أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أ. أركوشا - مقاربة شاملة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية















المزيد.....


مقاربة شاملة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية


أ. أركوشا

الحوار المتمدن-العدد: 1067 - 2005 / 1 / 3 - 09:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ليس من الممكن فهم أحداث أوكرانيا الأخيرة بمعزل عن السياسة العالمية. فلا بد إذاً من أن نحدد مضمون العالم المعاصر وإلى أين هو سائر.
كيف نفسر يا ترى تفجير ناطحتي السحاب في نيويورك والحروب التي شنت على يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وثورة الورود في جورجيا، وأخيرا الثورة البرتقالية في أوكرانيا؟ بعد تدمير المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي لم يعد هناك من مقابل وموازن للجزء الرأسمالي من العالم. فالغرب الرأسمالي الآن يهيمن على العالم. ولم يبق سوى بضعة بلدان معزولة ذات رأس مال وطني تواجه رأس المال العالمي المتجاوز حدود القوميات. لقد كان بوسع بعض هذه البلدان بالأمس أن ينهج سياسة مستقلة إلى حد ما متأرجحاً بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي، مستفيدا من حيز القوى المحايد الناشئ من جراء الصراع بينهما. أما الآن فنحن نعيش في عالم يواجه فيه هذا البعض المبعثر من الدول، حيث لا يزال يسيطر رأس المال القومي المتنوع المشارب، بل قل أصح رؤوس المال القومية، رأسَ المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول.
وهذا الأخير يلتهم ويبتلع الاقتصادات القومية الواحد تلو الآخر. ويحاول راس المال القومي المقاومة والصمود في وجه الرياح العاتية، غير أن خصمه، رأس المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول، يفوقه بكثير جبروتاً وعتوّاً في كل الميادين: اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وسياسياً.
لقد بات التناقض الرئيسي في عصرنا هو التناقض فيما بين رأس المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول ورأس المال القومي (أو الوطني). هذا التناقض هو الذي يسيّر حركة التاريخ اليوم. فإلى أين سيفضي، وكيف سيحلّ؟ إن النتيجة ستكون حتماً لصالح رأس المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول. فهو سيصبح سيد العالم بلا منازع. لماذا؟ لأن عنده من أسباب القوة والمنعة أكثر بكثير مما عند أي من رؤوس الأموال القومية.
التناقض فيما بين رأس المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول ورأس المال القومي يتغلغل إلى كل جسم العالم المعاصر. فالكل في هذا العالم، كما نُثارات الحديد في حقل مغنطيسي، يأخذ الآن وجهته طبقا لخطوط القوة الناشئة عن التناقض الرئيسي.
وما أحداث أوكرانيا وتناقض المرشحين الرئاسيين يوشنكو ويانوكوفيتش سوى مظهر محلي من مظاهر التناقض الشامل فيما بين رأس المال العالمي الكبير المتجاوز حدود القوميات والدول ورأس المال القومي. فمرشح السلطة يانوكوفيتش ومعه الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته ليونيد كوتشما يمثلان رأس المال القومي الذي يتكون أساساً من المجموعات المالية والصناعية في مناطق دونِيتسك ودنيبروبتروفسك وكييف، ويتمثل شخصيا في كل من تحالف المتمول الكبير رينات أحمدوف (مجموعة دنيبروبتروفسك) مع رئيس الوزراء السابق يانوكوفيتش ومعه مجلس الوزراء والنائب العام التمييزي فاسيلييف، والأوليغارشي بينتشوك ومجموعة دنيبروبتروفسك) مع الرئيس السابق كوتشما، والأوليغارشي سوركيس (مجموعة كييف) مع رئيس الإدارة الرئاسية مدفدتشوك، وكذلك من ممثلي المجموعات المالية الصناعية الرئيسية في المجلس النيابي الأوكراني.
وتوازنات السلطة السياسية التي تشكل البنية الفوقية لاقتصاد أوكرانيا كانت حتى الآن الحَكَم الصالح بين هؤلاء. ولقد أتاح نظام التوازنات هذا للدولة الأوكرانية البرجوازية انتهاج سياسة ترعى مصالح المجموعات المالية الصناعية الرئيسية وتعبر عن مصلحة مشتركة فيما بينها وتخفف من غلواء تناقضاتها الداخلية.
فيم تكمن يا ترى مصلحتها المشتركة؟ إن رؤوس الأموال القومية هذه تتقاسم فيما بينها ملكية الدولة سابقا عبر خصخصة المؤسسات بالرخص. وهذا ما ينجم عنه عادة حرَد البعض ممن يرون أنهم لم ينالوا النصيب الذي يستحقون خلال عملية التقاسم. وهؤلاء "الحردانون" من مثل هذا الظلم واللاإنصاف يتلقون الضربات واحدة تلو الأخرى من لدن المهيمنين على المجموعات المالية الصناعية الرئيسية. وهم إزاء ذلك لا يفتأون يؤكدون أن القانون يجب أن يسري مفعوله على الجميع بلا استثناء، وأن المحاسيب (المجموعات المالية الصناعية) لا ينبغي أن تكون لهم امتيازات ما على غيرهم. هؤلاء "اللاهثون وراء الحقيقة" هم من رجال الأوليغارشيا الأقل شأناً أمثال يوليا تيموشنكو (المطلوبة من قبل الإنتربول لبعض التلاعبات وأعمال الرشوة والفساد التي ارتكبتها وهي في السلطة سابقا) وبوروشنكو وجفانيا وتشرفوننكو وغيرهم برئاسة فيكتور يوشنكو، المرشح الرئاسي إياه!
لقد كان من السهل على المجموعات المالية الصناعية الرئيسية أن تنقض على الخارجين على الطاعة من رجال المال والصناعة المحليين لو لم يكن هناك بالمرصاد أيضا رأس المال العالمي. فهو أيضا يطمع بالمشاركة في تقاسم الجبنة أي المصانع الأوكرانية التي باتت سائبة ومحللة للخصخصة بعد انهيار الدولة المركزية السوفياتية واقتصادها الموحد. ولذا يتحالف رأس المال العالمي هذا مع رجال الأعمال الأوكرانيين الصعاليك المغضوب عليهم.
وخير مثال على ما نقول كيفية خصخصة مصنع الفولاذ في منطقة كريفوي روغ. فالدولة البرجوازية الأوكرانية المعبرة عن مصالح المجموعات المالية الصناعية الرئيسية باعت مصنع الفولاذ هذا بأرخص الأثمان إلى بينتشوك وأحمدوف (من مجموعتي دنيبروبتروفسك ودونيتسك) مستبعدة إزاء ذلك رأسَ المال العالمي من الاشتراك في المزايدة لشراء أسهم هذا المصنع الأضخم من نوعه في أوكرانيا. فمن الذي همّ في أوكرانيا للدفاع عن رأس المال العالمي (المتمثل في شخص الأوليغارشي مورداشوف المقرب من بوتين والذي "ربح المنافسة بشرف")؟ إنه يوشنكو (المحسوب على الأميركيين والغرب). فهو وقف إلى جانب الخصخصة الشريفة الصادقة. وما الخصخصة الشريفة الصادقة سوى المنافسة الصريحة السافرة التي يفوز فيها من رأس ماله أكبر. ومن البديهي أن تضحي الشركات المتجاوزة حدود القوميات هي صاحبة المصانع في ظل الخصخصة الشريفة والصادقة!
وهكذا نرى أن تناقض يوشنكو ويانوكوفيتش إن هو إلا تناقض فيما بين رأس المال المتجاوز حدود القوميات ورأس المال القومي الأوكراني. فأي منهما سيربح المعركة في خاتمة المطاف؟ رأس المال المتجاوز حدود القوميات بالطبع. وإن لم يحصل هذا اليوم فهو سيحصل غدا. وليس فقط في أوكرانيا، بل في العالم كله، وفي روسيا أيضا بالطبع.
من هو الطرف التقدمي في هذا التناقض القائم فيما بين رأس المال المتجاوز حدود القوميات ورأس المال القومي؟ إنه رأس المال المتجاوز حدود القوميات والاقتصاد العالمي والعولمة. فرأس المال القومي، والاقتصاد القومي المشرذم بين مراكز القوة المختلفة، بل الاقتصادات القومية المبعثرة هنا وهناك في أرجاء هذا العالم، هو الجانب الرجعي. وسينتصر رأس المال المتجاوز حدود القوميات عاجلا أو آجلا على رأس المال القومي في كل بلد من البلدان، وهو الحلقة الأضعف. وهذا سيكون مثابة خطوة جديدة إلى الأمام على صعيد الاقتصاد العالمي. تماما مثلما أزيلت في زمن بعيد مضى الحدود والحواجز الإقطاعية من درب التبادل في داخل البلدان المختلفة نفسها مع تطور الرأسمالية. وهذا تقدم لا شك فيه. فكل الحواجز المصطنعة القائمة في وجه تطور وتقدم الرأسمالية يجب أن تزال. والرأسمالية ينبغي أن تستنفد ذاتَها لكي يتم الانتقال إلى الشيوعية.
إن رأسي المال الروسي والأوكراني إذ يشعران بضعفهما حيال رأس المال المتجاوز حدود القوميات راحا يضافران قواهما لأجل مواجهة رأس المال المتجاوز حدود القوميات. وفي هذا السياق لا بد من التغلب على التناقضات القائمة بين رأسي المال الروسي والأوكراني.
ولا يسع رأسَ المال القومي أن يواجه رأس المال المتجاوز حدود القوميات في الميدانين العسكري والاقتصادي. ولذا يحاول أن يقاومه سياسيا. وهنا لا بد من أن نلفت إلى الإجراءات التي يتخذها رأس المال القومي بدءا بالعراق قبل احتلاله وانتهاء بأوكرانيا.
ولكن يجب قبل هذا أن نقول إن رأس المال المتجاوز حدود القوميات يستخدم في الصراع مع الحكومات التي لا ترضيه الطاقات الاحتجاجية لدى عمال وشبيبة هذه البلدان. ولذا نرى رأس المال القومي مضطراً للحفاظ على مستوى معيشي مرتفع نوعاً لعماله، فالذئاب لا تعوي عندما تكون البطون ملآنة، كما يقول المثل الأوكراني. ولذا يجب أن يكون المعلف ملآناً إذاً. وعلاوة على ذلك يجب أن تكون ثمة ضمانات اجتماعية تؤمن عيشا معقولا للجميع وإن لم يكن ذاك العيش المرفّه. أوليس هذا هو حال سكان المليار الذهبي الساكتين عن نهب رأسمالييهم لباقي العالم مقابل عيش مرفه نسبياً وضمانات اجتماعية؟
لكن بموازاة هذا المعلف في بلدان هيمنة رأس المال القومي يمنع كل رأي معارض، كل معارضة يمكن أن تهز أركان الاستقرار وتستثير انفجارا اجتماعيا يمكن أن ينقل الاقتصاد لاحقا إلى أيدي رأس المال العالمي.
قصارى القول أن على رأس المال القومي، المحلي لكي يواجه رأس المال العالمي المتجاوز حدود الأمم:
1- أن يؤمن مستوى معيشة مقبولا وضمانات اجتماعية لكل أبناء بلده.
2- أن يضرب بقوة كل معارضة محتملة.
وكمثال على هذا نسترجع نظام حكم صدام حسين في العراق الذي أغرق بالدم كل معارضة شعبية، شيوعية كانت أم غير شيوعية. وثمة أيضا نظام لوكاشنكو في بيلوروسيا والنظام الحاكم في كوريا الشمالية. ورأس المال القومي في أوكرانيا انتهج السياسة نفسها أيضا. ويبرز هذا خصوصا في مثال محافظتي دونيتسك ولوغانسك حيث تم رفع مستوى المعيشة ومعاملة المعارضة بقسوة في الوقت نفسه. فقد ضرب بالمطرقة في محافظة دونيتسك ضربا مبرّحاً مثلا فاسيلي غناتيوك، ممثل المرشح الشيوعي للانتخابات الرئاسية زعيم الحزب الشيوعي الأوكراني بيوتر سيموننكو مؤخراً. وينجح رأس المال في استعداء الناس للمعارضين مثلما حصل لشاب وفتاة من "قطار الصداقة" البرتقالي في سمفروبل عاصمة القرم من ضرب للرأس وغير الرأس بالقدمين، ما أودى بهما إلى المستشفى وهما في حالة الخطر.
لو كان فاز يانوكوفيتش في الانتخابات لكانت كمّت أفواه المعارضين كمّاً ولكان سعِّر الحقد أكثر عليهم من قبل السلطة في ظل رفع لمستوى المعيشة، أي في ظل تأمين المعلف!! وفي ظل ظروف كهذه لا مجال لوجود حركة عمالية مستقلة.
نحن الشيوعيين كنا نتوجه إلى العمال في بداية التسعينيات وهم كانوا يردون على تقربنا منهم بالكره والجفاء. وقد استمر الأمر على هذا المنوال حتى شبعوا وعوداً ومآسي من السلطة، فقبلوا التعاون معنا بل راحوا يصوتون لصالح مرشحينا حتى العام 1999، وبعد ذلك لم يعودوا يأخذوننا على محمل الجد. ففي العام 1999 تم التغلب على الأزمة في ماليزيا التي كانت لها أهمية عالمية، وليس إقليمية فقط. هذه الأزمة أصابت شظاياها بقوة أوكرانيا وعمالها. ومنذ العام 1999 بدأ ارتفاع أسعار الفولاذ وبدأ معه ارتفاع مستوى معيشة العمال. ولو فاز يانوكوفيتش لبات التعامل معنا أشد قسوة من ذي قبل لأن الجمهور العامل الشبعان ما كان ليساندنا.
لقد حاولنا أن نستنهض عمال مصنع الفولاذ في منطقة بحر آزوف دفاعاً عن حقوقهم ومطالبهم الاقتصادية. فأنشأنا نقابة مستقلة. فما كان من الإدارة إلا أن سرحت أعضاء اللجنة النقابية برئاسة رئيستها النائبة في مجلس المدينة تشوبرينا. وكان التسريح هذا غير قانوني، غير أن القانون لم يهرع لحمايتها، بل وقف إلى جانب إدارة المصنع الفاسدة والمتعسفة. فماذا كان موقف العمال؟ التعاطف كلامياً مع النشاطى النقابيين، وانعدام المساندة فعلياً. فماذا سيكون إذا تدعمت أكثر سلطة رأس المال القومي؟ لن يصل الأمر ساعتئذ إلى المحكمة ومتاهاتها، بل سترسَل إلى النشاطى العماليين مجموعة من "حليقي الرؤوس" المجرمين لتحطم رؤوس المدافعين عن حقوق العمال شر تحطيم. ولن ينهض أحد للدفاع عنهم، وستعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، وسيبقى العمال والمواطنون يشترون الأشياء الغالية الثمن والسيارات والشقق بالتقسيط. ولكي يرتاح ضميرهم سيعملون على إقناع أنفسهم بأن شيئا من هذا لم يحصل، أو بأن هذا من فعل زعران وأن لا علاقة للسلطة به.
قد يقول أحدهم ربما لا داعي لمقارعة رأس المال القومي ما دام يرفع من مستوى معيشة العمال. أما أنا فأجيبهم أنه تجب مقارعتها للأسباب الآتية:
1- لأن استغلال العمال لن ينتفي مع ذلك.
2- لأن العمال لم يصبحوا بذلك أسياد مصيرهم، بل هم باقون في وضع أشبه بوضع الفلاحين الأقنان.
3- معيشة العمال ستكون مقبولة بعض الشيء ما دامت أسعار الفولاذ مرتفعة. وهذا ما يحصل الآن حيث تتسارع وتيرة تطور الاقتصاد العالمي، والطلب مؤمن والمال متوفر لدى أصحاب الطلبيات، وفيما أسعار الفولاذ إلى ارتفاع مستمر. غير أن أحدا لا يمكنه التكهن بمدى بقاء الأمر على هذا المنوال. فالأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال أمرا ممكن الحصول في أي لحظة، وما من أحد بوسعه إعطاء ضمانات بأنها لن تحصل. وهي إن حصلت ستؤدي إلى عواقب كارثية تطاول مجمل صناعة التعدين الأوكرانية، ومجمل الاقتصاد الأوكراني تبعا لذلك. وسيضحي عمال أوكرانيا، بل عمال العالم كله، على حافة الجوع. ولن يبقى من سبيل معقول أمامهم آنذاك سوى النهوض لثورة اشتراكية عالمية.
النضال واجب إذاً، ولكن يجب أن نعرف كيف نناضل؟ كل خطوة نخطوها ينبغي أن تقربنا ولو خطوة واحدة من الثورة. وهنا تلزم نظرية حية، يلزم أناس أذكياء عارفون قادرون على التعلم من خبرة الماضي وعلى أن يكونوا حين تستدعي الحاجة منظِّمين للدفق الثوري. أما الرقص الطقوسي المتخذ شكل اجتماعات حاشدة واعتصامات عند مداخل المصانع فأراه غير لازم بل مضراً.
4- مهما يكن من أمر فإن رأس المال العالمي سيبتلع في نهاية المطاف رأس المال القومي. لكن هذا قد لا يحصل على سلام. وفي لحظة الأزمة تلك سوف يكون بوسعنا استنهاض العمال ضد كلا الطرفين تحت الراية الحمراء. وإني سأوضح هذا على مثال أوكرانيا. فاحتمال تحول الصراع الحالي بين رأسي المال العالمي والمحلي، بين يوشنكو ويانوكوفيتش الآن إلى حرب أهلية احتمال ضئيل جداً. وعليه فإن أجواء المناصرين لكليهما ستميل شيئا فشيئا إلى الموقف السلبي من كلا زعماء الثورة البرتقالية والثورة الزرقاء البيضاء. حينئذ سيكون بإمكاننا التوجه إلى العمال من كلا المعسكرين ليحولوا وجهة سلاحهم ضد قادتهم الحاليين. أفلم يدع لينين الشعوب إلى تحويل الحرب الإمبريالية (الحرب العالمية الأولى لأجل إعادة تقسيم العالم بين كبرى الدول البرجوازية) إلى حرب أهلية ضد الحكام ومناصريهم؟ وقد أسقط الشعب في روسيا آنذاك حكومة كيرنسكي البرجوازية. كان الناس في البداية متحمسين مع حكامهم ضد البلدان الأخرى المشتركة في الحرب، مفعمين بالمشاعر الشوفينية، ومستعدين للمحاربة من أجل القيصر أبي الأمة. وكان موقفهم سلبيا جدا من البلاشفة، لا سيما عندما طرح لينين شعار تمني الهزيمة لحكومة بلده روسيا في تلك الحرب. إلا أن براغيت الأقبية التهمت لاحقا كل ذاك الحماس القومي لدى الناس فزحفوا في حرب جنبا إلى جنب مع البلاشفة على الحرب. والأمر هو هكذا الآن أيضا. فلئن كانوا يصغون إلينا، فهم لا يوافقوننا الرأي. وكلما اشتدت الأزمة واحتدمت ازداد موقفهم منا حذراً وعدم اكتراث. ولكن إذا ما اقترب الوضع من شفا الحرب فإنه سيوقظ الكثير من العقول والضمائر وقد يسير الناس وراء الشيوعيين ساعتئذ لأجل وقف المذبحة. هذا طبعا إذا دعاهم الشيوعيون إلى ذلك، وإذا لم يتورطوا في الحرب إلى جانب أحد الطرفين (مثلما فعل الاشتراكيون الديموقراطيون قبالة الحرب العالمية الأولى، فاتخذوا مواقف شوفينية إلى جانب حكومات بلدانهم الإمبريالية، ما أفضى إلى انقسام أحزابهم ونشوء الأحزاب الشيوعية والأممية الثالثة، الشيوعية، بعد ارتداد الاشتراكيين عن الذود عن مصالح الطبقة العاملة ككل وسيرهم في ذيل برجوازيات بلدانهم).
في وضع كهذا يمكن أن تقوم ثورة اشتراكية في بلد واحد مع ما قد ينجم عن هذا من نتائج. فهل يمكن للاشتراكية أن تنتصر مجددا في بلد واحد كأوكرانيا مثلا؟ أعتقد أن لا، ولكن لا بد من أن نجرب. فإذا أعطانا التاريخ ولو فرصة ضئيلة لنعيش كالبشر، فإن علينا أن نغتنم هذه الفرصة. ومهم هنا أن تشكل أوكرانيا صاعقا ثوريا لروسيا ولغيرها من البلدان. وأقرب الذين سيتأثرون بنا هم طبعاً سكان جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا.
ولكني أعتقد أن نشوب حرب أهلية في أوكرانيا أمر قليل الاحتمال اليوم. فالرأسمالية القومية جد ضعيفة وجد تابعة للغرب إياه. وحتى لو استطاعت أن تربح هذه الحرب فإن الغرب سوف يخنقها اقتصاديا. ذلك أن الحصار الاقتصادي الغربي (أي من جانب راس المال المتجاوز حدود الدول والقوميات، من جانب الرأسمالية العالمية) سيشل كليا وبالدرجة الأولى جنوب شرق أوكرانيا. فاقتصاد أوكرانيا اقتصاد تصدير في الأساس ويتوقف عليه كليا. فإذا ما علق من العصفور في الدبق مخلبه حلت نهايته. فكيف الأمر إذا كان جل القدرة الاقتصادية معقودا على الصادرات.
لا بد هنا عموما من أن نلحظ أن أمامنا هنا مثالا كلاسيكيا: أي تغير في البنية الفوقية السياسية لن يكون منه سوى إنجاز التغيير في البنية التحتية. اقتصاد أوكرانيا مرتهن كله للاقتصاد العالمي، ويكفي لإركاعه تدخل عنصر الحكومة العالمية وحسب.
يقولون إن الصناعة ستضعف إذا ربح يوشنكو. من أين جاؤوا بهذه الفذلكة" فإذا ما وقع مصنع الفولاذ في كريفوي روغ في أيدي واحدة من كبرى الشركات العالمية بدلا من أن يبقى في يد أحمدوف وبينتشوك، فما الذي سيحصل؟ أتغلق هذه المصنع لكي ينقص عدد المنافسين واحداً؟ لا. فأي منافس للشركة المعنية سيكُونه هذا المصنع بعد أن لا يعود ملكاً لمنافسيها؟ لا. المصنع سوف يستمر في العمل ويؤتي الأرباح لمالكيه الجدد. ولأجل أن يؤتي المزيد من هذه الأرباح ستعمل على تحديثه بما لم يكن لا أحمدوف ولا بينتشوك قادرا يوما على فعله نظراً لحاجتهما إلى ما يكفي لأجل هذا التحديث من المال. وبعد التحديث سيسرح الكثير من العمال دون أدنى ريب لانعدام الحاجة إليهم في عصر الأتمتتة و"الروبتة والعلمتتة" (نسبة إلى الروبوت والمعلوماتية). وسيصبح طالبو العمل في سوق العمل أكثر بكثير من القادرين على الحصول عليه، وهذا سيؤدي بدوره إلى خفض سعر هذه "البضاعة من نوع خاص". قصارى القول أن من سيحصل على عمل سيكون أجره متدنيا، ومن سيبقى خارج اللعبة سيعطونه بعضاً من شحيح الفتات كتعويض عن البطالة لئلا يمتلئ جام غضبه فيثور. فالانفجار الاجتماعي أمر لا يجوز. وستجتذب اليد العاملة الرخيصة رأسَ المال أكثر فأكثر، وهذا ما سيحدوهم على إقامة الجديد من المصانع لأجل استغلال كدح عمالنا. ولسوف يمكنونهم من العمل في الغربة أيضا. ولن تضعف مع حلول رأس المال العالمي محل راس المال القومي، بل ستقوى، أيا تكن الأحوال، تلك الصناعة التي تعمل اليوم.
----------------------------------------------



#أ._أركوشا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أ. أركوشا - مقاربة شاملة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية