عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 3634 - 2012 / 2 / 10 - 00:09
المحور:
الادب والفن
في تلك الليلة
في تلك الليلة ..
كانت " البروليتاريا الهلاميّة "
تتسكع ُ في شارع ِ " أبو نؤاس "
وتحتسي بأفراط
بيرة " الهينيكن " الأمبرياليّة ْ .
وفي ذات ِ الليلة ْ
كانت جوقة ٌ من " اليسار ِ الثوري ّ "
تعزف ُ" النشيد الأممي ّ " سرّا ً
هناك َ ..
عند منتصف الليل
في " بار البيضاء " المجاور ِ
" لراهبات ِ التقدُمَة ْ " .
***
هناك ..
في تلك الليلة
كان السكارى المبتدئون
يتأبطون آخر إصدارات " دار الطليعة " .
وهناك َ ..
قرأت ُ لهُمْ
/ منتشيا ً برائحة " الحبّة ِ الحُلوَة ِ " /
رواية َ " الأشجار واغتيال مرزوق ْ " .
ولأنّ َ لا أحدَ كان َ يُنصت ُ لي
فقد جاء " عبد الرحمن منيف "
وربَت َ على كتفي
وقال : لا بأس عليك
واقتادني خارج البار
وأسندني إلى جدار " مدرسة الراهبات "
/ المُطِل ّ ِ على الشاطيء /
وتركني هناك ..
وحيدا ً مع الليل
حيث ُ اشتقت ُ إليك ِ
لأوّل مرّة ْ .
***
لا " تشي غيفارا "
كان ينتمي إلى أحراش ِ " بوليفيا "
ولا " الدالاي لاما "
كان ينتمي إلى " التبت ْ "
ولا الدبّ ُ الأبيض ُ
كان ينتمي إلى القطب الشمالي ّ
ولا الحزن ُ كان ينتمي للعراق ْ
مثلما كان قلبي
ينتمي إليك ِ
في تلك َ الليلة ْ .
***
لم ْ تكن ْ الأشجار ُ قد ْ أقتُلعَت ْ بَعد ْ .
وكان " مرزوق " مازال حيّا ً .
لكن الخوف القادم في تلك الليلة
كان يجعل ُ سماء َ بغداد
سوداء جدا ً .
***
كان جسدُك ِ صغيرا ً
ومكتّظا ً بالتفاصيل ْ
/ مثل عُمْر ٍ عابر ْ / .
وكانت ْ قبلاتي النازحة ُ جنوبا ًْ
بطيئة ٌ جدا ً .
وكنت ُ أقطع ُ المسافة َ
مابين شَعْرَك ِ
وأصابع َ قدميك ِ
في أكثر َ من ألف ِ عام ْ .
***
ما هذا .. ؟
لماذا يبدو كل شيء ٍ في تلك َ الليلة ِ
أكثر بهجة
مِن ْ غد ٍ
لم ْ تكوني في لحظة ٍ ما
موجودة ً فيه .
***
ها هُن ّ َ ..
كُلّهُن ّ أجمل ُ منك ِ
/ عندما كان الزمان ُ جميلا ً
في تلك الليلة ْ / .
غير أن ّ الروح َ الآن َ
قد ْ كفت ْ عن النبْض ِ
ولم ْ يعُد ِ القلب ُ يجْفل ُ
كلما أقتلعوا نخلة ً
من بستانك ِ البهيّ
وصادروا رائحة الطلْع ِ
من شفتيك ِ البرحيّتين ْ .
***
في الصّف ِ الأوّل ِ
من آخر ِ العُمْر
سأذهب ُ إلى مدرسة ِ الصحراء ِ
لأتعَلم ّ سببا ً واحدا ً
يجعل ُ ماء دجلة مُر ّ المذاق
وليس ثمّة بئر ٌ واحدة ٌ في الأفقْ .
***
في الصفّ ِ الأوّل ِ
من آخر ِ العُمر ْ
سأعود ُ إلى مدرسة ِ الصُدْفة ْ
لأتعَلم ّ سببا ً واحدا ً
يجعل ُ اللقاء َ بك ِ مُمْكنا ً
ومُدْهِشا ً
كما كان َ في تلك َ الليلة ْ .
***
إنها أربعون َ عاما ً ..
أربعون َ عَقدا ً ..
أربعون َ قرْنا ً ..
لم ْ تكُن ْ كافية ً كما يبدو
لأكتشاف ِ الأشياء ِ الصغيرة ِ
التي غابت ْ عن الروح ْ
في تلك َ الليلة ْ .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟