صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 3619 - 2012 / 1 / 26 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الضروي اختراع حبوب تساعد علي حسن الهضم الثقافي .
اذ يوجد قراء نهمون جدا – شرهون – يلتهمون كتبا . تملأ معداتهم الثقافية بما لذ وطاب . ويحدث عندهم عسر هضم . مما يتسبب في حدوث كوابيس وهلوسات ثقافية . عند نومهم وصحوهم . فيسطرونها باعتبارها فكرا حديثا بالغ الحداثة .. ولا يجدون من يعيدهم لصوابهم .
من بين هؤلاء كُتاب ومفكرين , وأدباء . ليس وحسب محض قراء ..
ولكل كاتب أو مفكر , مريدون محبون . كما لشيوخ الطرق الصوفية . تجدهم وراءه في كل الحالات , ومع أية أفكار يطرحها ..
والطريف انه يوجد من بين أتباع ومريدي كل كاتب أو مفكر .. مفكرون وكتاب مثله .. يسيرون خلفه مع باقي المريدين المحبين .كما الدراويش خلف شيخهم ..
أتذكر واحدا من هؤلاء كان من أكبر وأشهر أدباء مصر . توفي منذ قرابة 3 شهور ( رثيناه بمقال بالحوار المتمدن - العدد: 3529 - 2011 / 10 / 28 -
كان معروفا عنه . انه أكبر قاريء بين المتكلمين بالعربية , ومكتبته الشخصية هي أكبر مكتبة يقتنيها مثقف .
من حين لآخر كانت تظهر علي كتاباته علامات سؤ الهضم المعرفي . بما نسميه هلوسة ثقافية .
ولأنه كان كاتبا وأديبا كبيرا . لذا كانت أكبر صحف مصر تنشر تلك الهلوسات بدون مراجعة ..!
واليوم نقدم لكم نموذجا آخر – كاتب صديق – ننقل مقتطف من هلوسته الثقافية . ونرد عليها . في محاولة لافاقته .
وقد سبق له نشرها كمقال في مدونته – وكذلك باحدي صحف الانترنت – حسبما نتذكر . ثم أعاد بثها مؤخرا .. ضمن حوارات بالايميل تدور بين عدد من الكُتاب .
وفي الحقيقة .. ان نقاطا كثيرة تحتاج للرد عليها , فيما يخص مصر وغيرها . ولكننا سنكتفي بالرد علي ما يخص مصر - كمصري – .
يقول صديقنا الكاتب العزيز :
" .. أن قصة الإسلام المبكرة هي من نسج العصر العباسي وتقوم على السرد الأسطوري.."
الي أن يصل للقول بأن عمرو بن العاص مجرد خرافة : ,, فأن يأتي أعرابي بجيش من ثلاثة آلاف رجل ويحتل مصر ذات الملايين السبعة ويهزم حصون بيزنطا فهذه قصة تشبه أفلام الكرتون . أمريكا بعظمتها لم تستطع هزيمة طالبان، ولا حتى المثلث السني في العراق رغم التكنولوجيا فما بالك بعصر السيوف، الذي يكفي الرجل رجلا مثله ليصرعه.. المعنى أن فتح عمرو لمصر محض خرافة) ..
والطريف انه يختم مقاله بانه لا يقصد فتح باب الحوار حول ما ذكره لكون ذلك يحتاج لمئات الصفحات .. و بالنص : ((هذا ملخص سريع لحزمة من الرؤى النقدية الحديثة التي أميل لتصديقها .. أرسلها ليس لفتح نقاش وجدل فهذا يحتاج لمئات الصفحات، إنما أرسله من باب العلم بالشيئ .. )) .
ونعلق : لا يوجد أسهل من أن ننفي وجود شيء يشغل الناس ويعطلها ويضرها بأكثر مما يفيدها .. ولكن النفي ان كان ارتجالا , تكذبه حقائق قائمه شاهده علي وقوع أو سبق حدوث ذاك الشيء .. فالنفي يكون عبثا , يثبت ولا ينفي .. ..
لا حاجة لمئات ولا لعشرات من الصفحات . لدحض ما زعم الكاتب الصديق , انه رؤي نقدية وصفها بالحديثة – سواء كانت من ابتداعه , أم من ابتداع غيره , وهو مجرد ميال لتصديقها – كما قال - .. تفنيدها لا يحتاج سوي سطور . بالأدلة التاريخية الأثرية الحية , لا بمجرد التأريخات النظرية , بل بكليهما معا .. :
يا صديقنا العزيز .. الناس الذين كانوا يسكنون مصر . وقت احتلالها من قبل البدو العرب - . أحفادهم موجودون حتي اليوم وبالملايين ( أقل تقدير يقول انهم 5 ملايين . وهذا رقم ليس بالقليل . وأكبر تقدير يقول انهم 20 مليونا . فان أخذنا بالمتوسط . يكون عدد هؤلاء الأحفاد حوالي 12 مليونا . وهو عدد كبير . كما نري ) . وهم يحملون نفس الاسم القديم لأجدادهم " الأقباط – أو القبط - . واللغة التي كان يتكلم بها اجدادهم حينذاك . منهم من يحافظون عليها للآن . ويوجد معهد تعليمي لتدريسها .
وتاريخ أجدادهم في هذه الفترة . وما قبلها يدونونه ويحفظونه تمام الحفظ . ويعرفون اسم المحتل الغاصب – أسوأ من استعمروا بلدهم - هو" عمرو بن العاص " . بعضهم يسمونه – لقرفهم من اسمه : عمرو بن المتعاص ) . ..
و تاريخ القبط .. المدوًن . يؤكد أن البدو العرب . اقتحموا مصر , لأخذها وشعبها من المستعمر الروماني . بزعم انقاذهم من ظلم المستعمر الروماني ( وما طلب المصريون مساعدتهم في ذلك ). ففاق البدو العرب . بلاانسانيتهم جميع المستعمرين الذين عرفتهم مصر طوال تاريخها القديم . قبل وبعد التاريخ ..
ويوجد مؤرخون قبط . عاشوا ذاك الزمن , وأرخوا للأحداث . والجرائم والبشائع والفظائع التي ارتكبها الغزاة البدو العرب – بقيادة عمرو بن العاص - ضد مصر وشعبها .
ومن هؤلاء المؤرخين :
1 - يوحنا النقيوسي : في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن –
stmacariusmonastery.org/st_mark/sm040406.htm
توفي في حوالي عام 700 ميلادية . أي قبل بداية الخلافة العباسية . حيث يقول الكاتب الصديق : " قصة الإسلام المبكرة هي من نسج العصر العباسي وتقوم على السرد الأسطوري " : ويكمل قوله : ( المعنى أن فتح عمرو لمصر محض خرافة .. )
ها هو يوحنا النقيوسي . أرخ وعاش ومات قبل العصر العباسي . الذي بدأ مع سقوط العصر الأموي عام 750 ميلادية.. بالاضافة لما أرخه غيره ..
2 - " ساويرس بن المقفع " أسقف الأشمونين - هرموبوليس- (915- 987م )
3 – " ابن عبد الحكم " كذلك مؤرخ عربي عربي – عربي خالص -.. أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم مؤرخ من أهل العلم بالحديث. مصري المولد والوفاة ( 187 هـ-257 هـ )
. ذكر في كتابه . نفس الفظائع والجرائم والبشائع التي ارتكبها العرب . كما دونها المؤرخون القبط. وهذا المؤرخ اسمه " ابن عبد الحكم " – 187 : 257 هجرية . يمكن البحث عن كتابه عن فتح مصر " وقراءته ..
هذا عن التاريخ المكتوب ( النظري ) . أما الأهم . فهو الشواهد الأثرية الحية . وهي علي النحو التالي – ليست كل الأدلة وان كانت أكبرها - :
1 - مسجد عمرو بن العاص الشهير , والقديم ( أدخل عليه تطويرات وتوسيعات عدة خلال عهود مختلفة ) - وأطلال – آثار – مدينة الفسطاط . التي بناها عمرو بن العاص . بالقاهرة – بحي مصر القديمة -
2 - قرية البهنسا – حوالي 160 كم جنوب القاهرة . وعنها ننقل :
( وقد شهدت البهنسا صفحات مجيدة من تاريخ الفتح الإسلامي لمصر ،حيث يُطلق عليها مدينة الشهداء (( لاحظوا أن المستعمر البدوي , مسح شخصية المصري وهويته ولغته , وعمل له غسيل مخ , الي حد أن يعتبر المصريون قتلي المحتل المعتدي علي بلادهم هم الشهداء ! ويخلدونهم ويجعلون قبورهم مزارات , أما أجدادهم الذين استشهدوا دفاعا عن أنفسهم وعن بلدتهم .. فلا ذكر لهم ! )) .. لكثرة من اسُتشهد فيها خلال الفتح الإسلامي ففي عام «22 هجرية » أرسل «عمرو بن العاص» جيشا لفتح الصعيد بقيادة «قيس بن الحارث» وعندما وصل إلي البهنسا، كانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة، كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة، مما أدي إلي سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين، وهو ما كان سببا في قدسية المدينة داخل نفوس أهلها الذين أطلقوا عليها «مدينة الشهداء» تبركًا والتماسًا للكرامات ، وفي البهنسا غربا بجوار مسجد « علي الجمام » تقع جبانة المسلمين التي يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة التي تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة ومقابر ( مقامات ) لشهداء الجيش الإسلامي الذين شاركوا في فتح مصر واستشهدوا على هذه الأرض خلال حملتهم في فتح الصعيد المصري، ويفخر أهلها اليوم بهذه القرية لاحتواء ترابها على أجساد هؤلاء الشهداء من الصحابة ، بل والبدريين منهم ( أي من حضروا بدر مع الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، ومن هؤلاء الشهداء : "أمير السرية الصحابي الشهيد ... و حفيد الحارث عم الرسول" سيدنا زياد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب/ "ابن سيدنا الصحابي خالد" سليمان بن خالد بن الوليد/ "حفيد سيدنا أبو بكر" سيدنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق/ "أحد تابعين و صحابة أبطال الفتح الإسلامي" سيدي فتح الباب/ "حفيد سيدنا الحسين" سيدي الحسن الصالح بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب/ "ابن الصحابي أبو ذر" محمد بن أبي ذر الغفاري/ "ابن سيدنا عقبة" محمد بن عقبة بن نافع و السبعين شهيد/ صاغر بن فرقد/ عبد الله بن سعيد/ عبد الله بن حرملة/ عبد الله بن النعمان/ عبد الرزاق الأنصاري/ عبد الرحيم اللخمي/ أبو حذيفة اليماني/ أبو سلمة الثقفي/ أبو زياد اليربوعي/ أبو سليمان الداراني/ ابن أبي دجانة الأنصاري/ أبو العلاء الحضرمي/ أبو كلثوم الخزاعي/ أبو مسعود الثقفي/ هاشم بن نوفل القرشي/ عمارة بن عبد الدار الزهري/ مالك بن الحرث/ أبو سراقة الجهني/ عبيدة بن عبادة بن الصامت/ جعفر بن عقيل بن أبي طالب/ علي بن عقيل بن أبي طالب/ خولة بنت الأزور/ السبع تابعيات الشهيدات/ القاضي الكبير علي الجمام عالم المالكية
وقديماً كانت البهنسا مليئة بالكنائس ولكن مع مرور الأيام تلاشت هذه الكنائس ولم يتبق منها سوى جدران خاوية ومن المعالم التاريخية الإسلامية : مسجد القاضي علي الجمام ، وتحتوي القرية أيضا على مسجد ومقام الحسن الصالح بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أي حفيد رسول الله محمّد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يعتبر من أقدم المساجد في القرية بل في مصر فهو أقدم من الأزهر الشريف إذ يزهو عمره على الألف والمائتي سنة ( أكثر من 1200 سنة ) ، ومن أشهر الكتب التي تم تأليفها عن البهنسا كتاب فتوح البهنسا للواقدي وكتاب آثار وفنون مدينة البهنسا في العصر الإسلامي للدكتور أحمد عبد القوى محمد ، ومن العلماء الذين خرجوا من البهنسا وتربو على أرضها الإمام القرافي وهو أحد علماء المالكية الثقات
- منقول :.
- http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D9%86%D8%B3%D8%A7
( ملحوظة : ان وجود هذا العدد من القتلي العرب - المسمون شهداء - وبقرية مصرية واحدة - وبالجنوب - .. انما يفضح التأريخ العربي الاسلامي الكاذب الذي يزعم أن المصريين رحبوا باحتلال العرب لبلادهم . ليخلصوهم من الرومان ! .
( كنت أتردد كثيرا علي المركز الذي تتبعه تلك القرية - البهنسا -. وهي تبعد عنه 16كم غربا - . بحكم عملي , في التسعينيات من القرن الماضي . وكان معارفي هناك يكلمونني عن قرية الشهداء – كما هو منقول أعلاه - و كان في نيتي زيارتها من باب حبي للآثار عامة وضمن ما زرته من الآثار الكثيرة بجنوب مصر . ولكن الظروف لم تسعفني ) .
3 - قرية " الشيخ عبادة " . بالمنيا – تتبع مركز ملوي . وتقع غرب النيل علي بعد حوالي 250 كم تقريبا جنوب غرب القاهرة .. والشيخ عبادة . هو عبادة بن الصامت . أحد صحابة محمد . وكان واحدا من البدو العرب الذين جاءوا مع – أو في - زمن عمرو بن العاص .. ( زرت هذه القرية بنفسي حوالي عام 1992 , وقضيت فيها يوما كاملا .. اطلعت فيه علي آثارها الممتدة لكل العصور , و منها العصر الاسلاموي ) .
----
كانت تلك أدلة لا تحتمل شك أو تكذيب . ثم نختم :
صحيح ان واقعة صغيرة ان وقعت منذ 10 سنوات . فان الحكاوي والسمر قد تضيف اليها عشرة أمثال وزنها .. من أكاذيب واختلاقات وتخاريف قد لا يصدقها عقل .. ولكن يعتاد العامة عليها فلا يناقشونها كمسلمات .. ثم يجاريهم في ذلك غالبية النخبة (!) .
فما بالكم في وقائع وقعت منذ 1433 هجريا , أو منذ 2012 عاما ميلاديا ... كم يصير حجمها اليوم بالنسبة لما كانت عليه وقت وقوعها ؟!
ولكن ان كانت لتلك الوقائع الصغيرة الأم . شواهدا مادية وعينية تؤكد حدوث النواة . فالنفي التام لها . هو سذاجة لن تعالج الكذبة الضخمة المبنية علي نواة صغيرة .. بل وجود جبل الاكاذيب المتكلس حولها . يساعد علي الدعوة لنبذ الواقعة برمتها . بينما انكار حدوثها تماما يعد استغفالا للناس قد يزيدهم ايمانا ليس بالواقعة الصغيرة الأصل وحسب . وانما بكل ما تم بناؤه حولها من الحواديت , والخرافات , والأكاذيب ..
*******************=
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟