|
كيف أصبحت إيران المهزومة قطب إقليمي ؟
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 19:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تجرع الخميني كأس السم واضطر للموافقة على القرار الدولي رقم 597 والذي بموجبه انتهت الحرب العراقية الإيرانية، تحول العراق بعدها ودفعة واحدة إلى قوة إقليمية مهابة الجانب، من شأنها أن تضع استراتيجيات الولايات المتحدة وإسرائيل على المحك، وقد جاء مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد في أيار 1990 كاعتراف عربي رسمي بقوة العراق، وبمكانته الجديدة، وبنتائج انتصاره على إيران، وقد بدا حينها لدول الخليج العربي أنها قد تخلصت من شبح الهيمنة الإيرانية الذي عانت منه أيام الشاه، ثم اكتشفت هذه الدول أنها استبدلت شرطي الخليج الإيراني بآخر عراقي.
العراق بعد أن أزاح إيران جانبا، بدأ يفكر بعقلية المتتصر الذي لاحدَّ لطموحاته السياسية، فأراد أن تعامله أمريكا ومن بعدها دول العالم كندٍ محترم لا كتابعٍ ذليل، وأمريكا التي غذّت أسباب الحرب سنين طويلة لعلها تنتهي بهزيمة الطرفين، لم تكن راضية عن نتيجتها التي توجت العراق كقطب إقليمي، وقد باتت قلقة من تنامي قوته العسكرية، فنصبت لصدام الشّرَك الشهير من خلال سفيرتها في بغداد، التي زينت في عيني صدام اجتياح الكويت وقللت من شأنه؛ فكانت النتيجة احتلال الكويت، ثم حرب الخليج الأولى، ثم حصار شامل وعزلة دولية دامت ثلاثة عشر عاما، تُوجت بحربٍ جديدة، وباحتلال العراق كليا، ووقوعه في قبضة المحتل الأمريكي.
العراق (في زمن صداد) أنفق مائة مليار دولار على سباق التسلح، ومثلها وربما أكثر على حروب داخلية وخارجية، خرج بعدها من معادلة الشرق الأوسط الجديد ،كدولة ضعيفة محتلة، تنهشها أقليات متصارعة، وتفتك بها عصابات الإرهاب، ومليشيا القوى الطائفية، وتتهددها مخاطر الانقسام والتفتت، وتلعب بها مخابرات دول الجوار وغيرها، كلٌ يريد تصفية حسابات قديمة، أو تحقيق مصالحه الخاصة على حساب شعب العراق ومستقبله.
أما إيران فقد خرجت من حربها على العراق مثخنة الجراح ومثقلة بالديون، تئن تحت وطأة هزيمة عسكرية وبشرية ليست هينة، ثم مرت عليها سنين عديدة وهي خارج بؤرة الضوء، تداوي جراحها وتلملم صفوفها، وتعيد ترتيب أوراقها من جديد، فما لبثت أن تعافت وتهيأت لجولة جديدة، من سعيها في تصدير الثورة وإعادة إحياء حلمها القومي. لم يكن موت الخميني بعد الحرب بعام واحد هو الفيصل ببدء مرحلة التغيير نحو سياسة براغماتية متحررة - إلى حد ما - من سطوة قُمْ ومَشْهد وملاليها؛ فقد كان تولي "رفسنجاني" منصب وزير الدفاع قبل نهاية الحرب بعام واحد بمثابة إيذان بقرب انتهائها، وبتدشين مرحلة سياسية جديدة قوامها استبدال ولاية الفقية بسياسة قومية تتعامل مع واقع الدنيا أكثر من تعاملها مع عالم الآخرة، ثم جاء "محمد خاتمي" بإصلاحاته التي سرعان ما اصطدمت مرة ثانية برجال الدين المحافظين، وانتهت بعودة التيار المتشدد المحافظ بقدوم "أحمدي نجاد"، الذي إن تميز بالبساطة والإستقامة والزهد في مسلكه الشخصي، إلا أنه شديد التمسك بما يراه حق إيران بأن تصبح قوة إقليمية نووية تفرض شروطها على المنطقة بأسرها.
طموح إيران في السيطرة على المنطقة، وبسط نفوذها عليها لم يختلف في عهد الثورة عنه في أيام الشاه، فإن احتلت قديما جزر الإمارات الثلاث، فإن إيران الثورة رفضت إعادة تلك الجزر، وأصرت على تسمية الخليج بِـ "الفارسي"، ولم تتوقف يوما عن سعيها الدؤوب في اختراق دول المنطقة واحتواء قواه الفاعلة والمؤثرة. فبعد أن استولت على الطائرات الحربية العراقية التي لجأت إليها هربا من القصف الأمريكي، أطلقت مجموعات الثورة المضادة، فيما أطلق النظام عليه مصطلح صفحة الغدر والخيانة، ثم استغلت فترة الحصار والعقوبات الدولية التي فُرضت على العراق فقوّت حزب الدعوة، ودعمت المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وبقية القوى الشيعية التي لعبت دورا هاما في الإطاحة بنظام صدام.
بعد الاحتلال الأمريكي دعمت إيران كل الزعامات الطائفية والمليشيات المسلحة وفرق الموت، وحتى حكومات الجعفري والمالكي الأمريكية. ولم يقتصر لعبها بالقوى الشيعية وحسب؛ فالزرقاوي مثلا، كان قد تعالَجَ سرّاً لأكثر من عام في مستشفيات إيران، ثم أطلقته ليعيث في العراق فسادا وتخريبا، وهي بذلك - أي إيران - لا تعبر عن حقد طائفي أو قومي أو عن رغبة بالثأر والإنتقام، بقدر ما هي ممارسة سياسية براغماتية لا تقيم وزنا للبشر، ولا تحفل ببرك الدماء والأشلاء التي تفجرها يوميا في حواري وأسواق العراق.
فكما استغلت إيران ضعف العراق واستفادت من حسابات صدام الخاطئة وأوهامه المدمرة، استغلت التركيبة الطائفية المعقدة في لبنان، ونفذت من خلال "حزب الله" - الذي لا تحتاج العلاقة بينه وبين إيران إلى براهين ودلائل، لا في شكلها المعلن ولا في مستوى تبعيتها - وإلى إيران تُضاف سوريا في أسلوبهما الفريد في مواجهة "الشيطان الأكبر"، حتى آخر مواطن لبناني، وإذا قاربنا بين حزب الله في لبنان وحماس في غزة فنضيف حتى آخر مواطن فلسطيني.
إيران الواقعة بين فكي الكماشة الأمريكية في أفغانستان شرقا والعراق غربا، تدرك أن الولايات المتحدة ستعجز عن فتح جبهة ثانية معها، بعد أن تورطت في المستنقع العراقي، وهي برأيها فرصة تاريخية ينبغي استغلالها، ليس لإسقاط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بل لتقاسم النفوذ معها، ومن هذا المنطلق تلعب في العراق بلا رحمة، وثم تحاول الأمساك بمزيد من أوراق الضغط لتقوية موقفها التفاوضي عبر إقامة ما تسمّيه "فسطاط المقاومة" الممتد من أصفهان إلى صور، وصولا إلى غزة.
احتلال أفغانستان والعراق لم يكن قدرا محتوما لولا حماقات طالبان المتطرفة وحسابات صدام المتهورة، وكذلك حرب تموز التي جلبت الدمار للبنان لم تكن لتحصل لولا سياسات حزب الله التي تعمل وفق الأجندة الإيرانية، وحصار الأراضي الفلسطينية كلها ثم حصار غزة لم يكن ليحصل بدون وجود قيادات لحماس وضعت مصلحتها الحزبية الضيقة وولاءاتها الخارجية فوق مصلحة الوطن واتبعت سياسات مغامرة وعقيمة، وهذه الأقانيم التي ارتبطت بإيران بشكل أو بآخر شكلت مدخلا لها لتصبح قوة إقليمية تهيمن على المنطقة بعد أن تاجرت بعذابات شعوبها وسفكت الكثير من دماء أبنائها على عتبة الحسابات السياسية البحتة المغلفة بشعارات الدين والمقاومة.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتيات سجينات – قصص مروعة
-
إشكالية المرأة الإعلامية - الإعلاميات الفلسطينيات نموذجا .
-
نساء بلا وجوه
-
عندما نكتب عن غزة
-
توقعات العام 2012
-
فهم أسباب الثورات العربية ونتائجها السلبية انطلاقا من فهم طب
...
-
استخدامات الطاقة البديلة والمتجددة في فلسطين
-
ماذا بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات ؟!
-
المفاجئ والمتوقع في فوز الإسلاميين في الانتخابات
-
في السعودية حرائق وعيون فاتنة
-
مناقشة في أطروحات من يدعو لحل السلطة الفلسطينية
-
حصاد خمسة سنوات من حكم حماس لغزة - الوضع الأمني والاقتصادي
-
الحريات العامة في عهد حماس
-
من هو فارس عودة ؟؟
-
لسنا استثناءً على هذه الأرض
-
المليار السابع
-
التاريخ اليهودي بين الحقيقة التاريخية والرواية الدينية - الأ
...
-
فلسطين بين الروايتين: التاريخية والدينية - الصراع على التاري
...
-
فلسطين بين الرواية التاريخية والرواية الدينية - الصراع على ا
...
-
1 مقابل 1000 - من المنتصر في صفقة شاليط ؟!
المزيد.....
-
-الشامي- يغني شارة مسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
وزير داخلية فرنسا يحذر من -تسونامي الكوكايين-
-
الجيش السوداني يهاجم القصر الجمهوري لحسم معركة السيطرة على ا
...
-
ليبيا تقتاد مهاجرين إلى سجونها وتحذيرات من كارثة قرب مالطا
-
كتاب عبري يكشف ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة
-
مصراتة الليبية تستعد لإطلاق سفينة إغاثية ثانية إلى قطاع غزة
...
-
إسرائيل.. كاتس يجري مشاورات أمنية حول خيارات تهجير سكان قطاع
...
-
وزير الكهرباء السوري يبحث مع وفد إماراتي مشاريع توليد الكهرب
...
-
السفير الروسي لدى هلسنكي: السلطات الفنلندية تحث مواطنيها على
...
-
مصر.. حبس راقصة متهمة بالتحريض على الفسق من خلال فيديوهاتها
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|