|
نحو نظرة أکثر إشراقا للمستقبل الانساني
نزار جاف
الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 10:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
کثيرون أشاروا بتشاؤم الى الحصيلة السلبية لمجتمع الغرب الليبرالي وأکدوا على أن هذا المجتمع مع تضاؤل المعايير والقيم الاجتماعية في جعبته ، بات يسير نحو الهاوية . وقد يکون کولن ولسن في کتاباته بهذا الصدد من أکثر المتشائمين بالمستقبل الحضاري للمجتمع الغربي ، ولاسيما في کتابه الموسوم " سقوط الحضارة " حيث ينظر بإستخفاف بالغ الى المحصلة النهائية الفارغة و عديمة الاهمية للبنى الحضارية في الغرب ، تلک النظرة التي يفسر من خلالها ولسن فشل الغرب في تقديم النموذج الاجتماعي الامثل للحضارة . وقد أوغل ولسن في المفردات اليومية المتکررة للانسان الغربي و ضياعه و تمزقه بين روتينها القاتل من خلال فقدانه للمسحة الانسانية التي ميزت طابع وجوده الحضاري . إلا أن عالم الاجتماع الامريکي المحافظ "ديفيد بوبنو" ينظر للامر من زاوية التفکک الاسري والانحلال الاجتماعي و جنوح البناء الاسري في المجتمع الغربي نحو التلاشي ، ويعزي السبب الى الاضطراد في تقولب الانسان بفرديته و خطاه المسرعة به صوب التخلي عن طابعه الاجتماعي الذي عرف به على مر العصور ! بوبنو حين يشير الى التهويل الاستثنائي لمسألة الحرية بأبعادها المختلفة ، فهو يؤکد ضمنا على الانعکاس السلبي لتلک المسألة على عموم البناء النسيجي للمجتمع . ورغم أن بوبنو يصيب کبد الحقيقة حين يسوق الادلة المقنعة على التفکک الاسري والفراغ القيمي الذي يعانيه المجتمع ، إلا إنه ليس مصيبا على الاطلاق في طرحه الحلول المناسبة لتلک الاشکالية ، سيما حين يحاول طرح المفاهيم الکنسية " المشذبة و المنقحة " بديلا للاصلاح إذ هي محاولة غير مجدية و فاشلة في المهد فهو دعوة صريحة لعودة المجتمع الغربي الى الاطار المقدس و تشبثه من جديد بصولجان البابا ! أما کولن ولسن فهو حين يبصق على الرکام الحضاري الخاوي للمجتمع الغربي ، فإنه في نفس الوقت لايقدم بديلا واقعيا وإنما يحاول بصوفيته التي تجنح في أغلب الاحيان نحو المثالية ، أن يستوعب إخفاقات الحضارة ويرسم بديلا ليس بالهين تحديد معالمه . ولعل " ويل ديورانت " في موسوعته القيمة " قصة الحضارة " أکثر تفاؤلا و قربا من الحقيقة عندما يبحث في کل جوانب العطاء الحضاري للانسان . وهو " أي ديورانت" لم يأل جهدا وطوال أکثر من عشرين عاما " المدة التي إستغرقت کتابته لقصة الحضارة " في تتبع کل الجوانب المشرقة و المظلمة لحضارة الانسان ، هو ذاته الذي يؤکد على أن الفعل الفعل الحضاري الايجابي ليس من الممکن توقفه عن الحرکة و السير للامام . وقد يکون عدول فوکوياما عن نظريته حول نهاية التأريخ إقرار بما يرمي إليه ويل ديورانت . وعلى الجانب الاخر للضفة المقابلة ، لازال الفکر الشرقي ـ المسلم عاجز عن تقديم البديل المطلوب الذي من خلاله يحتل أرضية الواقع و يجعل الاوساط الفکرية و الاجتماعية تنقاد الى طروحاتهم ولازال يدخل في سوح الصراع مع غريمه التقليدي بسلاحه ذو البعد المقدس من دون أن يستطيع فرض نموذجه الحضاري کما هو يجب أن يکون إذ أن العقبات التي تحول دون ذلک أکثر من کثيرة . رغم إننا لابد من أن نشير الى محاولات جادة قد شهدتها الساحة الفکرية الاسلامية من خلال أسماء لامعة مثل المفکر الايراني الراحل الدکتور علي شريعتي و العلامة الايراني الراحل مرتضى مطهري و راحل العراق الکبير محمد باقر الصدر ، هؤلاء الثلاثة حاولوا تقديم طرحا واقعيا لمعالجة إشکالات الانسان المسلم و حاولوا جاهدين إستيعاب کافة همومه و معاناته . شريعتي في کتابه المشهور جدا في إيران " العودة الى الذات " يحاول إعادة قراءة الواقع في ضوء معطيات العصر وهو يدعو الى تعامل أکثر واقعية مع النص و إخضاعه لمتطلبات الانسان . أما العلامة مطهري فهو يحاول من خلال طروحاته الفکرية و الفلسفية للواقع الاسلامي و التي هي في الاساس محاولة جادة و جريئة لإستنباط علاقة مثلى و أکثر واقعية مابين النص المقدس و الواقع الانساني ، وقد يکون أکثر الفقهاء المسلمين جرأة في تعرضه لموضوع المرأة المسلمة بروحية تتسم بالمعاصرة و الحيوية في کتابه " نظام حقوق المرأة في الاسلام " فهو يدخل لتفصيلات و جزئيات کانت في السابق بعيدة جدا عن سوح البحث و الجدال . لکن الفقيه الکبير محمد باقر الصدر کان صاحب الباع الاطول في هذا المضمار إذ أنه وبعد مرور أربعة عشر قرنا کان أول من إستنطق القران و بحث في طياته بروح العصر عن الاشکاليات المطروحة على الساحة . وقد تجلى هذا الامر بشروعه في إسلوب و نهج جديد لتفسير القران سمي " التفسير الموضوعي " حيث بموجبه تتم عرض الـمشاکل الواقعية على النص القراني و البحث عن الحلول و الاجوبة الشافية لها . ورغم أن النظام البعثي لم يدع المجال أمام هذا العالم الجليل کي يکمل مشواره التحديثي ، لکنه مع ذلک إستطاع أن يضع لبنات مهمة على هذا الطريق ، ولعل مجموعة محاضراته القيـمة التي جمعت ضمن کتاب " المدرسة القرانية " خير منار للسائرين على نهجه . مهما يکن فأن محاولات کالتي أشرنا إليها آنفا تبشر بالخير في تحريک عجلة الفکر بإتجاه التجديد و العصرنة التي تحتاجها المجتمعات الشرقية . کاتب وصحفي کوردي مقيم في المانيا [email protected]
#نزار_جاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
کلام هادئ مع الراحل الکبير الدکتور علي الوردي
-
عبدالجبار عباس وشئ من ذکراه
-
سوريا ..البحث في المحال في الوقت المحال
-
أصالة دور المرأة في المجتمع الکوردي
-
الرجل المثالي جدا
-
ماتحقق للمرأة في العقود المنصرمة : صفر و باليد حصان !
-
لاخير في نظام فکري ـ إجتماعي يستمد قوته من غشاء البکارة
-
تراجع الادب النسوي لماذا ؟
-
لادين للنساء
-
تغشى وجدها الارق من النسمة فکان مخاض الشعر! فينوس فايق..کورد
...
المزيد.....
-
خطط ترامب في غزة: أنباء عن كون المغرب من المناطق المرشحة لنق
...
-
مخطّط ترامب في غزة: ليبيا تعلن رفض سياسات التهجير والتغيير ا
...
-
مصراتة
-
ردا على مخطّط ترامب: الجزائر ترفض بشكل قاطع تهجير وإفراغ قطا
...
-
تونس: عائلات مفقودين في عمليات هجرة غير نظامية تحتج أمام الس
...
-
تونس: اعتصام ثان لقيادات في اتحاد الشغل والأزمة تتفاقم
-
النائب الجمهوري جو ويلسون: -الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتور
...
-
3 سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا: هل بوتين مستعد لل
...
-
أحكام سجن مشدّدة في تونس: محاكمة نزيهة أم -محاكمة سياسية ظال
...
-
صورة متداولة لشبان جذابون ووسيمون: هل هؤلاء هم أعضاء فريق شر
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|