أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ييلماز جاويد - مِنَ الذاكرة














المزيد.....

مِنَ الذاكرة


ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)


الحوار المتمدن-العدد: 3634 - 2012 / 2 / 10 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنا معتقلين ، ونحن سبعة عشر، في غرفة بأبعاد مترين إلى مترين ونصف ، في شقة في شارع الشيخ عمر تعود للحرس القومي ، لمدة خمس وأربعين يوماً ما رأينا فيها ضوء الشمس ، دع عنك ما كنا نلقاه من تعذيب جسدي و إهانات يمارسه أفراد الحرس القومي لا لشيئ بل للتسلية أحياناً وإفراغ حقدهم الذي لا يماثله غير سم الأفاعي . في يوم ، في منتصف حزيران ، تمّ نقلنا وغيرنا من أماكن أخرى إلى معتقل آخر ، أهم ما يتميز به أن حراسه من الجيش ، فلا تعذيب و لا إهانة ، و فيه ضوءٌ وأشعة شمس . المعتقل الجديد ، كان إسطبلات الخيالة الواقعة قبالة البلاط الملكي السابق . كل إسطبل بأبعاد أربعة أمتار إلى حوالي الثمان أمتار ، له بابٌ مغلقٌ حسبما تتطلبه التعليمات . حُشرنا في واحدة منها وكنا ستاً وأربعين ، ليس للفرد منا أكثر من 70% من المتر المربع . هناك ثلاثة أو أربعة فتحات بدل الشبابيك في إرتفاع يزيد عن ضعف قامة شخص متوسط في الطول . كان يسمح لنا بالذهاب إلى المرافق الصحية مرة في اليوم خارج الغرفة و كنا نتمتع بزيارات الأهل الشهرية . كانت الحكومة تخصص لنا مخصصات معيشة كما للسجناء العاديين والتي تساوي خمس ما كان للسجناء السياسيين ، وكانت لجنة من بيننا تقوم بمهام التسوّق وإعداد الطعام . كان الخامس من تموز اليوم الأول الذي سمح لنا فيه بالمشي في ساحة المعتقل منذ إعتقالنا في شباط . وكان منظر أجساد المعتقلين مريعاًً بما كانت تظهر عليها من آثار التعذيب الوحشي وأماكن جروح من ضربات ( الصوندة ) ( أي الكيبل الكهربائي مقطوع بطول يقارب المتر الواحد ) التي كانت لجان التحقيق تستخدمها للحصول على الإعتراف من المعتقلين .

كانت النساء والأطفال تحضر في أيام المواجهات الشهرية مبكرة لعدم وجود موعد محدد للسماح لهم بدخول المعتقل ورؤية أبنائهم . وقد كانوا ينتظرون في تلك الأيام الحارة من تموز وآب ساعات طويلة و تحت أشعة الشمس الحارقة ، حتى يقرر مسؤول المعتقل فتح الأبواب لهم : فهذه أم جلبت لإبنها كعكة ( شباك الحبايب ) ، وتلك زوجة طبخت ( الدولمة ) لزوجها وهذه طفلة تعلقت بعنق أبيها تأبى أن تتركه . كل عائلة تنتهز الفرصة لتبحث أوضاعها وتبني الآمال ، إلا القليل الذي لم يحالفه الحظ بزيارة من حبيب أو صديق أو فرد من العائلة .

كانت العلاقات بين المعتقلين يسودها الود والتعاون : فهؤلاء يلعبون الشطرنج وأولئك مشغولون بحياكة النمنم وغيرهم مشغول بممارسة بعض التمارين الرياضية أو تحضير الشاي . ومع ذلك كان البعض يتجمعون في مجموعات صغيرة ، حسب تقاربهم النفسي وتوافق أفكارهم ، فكان لي مثلاً نوري و موسى ، أذكر لهما الكثير من المواقف الأخوية الجدية والهزلية . التي تساعد الفرد على تحمّل قسوة الحياة في المعتقل . كان نوري يحملني على كتفيه لأقف وأنظر عبر واحدة من الفتحات المسماة شبابيك وأرى ما إذا جاء أحد من أهلي للمواجهة . وقد أنزل فرحاناً أو زعلاناً ، ولا أدري كيف كنت أعبر عن حالتي النفسية ، ولكن موسى كان يقلدني مستهزئاً وهو يفرك يداً بيد ويخاطب نوري قائلاً ( ولك داد .. جايّه ) والظاهر كان ذلك تعبيراً مني عندما كنت ألمح خطيبتي بين الحاضرين . وكذلك كان موسى ، وكان صغير الحجم ، يلف جسمه كله باللحاف بعد إنتهاء المواجهة ، ويستلقي على فراشه الملاصق لفراشي ، وعندما كنت أعود محسوراً أسمعه يغني ( للناصرية .. للناصرية ) ، وكان اللحاف الذي يغطي جسمه يحميه من ضرباتي ، وتنقلب حالة النفوس ويبدأ يوم جديد رتيب .

كان يوم الثامن عشر من تشرين الثاني ، بعد نجاح الإنقلاب العسكري ، من أيام الفرح التي مرّت علينا ، ونحن نرى أن جناحاً من المعتقل قد أفرز للبعثيين وأفراد الحرس القومي الذين كانوا جزارين بالأمس ونراهم اليوم جرذاناً تخاف خيالها . لقد إنطوت في هذا اليوم صفحة من تاريخ العراق ، وبدأت صفحة ، تلتها صفحات ، و لا زلنا شعباً بين معتقل أو مهاجر ، وبلدنا منحدر لا ندري أين ومتى يقف تدهوره .



#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)       Yelimaz_Jawid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدراكُ ثمّ العمل
- قضيّة قانونيّة
- القياسُ بمكيالين ! !
- فحوى المؤامرة الجديدة
- فلسَفتان . . .
- بعثُ البعثِ مُجدّداً
- الجماهيرُ هي الضمانةُ
- مَنهَجيّةٌ عَمَلية
- كذِبَ السياسيون .. وإن صَدَقوا
- بيانٌ ختاميٌّ مُهَلهَل
- ( شراكة وطنية ) أم محاصصة طائفية عرقية ؟
- مطلوب ... منهاج عمل
- مُستلزماتُ نهضةِ التيار الديمقراطي
- زراعةُ الحِقدِ !!
- موقِعُ الفدرالية في الديمقراطية
- كيف السبيل ... هنا ؟
- مَآلُ المُظاهرات !!
- المجرمون همُ المتاجرون بآلام الشعب
- العقوبةُ الرادعةُ
- مُبَرّراتُ غزوِ العراق


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ييلماز جاويد - مِنَ الذاكرة