عماد مقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 14:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لفت نظري في الأسابيع الأخيرة الضجة الإعلامية التي أثيرت بسبب طرح قانون أمام مجلس النواب الفرنسي للتصويت عليه وهو تجريم إنكار المجزرة بحق الشعب الأرمني والتي جرت أحداثها سنة 1914-1915 في هضبة الأناضول على يد الجيوش العثمانية وذهب ضحية ذلك بين المليون والمليون والنصف من الشعب الأرمني رجال ونساء شيوخ وأطفال ومعهم كذلك مئات الألاف من السريان والأشوريين ، وكما روى لنا أجدادنا أن مياه نهر الفرات كانت حمراء اللون لأيام عديدة . وفر أعداد كبيرة من الأرمن من هضبة الأناضول تاركين أراضيهم وبيوتهم ووطنهم لينجوا بأنفسهم من القتل الجماعي من قبل الجيش العثماني والذي بدأ بتطهير هضبة الأناضول من الأرمن لإختلافهم عنه بالعقيدة . والتجأ الفارون الى سوريا ولبنان والعراق ، حيث أستقبلهم السوريون باختلاف أطيافهم في بيوتهم وقراهم ومدنهم ومدوهم بكل مايحتاجون إليه وواسوهم ومع الزمن أصبحوا مواطنيين بمنحهم الجنسية السورية , ونحن في سوريا نفتخر بوجود الأرمن معنا يشاركوننا في كل شئ ويخدمون العلم والوطن مثل كل السوريين , وهكذا كان ذلك ماجرى في لبنان والعراق حيث استقبل الأهالي الأرمن الفارين وعاملوهم مثل معاملتهم في سوريا .
السيد أردوغان اعتلى منبر البرلمان التركي وبدأ متوترا وفاقد السيطرة على أقواله وبدأ يهوج ويموج ويزبد , يرعد ويبرق يتوعد ويهدد فرنسا بعقوبات شديدة في حال طرح هذا الموضوع على التصويت , ناكرا ارتكاب العثمانيين مجازر ضد الشعب الأرمني ، ومتهما الأخرين بارتكاب المجازر . وتم عرض فيلم فرنسي في تركيا عن (الهولوكوست ) المجازر التي إرتكبها النازيون بحق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية . وأريد تذكير السيد أردوغان أن الإلمان أقروا وأعترفوا بالمجازر التي إرتكبها أسلافهم وكفروا عن أخطائهم ومازالوا على ذلك ويوجد قانون في إلمانيا وفرنسا بتجريم إنكار المذبحة بحق اليهود.
والذي دفعني للكتابة ماشاهدته منذ مدة على التلفزيون الإلماني القناة الثانية ليل الأربعاء 25/01/2012 وصباح الخميس حيث استقبل التلفزيون الإلماني القناة الثانية باحدى برامجه الإجتماعية وبحضور عدد كبير من المشاهدين إحدى ضحايا النازية ومن اليهود اللذين أنقذو من الموت بسبب نهاية الحرب العالمية الثانية . السيدة هي يهودية كبيرة بالعمر الآن حيث كانت بعمر 5 سنوات عندما سيقت مع أختها التوأم ووالدتها ووالدها إلى السجون الإلمانية بعهد هتلر . وكانت تتسائل كطفلة هل ولدت بالطائفة الخطأ والبلد الخطأ . وفي إحدى الأيام أخذو والدتها ولم ترها بعد هذا اليوم وتحكي كم كان الفراق عن الأم قاسيا . ونشرت المحطة صورة قديمة بالأبيض والأسود لها ممسكة بيد والدتها يتقدمون أعداد كبيرة من الأسرى في أحد السجون النازية . فاخذوا بعدها كمجموعة من الأطفال متقاربي العمر الى مكان حيث نزعت عنهم ثيابهم وصوروهم بدون ثياب , وكذلك نشرت هذه الصورة بالتلفزيون الإلماني . وفي سجن الأطفال كان معهم طبيب إلماني نازي وكان يلاطفهم ويتعامل معهم بود ولطف وأمنو جانبه , وبدأ الطبيب يعطيهم عقارات وبعد أيام سائت الحالة الصحية للأطفال ( تجارب أدوية على الإنسان ) وتم نقل الأطفال الى المستشفى للعلاج , وسمعت الطفلة من الأطباء أن حياتهم في خطر وسوف يفارقون الحياة , ولحسن الحظ أن حالتهم الصحية قد تحسنت وتزامن ذلك مع نهاية الحرب العالمية الثانية . وتم نقل الأطفال الى الولايات المتحدة الأمريكية حيث ترعرعت مع أختها التوأم . لم تتكلم عن معاناتها ومأساتها حتى العام 1985, وأخيرا ألفت كتاب عن مأساتها وذهبت منذ فترة بسيطة الى المكان الذي سجنت به في إلمانيا حيث احتفل بها الإلمان ، وقابلت أحد السجانيين حيث سامحت وتقبلت الإعتذار . وتم استقبالها بالتلفزيون الإلماني الشهر الفائت حيث تحدثت في برنامج تلفزيوني أمام أعداد كبيرة من المشاهدين وللشعب الإلماني عن معاناتها ومأساتها في السجون النازية .
الملفت للنظر كيف تفاعل معها الحضور من الشعب الإلماني , كنت ترى الأسى على وجوههم كيف كان الدمع يعانق الأعين لتقترب من البكاء , والصمت كان سيد الموقف , والكل يسمع لقصتها ومأساتها بتلهف , والكل أبدا لها المحبة الصادقة .
هكذا ومن المشهدين ياسيد أردوغان نتعرف على الشعوب الحضارية والتي تصالحت مع ماضيها واعترفت بالجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها أ سلافهم وسنت القوانين اللتي تجرم انكار الجرائم ضد الإنسانية وكيف تستقبل الضحايا وتعتذر عن ماضيها وبين الشعوب والحكومات اللتي لاتريد أن ترى وتعترف بجرائمها وجرائم أسلافهم عبر التاريخ الإنساني الملئ بالجرائم ومازالت تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية ترتكب الجرائم بحق الأكراد , كما ارتكبتها ضد السوريين على مدى الإستعمار العثماني الذي استمر 400 سنة, ومازلنا نعيد في سوريا ولبنان بذكرى عيد الشهداء حيث تم شنق خيرة المفكرين والسياسيين في ساحات دمشق وبيروت سنة 1916 والشهداء هم من جميع الطوائف والأعراق . وأخيرا ستعترفون بالجرائم التي اقترفتموها والتي اقترفها أسلافكم مهما طال الزمن , وليعرف كل واحد أن الجرائم ضد الإنسانية لاتموت بالتقادم .
#عماد_مقدسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟