جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3619 - 2012 / 1 / 26 - 13:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كل شيء من حولي باردٌ جدا والناس تقفُ في الأسواق متجمدة وكأنها تقفُ مثل المسامير على الألواح الخشبية دون أن يحركها أي مُحرك حتى مشاعر الناس متبلدة وغير مبالية بما يحدث من حولها وأنا تحققت بالنسبة لي كل مخاوفي فأصبحت مثل غيري من الناس باردا جدا وأصبح الطقس باردا جدا في داخل المنزل وفي خارجه, وجبتُ أرجاء المنزل لأبحث فيه عن أي شيء ساخن لأمدد جسدي عليه فكانت كل الموجودات في منزلي باردة جدا والشراشف التي على السرير باردة جدا وكان السجاد الذي يغطي البلاط بارداً جدا وثيابي باردة جدا وأشعر بالبرودة وهي تصعدُ من أسفل القدمين حتى تصل إلى أعلى الرقبة, وكان الكيبورد الذي تعزف عليه اصابعي أجمل الكلمات باردا جدا وتأثرت أنا والكلمات بتلك البرودة وراودتني بعض الأفكار التي تدعوني للإنتحار على أن لا أصل إلى هذه الدرجة من برودة الأعصاب ,وأثناء خروجي من المنزل لشراء الخبز وبعض الحاجيات المنزلية صافحتُ كثيرا من الناس وكل الذين صافحتهم كانت أياديهم باردة جدا وكانت نظراتهم باردة جدا مثل عيونهم بعكس عيوني التي دائما ما يظهر عليها الاحمرار,وسألت الجميع عن سبب البرودة التي في يديهم؟ فأجاب الغالبية بأنهم لا يشعرون بذلك وقال بعضهم بأنني موهوم أو مصاب بالوهم رغم أنني لستُ موهوماً كما يقولون فأنا أتحسس باللمس عن قرب تلك البرودة وأشعر ببرودة وجوههم دون أن أضع يدي على وجوههم الباردة والمُكفهرة وقلت لبعضهم: أنتم حقا غريبي الأطوار ألا تشعرون ببرودتكم ؟ألا تشعرون كم أصبحتم هذا اليوم تعيشون في أجواء باردة جدا وأجسادكم كأجساد الموتى ؟أرجوكم أن ترفعوا من درجة حرارتكم ولو درجة واحدة لكي لا تنتقل عدوى البرودة مثل الإنفلونزا منكم إليّ, وأنكر الجميع إحساسهم ومشاعرهم والبعض تنصل من الأجوبة على أسئلتي رغم أنهم جميعا باردي الأعصاب مثل الأواني ومثل الأطعمة الموضوعة في الثلاجات والطقس في الخارج باردا جدا وكل شيء حولي في الداخل وفي الخارج باردٌ جدا, وأنا تأثرت بالبرودة من الأشياء المحيطة بي, حتى أصبحت اليوم مثل غيري من الناس باردا جدا ويداي أشعر بأن عليهما طبقة من الجليد وقلبي يرتجف وجسمي كله يرتجف من البرودة ومن الخوف لأن كل مخاوفي تحققت وانتقلت إلى داخل جسمي البرودة والرطوبة, حتى سريري الذي وضعت عليه يدي لأتحسسه ككل مرة إن كان ساخنا أم لا فشعرت بأنه باردٌ جدا والوسادة التي أضع عليها رأسي باردة جدا لم أستطع أن أضع عليها رأسي والغطاء كان وكأنه موضوع في ثلاجة باردة جدا لم أستطع أن أتخذه غطاءً لي,والوجوه التي تنظرُ في وجهي باردة جدا أبرد من طين الشتاء في عز الشتاء, وجسمي الذي كان يذيب الثلج لم يستطع أن يقاوم برودة الوطن وبرودة المواطنين فأصبح وجهي بارداً جدا,ولم يستطع رأسي ولا كفوف يدي أن ترفع درجة حرارة الوسادة التي أضع رأسي عليها أو الغطاء ,لقد كان قبل اليوم فراشي يشتعل من حنيني ومن ناري التي كانت تحرق الأخضر واليابس, وفنجان القهوة الكبير الحجم الذي أنزلته للتو عن النار قد أصبح بلمح البصر باردا جدا بمجرد ما لمسته بيدي,أنا تعيس جدا هذا اليوم لأنني تأثرت بأجواء الناس الباردة وبطبيعة الطقس البارد رغم أنني قبل ذلك لم أكن أتأثر بتلك البرودة, لقد كانت قبل اليوم الثلوج والمشروبات الباردة ترتفع حرارتها من حرارة يدي وأي شيء كنت أضع عليه يدي كان يشتعل من حرارة يدي وكأن يدي مدفئة شتوية, ولم أعد هذا اليوم أشعر بالكلمات الساخنة التي كانت تخرج من فوهة حنجرتي فالكلمات اليوم باردة جدا والأرض والجدران باردان جدا حتى المدفأة والتي من المفترض بها أن تكون ساخنة وضعت عليها يدي لأشعر بدفئها فوجدتها باردة جدا مثل أعصابي الباردة جدا.
لماذا أصبح كل شيء بارداً؟ولماذا جسمي كله قد تحول إلى كتلة من الجليد ولماذا سريري تحول إلى ثلاجة؟ فبعد أن وضعتُ جسمي كله بين فرشة السرير وبين الغطاء شعرت هذا اليوم بأنني أنام في داخل ثلاجة ولست في داخل سرير؟ولماذا أنا مهموم جدا ؟ ولماذا لم تعد الكلمات ولا الأفكار تحركني كما كانت في السابق؟ ولماذا تجمدَ الدمعُ في عيوني؟ولماذا أشعر بالدماء وهي تتجمدُ في داخل أحشائي؟ أرجوكم جميعا بأن تمدوني بدماء ساخنة أو فاترة بعض الشيء لكي لا أتوقف عن الكتابة.
منذ ليلة الأمس وأنا أشعر بالبرودة وهي تخترق أصابع قدميّ وأعصابي اليوم باردة جداعلى غير عادتها مثل أعصاب كثيرٍ من الناس الحمقى وأنا لا أحبُ بأن أكون مثل الحمقى باردة أعصابي ,فأعصاب بعض الناس باردة جدا وكأن لا شيء يعنيهم من الأمور التي تدور حولهم وأنا تأثرت بعدوى البرودة رغم أنني قاومت برودة الناس والجغرافيا لأنني لا أحبُ الأعصاب الباردة أنا دوما معتاد على الأعصاب الساخنة والمتوترة فبدون أن تتوتر أعصابي لا أستطيع لا العيش ولا الكتابة وأفضل الموت على أن تكون أعصابي باردة وأنا محتار في غالبية الناس كيف يشاهدون كل ما يجري حولهم من أحداث وبنفس الوقت تبقى أعصابهم باردة وكأنها مدفونة تحت الثلج والجليد وإذا كانت الأسماك لا تعيش إلا في داخل الماء فتأكدوا جميعا بأنني مثل الأسماك لا أستطيع أن أعيش في المناخات الباردة أو أن أكتبَ إلا إذا كانت أعصابي متوترة وساخنة ومشحونة بكمٍ هائلٍ من التساؤلات, وأنا لا أستطيع مثل غيري أن أضع أعصابي في ثلاجة مثل ثلاجة الموتى كما هم غالبية الناس لأنني أتأثر بكل شيء حولي وقلبي وجسمي وعقلي يتأثران بكل شيء من حولي ولا أستطيع أن أبقى مكتوف الأيدي إذا ما غزتني الأفكارُ والتساؤلات أو إذا ما أحد من الناس نخشني بكلمة مؤثرة في مؤخرة رأسي وفي مشاعري كما ينخش الراعي حماره بمؤخرته لكي يمشي ,وإذا بردت أعصابي فهذا معناه أنني سأنتهي وسأخرجُ من خدمة الكتابة نهائيا وسأجلس في البيت مثل أي قطعة من الأثاث أو مثل أي قطعة متجمدة وباردة ...والأعصاب الساخنة تشعلني وتشعل الحنين في داخلي وكل يوم أستيقظُ من النوم على صوت البركان الذي ينفجر من قلبي فأركض باتجاه الحاسوب لأفرغ على الكيبورد سخونة البركان,ولكن لا أدري لماذا هذا اليوم تأثرتُ في البرودة أكثر من أي وقتٍ مضى وأشعر بالبرودة في كافة أرجاء المنزل حتى رسائل الأصدقاء على الفيس بوك كانت اليوم كلها باردة جدا وبعض المكالمات التي تلقيتها من أصدقائي كانت باردة جدا ولا توجد فيها أي حرارة وليست ساخنة وكأن الجميع قد وضعَ أعصابه في ثلاجة للموتى أو للحوم المتجمدة.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟