عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 3625 - 2012 / 2 / 1 - 21:48
المحور:
الادب والفن
هو القادم , من القرى والغابات , الذاهب أبدا ً صوب محطات الجنون , النائم , الدافئ الوادع الأمين , الذي يصلي , لكي يصلي له الله رحمة بالكبرياء ,تجري في دمه الحروف , وعلى ضفتيه تنسج / بنلوبي / ألمه العظيم فتضج في قلبه الطري , الأحجار والأشجار , وأمطار الكوارث والهموم , ليس له وحده يرقص الأيـِّلُ الصغير , بل له وحده كذلك يرقص الحمام والدوري , والشجر الباكي , ويمامات الكنائس , والمساجد , وكذلك الأطيار بعبه تنام , مذعورة في قلبه تنام ’ إذ لا سكينة في البلاد , ولا رصاص يكفي , يقتله الأصدقاء فإن ّ نـَزْف َ دمه ُ , منثور على تويجات الزهر , ومخبـّأ في عليين مع الغيوم الراحلة أبدا ً صوب المجهول ماذا أقول للحكمة في محرابها , عندما تأتي من شاعر , رؤاه أبعد مما يرى , فلا ينام إلا في غابة الأحلام , ويحلم في هجعة النوم , هو لا يرتب مخابئ الغزلان خوفا ً عليها , ولكنه يـُدَفـِّئ ُ بقلبه المطر , فتلمه الأرانبُ إلى مكامنها , والقطط الأليفة , والتراب العتيق , الذي آلفته البراري الموحشة , ووجوه الأطفال المهمومين برجفات ِ الأثداء الهزيلة , أصابعه ُ تـُشكل الحروف الزرقاء , لتـُفـَرِّط َ عوالم تتهادى فوقها فراشات الأحلام , وطيور السُمَّن ِ والحجل ِ البري , كلما حاولت َ أن ْ تلامسَ حروفه , متوهما ً إلـْفـَتـَها , يتراجف بين أصابعك الفراغ ُ , وتشدك من شعرك جنيات الأحلام , ليس شاعرا ً هو , بل غابات من أحلام شِعـْر ٍ , مجهول ٌ حدّ التغرب , وغريب ٌ في جزر ليس لها عنوان , متوحد مع الغربة , وغريب بين أزهار الحدائق , حيث تتعطر برائحة مفرداته روائحها , ليس الكتابة أن تكتب عنه , ولكن ّ أطرافه المشدودة كأوتاد الكمنجات , تراهن عليك أن تلامس وجعها القديم , لأن ّ الطيف عندما يلامسها , يذكرها بالحنين اللابد فيها , فتخاف عليك أن تتوجع , أيها المهموم يا شاعر الحزن النيْليّ , المجرّح كالتين البري , كيف لي أن ألم ْ حروفك , وهي من لِبن ٍ , وشوك ٍ , وفضيحة ٍ , من ذا الذي يعصر هذه الحروف , والدموع , التي يتقاطر منها دم المسيح ووجع َ " أبو ذر ٍ الغفاري " كيف لي أن ألمّ الحروف التي أوْلدَها الشاعر , هل لي أن أعرف كيف صاغت الأبكار , حليبها ,وهل للأبكار حليبا ً ؟ أم هو حليب ٌ من ضرع خاص , جعلتهُ في هذا البياض النقي ؟ هل هو حقا ً حليب النوق !! أم دَفـّـئـَـتـْه ُ الغزلان في أرواحها الفريدة , هو الألم إذن الذي طبخه الحزن لأكثر مما يُعدّ من السنين ,
(( سعداء , نعيش كما لا يعيش أحد ْ
قبرنا واسع وجميل
سقفنا غيمة , ولحاف بنيناه زبد ْ
ندفع اليأس بالأغنيات
ونداري كآبتنا بالجميل الكلمات
ونحب على قـَدْر ِ ما نستطيع من الحياة ْ
ولكننا حين نـُدعى إلى موتنا
سنموت كما لا يموت أحد ْ ))
هكذا هو العيش , والموت ُ عند الشاعر : نزيه أبو عفش , عيش من نوع آخر , وموت لا يشبه الموت , ( وقوفا ً كالأشجار ) إحساس داخلي عميق , يتفجّر ُ ألما ً وإنسانية , مطعم بفطرة الكائن الأول الذي تعشّق َالطبيعة بغاباتها , وأنهارها , وصخورها , هو فيـّاضٌ كالحرية , وبسيطة مفردات شعره, التي تختزل عوالم البشر , الذين من لحم ٍ ودم , غير مزيّـفين , وغير هيـّابين , هم أ ُناس – الشاعر : نزيه أبو عفش,
* طوبى لهذا الصبر
من أين يأتي كل هذا الصبر كي نبقى على قيد الحياة ؟!
من أين يأتي كل هذا الصبر ِ ؟!
ام ْ في القبر شي ٌ غير هذا القبر ِ
كيما نبتغيه ويَهلك الشعراء ُ فيه ِ ؟
من أين يأتي كل هذا ؟
كيف لم تـَخرج علينا روحُنا من ثوب ِ معدنها الخفيف ِ
لتدرأ الشبهات ِ عن أطوارها الأولى وعنـّا ؟
من أين يأتي كل هذا ؟
أم ْ قـُدِدْنا من جنون الله ؟
أم ْ صيْغـَتْ مفاصلنا من البازلت ِ ؟
أم ْ لا شيء َ فينا ؟
وإلى متى نبقى كأنـّا خالقونا
لا شيء َ يُقلق نومنا الأبدي َّ
لا حجر ٌ يهز ّ سكينة الأموات فينا ؟ أم ْ ذا لأنـّا 00؟
أم كيف أنـّا 00
صرنا إلى هذا الخراب الجم ِّ
أم أنـْا 00 لأنـْا ؟
هلكت ُ حناجرنا ونحن نصيح ُ
لم يرأف بنا أحد ٌ
ولم ينصت ْ لنا أحدٌ
ولم يشفق على أدوار وحشتنا أحد ْ
نامي إذن ْ يا روح ُ , نامي الآن ,
أو فدعي الجسد ْ
يطوي يديه على يديه ويستعد ّ لكي ينام ْ ,
هي آخر الأحلام :
نـُطـْلقها على عجل ٍ ونمضي
هي آخر الأيام :
نطويها ونرحل في سلام ْ
نامي إذن يا روح ُ
أو 00 نامي إذن ْ
نفدت ْ أمانينا
نفدت مراثينا
أحلامنا نفدت ْ
عـُصارة روحنا نفدت ْ
وما نفد الكلام ْ
الرحلة مع نزيه أبو عفش , جميلة وشيقة , وكذلك تجعلك , أكثر تأملا ً في الحياة , فلغة الحياة لديه , هي ذاتها لغة الحروف , وعطش الحياة , يصدُّ عطش الموت , وكل ّ ما في الحياة , هو قصيدة يـَتَرَنم ُ بها الشاعر , فرحا ً وموتا ً وحزنا ً , وكذلك بعدا ً جديدا ً للحياة ,
* كم تبقـّى من الوطن الآن يا سيدي ؟
كم مساء ً تبقـّى على الأرض ِ في حوزة العاشقين ْ ؟
كم دما ً ؟!
مُشـْرِفين َ على آخر اليأس ِ
نمضي إلى مقتل ٍ كائن ٍ في المساء
مخبأة ً في الحقائب أسرارُنا ومقاصلنا
مشرفين على سنة ٍ من بلاد ٍ مبعثرة ٍ
وزمان ٍ هزيل ْ
وأرض مغلّفة ٍ بالدماء ْ
وبلاد ٍ تقيم جنازاتها في الهواء ْ
كم الساعة ُ الآن يا سيدي ؟
كم هي السنة ُ الآن ؟
وكم الوطن ُ الآن َ؟
جرَّدَني صاحبي من ثيابي وقلبي
قادني من يدي َّ الصديق ُ وأهمَلني في العراء ْ
قلت ُ : لا تقتلوني
قلت ُ : أو فاتركوا زهرة ً في يميني
قلت ُ : أو فاعدلوا
غير أن الملوك ْ
أقفـَلوا بالرصاص دمي
واتــَّقوني
وبلاد ٌ , بلاد ٌ , بلاد ٌ
هي الطلْقة ُ الآن َ :
خمسون صاعقة ً في السرير !
وخمسون مقصلة ً في الحديقة ِ !
خمسون عرشا ً تقوم على كتف ِ القلب ِ !
ألف ٌ وخمسون مرتزقا ً يذرعون الحديقة َ
ملتهمين َ الحصى والحشائش َ !
خمس ٌ وألفون َ مذبحة ً في الوصيّة ِ !
خمسون ألف شهيد ينامون تحت الوسادة ِ !
خمسون مقصلة ً
وبلاد ٌ
بلاد ٌ
بلادٌ تقيم ُ جنازتها في الهواء
كم السنة ُ الآن يا سيدي ؟
إن وقتي مضى
واحتمال المسرّة ِ يذوي ,
يزوغ ُ الندى والختام ُ الهنيء ,
تـَجاوزَني الأصدقاء ُ وأينع َ قلبي من الحزن ِ
هيلين ذاهبة ٌ
وأرى مقتلي في الشعاع البريء
كم الوطن ُ الآن 00 يا سيدي ؟!
هي قصة أردنا أن نضيء بها بعض عوالم هذا الشاعر المبدع, والذي له باع طويل في تأسيس وتثبيت , واظهار وعظمة – قصيدة النثر في سوريا , والعالم العربي , مشاركا ً في ذلك الأوائل – مثل : محمد الماغوط – وأدونيس وآخرين ,
* المراجع : كتاب سلسلة كتاب الجيب / السنة الرابعة العدد – 52 - / آب 2011 ( نزيه أبو عفش – حارس الآلام ) اختيار وتقديم الدكتور : ابراهيم الجرادي 0
* ومن الأعمال التي صدرت للشاعر :
1- الوجه الذي لا يغيب – شعر – حمص 1967 م
2- حوارية الموت والنخيل – شعر – دمشق 1971م
3- الله قريب من قلبي – شعر – بيروت 1980م
4- ما ليس شيئا ً – شعر – قبرص 1992م
5- الأعمال الشعرية في مجلدين : دمشق 2003م
* هناك العديد من الأعمال الشعرية والأدبية الخ ,
في 1/2/2012 م
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟