مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 07:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مجرد رأي في 25 يناير
- الحقيقة أن أسوأ ما قد يحدث في 25 يناير القادم في مصر هو احتفالية على الطريقة الستالينية بالثورة الروسية أو احتفال نظام الملالي بالثورة الإيرانية , أي استبعاد أي شيء له علاقة حقيقية بالثورة و الجماهير لتي قامت بها , و محاولة اختزال الثورة بوصول حكام أو سادة جدد , مع استعراضات مختلفة , عسكرية , و "جماهيرية" , لأشخاص يرفعون صور الزعيم و هم يبتسمون بسعادة , و يصفقون لطوابير العسكر بآلاتهم الحربية المختلفة , مثل هذه السعادة التي كان إعلام الإخوان و السلفيين يصفها على وجوه من ينتخبون مرشحيهم , لكن هذه السعادة أو النشوة التي حاولوا إقناع المصريين بها في أيام الانتخابات قد انتهى وقتها , لقد انتهت الانتخابات , لن يتحدث أحد للمصريين العاديين بعد اليوم إلا بلغة الأمر و النهي , الضبط و الربط
- في 23 يناير , كما بعد 23 يوليو , أعلن البعض للمصريين أنهم قد أصبحوا أحرارا , مرة أخرى , هذا يحدث تقريبا في كل مرة يتغير فيه رأس السلطة , فعل السادات هذا أيضا بعد عبد الناصر , هذه الحرية غريبة في أن المصريين لا يمكن أن يشعروا بها , بل لا بد أن يخبرهم عنها سادتهم الجدد
- الحقيقة أن كل المحاججات التي جرت في صفوف اليسار , خاصة الأكثر راديكالية , عن الموقف من المجلس الإخواني أساسا و من المجلس العسكري , "بيان حزب التحالف الشعبي لنقل السلطة للبرلمان و رد جلبرت الأشقر عليه , مناقشات حسن خليل و مصطفى الجمال من الحزب الاشتراكي المصري , الخ" , كانت كلها مجادلات لينينية الطابع , أي تكتيكية أو إذا شئتم غير مبدئية , كانت تدور عن توازن القوى و احتمالات صفقة بين العسكر و الإخوان و كيفية "فضح" هذه القوى , تماما مثل الموقف اللينيني من شعار كل السلطة للسوفييتات الذي تأجل تبنيه من لينين حتى أصبح للبلاشفة أكثرية في أهم تلك السوفييتات "بيتروغراد و موسكو" , لكن مع ذلك هناك شيء مبدئي , أو مبدأ ضمني , في هذه الحجج , هو الحديث عن "قيادة ثورية" أو عن "أن يتولى الثوار الحكم" , هذا بالنسبة لليساريين الأكثر راديكالية مرة أخرى , الحقيقة أن كل هذا الجدل يعيد إنتاج الفكرة السابقة عن علاقة "الثوار" أو "القيادة الثورية" بالجماهير , كما في حالة التروتسكيين الذين يلخصون كل قضية الثورة في ظهور قيادة ثورية راديكالية , و كما في حالة من يسمون بشباب الثورة , الذين يفترضون أن الحكم بعد الثورة هو حق للثوار نتيجة مبررات مختلفة يمكن اختزالها بما يسمى بالشرعية الثورية , تاريخيا كانت القيادات اليسارية تؤسس نظريا لمشروعية قيادتها للجماهير على أساس "الإيديولوجيا الثورية" , في أنها تحمل هذه الإيديولوجيا الضرورية لقيام الثورات و ترسخها , في مقابل الجماهير التي لا يمكن لوعيها العفوي أن يتجاوز الوعي التريديوني النقابي وفقا لكاوتسكي و تلميذه لينين و كل تلامذة الأخير من تروتسكي و ستالين و ماو و أنور خوجة , الخ , حتى بين من هم تحت تأثير التزام الاشتراكية الديمقراطية بالإصلاحية و بالالتزام بالطرق "القانونية و الشرعية" للسياسة البرجوازية , كان لهذه الفكرة تأثير ما في مناقشاتهم , يفترض بتلك الإيديولوجيا الثورية أن تساعد هذه القيادة الثورية في وضع تكتيكات مناسبة , انتهازية على الأغلب في طبيعتها إذا اعتمدنا على الخبرة التاريخية للبلاشفة , لكي تستولي على السلطة بمساعدة الجماهير و نيابة عنها , الحقيقة أن هذا ما يفعله الإخوان الآن بالضبط , إذا افترضنا أنهم يقومون الآن بالاستيلاء على السلطة و ليس بتقاسمها مع العسكر أو حتى بأن يكونوا مجرد غطاء لحكم العسكر الفعلي , إنهم يحتفظون ببوليس مبارك و العادلي , بأمنه المركزي و بأمنه الوطني "أمن الدولة التابع لمبارك" , بجيش مبارك و رأسه أي المجلس العسكري و على رأسه المشير , أي بعبارات لينين نفسه , الاستيلاء على أجهزة الدولة و وضعها بتصرف الطبقة الحاكمة الجديدة , إن ما قاله المرشد الأعلى مباشرة بعد الانتخابات كأساس لسياسة الإخوان الاقتصادية في المستقبل لا يخرج أبدا عن سياسة لينين نفسها "لإنقاذ روسيا من المجاعة" , "العمل و التخطيط" , لا يمكن القول أيضا بأن الإخوان يؤمنون بصناديق الانتخابات أو بالشعار الليبرالي بمنح كل السلطة لبرلمان منتخب أكثر مما فعل لينين عام 1917 عندما رفع شعار كل السلطة للسوفييتات , هذا طعم فقط لليبراليين و اليساريين الإصلاحيين الذين لا يجدون أنفسهم إلا تحت قبة البرلمان و في النقاشات التافهة بين جدرانه بعيدا عن نضالات الجماهير و الشارع , إنهم لا يخفون أن هذا انتصار إلهي و بداية للتمكين في الأرض , ما عدا ذلك فهو فقط وسيلة "سخرها" ذلك الإله لتحقيق هذا الغرض , الإخوان يثبتون بهذا أنهم لينينيون أيضا , لينينيون جدا أيضا , ربما أفضل من كثير من اليساريين المترددين , لكن النجاح الجديد للتكتيكات اللينينية , التي يمكن وصفها بالانتهازية بمعنى انتهاز الفرص السانحة , لا يعني صحتها مرة أخرى , يجب هنا أن نذكر "اليسار الآخر" الذي صدق لينين عام 1917 عندما طرح شعار كل السلطة للسوفييتات و دخل حكومة ائتلافية مع البلاشفة أو دعمها و خاض معهم غمار القسم الأول الأكثر دموية من الحرب الأهلية دفاعا عما كان يعتقد أنه سلطة السوفييتات و ليست سلطة الحزب البلشفي أو القيادة البلشفية , أي الأناركيين , و الاشتراكيين الثوريين اليساريين , هذه القوى كانت تعتقد بتصور مختلف تماما عن العلاقة بين القيادة الثورية و الجماهير , سنرى هذه الفكرة مرة أخرى عند الشيوعيين اليساريين في ألمانيا و هولندا و إيطاليا خاصة و الذين سيطردون مبكرا جدا من الأممية الشيوعية في مؤتمرها الثاني بعد اتهامهم بالطفولية اليسارية من قبل لينين و الذين سيحلون فيما بعد تنظيماتهم السياسية المقامة وفق الشكل الديمقراطي الاشتراكي أو اللينيني لصالح نقابات عمالية ثورية , هذه الفكرة تقوم على إلغاء تقسيم البشر بين قادة و من يقودونهم , بين من يعطي الأوامر و من ينفذ تلك الأوامر , في وقت مبكر في الصراع المرير بين ماركس و باكونين في الأممية الأولى و الذي اشتد و بلغ ذروته بعد كومونة باريس , و في مواجهة إصرار ماركس عليها رفض باكونين فكرة القيادة الثورية مطلقة الصلاحيات أو الديكتاتورية و حتى فكرة دولة الشعب أو الدولة العمالية , أصر على ما رفضه ماركس و من بعده تلامذته بكل قوة , أي على المبادرة الذاتية , و الثورية , للعمال , و للمنتجين عموما , و التي كانت هي وراء خلق تجربة كومونة باريس كأول حكومة عمالية مجالسية أو قائمة على الديمقراطية المباشرة للمنتجين في التاريخ , تماما كما في شعار كل السلطة للسوفييتات , الذي أيده الأناركيون الروس بكل قوة و تحالفوا لبعض الوقت مع البلاشفة على أساسه , إن هذا الشعار يتحدث عن نظام جديد , يتولى فيه المنتجون أنفسهم , من خلال مجالسهم و سوفييتاتهم , إدارة حياتهم بأنفسهم , لكن لينين كان يقصد شيئا آخر من رفع ذلك الشعار , و هذا ما أدى فيما بعد إلى تجدد الصراع بين اليساريين السلطويين و الاسلطويين لصالح الأوائل طبعا , و في النتيجة لإقامة دولة شمولية بالمعنى الحرفي للكلمة , و في النهاية لانهيار تلك الدولة تحت وطأة تناقضاتها الداخلية كأي نظام استغلالي تقليدي , اليوم أيضا فإن المشاركة و التضامن الهام لجزء من اليسار المصري في نضالات العمال و غيرهم من المضطهدين , لا يمكن أن تعني حقا لقيادة ما بتولي السلطة نيابة عن هؤلاء العمال , إن هذه المشاركة قد تصبح أكثر قوة و أثرا إذا حدد هدفها ليس في خلق تلك القيادة بل في تعزيز النضال الذاتي للعمال و تنظيمه في مؤسسات يديرونها هم بأنفسهم و يشكلون هم قيادتها الفعلية ,
- فقط لنفهم كيف يتحدث اليساريون السلطويون , و الذين يقلد الإخوان اليوم تكتيكاتهم بحذافيرها , في لحظة النضال , من أجل السلطة , سأذكر هذه القصة من تاريخ الثورة الروسية الأولى , في عام 1906 في التنافس المتوقع يومها بين الأناركيين و البلاشفة على استقطاب القسم الأكثر راديكالية من العمال كتب ستالين بعض المقالات عن الأناركية توجد في أرشيفه باسم الأناركية أم الاشتراكية , ينهيها بمحاولته لدحض الفكرة الأناركية , الباكونينية , عن أن ديكتاتورية البروليتاريا , و التي يقابلها سلطة أهل الحل و العقد عند الإخوان , ليست ديكتاتورية حفنة من الأشخاص على البروليتاريا , على جماهير المسلمين بالنسبة للإخوان , استخدم ستالين يومها مثال كومونة باريس نفسه , عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز بالنسبة للإخوان و هما يعبران عن سلطة تتحول من سلطة شيخ القبيلة الطوعية و الديمقراطية إلى ملك عضعوض مطلق منتزعين بشكل انتقائي من 1400 سنة من سلطة مطلقة دموية لعشرات و مئات الخلفاء و السلاطين و الأمراء و المماليك , ليقول , هذه هي ديكتاتورية البروليتاريا , هل هي سلطة حفنة من البشر على البروليتاريا كما يقول الأناركيون , ينتهي ستالين إلى أن ديكتاتورية البروليتاريا تكاد تكون مرادفا لكومونة باريس أي للمجتمع الأناركي الحر و المسير ذاتيا , كما يقول الإخوان اليوم عن ديكتاتورية أهل الحل و العقد و عدم تناقضها مع الديمقراطية البرجوازية , في النهاية , اختزل ستالين ديكتاتورية البروليتاريا و مسخها لتعني سلطة الزعيم , الفرد الواحد , و ليس حتى سلطة حفنة من البشر , أعضاء لجنة مركزية أو مكتب إرشاد , منذ وقت مبكر أصر الأناركيون على أن الغايات التحررية تتطلب أيضا وسائل تحررية , لا يمكنك أن تستخدم منظمات هرمية سلطوية شديدة المركزية , كالإخوان و البلاشفة , لكي تبني حرية حقيقية , و لا حتى حرية نسبية , المنظمات الهرمية شديدة المركزية و التي تخضع قواعدها بانضباط حديدي لقيادات معزولة عمليا عن قواعدها و عن الجماهير و مطلقة الصلاحيات و فوق النقد , لن تنتج إلا دولا شمولية تفوح منها رائحة أفران الغاز و معسكرات العمل العبودي كتلك التي علق عليها النازيون شعاراتهم المفضلة , أمة واحدة , فوهرر واحد , و شعارهم الآخر المفضل , العمل سيجعلكم أحرارا
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟