مشتاق عبد الهادي
الحوار المتمدن-العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 12:14
المحور:
الادب والفن
(( رحلة مع حامد الزبيدي ))
الأديان عموما نظريات وضعت من قبل فيلسوف كبير وهذه النظريات تطبق حسب ثوابتها من قبل قادة وعارفين يدعمهم بالاستشارة مفسرون , وهؤلاء المفسرون هم من البشر وبطبيعة البشر هو ميال للتأثر حيث تؤثر فيه العديد من التراكمات الجسدية والفكرية والاجتماعية لذلك أقول في بادئ الأمر لا غبار على النظرية عند إعلانها ولكن تراكمات الغبار المتمثلة بالأخطاء تكمن في عدة عوامل وهي أخطاء المنفذ والمفسر لهذه النظرية وهذا قانون ينطبق على جميع النظريات بما فيها نظرية الأديان متمثلة بالكتب السماوية جميعا.
من هنا انطلق خيال الأستاذ حامد الزبيدي في إعداد رواية تضمينية جريئة إلى حد ما من ناحية الطرح والأسلوب وهي روايته ((رحلة مضيئة في ليلة مظلمة)) الصادرة عن دار الينابيع في سوريا عام 2011 والتي تعمد فيها على ذكر الهدف الأساسي من الرواية وذلك نجده في هامش العنوان إذ يقول : ((تتضمن تفسير القران تفسيرا مفصلا)) ولا باس في ذلك إذ إن من يحاول كسر روتين القداسة والقدسية هو بلا ريب مبدع كبير. واجد في هذه الرحلة مفاتيح عديدة ابتداء من اسم البطل ((أبنام)) المشتق من تسمية ابن ادم أي الإنسان عموما .
إذا أبنام هو محور الرواية يرافقه ثلاثة مرافقين الثالث منهم هو بالتأكيد روح الشر أو الشيطان أو الأنا السفلى حسب ما هو معروف في المفهوم الفرويدي حيث يقول له المرافق الثالث ((اهبط للقذارة)) صـ 14 .
إذا الرحلة في عمق الذات الفلسفية حيث يقول أبنام حين عزم على ترك المنزل والشروع بالرحلة ((اذهب أم لا اذهب ...؟ تلك هي المحنة)) أي كما ردد شكسبير العظيم ((أكن أو لا أكون)) .
وفي تفاصيل الرحلة التي هي أشبه بالحلم أو الكابوس, لا يغادر الراوي منطقة المسرح واجد هذا بديهي من خلال الاختصاص الأساسي للروائي واستطيع أن اسميها مسرحية مروية أو رواية ممسرحة من خلال ثوابت عديدة منها الخطاب المسرحي الواضح والأماكن المقفلة وغيرها من الثوابت التي ربما أضافت جمالية وطعم خاص للرواية.
إن البطل في رحلته المضيئة يتنقل بين ضدين أزليين وهما في عدة أوجه ((الجنة والنار)) ((الظلام والنور)) ((الخير والشر)) ((الملائكة والشياطين)) الخ من الأضداد وما بين هذه الرحلات يتبنى الروائي فكرة تسقيط الفنون المقدسة حيث يسقط في الخروج الأول فن المسرح وذلك حين يغادر الجنينة بعد سماع سورة مفسرة من إحدى سور القران ويتجه نحو الشارع الطويل ليلتقي به المرافق الثالث الذي يدعوه لحضور تراجيديا تمثل على مسرح كان في السابق مكانا مقدسا والآن صار محمولا على ظهور الحمير, وفي خروج آخر بعد تفسير سورة أخرى من القران يرى في آخر الطريق الطويل مارش موسيقي يعزف ((المارش الجنائزي)) ثم معزوفات أخرى وكان المرافق الثالث يحمل مقشة زريبة خنازير , وفي ذلك إشارة إلى المايسترو , وسرعان ما يهاجمه الفريق الموسيقي بالاتهم ويذود عنه المرافقان الأول والثاني كما في كل مرة حتى يصل بر الأمان واقصد الجنينة التي يخاف المرافق الثالث دخولها ومعه كل المسوخ.
في كل ما تقدم أجد إن الروائي يحرم فن المسرح وفن الموسيقى لان بطل روايته حين رأى العرض المسرحي التهمته النيران رغم تدميره للمسرح بالحذاء الكبير وشفي في آخر المطاردة في باب الجنينة, وكذلك طاردته النيران لما أصغى للموسيقى .
وفي تشخيص دقيق وبعيد عن التحليل الفرويدي يقوم الراوي من خلال الدخول في صميم لوحة ((الموناليزا)) بتحليل فني لهذه اللوحة حيث يصفها وصفا صوفيا رائع حين يفلسف حالة الامتزاج المقدس بين الذكر والأنثى إذ إن الشخصية لها عين رجولية وأخرى أنثوية لها عين القديسة مريم وابتسامة المسيح انه امتزاج مقدس ولكن... أين الخطيئة؟
أبنام يطوف حالما بين أروقة اللوحة وهناك يهاجمه ((دافنشي)) ومعه الكثير من المسوخ بعد أن يشي به المرافق الثالث وتدور الملاحقة الدامية على المدى الشاسع للوحة ويشترك بها المرافقان اللذان كالعادة يصدان الهجوم عن أبنام.
إن أبنام يتقمص أرواح وأشكال الأنبياء معتمدا في طهره ونبوءته على قراءة نصوص القران التي تخللت جميع مفاصل الرواية , وكذلك التجوال في الجنينة هو رحلة بحث ينتابها الشك الذي يخمده سحر الموعظة الكامنة في آيات القران , تلك الرحلة هي رحلة البحث عن الذات وهجر الملذات.
وإذ أقول لست معنيا بالتفسير فيمكن القول إن بعض القراءات الفلسفية لبعض الآيات كانت محط إعجاب عندي.
إن من كان يتلو التفاسير هو المرافق الأول وبعض أسراب الطيور وحتى نسيمات الهواء وتمضي الرواية في تصاعدها حتى تختفي كل هذه الأشياء لتنطلق التفاسير من عمق دواخل أبنام فيكون رعدا ينطلق من روحه الساكنة ليكون التفسير في هذه المرحلة خطابا مقدسا مغلقا بين الروح والقلب أي إن الحديث صار ساكنا وداخليا وذلك دليل على استكانة الروح الهائمة والمضطربة , في نهاية القراءة المقدسة أو الكتابة المبسطة للقران تتحول القراءة كما أسلفت إلى حوارية بين الروح والقلب ووجدت من الضروري ذكر بعض هذه القراءات ذاكرا معها ما يقابلها في أصل النص القرآني :
1ــ ((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية)) القران
((يا أيتها النفس المطمئنة , عودي إلى الذي بدعك وانعم عليك راضية بنعيمه مرضية فيه )) الرواية
2ــ ((إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وأنحر إن شانئك هو الأبتر)) القران
((إنا , (الإله المعبود المقدس الكلي المطلق الذي يشتمل على الربوبية العظيمة والأسماء الحسنى التي لا تعد ولا تحصى من دونه ذات الصفات الطاهرة) وهبناك الكثير , النبوءة ودلالات القران والرحمة وغيرها من النعم في الحياة الدنيا والآخرة . أمره تعالى إن مقصدك بالسوء أو معيبك هو مقطوع من كل نعيم في الأبدية)) الرواية .
على هذا المنوال يتوالى حامد الزبيدي في قراءته التفسيرية للقران حتى يختم الكتاب المقدس وما بين كل ذلك رحلة من النور إلى الظلام حتى يصل الحدث إلى الذروة التي كانت صدمة حقيقية تكاملت كل أشيائها وكتمهيد لإدانة الأعمال الانتحارية التي تريق دماء المؤمن والكافر يدخل أبنام إلى ماخور للدعارة دون علمه بذلك لغرض تأدية صلاة الظهر أو أول صلاة في حياته الطويلة بعد أن وجد كل المساجد وقد تحولت إلى مستودع للأسلحة .
ومن خلال إصراره على إقامة الصلاة في مثل هذا المكان تؤمن به إحدى المومسات وحين يهمان بمغادرة المكان يدخل رجلا يحمل حزاما ناسفا ويفجر نفسه فيختلط الدم الفاسد بالدم الطاهر. وللشهادة التاريخية أقول إن في هذا الحادث تناص واضح مع اختلاف المقاصد والأجواء بين هذا الحدث والفلم العربي المعنون ((كباريه)) الذي عرض كثيرا على شاشة التلفاز.
استخلص من كل ذلك بأننا خلقنا لقتل الأنبياء وأشباه الأنبياء من خلال الاعتماد على نظرية قابلة للتأويل , قتلنا وسوف نبقى نقتل من قبل الجهال.
إن حامد الزبيدي يحاول من خلال هذه الرحلة تمزيق شرنقة الجهل التي التفت حول معظم العقول وعبر آلاف السنين.
إن رحلة الزبيدي مضيئة في ليلة مضيئة وكم أتمنى أن لا تكون مظلمة في ليلة مظلمة.
***
مشتاق عبد الهادي
#مشتاق_عبد_الهادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟