رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 3612 - 2012 / 1 / 19 - 00:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما لم يُقال عن حصار غزة !!!
شتان بين أن تكون فوق الحصان أو أن تكون تحت الحصان , آسف , أي , أن تكون تحت الحصار . فالفرق يبدو بسيطا . ولكن وضع حرف الراء مكان النون يقلب كل شيء , فتصبح تحت الحصار , أي في أكبر سجن عرفته البشرية .
فأن تكون فوق الحصان لتنطلق في العدو بحرية في الهواء الطلق , دون حاجز , دون خوف من عدو متربص , أو صاروخ يقطعك أشلاء تمحي إمكانية معرفتك , تمحي صورتك الانسانية .
أن تكون فوق الحصان , أنت عنترة إبن شداد يسابق الريح مدافعا عن حياض قبيلته .
أن تكون فوق الحصان , أنت راعي البقر في براري أمريكا , بقبعته وبنطاله الجينز يلملم قطيع أبقاره مع غروب الشمس عائدا بسلام الى حظيرته .
وتحت الحصان ـ آسف تحت الحصار ـ ممنوع أن تنظر فوق , فطائرات الاستطلاع فوقك ولو لم ترها , فإنها تراك , إحذر أن تكون في حالة يشك فيها موجه الطائرة أن معك مدفع , أو تتهيء للمقاومة ولو على ظهر حمار . وليحظر الأطفال ألا يلعبوا ببندقية بلاستيك , فالصاروخ في الانتظار دائما , وكل التكنولوجيا العلمية مسخرة وموجهة إليهم .
تحت الحصار في غزة المنكوبة , شتان لسفينة تأتي من عرض البحر تحمل اليسار المتضامن معنا ,ـ مع ساكني السجن الكبير ـ شفقة علينا من تحت الحصار , وسفينة تغدو وتروح في أي بحر في العالم دون رقيب أو تهديد .
فعلا شتان ما فوق الحصان وما تحت الحصار , فالحصان تحت اليد وجاهز للامتطاء وقت ما تشاء , يسير بك الى حيث تشاء . أما تحت الحصار و فلا سفر الا بتصاريح لا عد لها و ومواعيد وحجوزات تصل الى الشهور , إلا من رحم ربي .
وتحت الحصار , فالماء ليس للزراعة ولا للشرب . فأنت لا تستطيع أن تزرع , فإن تسقي الزرع , لابد أن تموت عطشا , وإن شربت الماء مات زرعك , ومت جوعا , وعليك أن تحلم بشاحنة طحين للأونروا , ربما أصابك منها نائبا , أو بعض شيء من ملحقاتها , من معلبات جُدد تاريخ صلاحيتها لتناسبك .
تحت الحصار لا تستطيع أن تقترب من أرضك حتى أكثر من نصف كيلومتر , فالقناص في انتظارك . فالقرب من الحدود لا تستطيع أن تجري , أن تحفر , أن تبني , ولا أن تلحق بإحدى ماشيتك التي اقتربت من الحدود .
تحت الحصار , عليك أن تنتظر فتح "كرم أبو سالم " وتحلم بنصف الاسم "كرم " , في انتظار الفاكهة التي لم تجد من يشتريها من " تنوفا " ـ شركة التسويق الزراعي الاسرائيلية ـ . وفي السوق , تسمع الباعة , تفاح , موز , مشمش , أفوكادو , المعبر مغلق , " أكلة والوداع " .
وآخر ينادي , الفرسمول , فيقول آخر : الفرسمول يضر المعدة , فيعلق ثالث بقوله : يضر المعدة !!! , المعدة تكيفت على السموم والعفونة ,والمعلبات المحفوظة كيميائيا , وإذا أصابك مغص أو سخونة فبنادول صحية الوكالة جاهز , وإذا مش معجبك المقبرة جاهزة , أحسنلك من هالعيشة .
في الحصار أكثروا من الصلاة , ففي الصلاة أمل بجنان لم ترها عين , ولم تسمع بها أذن , وكل شيء , كل ما هو ممنوع تحت الحصار موجود في الجنان , فأكثروا من الصلاة وأحلموا في الجنان , وإن لم تحلموا بها , صلوا قيام الليل , وضاعفوا الصلوات , وأكثروا من الدعاء , ممكن الله يستجيب لدعائكم , ويرفعكم فوق الحصان .
صلوا , وادعوا , واحلموا , يا أهل غزة المنكوبة في كل شيء , في الماء والكهرباء والغذاء والسفر و حتى البحر محاصر وقل خيره , فعائلات الصيادين يشموا ريحة السمك ولا يأكلوه , فالصيادون غالبا ما يعودون بخفي حنين , ولا يصطادون ما يسد الرمق لعائلاتهم .
تحت الحصار , لا عمل , البطالة تغطي الطبقة العاملة بصورة شبه كاملة . إما تعمل لك بسطة في السوق , أو تسوق لك على سيارة !!!
وفي السوق , الباعة أكثر من المشترين , لا عمل إلا البيع , والكل يبيع على بعضه و وتسمع في السوق نغمة " أي حاجة , بأي حاجة " .
أن تسوق على سيارة أجرة , تلاحقك الرسوم والضريبة وتجديد الرخصة والمخالفات والطرق الغير معبدة وارتفاع أسعار قطع الغيار وندرتها وأُجرة الصيانة , وارتفاع أسعار المحروقات الدورية وطلبات الزبائن حتى باب البيت . وفي الغالب لا يعود سائق سيارة الأجرة الى البيت بغلّة تكفي لإعالة أُسرته .
تحت الحصار , الطلبة يسافرون يوميا الى الجامعات , وفوق رسوم الجامعة , يحتاجون أُجرة مواصلات والأب مُطالب بمليء البطون ودفع ضريبة الحصار , كومة من العذابات اليومية .
في الحصار , الماء لا يصلح للاستخدام الآدمي , لا للشرب ولا للطبخ و طعمها اقترب من طعم مياه البحر .
في الحصار , الكهرباء ليس لها مواعيد , فمواعيدها حسب نشرة شركة الكهرباء محددة حسب النشرة فقط و وفي الواقع مثل مواعيد عرقوب . وعدنا الى لمبة الكاز والفوانيس والمجمرة للتدفئة في شتاء قارس لم نشهد له مثيل .
في الحصار , لا تسأل عن حال أهالي البيوت التي دمرتها حملة الرصاص المصبوب الاسرائيلية . فأي تعويض لا يمكن أن يعوضهم عن تدمير بيوتهم وتشريدهم , وفقدان العديد من أبناءهم أو مصادر أرزاقهم .
في الحصار , سوق أطباء الشغلة التانية بعد الدوام , الكشفية , حسب السوق , لكن لا تقل عن 40 شاقلا , وفي المستشفى لا يعيرك الطبيب انتباها إن لم تكن زبونه في العيادة الخاصة . وأسعار الأدوية حدث ولا حرج .
ودائما نواجه في الشارع وفي السوق , في الجامعة بالسؤال متى ؟ متى ينتهي الحصار , وما زاد الطين بله وجود الانقسام , وأخبار المصالحة مثل قميص عثمان , والكل يظهر بتمسكه بشعرة معاوية .
فشتان بين أن تكون فوق الحصان أو تكون تحت الحصان , آسف , تحت الحصار ......
فدعنا نقول ما لم يقال !!!
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟