|
الفنان والحاكم -2-: في المنفي ، قريبا وفي الوطن !
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3620 - 2012 / 1 / 27 - 15:20
المحور:
الادب والفن
(أنتَ أدمنتَ هذا الطريق. أدمنتَ الغناء، وأدمنتَ النشيد، هذا الشجن!. من تكون؟ الربيع، الخريف الرحيل، الوصول المطار، الوطن! ابنُ مَنْ؟ ابنُ هذا الزمان، الوطن!) يقول عبد الرحمن منيف: (من الظواهر البارزة التي تُميز الوضع العربي الراهن، التباعد الذي يصل حدود القطيعة بين القول والفعل، بين الخيال والواقع، بين الفرد والمؤسسة، بين الوطن والدولة. هذا التباعد لا يقتصر على قُطرٍ أو على مجموعة، كما لا يقتصر على جانبٍ واحدٍ من جوانب الحياة، وإنما هو من الشمول والعُمق والاتساع بحيث يُغطِّي مجموعة الحياة العربية، ويتناول مصائر الأفراد والوطن معاً. هذه الظاهرة البارزة لم تُولد فجأةً أو من فراغ، إنما محصلة لمجموعة من الأسباب التي سبقتها، بحيث أننا الآن نواجه حالة مُركّبة ومحيّرة، ومربكة في الوقت نفسه، فلا نعرف ماذا نفعل أو من أين نبدأ، ولا نُميِّز، بوضوحٍ كافٍ بين الأساسي والفرعي، بين السبب والنتيجة، بين ما يجب فعله اليوم وما يجب فعله غداً، وقد أدى ذلك كله إلى حالةٍ من اليأس والمرارة والغرق في الضياع والحيرة!) (1). أبداً، لم يعاني وردي من هذه الحيرة، ولا عاش مثل هذا الضياع، كان راسياً، ثابتاً، وباعتباره مثقفاً كبيراً راح يصدر عن ضميره المطمئن إلى رؤياه ورؤيته الأخلاقية والسياسية. الذي وَجَّهَ اختياراته في تلك الفترة، الحالكة السواد من تاريخ وطنه، كانت قيم التاريخ ورؤى المستقبل، تلتمع في ذهنه الوَقَّاد واجباته والتزاماته أمام شعبه ووطنه، كان يعرف أن أقداره قد جعلته شاهداً على عصره! يقول "بريخت" في إحدى قصائده: (أنهم لن يقولوا: كانت الأزمنة رديئة وإنما سيقولون لماذا صمت الشعراء والفنانون؟). حَتمَاً سيقولون: لماذا هذا الصمت، ولماذا غاب صوت المثقفون، ولماذا امتلأ الوطن بهذا المقدار الهائل من الصمت والسواد؟. الفنان إذا صمت يزوى، يضمحل، ويموت! وقدر وردي، منذ أن كان صادحاً بصوتٍ جهير جليلٍ إزاء كل قضايا وطنه وأُمته، بل هو حادي ركبها الناهض العفيّ، وملهم وجدانها الجسارة والصلابة والثبات! كان على الفنان أن يبدأ بتحطيم جدار العزلة والصمت والقمع حتى يتوصل ـ مع كوكبةٍ من الشعراء والفنانين ـ إلى تحريك الروح الثورية الوثَّابة في نفوس الشعب! ولم تكن تلك المهمة الصعبة متاحاً لها أن تزدهر وتنموا تحت ظلال المدافع والسيوف! كانا معاً ـ الشاعر والفنان ـ يُرهِصَان "بالمنفى"، الذي سيَطَالُ من الفنان ويُبعد عنه الشاعر!. (بِقيت يَا وَطَنِي زَي مَنَفَاي، مُطَارَد وُمُستَبَاحَة دِمَاي عَسَاكِر من دُرُوب تَايهاَت حَدَاي، قِدَّام خُطَاي وُوَرَاي! فَديتَك يامَدِيد القَامَة ياشَعبَاً، سدِيد الرَّاي وُقَلبِي عَليكَ ياحَجَراً حَنِين دَفَّاي فَديتَك لو بقيت مَنفَاي فَديتَك لو بقيت مَرسَاي). (2) نقول، كان "منفى" ولم يكن اغتراباً! إذ كان الفنان وقتها يبُشِّر بالبقاء في الوطن؛ كان الوطن يحتاج للسواعد كلها أن تكون حاضرةً لديه!. (مِليُون سَلام يا شعبَنا ومليُون حَبَاب والاغتِراب يَابُونَا ما طُول الغِيَاب الاغتِراب فَال البِخُونَك وُبِزْدَرِيك ونِحنَ بين سُنكيهُو ووالزَّنَزانَة والسِّجن السَّمِيك مِنَّك قُرَاب أحرار وُحُرِيَّتنَا في إِيَمانا بِيك ثُوَّار بِنَفتح للشمس في ليلنَا بَاب لِي يُوم جَديد وبْنِفتَدِيك وحنِفتَدِيك مَا بنَرمي اسمَك في التُّراب وعُيُونَا تِتوجّه إليكَ إِنتَ المعَلِّم والكِتَاب). (3) هناك، بعيداً عن الوطن، قريباً من الوطن، في "المنفى" بدأت ـ أيضاً ـ تنمو فعاليَّاته الفنية وتتفتح؛ تنمو وتتفتح وتكتسب أبعاداً جديدة وفسيحة في آفاق تجربته الحياتية والغنائية على حدٍّ سواء! أن يقف بقامته الضخمة، وأبعاده الإنسانية والفنية كلها، مناهضاً للسلطة في وطنه، ويقف ـ في ذات الوقت ـ مع قضايا شعبه ووطنه الجوهرية، ينادي لهما بالحرية والديمقراطية، تلك كانت إضافته الكبيرة للعمل المعارض ضد النظام! عَكُفَ يُفجِّر نشاطه الفني وطاقته الإبداعية كلها في "المنفى"، يكتب الأشعار، ويقرأ الشعر، وينتقي منه أعذبه فيغُنِّيه، يُلحِّن، يعزف، تُجرَى معه مقابلات إذاعية وتلفزيونية وصحفية، يُحاضر حول الفن والغناء السوداني، وحول تجربته الفنية في الأغاني والأناشيد، يُغني للجاليات العربية والسودانية والأجنبية، يعزف لهم مقطوعات بأكملها بالطمبور الذي يُتقنه ويحذق فنه، فهو في الأصل "طمبراني" كما يقول! كان حَشْداً من الحيوات! ودوحةً يلتجئ إليها الكُتاب والفنانين والشعراء والتشكيليون ورجال الصحافة والدبلوماسية والسياسيين من أبناء وطنه، يتجمعون حيث يكون هو، إذ أصبح، وهو هناك في "المنفى" البعيد، محطّ الآمال الباذخات، وملهم أولئك المناضلون الشرفاء الذين ابتعدوا عن الوطن ليقتربوا منه أكثر!. لا، لم يكن الاختيار سريراً من وردٍ وحرير، وحروب الوطن أصبحت رهيبةً وظالمة، والاضطهاد مستمرٌّ ويتسع مداه؛ ظلم المال واعِتداؤه ذو سطوة وصولجان، والمظالم تتراكم فوق بعضها بشكلٍ كثيفٍ أَسْوَد، ولكنها تبدوا لجماهير الشعب أكثر إمعاناً ووضوحاً. كانت الأيادي الباطشة للنظام تحاول أن تُهَدِّم قلاع الحرية وحصونها، والفنان يبحث عن مخرجٍ من قلقه صوب ضفاف الحرية والمجد! لقد وجد في قناعاته الملجأ الحصين ضد الإحباط العام الذي جعل بعض المثقفين يلتجئون إلى الصوفية أو نحو حلم العقل المستحيل، وبعضهم أصبح مفتوناً بالعنف العفويّ المنفلت؛ يطال الأبرياء من أبناء وبنات شعبنا ويُهدِّم الشباب منهم. بعضهم أخذته "التلقائية" فغيَّبته بعيداً عن الوطن قريباً من الأوهام!، فعلوا كل ذلك دون أن يبصروا ما تقود إليه هذه التجربة المسخ من قمعٍ وتعذيبٍ للجسد والروح معاً! أما الفنان فقد كان مطمئناً إلى حيث هو وسط مجموعة كبيرة من أناسٍ متواضعين كانوا قد نَحُّوا جانباً الغرور الشخصي؛ حُب الزعامة، المصالح المادية، يناضلون جميعهم في سبيل التواضع العام وفى سبيل الحرية والعدالة والديمقراطية! سألوه يوماً: ـ من خلال أُفقك السياسي، هل أصبحت الديمقراطية عسيرة المنال في ظلّ وجود الظروف التي تُحول دونها، خصوصاً أن وجود النظام الحاكم في السودان صار أمراً تصعب إزالته بالنسبة للمعارضة طيلة الأعوام الماضية؟. أنا في رأيي النظام موجود لأنو ماقادر يمشي، لأنه فشل في كل أعوامه أن يعمل أي حاجة في السودان. وربما قد تقول ليَّ البترول، ولكن البترول كان موجوداً وكل السودانيين يعلمون هذا! نعم، هم استخرجوا البترول، ولكن حدثني هل هناك bance، هل الحياة ازدهرت أم أن البترول يُساعد في تدعيم وجود الحكومة وبرامجها؟. ـ هل الديمقراطية آتية لا ريب فيها؟. لا بد أن تأتي! وهذه الديمقراطية لم تكن مطلباً سودانياً قط، وإنما هي مطلب العالم. كانت هناك جهات أقوى من حكومة السودان، وأقوى من حكومات العالم الثالث، ولكنها اندحرت. مثلاً دولة عظيمة مثل الاتحاد السوفيتي انتهت لأن الديمقراطية كان لا بد منها!. ـ أُستاذ وردي أنا أقصد حوار كل السودانيين. أنا أرى أن الحوار السوداني/ السوداني هو المجُدي، وأنا ضد أن يقول الناس أن واشنطن ستحل القضية السودانية أو طرابلس أو الإيقاد أو حتى مصر، أبناء السودان هم الذين خلقوا المشكلة وهم الذين سيحلّونها!. ـ بعض الناس يقولون أنك سياسي أكثر منك فناناً، واعتقد البعض أنك قلت ذلك!. أنا لم أقل ذلك، وعمري لم أشتغل بالسياسة خارج الفن. وهمي كله توظيف الفن للسياسة!. - لكن هنالك آخرون ضد هذه الفكرة!. نعم، ولازم يكون هناك ضد ومع، ولكن قناعتي الشخصية هي: هل أنا، بهذا الفن، أُخرِّب أم أُوظِّفه لصالح الإنسان السوداني؟ وماذا أقول في مضامين أناشيدي؟ أنا أطلب العيش الكريم للشعب السوداني، وأن يتَّحِد، وأن يتقدم، وتلاحظون أني أُنادى منذ الستينيات بالتنمية، وأن ندق الصخر، وأن نعمل ضد الديكتاتورية. ألا ترى أننا الآن، بعد (40) عاماً، لا زلنا نُردِّد أُغنيات الستينيات وكأن شيئاً لم يكن!. ـ الأُغنية "الأمريكية" كيف وجدتها، وهل هناك تشابهاً بينها والأغنية السودانية؟. نعم، كل أعمال الجاز الأمريكية تعتمد الآن على السلم الخماسي، وهناك تقارب كبير في الطريقة اللحنية، وبعض العازفين الأمريكان شاركوا معي بالعزف في كثير من أعمالي. ـ الأُوركسترا السودانية بالخارج فكرة طرحتها من قبل عبر صحيفة "الفجر" ولكن حتى الآن لم نلحظ سعياً لتحقيق هذه الفكرة!. لا أستطيع أن أسعى وحدي في مسألة الأُوركسترا السودانية، ولكني طرحتها على اعتبار أن تكون رؤية لكل الناس، أو عندما تأتي حكومة تكون مهتمة بالسودان، وتسعى لأن يكون الفن جزءاً من همها في التنمية!. ـ رحل كثير من المبدعين وأنت خارج السودان، وقد ربط الناس بين هذا الرحيل وظروف الإحباط التي واجهت المبدعين في العشرة أعوام الأخيرة!. النظام ممكن يقول الأعمار بيد الله. ولكني أعرف أن النظام هو الذي قتل خوجلي عثمان، وهناك وثائق تؤكد أن هذا الفنان قُتل عمداً! أما الباقون فنجد أن علي عبد القيوم وعمر الدوش ماتوا في شهرٍ واحد! نعم كان عمر مريضاً؛ ولكن الغُبن يزيد المرض أكثر ويؤدي بحياة المُبدع، كذلك الكبت والمنع بأن يعمل الناس كذا وكذا، إضافةً إلى اللاءات الكثيرة التي فُرضت على السودانيين الذين لا يقبلون هذا الأمر؛ كل هذه الأشياء تكون أسباباً غبر مباشرة لوفاة المبدعين، ولكن برضو الأعمار بيد الله، وأَلا شنو؟!. - نعم! ولديَّ سؤال: لماذا يرمز الشاعر، ومتى يستبطن؟. طبعاً كل ذلك يتم في ظروف محددة! مرةً قال لي المرحوم عمر الحاج موسى: نحن عارفين "الضل الوقف مازاد" بتقصد بيهو مايو!. قلت له: على كيفك!(4). وهو هناك، في المنفى، كان مهموماً ومشتغلاً بفنه وإبداعه كله؛ بقضايا وطنه وشعبه، أبداً ما عانى الفجيعة ولا أصابه الإحباط ولم يقترب من ساحة الكآبة! كان يعمل بهمة أصحاب الخلق العظيم في تشكيل وجدان إنسان السودان الجديد، الذي أراد له الشعب أن يُبعث من خلل الرماد والسحائب السوداء. فبدأ يتحرك ـ عبر فنه العظيم ـ ويتنفس، وينتفض، ويُجسِّد فكرة الفنان المُقَاوِم، تلك كانت هي "الرؤية" و "المعنى" التي أرادها أن تتغلغل ـ كمسمار الدم ـ في جسد أُمَّته وضميرها، وأيضاً في اللاوعي من الجيل الجديد من شباب بلاده وشاباته الجميلات! استطاع أن يفعل ذلك كله وهو يُقارع السلطة ويرفضها على طول الخط! لقد كانوا رهط جسور من الشعراء والفنانون، ما هم إلا وليدو ذلك المخاض الجائر الذي عاناه سابقوهم عاماً أثر عام، أما الهزيمة فقد كانت من نصيب أهل السلطان والمتحكمين في أجهزه الإعلام، الذين كانوا دائبين "يُعنترون" المظهر، بيما الشعراء والفنانون ـ أبناء الشعب البواسل ـ دائبون يُغيِّرون الجوهر. الهزيمة أصابت المظهر اللاغى في مقتل، بيد أن الجوهر الجديد لم يكن أبداً في متناول الهزيمة! وردي كان بعضاً كثيراً من هذا الجوهر الجديد، وهو الذي خلق مظهره ابتداءً من الداخل، يُنمِّيه انماءً عضوياً من القلب، ومهما يكن هذا النمو شاقاً، فإنه كالقانون الطبيعي لا تستطيع أية قوة مناوئة أن تصدّه عن الفعل! نبتة صغيرة إذا ما واتتها قطرات ندى، شقَّت حجراً صلداً. إسفين خشبي صغير، إذا دققته في شقٍّ من الجبل، وسقيته ماء، صَدَّع الجبل، هذا ماشرع وردي ـ وهو في المنفى ـ في سقيه، وتحريكه، من أجل الجيل الجديد، إنسان السودان الجديد!. يقول درويش: ، (فاحمل بلادك أَنَّى ذَهَبْتَ، وكُن نرجسيّاً إذا لزم الأَمرُ! منفىً هو العالم الخارجيُّ ومنفىً هو العالم الداخليُّ فمن أَنت بينهما؟. ـ لا أُعرِّفُ نفسي تماماً لئلاّ أُضيِّعها. وأنا ما أَنا وأنا أخرى في ثنائيّةٍ تتناغم بين الكلام وبين الإشارة. ولو كُنت أكتب شعراً لقُلت: أَنا اثنان في واحدٍ كجناحَي سُنُونوَّةٍ، إن تأخَّر فَصْلُ الربيع اكتفيتُ بحمل البشارة! يحبُّ بلاداً، ويرحل عنها (هل المستحيل بعيدُ؟) يحبُّ الرحيل إلى أيِّ شيءٍ ففي السفر الحرّ بين الثقافات قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ مقاعدَ كافيةً للجميع. هنا هامش يتقدّم. أو مركز يتراجع لا الشرقُ شرقٌ تماماً ولا الغربُ غربٌ تماماً لأن الهويَّةَ مفتوحةٌ للتعدُّد لا قلعةً أو خناقَ!) (5). حذق وردي " المنفى" وعَرِفَهُ تماماً، مثلما هو قد عرف الوطن وحذقه حُبَّاً وإبداعاً! وجعل هواء العالم ينقُل ذرّات الغناء، سواء أكان هذا الغناء خفيفاً مثل الطلع أو ثقيلاً مثل الرصاص، فتسقط تلك البذور في الأثلام أو فوق الرؤوس، وتمنح الأشياء والكائنات الحية جو الربيع أو طقس المعركة، وتنتج أزهاراً مُزهرة أو قذائف مُدمّرةً على حدٍّ سواء. وجد الفنان أنه وسط بيئة تزخر بملابسات وأوضاع اجتماعية وعلمية وتكنولوجية وثقافية جديدة، من التعبير والإبداع الأدبي والفني والعلمي والفكري والفلسفي والإجتماعي، سبقنا إليها الآخر الغربي، هناك، حيث الفنان والمنفى متلازمان، وهي تُعبِّر عن ضرورات وحقائق وإيقاعات وصراعات ومستجدات اجتماعية وحضارية. إن الموسيقى الشرقية الرائعة مثلاً لا يُمكن وحدها، بزخرفيتها التطريبية المتكررة، أن تحتكر التعبير الموسيقى وحدها، وتحجر على إمكانيات وأبنية وإيقاعات أُخرى أكثر تعبيراً عن روح الجديد في مجتمعنا وعصرنا بكل ما يحتدم ويمور فيه من تطلعات وأشواق وصراعات. ذلك كله هو مانظر إِليه وردي وتمعَّن فيه، وشرع يرفد به ـ كالدعامات الصلدة ـ مشروعه الفني الكبير، ومن هنا بالضبط طلعت، كما البراعم النديات، جواهر إبداعه وخصوصيّتة الفنية التي أصبحت دالةً عليه، شارة ومعنىً، وزينت ذلك الإبداع البهيء! كان وردي يعرف، ويردد دائماً، أنه ليس ثمة إمكانية لإبداع ثقافي أو اجتماعي أو فني بغير توفّر الحقوق الأساسية للإنسان في حرية التعبير والنقد والاجتهاد والاختلاف والمشاركة الفردية والجماعية الواسعة، وعبر الديمقراطية والحرية، في صياغة الأهداف المصيرية لمجتمعنا السوداني العظيم. ذلك هو ماجعله يؤكد وقوف فنه، طوال حياته، لتحقيق الأهداف السياسية السامية لشعبه! ألم نقل أنه أبداً ما ذهب للاغتراب، ولكنه، بوعيٍ كاملٍ وبصلابةٍ وفهمٍ عميق لواقعه، وآفاق تطور تجربته ومشروعة الفني، ذهب إلى "المنفى"؛ في تلك الأصقاع البعيدة، ببردها وثلوجها ومطرها. كان وردي يعيش نشوة الإبداع الفاتنة تسري في جسده، نشوة شذى جبلي، فوح سفوح المروج، عطرُ كعِطر نباتات نمت وأزهرت وفاح منها العبير؛ تُلَوِّن ضوضاء حياته الشخصية هناك. عندما أحسَّ بأنه قد تصالح مع وطنه، تصالح مع شعبه ومع الكون كُلَّه، أحس بأنه ملفوفٌ بهديل أرض بلاده الخصيبة وترانيمها الشذية، من أين يجيء خفق الأرض البرِّي هذا؟ بكارة الأشذاء الطاهرة النقية كما الحليب هذه من أين تأتي؟! إنها تأتي من روح الفنان وقد تشرَّبت وتجللت بالحب العميق للوطن! إن أفضل ما يفعله الإنسان في الحياة أن يُحيل أوسع تجربةٍ ممكنة إلى وعي، ذلك مافعله وردي بفهمٍ واقتدارٍ عجيب!. ---------------------------------------------------------------------------------- هــوامش: 1.عبدالرحمن منيف. الديمقراطية أولاً، الديمقراطية دائماً. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1992 – ص (22). 2. الأطفال والعساكر – محجوب شريف ص (89). 3.نفس المصدر السابق. 4.الصحافي الدولي – العدد (294). 3 / 10 / 2000م. 5.محمود درويش – كزهر اللوز أو أبعد – رياض الريس للكتب والنشر ص (184).
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشقة الطمي والحبو !
-
الفنان والحاكم !
-
علي عبد القيوم ، أسامره الليلة !
-
القصيدة التي لم ترضي عنها مني !
-
الأغاني أو... شجوية الطرب البديع !
-
بين حكمة وإيلوار و ... أنا !
-
للوطن الآن ، جراح و ... نزيف !
-
إلي السوسنة ، وفي تنائيها إقتراب !
-
زمن البراءة ، أو رومانسية الأغنية السودانوية !
-
أنه يصحو ، أنه يحيا !
-
كيف عاد كجراي من المنفي !
-
أستاذ كرسي أسلمة المعرفة !
-
الأغاني تنتمي للفرح الجميل ، حقول مطر و نوافذ ياسمين !
-
ليست أحزانا شيوعية !
-
بريق العيون ، هل يكون حبا ؟
-
رسالة صغيرة جدا لمحمد الصادق الحاج * !
-
أسميها السوسنة !
-
أمرأة الشروق ... !
-
عدت الآن إليك ... !
-
حوارية الشجر والعشب و ... أنا !
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|