أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - كفانا حُبَّاً.. كفى وصايةً














المزيد.....

كفانا حُبَّاً.. كفى وصايةً


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 3613 - 2012 / 1 / 20 - 09:18
المحور: الادب والفن
    


في لقطة معبرة، خاطفة وسريعة، على شاشة إحدى الفضائيات الأوروبية الناطقة باللغة العربية، كان هناك رجل مُسنٌّ يصرخ فيما يتوارى صوته تدريجيا خلف صوت المعلق على الشريط المعروض، بما يمكن كتابته بالفصحى تماما أَنْ: اتركونا وشأننا!
 
كان ذلك التقرير التلفزي عن تونس ومن تونس بمناسبة انتخابات المجلس التأسيسي التي تمت مؤخرا وبكل نجاح.
 
ولكن لمن كان ذلك الشخص المجهول يوجه خطابه يا ترى؟
ومن هم أولئك الذين يريدهم أن يتركوه وشأنه؟
 
يمتلئ الفضاء الإتصالي الراهن بعشرات بل بمئات المقالات والأخبار المكتوبة، والمناظرات والحوارات والتحليلات المرئية والمسموعة حول الشان التونسي العام في مرحلة الثورة وما بعدها، وجُلَّها إنْ لَمْ نقلْ كلَّها هي من تلك التي ينتجها غير التونسيين، تتعلق بالخوض في تفاصيل البلاد ثورةً وشعباً وحكومةً وانتخاباتٍ وتشريعات وأحزاباً وحريةً وديموقراطيةً وما إلى ذلك مما جعل تونس مناراً لهُدى الحائرين ومَحَجَّاً يأتيه القوم من كل فجٍّ عربي عميق، كيف لا وتونس مُفْتَتَحُ الثورات وبدء انطلاق عطر الياسمين الذي عطَّرَ بضَوعِهِ ربيعَ أُمَّةٍ ما عرفت طوال تاريخها غير كآبات الخريف الطويل.
 
ولكن المتملِّي والمُمْعِن النظرَ في كل ما أسلفنا ذكره من أنشطة وفعاليات، سيلحظُ ويا للأسف، ومن الوهلة الأولى انتظامها في تعبيرة واحدة تتردد هنا وهناك بهذا الشكل أو ذاك، ألا وهي: النُّصحُ والوصاية.
 
فجأةً، أصبح العرب، سواء أكانوا على ميمنة تونس أم على ميسرتها، أهلَ رُشدٍ وبصيرة، تاركين وراء ظهورهم مشكلات بلدانهم ومعضلاتها التي لا تنتهي، بدءاً من أنظمة الحكم المتهرئة إلى تهاوي البنى الاجتماعية والاقتصادية الرخوة أصلا، مرورا بعوارض الأمية والفقر والمرض، وليس وصولا إلى انعدام الحريات العامة وخدعة البرلمانات المزيفة، وصار لا شغل لهم إلا تونس وثورتها وانتخاباتها وتجربتها الجديدة في الحياة الحرة الكريمة. فَهَاتِ يا نُصحُ وَهَاتِ يا توصيات وَهَاتِ يا "يَنْبَغيَّات"!
 
وهكذا فنحن أمام نوع من أنواع القفز على الذات من أجل نُكْرَان ما تعانيه، وإخفاء الخوف الكامن في الأعماق من نجاح التجربة التونسية في إدارة شؤون الناس والبلاد، بعد أن نجحت الثورة التونسية في إرساء عقدٍ اجتماعي جديد أساسهُ الإنسانُ وأُفُقهُ الحريةُ.
 
وخذ مثالا على هذا الخوف المؤسس المغلف بالوصاية عند العرب العاربة، زيارة صاحبهم التركي إلى مصر وتونس بعد انتصار ثورتيهما. فها هو رئيس وزراء عصري بملابس السلطان سليم الأول وحذاء السلطان محمد الفاتح. يتسول على أعتاب أوروبا لعلها تقبله في النادي الأوروبي لكنه لا يتورع عن إعطاء دروس بليغة لمن كانوا رعايا إمبراطورية آل عثمان السابقين.
 
لم يكلف أحدٌ نفسه لكي يسألَ السيد رجب طيب أردوغان لماذا تقتل الأبرياء في شمال العراق بحجة كونهم أكرادا. لماذا تقصف يوميا كردستان العراق بالطائرات وقد راح ضحية عمليات القصف العشرات من الأبرياء في القرى الفقيرة. ولماذا تركتهم بعد الزلزال في العراء بلا معونات بحجة سوء الأحوال الجوية. إن الرعب التركي من الانفصال الكردي عن الجسد العثماني يجعل أردوغان يُصَدَّرُ أفكاره السخيفة عن النظام العلماني والحزب الحاكم الإسلامي في خلطة مطبخية عجيبة. لكن سيطرة الجهل على عقول النخبة العربية إلى درجة تقديسهم للعثمانلية التي عفى عليها الزمن يجعلهم لا يفرقون بين ما هو تاريخي وما هو ظرفي. المشكلة إن المثقفين الرسميين العرب تسكن دواخلهم عوامل حنين ديني وغيبي له علاقة بالتربية والجذور والخرافة، لذلك فإن أغلبهم يعانون من انفصامٍ حادٍّ سيكولوجي ومعرفي، فما بالك بالرجعيين والسلفيين وأهل القدامة.
 
كم زعقتْ أصوات في فضائيات عربية، وكم دبَّجتْ أقلامٌ شهيرة صفحات وصفحات، تحذر من انقسام مجتمعي وعنفٍ طائفي وحربٍ أهلية ستَلُمُّ بتونس إن هي فعلت كذا ولم تفعل كذا، وَسَتَلُمُّ بالتونسيين إنْ همْ لمْ يستجيبوا للنصيحة ولم يمتثلوا للوصاية.
ولكن أي شئ من هذا لم يحدث. وخابتْ الظنونُ. ومرت الانتخابات الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة بكاملها، بلا عنفٍ يُذكرُ.
 
أعتقد إن الشاعر الراحل محمود درويش هو الذي قال للعرب إبان ازدهار الاهتمام بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية عند العرب: "ارحمونا من هذا الحب القاسي".
 
وما أحسب إلا ذلك الرجل التونسي الطيب البسيط الذي ظهر لثوانٍ على التلفاز الأوروبي يقول لنفس أولئك العرب الذين قصدهم درويش بكلامه، اتركونا وشأننا. ارحمونا من حبكم القاسي، وكفى وصاية.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الثورة إلى المؤامرة: خريفنا وربيعهم
- تراتيل لآلامها رواية جديدة للكاتبة التونسية رشيدة الشارني عن ...
- * فاتح عبد السلام يَفتحُ -عينَ لندن- على مُدُنِ الشرق البعيد ...
- عندما زلَّ اللسان بالزميلة وَجْد وَقْفي فنطقتْ بالحقيقة المر ...
- المشهد الشعري العراقي بمختارات (الزمان) أفقٌ واسعٌ وطيفٌ بأل ...
- كلنا تونس أمّ الثورات
- الناقد السينمائي صلاح هاشم: لهذه الأسباب لن أحضر أيام قرطاج ...
- السبعيناتُ مَا قَبْلَها وَتَلاها: رؤيةٌ في التَّحْقيبِ العَش ...
- بعد فوزه بالكومار الذهبي للرواية الشاعر التونسي عبد الجبار ا ...
- السينما العربية من ضياع الحلم الى استعادته
- شامة على خد المشموم جديد الفنانة زهرة الأجنف لكل عشاق التراث
- قليل من الرغبة في رواية عن الحب والموت والوطن
- العقل المختل - كتاب جديد عن نقد الذات العربية وحروبها
- كتاب الايجنغ الصيني iChing لأول مرة بالعربية حوار مع المترجم ...
- في كتاب الاستخارة
- حوار مع جليلة بكار
- كتاب التغيرات
- المتجردة : بضعةُ أسئلةٍ
- حوار مع الكاتب الفلسطيني توفيق فياض
- زيارة السيدة العجوز والمسرح الرأسمالي


المزيد.....




- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - كفانا حُبَّاً.. كفى وصايةً