أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - حميد أبوعيسى ... بين الهندسة و الأدب















المزيد.....

حميد أبوعيسى ... بين الهندسة و الأدب


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 22:50
المحور: الادب والفن
    


ثروة العراق الحقيقية ، لا تكمن فى النفط أو الزراعة أو الصناعة أو أى مصدر آخر من مصادر الثراء ، بل فى العقول العراقية المبدعة ، التى يمكن أن تبنى – لو أتيح لها المجال - بلدا قويا و متقدما ، كما تكمن فى الأبداع الفنى العراقى – بالمعنى الشامل لكلمة الفن - الذى يضفى جمالا و معنى على حياة العراقيات و العراقيين .
و لكن مع تسلط زمر الجهل و التخلف على مقدرات العراق ، نفقد كل يوم مبدعا فذا فى مجالات العلم و التكنولوجيا و الأدب و الفن ,
بعضهم يقتل برصاص الغدر أو بالكواتم فى شوارع مدن العراق أو فى بيوتهم أو يقضى نحبه فى سجون النظام القمعى الفاسد .أو يموت قهرا و كمدا فى المنافى .
مناسبة هذا الحديث هو رحيل مبدع عراقى آخر فى المهجر ، و فى الولايات المتحدة الأميركية تحديدا و هو الصديق المهندس الفذ حميد عيسى أوراها . هكذا عرفته لسنوات طويلة *، حيث عملنا معا و مع مهندسين آخرين فى أواخر الستينات من القرن الماضى لوضع اللبنات الأولى للصناعة الثقيلة فى العراق .
كان ما يجمعنا ليس الهندسة فقط التى درسناها و عشقناها عشقا ، يبدو اليوم غريبا . بل صداقة عميقة الجذور ، لحمتها و سداها ، الأهتمامات الهندسية و الثقافية المشتركة .
عملنا معا خلال تنصيب الخطوط الأنتاجية و معدات المنشأة العامة للصناعات الميكانيكية فى الأسكندرية ، مهد الصناعة الثقيلة فى العراق ، التى تخرج فيها مهندسون بارزون ، تولوا فيما بعد مسؤوليات هندسية كبيرة و كان الراحل واحدا منهم .
فى الأسكندرية كنا نتبارى – خلال تنصيب المشروع – من ينجز أعلى نسبة من الخطة الشهرية المقررة . كنا فى عنفوان الشباب ،نعمل مع الخبراء الروس و يملأنا الأيمان بأننا نبنى عراقا متطورا علميا و صناعيا ، لا نعرف الكلل او الملل فى أكتساب خبرة جديدة مع كل يوم .
كان الراحل حميد عيسى اوراها و المهندس فاروق صفو ، هما المؤسسان الحقيقيان لقسم التصاميم و التكنولوجيا فى المنشأة المذكورة ، و هو قسم أنشىء لأول مرة فى العراق ، و يعد لب أو جوهر أى صناعة ، سواء أكانت خفيفة أم ثقيلة ، لأنه من دون تطوير تصاميم المنتجات بأستمرار لا حياة لأية صناعة قائمة .
و قد أصدرنا معا مجلة ( المهندس ) التى كانت تنشر البحوث الهندسية التطويرية الجادة، و سوف يأتى اليوم الذى يكتب فيه أحد الباحثين ، تأريخ الصناعة العراقية ، و لا أشك أنه سيقدر مدى أهمية أصدار مجلة هندسية رصينة بأمكانات مادية و طباعية متواضعة فى ذلك الحين . و لا أجد بعد مضى حوالى أربعة عقود من الزمن ، مجلة مماثلة فى مجال الصناعات الهندسية فى عراق اليوم .
و فى عام 1980 أنتقل الراحل الكبير الى المعهد المتخصص للصنات الهندسية ، رئيسا لقسم التصاميم و فى الوقت ذاته رئيسا لقسم البحوث و التطوير و كالة ، و خلال عمله الدؤوب ، ألف عدة كتب هندسية ، تعد رائدة فى مجالات الصناعات الهندسية .
و لكن النظام الصدامى المباد شأنه فى ذلك شأن النظام القمعى الرجعى القائم فى عراق اللصوص و مزورى الشهادات ، كان يضيق الخناق على المبدعين المستقلين ، حيث قتل غدرا و بكل خسة ثلاثة من أشقاء الفقيد ، و كانوا مبدعين كل فى مجال تخصصه.
فى 1993 كان الفقيد يبلغ من العمر خمسين عاما، حين احيل على التقاعد بناءا على طلبه، و أفتتح مكتبا هندسيا للتصاميم فى بغداد ، و لكن الأحداث العاصفة التى مر بها و أستشهاد أشقائه ،و أحساسه بالخطر المحدق به أضطرته الى الهجرة الى الولايات المتحدة الأميركية ، حيث عمل أستاذا للغة العربية فى احدى جامعاتها .
و لم تكن الهندسة فقط هى التى تجمعنا ، بل كان لكلينا أهتمامات جادة و معمقة بالأدب و الفن . نتاقش حولهما فى لقاءتنا .
كان الراحل أحد الكتاب البارزين لموقع ( الحوار المتدن ) حيث نشر عشرات القصائد العاطفية و الوجدانية و السياسية .
و فى المهجر كان قلبه الكبير ينزف دما على ما آلت اليه الأمور فى بلده ، و من يقرأ قصائده المنشورة بعد تسلط ( العراقيين الجدد ) على رقاب العراقيين ، نراه يدعو بكل ما أوتى من قوة التعبير لكنس الحثالات الحاكمة الى مزبلة التأريخ .

يقول الشاعر المهندس فى قصيدته ( نداء الرافدين ) :

كفانا بكاء ً وصبرا ًعقيما ً، كسيرَ الجناح ِ
كفانا انتظارا ً لنصر ٍ سيأتي بغير الكفاح ِ!
زمانُ النهوض ِ أتانا بخطـو ٍ شديد ِ اللحاح ِ
وصوتُ اليتامى ينادي الرجالَ لكبح الجماح ِ
كـفانا رضـوخا ً لعقل ٍ سفيه ٍ ، لقيط ِ اللقاح ِ!
عراقُ النهار ِسيبقى وضيئا ً بومض ِالسلاح ِ
ويعلو عزيزا ً، زهيَّ المروج ِ، أمين َالبطاح ِ
سيبقى معافا ً، غزيرَ العطاءِ ، عزيزَ الفلاح ِ
و يقول فى قصيدة له بعنوان ( سلاماً تونسَ الخضراءْ )
إرفعْ صراخَكَ حـدَّ أبوابِ السماءِ ولـقـِّـنِ الحكّامَ بيّاعي الـمذلـَّةِ والشـقاءِ
درسـاً مريراً كالـذي أهـدتهُ تونسُ لـلطـغاةِ الناهـبـيـنَ بلا حياءِ
إنهضْ عزيزاً واقلعِ الأوغادَ منْ بلدِ الحضارةِ والثراءِ
لـم يبـقَ فـينا ما يـقـدِّرنا عـلى ردِّ الـقـضـاءِ
غـير الـتـمـسُّـكِ بالعـدالةِ والشـفاءِ
مِـنْ ســمِّ أولادِ الـبـغـاءِ
أصـلِ الـوباءِ!

أننى اعندما أقرأ قصائده التى كتبها فى المهجر ، يخيل الى أن العراق الذى أعطاه عصارة فكره الهندسى ، كان لا يفارقه أبدا ، فمعاناة العراقيين تشغل فكره و وجدانه و تعصر قلبه من الألم الممض ، يحس بها و تهز كيانه فى كل لحظة . يقول فى قصيدة له بعنوان ( أينَ أحرارُ العراقِ؟! )

آهِ كـمْ حـلَّ الظـلامُ فـي بـلادي ** واستحالَ العـيشُ ؛ خـبزاً ومسـرَّةْ
كـلَّ ما يبغـيـهِ شعبي في الحياةِ **** أنْ يـعـيـشَ الـيـومَ مـأمـوناً وحـرّأ
أيـن أنـتـمْ يـا أبـاةَ الـرافــديــنِ **** مِـنْ بغاةٍ قـد أذاقـوا الشـعـبَ مرّا؟!
أيـن أنـتـمْ يـا أجـاويـدَ الـعـراقِ ****مِنْ لصوصٍ سرقواالخيراتِ طرّا؟!

هكذا الحياة الفانية ، يشقى فيها المبدعون و يتنعم بمباهجها من لا يستحق الحياة من شذاذ الآفاق .

أيها الراحل العزيز سلاما و ألف رحمة لروحك الطاهرة و سوف يبقى ذكراك العطرة فى قلوبنا و قلوب كل المخلصين فى بلدنا العظيم ، رغم أنف الطغاة الصغار من ( العراقيين الجدد )

-------------------------------
* كان الفقيد ينشر قصائده بأسم ( حميد أبو عيسى ) فى حين ان كتبه الهندسية المنشورة تحمل أسم ( حميد عيسى أوراها )




#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة مظاريف
- العراقيون الجدد
- قضاء المالكى
- ستالين العراق
- القلق و ما بعده
- حول بعض التأويلات الخاطئة لمصطلح ال( كردولوجيا )
- غزل سياسى أم نفاق علنى
- الموقف الروسى من الصحوة العربية
- تولستوى و جائزة نوبل للآداب
- واحة الأمن و الأمان فى العراق المعذب -2
- واحة الأمن و الأمان فى العراق المعذب -1
- عودة الوعى الى المثقفين العراقيين
- صواريخ المالكى و أقماره الصناعية
- الأساطير الكوردية في الأدب العالمي
- أساس الأزدهار الثقافى الكردى
- روائع التراث الكردى بين رودينكو و وزارة الثقافة الكردستانية ...
- المالكى ... نفاق لا ينتهى
- قوة الضعفاء
- احتفال أمام نصب الحرية ببغداد
- نحو مفهوم جديد للرسالة الأعلامية


المزيد.....




- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
- معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر ...
- علاء مبارك يهاجم ممارسات فنانين مصريين
- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - حميد أبوعيسى ... بين الهندسة و الأدب