|
يؤدبون الشعب، ويسقطون في المحظور
مجدي مهني أمين
الحوار المتمدن-العدد: 3627 - 2012 / 2 / 3 - 09:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يرتبط الأدب في ثقافة القمع بالامتثال، كأن نقول "ولد مؤدب...بنت ما تسمعلهاش صوت" ، وفيه ناس فعلا كدة خلقة ربنا، تجدهم في سكون وهدوء وتروٍ، لكن مش كل الناس كده؛ فالطفل يولد ولا يملك إلا صراخه كلغة للتخاطب، يبتسم أحيانا لكن مش على طول.
- فما العمل كي ندجن الأطفال كي يكونوا على مقاس الذوق القهري العام. - العمل هو تأديبهم. وتكون النتيجة أن الطفل الضحية، "يفهم المطلوب من مجرد بصة"، والبصة أو النظرة هنا هي نظرة المروض الذي قد يكون الأب، الأم، الأخ الأكبر، المعلم في المدرسة، فالمتطوعين للترويض كثيرون، يمارسون مهنة التأديب في شوق كي ينفثوا عما تلقوه من قمع وتشويه، تحت شعار الكلمة "تأديب" بعد أن فقدت معناها الأصلي، معنى الرعاية الدءوبة طويلة المدى ، حتى يكبر الصغير ويصبح مواطنا صالحا.
وإن تولى الأباء تحت شعار التأديب مهمة قهر الأبناء في المنزل ، وتولى المعلم تلك المهمة في المدرسة، فمن إذن يتولاها مع المواطن عموما، كبيرا كان أو صغيرا؟..لا يوجد هنا غير جهاز الشرطة.
ومن يتولى التأديب يَفترض أنه الطرف الصح، ومن يتم تأديبه يٌفترض أنه الشخص المخطئ، الجلاد هو السيد، والمواطن هو عبد إحساناته، فثقافة القهرلا تتسق إلا في وجود سيد وعبد، لذا لا نندهش من صور تقبيل الإيادي، وانحناءات بعض الأشخاص المشهورين، انحناءاتهم في خشوع لصفوت الشريف، أو جمال مبارك، أو غيرهم، هؤلاء الأشخاص المشهورون المنحنون يمثلون بدقة النتيجة المرجوة من الترويض.
طبعا لا يفوتنا أبداً، أنهم كانوا عبيداً مع سادتهم ، ولكنهم مع باقي الناس كانوا سادة، سادة بمراكزهم وبالمتاح لهم من سطوة، ومرات بتطاولهم على من يستطيعون التطاول عليهم من عباد الله دون وجه حق، هم كانوا يمارسون دورهم القمعي، واللي يمتثل زيهم يدخل في الطابور ياخد دوره، واللي ما يمتثلش يُطارد ويُشوه ويُسجن ويُعتقل ويُحاكم صوريا مدنيا كان أو عسكريا.
- فين القانون؟ - ما فيش قانون؟ إحنا كده، واللي مش عاجبه... (يمكنكم بالطبع إكمال العبارة بما يطرأ على بالكم مما كانوا يقولون، ولا يجرأون الآن أن يقولوه ولكنهم يفعلوه من سكات).
تلك كانت صورتنا في مجتمع أبوي، يقهر مواطنيه، وللشرطة في هذا التصور مكانتها المتميزة، فهي عصا السلطان، وقد تصورت الشرطة في هذا النظام أنها حققت الحد المناسب من المعادلة، فهي تحمي الحاكم، وتحقق قدرا من الأمن، وتضمن، وهو الأهم، امتيازاتها في استعباد الناس ومعاملتهم بالطريقة التي تروق مزاجها المتسم بالتعالي والعنف. لذا عندما قامت الثورة، طرحت الشرطة معادلتها:
- نعيد لكم الأمن وتعيدوا لنا امتيازاتنا، وعربون الاتفاق هو التغاضي عن محاكمة قتلة الثوار.
وكي تحقق الشرطة عودتها محتفظة بمتيازاتها، نجد أنها تتراخى في تحقيق الأمن، وتترك الملعب مفتوحا للبلطجية، وفي المقابل يصرخ إعلام الدولة ، ويستصرخ مواطنين هنا وهناك:
- فين الأمن؟ إحنا عايزين الأمن يرجع، مش عارفين نعيش من غير أمن.
يحدث هذا وكأن الناس هي التي تمنع جهاز الأمن من القيام بدوره، يعني تأديب وسحق مشاعر، ومغالطة مش علشان الشرطة تعود، لكن علشان تعود لها اميتازاتها في ممارساتها العنيفة المتعسفة، وتتفاقم الأحداث المروعة بفعل فاعل كما حدث في مباراة الأهلي والمصري، تتفاقم لتبين إلى أي مدى تتقاعس الشرطة عن القيام بالواجب كأسلوب جديد في تأديب الشعب ، تقاعس يعكس في الوقت نفسه عداء للشعب ورغبة في معاقبته على الثورة التي قام بها، ألم يذهب المواطنون للشرطة في العديد من الحالات وقال لهم رجل الشرطة بكل بساطة:
- مش انتوا عملتوا ثورة، خلاص خللي الثورة تنفعكم !!
وهنا يلح السؤال؛ إذ كيف نطلب من أعداء الثورة، أن يحموا المواطن؟ هذا المواطن الذي خرج ثواره في مواجهة مع هذا الجهاز كي يرده إلى صوابه، وهو لا يزال رافضا هذا الصواب.
لا ننكر أن العديد من رجال الشرطة الشرفاء قاموا بواجباتهم ، ولم يتخلوا عن مسئولياتهم، بل أن بعضهم قد تعرض للإصابة كي يحمي أبناءنا وبناتنا، يمكن أن لهؤلاء الشرفاء أن يعيدوا بناء هذا الجهاز كي يقوم مجددا بدوره الوطني، ولكن يلزم أولا لهذا الجهاز أن يتطهر، فالتأديب بالعصاية، والعيون اللي بتطلع شرار، والتخويف والتخريس، والتهديد والوعيد، والاعتقال، والتعذيب أنتج شعبا خانعا غير منتج يعتمد على المعونات، والتأديب بالقنابل ورصاص القناصة والسحل وهتك العرض أخذ منا خيرة شباب الوطن، والتأديب بالتقاعس في بورسعيد وغيرها دمر الثقة في أمكانية إبرام عقد اجتماعي مع جهاز الشرطة، ووضع البلاد على حافة الفوضى، وهذه الفوضى هي التي توقف عجلة الانتاج ، وتجعلنا نستجدي من هذا وذاك، وهذا هو التلاعب بمصير الوطن.
نعم نحن نريد الأمن، ولكننا نريده في أيدٍ أمينة، نريد جهاز أمن جديد قام بثورته على أعراف الماضي وتحرر منها، وتطهر من كل المتورطين في قتل الثوار، نحن نريد جهازا مهنيا مواكبا للثورة، جهازا يعمل على إعادة النظر في مفهوم التأديب؛ فالتأديب يبدأ بتأديب الذات، ونحن نؤدب ذواتنا بمراجعتها الدائمة في ضوء ما نعيه قيم، وفي ضوء ما يقره القانون. يعني التأديب بالوعي والبصيرة وحسن الاختيار.
علينا كشعب وشرطة أن نتحرر من هذا المنهج الأبوي العنيف الذي يجرد الكلمة من مضونها الانساني ويلبسها عنوة ثوبا ساديا عنيفا، علينا أن نتحرر من هذا المنهج أصل الداء الذي أفرز لنا- دون أن ننزعج مبكرا- نظاما حاكما ظالما، وجهاز أمن مستبد. على الدولة بكافة أجهزتها، أن تعمل على تعديل مسار جهاز الشرطة، أن تحرر الجهاز من كافة العناصر التي تكبله، أو التي تكبلها تصوراتها العتيقة لدور رجل الشرطة ، وأن توكل مسئولية الجهاز للعناصر المخلصة ، وأن يقدم كافة المتورطين في قتل الثوار للمحاكمة، فالتطهير هو الخطوة الأولي كي تسترد الثورة اعتبارها، وكي تنتصر العدالة، بدلا من الاستغراق فيما نراه من أحداث مؤسفة يقترفها الجهاز كي يفلت من المحاكمة، بل وكي يعود مجددا ليمارس دوره القديم الدموي المهين.
#مجدي_مهني_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غير مأسوف عليه
-
علشان كنا رجالة وقفنا وقفة رجالة ..وقفة مائة رجل
-
البرادعي في الميدان: فالشارع لنا، والناس التانيين...
-
فيها حاجة حلوة
-
قبضة رجل عجوز، قبضة شباب صاعقة
-
يا قلوب بتنزف دم في العتمة، يا قلوب بتنزف دم وتغني
-
النظام القديم الذي لا يسمع ويدفع بالجنود لسحق الثوار
-
قل ما تريد، ونحن نفعل ما نريد.. قاعدة فات آوانها
-
أفندم .. يافندم
-
هل خذل الشعب الثورة؟
-
دولة القانون في عهد إبراهيم حسن محمود
-
سميرة إبراهيم وهذا الشناوي الهارب من شمس الحقيقة
-
الشرطة الضحية
-
التعذيب بنيران صديقة
-
الهيبة أم التقدير في قضية خالد سعيد
-
سقط القذافي.. سقط سنوسرت الأول
-
محمد جمال الدين
-
الدولة لازم تتغير
-
فأقرأ ثانية رسالة بلال
-
أصعدها كمقدارها بنعمتك
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|