أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عارف معروف - ليلة زفاف - صمود مجيد - !















المزيد.....

ليلة زفاف - صمود مجيد - !


عارف معروف

الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 16:35
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    



كانت "صمود" وردةً بيضاءَ. كانت بلورةً نقية ،وعلى شفتيها الورديتين النديتين ، كان يمكن ، دائما ، رؤية قطرةَ حليبٍ صغيرة .كنا منبهرين بذكائها الوقُاد ، وكانت امها ( نظيرة البناء)تغمض جفنيها ، وهي تضحك في سرها ،على حلم واسئلة... اي فتحٍ ستحقق هذه الفِطْنَةُ البِكْر ؟ اي مسارٍ ستختطُ....واي لب ستخلبُ ! منْ ، تُرى ، سيكون كفء هذه الزهرة المتسائلة المتفتحة بقوة .... واي عريس سيستحقها .... آه ... صمود....
لأن الموتى الصغار لايكبرون ابدا " صرِتْ انا اكبر وشادي بعدو زغير ... عمْ يلعبْ ع الثلجْ "، ماتزال صورة " صمود " بمعطفها الاصفر النظيف ،بعينيها السوداوين البراقتين مثل ياقوتتين ، بشعرها الاسود " الولاّدي " القصير ....محفورة في ذاكرتي،طرية فاعلة..كانت"صمود" منجم كلمات كبيرة...وكنا ، شأننا مع الاطفال ،ياخذنا الانبهار والتوقع مع كل كلمة او جملة ..... كانت احلامها تحلق بعيدا عن احلامنا جميعا ...كانت تمد اصابعها البيضاء النحيلة فتمسك حلما او نجمة او كوكبا! وكانت كلمة " مستحيل "، بالنسبة لها ، عصّية على الادراك والفهم، في الوقت الذى كانت فيه هذه الكلمة تركب الاظهر المقوسة والكواهل المنحنية عند كل منعطف!
آخر صورة في ذهني لصمود كانت في ربيعها الثالث عشر ، وكانت ،مثل الربيع، واعدة متفجرة....
لكن السماء كانت مكفهرة والارض كانت تتمخض عن مسخها القاتم الهجين، مسخها الذي حملته منذ عقود،كان مسخا بلا هيئة او شكل انما كتلة لزجة معتمة لاتلعق سوى الدماء والمزيد من الدماء، ولا تقتات بسوى الموت والمزيد من الموت ، ولا تنفث الا ريح خبيث....وكان الصدى يُرجع كلمات نبؤة العراف القديمة، نبؤة ذاك الذي رأى..."اخذها الماي ازيرج واحرك النطفة ...احركها يجدي لا الكمر يطفه ..
احركها يجدي لا الشمس تطفه ....
لا تولد نسل من البشر ... خنزير "!!(1)
بيد ان الخنزير كان قد اكتمل ليطلقه رحم الظروف واشرأب برأسه المسخ.
لف الخنزير كل شيء بروحه القاتمة، بعواطفه المنحطة ، وبريحه الخبيثة الصفراء، غاض البِشرعن كل وجه. اضمحل الحلم في كل قلب .وتيبست الابتسامات على الشفاه... اختفى الاصدقاء واحدا واحدا...لم تعد هناك عائلة تدعى عائلة "مجيد الخياط" في سجلات المكان والوجود وخلدت فقط في ذاكرة المحبين ، كُذب على الله كما كان يُكذب دائما " انت لم تخلقهم وليس لهم وجود على الارض ،هنا ،ولم تسجل آثارهم...واذا كنت قد خلقتهم فاننا امتناهم والينا يرجعون!
مجيد الخياط...رب العائلة الحالم بمستقبل اولاده...(2)
زوجته " نظيرة البناء " كتلة الاحاسيس والعواطف والامل...
نوفل مجيد، طالب هندسة النفط..
ميسون مجيد ،طالبة كلية الاسنان ...
مي مجيد، طالبة الادارة والاقتصاد ...
نبيل مجيد، طالب ال...
سوسن مجيد ،طالبة ...
لم يعد اي منهم يعرف باي منهم ، غير انهم ،جميعا ، صيفوا في منتجع مسالخ العذاب والملح السوداء، ودار عليهم في منتجع الموت ،ذاك، نادل جهم الوجه وحشي القسمات ...دار عليهم " ابو وداد "(3) في مضيفه العامر الذي لم يخل ابدا ، طوال سنوات الجمر ،من ضيوف..دار عليهم بكؤوس القتل والغياب .
لكن " صمود "، ابنة الثالثة عشرة ،كانت موثوقة الى سلم حديدي في دهليز رطب مظلم عبق بروائح زنخة لانها لم تكن قد بلغت السن القانونية ، سن الشنق الحلال !
اية مهزلة ، اي سريالزم ، ماكانت تتفتق عنه اكثر الخيالات شيزوفرينيا ، مراعاة السن القانونية للشنق ، هكذا كانت مسخرة الجهل والعماء حاكما وقاضيا ، يسحق بحذائه الغبي الثقيل كل قيمة انسانية ويداري منها الشكل فقط، لابد من بلوغ السن القانونية لتحل ضيفة على " ابو وداد " بعد ان مزقت طفولتها الكيبلات والحرق باعقاب السكائر والضرب المبرح بالهراوات والصعق بالكهرباء!!
واذْ تنتظر العذارى اعراسهن ، اذ يحلمن بفارس الاحلام ياتي على حصانه الابيض... اذ يمسكن بزهرة ويداعبن بها شفاههن ثم يسقطن اوراق تويجها واحدة واحدة، حالمات متنبئات ، كانت " صمود "على مدار سني السجن الخمسة، تمسك زهرة ايامها الذابلة ... تسقط اوراق تويجها واحدة واحدة ، بانتظار المنون!
مثل تلك الاحجية عن السباق المعكوس، حيث يكون الحصان الاخير هو الحصان الفائز ، كان على "صمود" ان تدرج نحو الثامنة عشرة ، لا لكي تبدأ بل لكي ..تنتهي ، لا لكي تحيا بل لكي ..تموت !
واكتسب فارس احلامها الجميل ، شيئا فشيئا ، ملامح الخنزير ... " ابو وداد "... ستزف صمود .. الجميلة .. المتألقة ... الوقادة ... الى "ابو وداد".... "هودج عرسج ابنيتي..ثجيل وشايلاته الحور "....(4)
تحولت جدران غرفة عرسها المرتجاة من الابيض والوردي والبراق الى الاسود والمكفهر والكالح الملطخ بالدم ...
في ليلة العرس ، ليلة الزفاف ، ليلة بلوغها الثامنة عشرة ، كانت " صمود " هادئة ، صامته ، متامله ... وكانت عيناها البراقتان،اللتان احاطت بهما هالات حور رمادية من عذاب عميق ... وادعتين ,عميقتين ونافذتين ، كانهما تريان ما لايرى .. بل انهما ، فعلا ، تريان ما لايرى ...ابصرت امها، التي اضاعتها في غيهب اللجة السوداء ، امها الحانية ، تزرر ثوب عرسها ، احستها وهي تسوي خصلات شعرها وتثبت اكليل الزهر الابيض ... اكليل الشوك على رأسها ...شعرت باصابعها الحنونة وهي تمر على ذيل ثوبها " التول "كما شهدت وجوه اخواتها وهن يزغردن مستبشرات ... وابيها ، ببدلته الزرقاء الانيقة ، يرد بحرارة على الاكف المصافحه المهنئة ....سارت "صمود" مشرأبة .. على شفتيها ظل ابتسامة .. هاهي تتحرر من عذاباتها اليومية ،هاهي تتحرر من توجسها اليومي ، ومن ذكرياتها وتساؤلاتها عن مصير الاحبة .. اخيرا ستلتحق بهم وتجلس وسطهم وتبوح لهم بكل ما تدخره من بوح!
لم تكن " صمود " منكسرة ابدا ... واجهت الخنازير بنظرة ازدراء ... كانت كبيرة وعصّية...مرت بهم كجبل ينظر من علياءه الى خنافس منحطة... بامكانك ان تقتلني ولكنك لن تهزمني ....
تلقفتها براثن نادل الموت" ابو وداد "وهو يسقيها بكأس ضيافته... كأس " البعث" من صينيته الاثيرة التي، لم يبدع سواها،والتي سقى ، من حميمها ، العراقيين افواجا : عصير دماء متخثرة و" شربت " زبيب جثث ....مضمخ بعطر ياسمين كنارات وكيبلات ومشانق! وكل ما يمكن ان تتفتق عنه عبقرية خنزيرمنغولي هجين.... لكن صمود تناولت كأسها وشربته حتى الثمالة وهي تحلم بالاحبة وبالعراق وبيوته آمنة مطمئنه وشوارعه نظيفة لامعة وحدائقه مزهرة واطفاله معافين حالمين وبناته واثقات واعدات ورجاله شم واحرار ونخيله متطاول مشرأب!
------------------------------------------------------
(1)مظفر النواب
(2) اعدم نظام الجريمة المقبور عائلة مجيد الخياط جميعا،خلا ( كفاح) التي نجت بالصدفة وكانت " صمود " آخر العنقود في الثالثة عشرة حينما اعتقلت !
(3) الجلاد الذي كان يتولى تنفيذ احكام الاعدام في سجن ابو غريب
(4) مظفر النواب" هودج عرسك وليدي ثجيل وشايلاته الحور "



#عارف_معروف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية ...هل هي سبب معاناة العراقيي ...
- سرطان الفساد يهدد مستقبل ووجود العراق ... هل ثمة امل ؟ الجزء ...
- دولة المواطنة ضمانة الشعوب ضد التمييز القومي والديني
- سرطان الفساد يهدد مستقبل ووجود العراق ....هل ثمة امل ؟ ..... ...
- ثورات العرب ضد عيدي امين داده!
- العراق ينتج السيارات وسيصدرها الى دول المنطقة! الضحك على الذ ...
- ميكافيللي المسكين !
- هادي المهدي... فزت ورب الكعبة!
- هل سيزهر ربيع العرب؟
- الحوار المتمدن..........عروة وثقى!
- عندما يصبح البعثيون طليعة المقاومة الوطنية الساعية لتحرير ال ...
- عندما يصبح البعثيون طليعة المقاومة الوطنية الساعية لتحرير ال ...
- الشيوعيون بين منهجية وحذق اللينينية ... وشيمة وحماقة العربان ...
- الحزب الشيوعي ومسالة السلطة السياسية ... بعض وقائع ما سلف !
- ! الحزب الشيوعي والتعويل على الاب الطيب
- شيء من التاريخ....... الستينات نموذجا !
- الحزب الشيوعي ... سبعة عقود في سوح الوغى والكفاح !
- الحزب الشيوعي ..... شيء عن علاقة الوعي بالواقع.
- الحزب الشيوعي العراقي .......سنوات التألق ومنحنى التراجع وال ...
- الحزب الشيوعي العراقي .. انعدام اللون والرائحة والطعم..... 2


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عارف معروف - ليلة زفاف - صمود مجيد - !