمر الجَلَل"؛ ففي محاكمته، التي لم تنتهِ بَعْد، وعلى ما استغرقته حتى الآن من زمن طويل، لم أسمع هذا "المُحاكَم" يتكلَّم عن هذا الأمْر، موضِحاً هل قرَّر فعلاً التخلِّي عن منصب رئيس الجمهورية، وتكليف "المجلس العسكري الأعلى" بإدارة شؤون البلاد، وتكليف نائبه عمرو سليمان بإذاعة هذا القرار (المنسوب إليه).
إنَّني لمتأكِّد تماماً أنَّ الرئيس مبارك قد خُلِع خَلْعاً، ولم يكن بكامل "قواه الرسمية" عندما أذاع عمرو سليمان باسمه (أو نيابةً عنه) هذا البيان، أو القرار، وأنَّ "المجلس العسكري الأعلى"، وربَّما بالتشاور والتنسيق مع من يهمُّه الأمر في الخارج، هو الذي خَلَع الدكتاتور مبارك، وكلَّف نائبه عمرو سليمان بإذاعة ذاك البيان.
ولقد حَكَم هذا المجلس البلاد، وما زال يحكمها، مُسْتَمِدَّاً "شرعيته" في "الحُكْم الانتقالي" لمصر من "تكليف" الرئيس المخلوع (السجين والمُحَاكَم من ثمَّ) له بإدارة شؤون البلاد!
وبهذه "الحيلة" كفى "المجلس العسكري الأعلى" نفسه شَرَّ إظهار "فِعْل الخَلْع" على أنَّه "انقلاب عسكري"؛ ولم يُقيِّد "لسانه"، من ثمَّ، بـ "الشرعية" الكامنة في العبارة الشهيرة التي بها يستهل قادة الانقلاب العسكري بيانهم، ألا وهي عبارة "باسم الشعب.."، والتي كان ينبغي لهم تغيير كلماتها، في "مصر 2011"، بما يجعل حُكْمَهم (الانتقالي المؤقَّت) مستمدَّاً شرعيته من ثورة الخامس والعشرين من يناير، أيْ من "ميدان التحرير"؛ وإنَّه لأمْرٌ لو تَعْلَمون عظيمٌ!
أنْ يثور الشعب على الدكتاتور فهذا أمْرٌ لا يعني دائماً أنْ يأتي خَلْعه وإطاحته من طريق ثورة الشعب؛ فإنَّ "الضغط الحراري" الشعبي الثوري، والمتأتِّي، في المقام الأوَّل، من "ميدان التحرير"، تسبَّب، بلغة "الفيزياء السياسية"، بانحلال وتفكُّك هذا "المُركَّب السياسي"، المسمَّى "نظام حكم مبارك"، فما كان من أهمِّ مُكوِّن من مُكوِّناته، وهو "المؤسَّسة العسكرية"، مع "مجلسها الأعلى"، إلاَّ "التضحية بالرأس"، إنقاذاً لِمَا يمكن إنقاذه من "الجسد"، ومن أعضائه، التي في مقدَّمها هذه "المؤسَّسة"، التي لديها، ولدى "مجلسها الأعلى"، من المصالح (الثقيلة) ما يَحْملها على، أو يضطَّرها إلى، أنْ تفعل كل ما من شأنه أنْ يحفظ هذه المصالح ويصونها.
و"النِّصْف الآخر" من "المهمَّة"، أيْ من مهمَّة "قادة الانقلاب العسكري (المستتر)"، كان "التبريد" و"التَّنْفيس"، أيْ تبريد الثورة، وتخفيف الضغط الشعبي الثوري، من طريق "تَبَنِّي" العسكر لثورة الخامس والعشرين من يناير؛ لكنَّ هذا "التَّبَنِّي" كان "مُغْرِضاً"، أيْ بـ "غَرَض" جَعْل هذا "الجَبَل الثوري الشامخ" يتمخَّض، فيَلِدَ "فأراً"، هو كناية عن "إصلاح سياسي وديمقراطي ودستوري"، يسمح ببقاء أُسُس نظام الحكم الذي قُطِع رأسه، وببقاء "المؤسَّسة العسكرية" كـ "دولة في داخل دولة"، وكـ "رَقَبَة" تُحرِّك "الرأس الجديد"؛ وكأنَّ "إصلاح" نظام الحكم القديم، لا هَدْمه من أساسه، والقضاء عليه، هو الغاية التي من أجلها نَزَل الشعب إلى الشارع!
لقد ضحَّى "المجلس العسكري الأعلى" بـ "الرأس"؛ ثمَّ شرع يُدير ظهره للثورة ومطالبها، مستميلاً بـ "الرَّشوة السياسية" جماعة "الإخوان المسلمين"، من طريق إجرائه انتخابات برلمانية، تَضْمَن لهم، بقانونها ونظامها وظروفها وتوقيتها، الهيمنة على "مجلس الشعب".
وها هو الآن يتوفَّر على الإعداد والتهيئة لِمَا يرى فيه "مِسْك الختام"؛ فهو يُمهِّد دستورياً (وسياسياً وإعلامياً ونفسياً..) لانتخابات رئاسية، تأتي برئيس جديد، لديه من الأهلية والخواص السياسية ما يجعل "المؤسَّسة العسكرية" مُطْمَئنَّة على مصيرها، وواثقة بسير الأمور بما تشتهي مصالحها الفئوية.
ولن يُحيل حكومة الجنزوري (التي جاء بها) على التقاعد، سامحاً لجماعة "الإخوان المسلمين" بتحويل "وزنهم البرلماني" إلى "وزن حكومي (معادِل)"، إلاَّ بعد أنْ يفوز هو بـ "الجائزة الكبرى"، وهي الإتيان برئيس للجمهورية، عسكريَّ الرأس، مَدَنيَّ القَلْب!
و"المجلس العسكري الأعلى" يكفي أنْ يَظْهَر على حقيقته هذه حتى يصبح هو نفسه "المُحرِّض الأعظم" للشعب على "العصيان المدني"؛ فثورة الخامس والعشرين من يناير حان لها أنْ تقطف هي لا غيرها ثمارها!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المادية- في التفكير!
-
-الأكوان الأخرى- و-إشعاع هوكينج-!
-
في إشكالية -الأبعد- و-الأقدم- في الكون!
-
-الصراع الدولي- الكامن في -الربيع العربي-!
-
الإيجابية الكامنة في -الفيتو المزدوج-!
-
في -التَّزامُن- Simultaneity
-
في -الاقتصاد السياسي- ل -الربيع العربي-
-
أهي -ديمقراطية- أم -دينقراطية-؟!
-
ما معنى -انحناء الزمن-؟
-
ما يَسْتَحقُّ الاهتمام في -المبادرة العربية-!
-
دُوَلٌ لنفي الحقوق!
-
-25 يناير-.. ثورة بدأت ولم تنتهِ!
-
-المستقيم- في فضاءٍ مُنْحَنٍ
-
-سَدُّ الذرائع- إذ أصبح سياسة فلسطينية!
-
شيءٌ من -فلسفة التاريخ-
-
شَرُّ البليَّة ما يُضْحِك!
-
-الزمن- إذا -تمدَّد-!
-
أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
-
مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
-
مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|