عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 3634 - 2012 / 2 / 10 - 20:48
المحور:
الادب والفن
مخطوطة الأعشاب الغامضة
" لقد تصوّرك لبّي ، كاملا كالبطل على أهبة القتال
فإذا بيَ أجدك ضعيفا مضطجعا على ظهركَ
فقل لي : كيف دخلت في مجمع الآلهة ، و وجدت الحياة الخالدة ؟ "
جلجامش يخاطب أتونبشتم / ملحمة الطوفان / ترجمة طه باقر
_________________________________________
مثل نبي جُنَّ من مقالب شعبه ، أقطعُ الليل جيئة وذهابا ، رغم أني كتبتُ ما قد رأيتُ : هي رؤيا تجلّت لي وحدي ، في لحظة نادرة ، فأخلصتُ لها .
الطوفانُ نثر ، وهو يقتربُ ، والهروب شِعر ، وما من مَهرب إلا الخيال : لا غابة أو بستان في هذه البلدة ، وأنا لم أجمع خشبا لبناء السفينة .
- " إذهب إلى الجحيم أنتَ والشعر والطوفان ، أما نحن فسنعتصم بالجبل ".
وما من جبل ، وهذا ما يجعلُ الأمر محيّرا : لم أدّعِ الشِعر ، فأنا عادة لا أخبر أحدا عما أكتبُ ، مع ذلك فهم يخنقون الاشراقة ، و يؤدون أدوارهم بإتقان يبعثُ على الجنون .
ـ " لماذا تفعل بي هذا ، يا إلهي؟ "
صرختُ في معابد " شروباك " لكن لا يبدو عليه أنه كان يسمع ، وسط سيل الحجارة : ينبجسُ من مَسام الجدران ومن النوافذ ، وأنا راكع أمام تمثاله الضخم ، فخرجتُ حزينا ويائسا إلى البيت ، ثم جلستُ القرفصاء في زاوية نفسي .
أظنني استغرقتُ طويلا في التحديق إلى مخطوطة القصيدة . ربما توغلتُ عميقا في داخلها : حفرتُ الليل والنهار ومشيتُ، محاطا بقبائل الأرق ، حيث لا أرض هناك ولا سماء ، حتى خـُيـّل إلي أني قد اخترقتُ العصور ، فرأيتُ ما رأيتُ : جلجامش ، في الأخير ، منهوش القلب ، يطرق بابي ، بحثا عن سر الخلود .
إن الأمر ليس إلا تلك الأعشاب الغامضة في أقاصي الباطن ، تنمو فتأخذ شكل قصيدة . آه ..مَن يقنع هذا المجنون أن الشاعر ربان تائه ؟!
مَن يقنعه أن أكتاف الشاعر مثل سفينة ، يلقي عليها الشِعرُ أمتعة ثقيلة جدا ، قبل أن يمنحه موهبة العبور فوق مياه الأبدية ، وحيدا ؟!
____
شروباك / المدينة التي كان يعيش فيها اتونابشتم ، بطل الطوفان ، قبل حدوث هذا الأخير
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟