زوهات كوباني
الحوار المتمدن-العدد: 3608 - 2012 / 1 / 15 - 15:18
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
هل كنت تعرف ّأنك ستستشهد في النهاية بطلقة غادرة خائنة من يد عائلةٍ باعتِ الوطن والقيم والشرف والكرامة والأمانة والإنسانية؟.
لم يستطيع الأعداء خلال 27 سنة من النضال أن يصيبوك بشيءٍ. استخدموا للنيل منك كل التقنيّاتٍ والتكتيكاتٍ حربية ورغم كلّ الكمائن التي نصبوها لك, لأنّك كنت تعرفهم وكنت جاهزاً لهم في كلّ زمانٍ ومكان, بل وكنت أنت الذي توقعهم في الكمائن وتلقّنهم دروساً وعِبراً في الشجاعة والبطولة.
رفيقي "خبات" كيف ستعيش بوطان وغابار وجودي وكلامَمِي وهركول وغارزان و آمد, قنديل وخاكورك وخنيرة وجميع قمم جبال كردستان دونك؟. لقد أصبحت رفيق الجبال وكنت جزءاً منها, فاليوم ليس فقط الشعب الكردستاني حزين ويبكي لأجلك, حتى جبال كردستان بأشجارها وزهورها وكهوفها وقممها وسهولها, غزلانها ونسورها وقراها تسأل أين رفيقنا "خبات"؟. كيف تم الغدر به وغادرنا؟. لقد كان معنا وحميناه وحمانا من قوى الأعداء والغدر، كنا نتعاون معاً في حماية بعضنا البعض, كان أحدنا يفهم الآخر, وأصبح كلّ منّا يعرف لغة الآخر, كان يحدّثنا بلغتنا, وهو من خيرة من عرفناهم. خبرناه نسراً من النسور المحلّقة في سمائنا. كنّا معاً كلوحة منسجمة من لوحات الطبيعة.
نعم لم تترك شبراً من أرض كردستان وجبالها إلّا وتجولت فيها, مفعماً كنت بمعنى الكريلايتي ( كريلا) وخضت النضال وكأنك كنت تقول: سأحوّل تراب كردستان بجبالها وسهولها وكهوفها إلى مقبرة للأعداء. لن أدع الأعداء يستبيحون هذه الجبال ولن أدعهم يطاؤون ترابنا المقدس. لذلك كنت الكابوس المهيمن عليهم في الجبال وأصبحت تدخل حلمهم, وهم يذكرونك ويخافونك, في أي وقت ستضربهم أو تنصب لهم الكمين أو تقضّ مضاجعهم في أوكارهم .
لقد انهارت جحافل جيوشهم أمامك, ولم ينجحوا في كسر عزيمتك أنت ورفاقك الشجعان. أنت الذي سطّرت لشعبك الكُرديّ ملاحماً تاريخيّةً في البطولة والفداء والتضحية. تقول لشعبك الكردي لا تنظروا إلى العدو كما هو يرى نفسه, بل انظروا أنا ابنكم "خبات" ها أنا أطارده ها أنا أنتصر عليه وأحقق عليه نصراً تلو الآخر, العدوّ ليس كما يدعي بأنه قوّة لا تقهر و أنّه على الجميع الخنوع والخضوع له ولا يمكن النجاح عليه.
اسمك سيغدو رمزاً تحمله جماهير شعبنا, وهي تعاهدك على الخبات "النضال" في جميع الساحات وبكافّة أساليب النضال.
أجل رفيقي لقد عرفتَ أن الوطن بحاجة إلى التضحية والفداء. كنت في الجيش السوري وتركته قائما بالنضال وذهبتَ إلى ساحات الحرب. أصبحتَ في الجبال ليس مقاتلاً فقط بل مناضلاً وقائداً تقودُ "الكريلا" ضدّ الأعداء لأنك كنت تعرف أن الوطنية ليست قولاً فحسب بل عملاً ونضالاً, والوطن لا يحتاج خانعين ومستسلمين بل يحتاج إلى مناضلين ومقاتلين وقادة, لذا كنت دائماً المناضل والقائد والمقاتل, مبدعاً في نضالك, محقّقاً انتصاراتٍ كثيرة.
تسلقت الجبال الأكثر وعورة وسلكت الطرق الأكثر صعوبة. كنتَ تختار أكثر مواقع القتال استراتيجيةً للرفاق, واخترت لنضالك قلب كردستان, اخترتَ ساحة بوطان, فمن بوطان بدأ نضال الكريلا وأصبحت جيشاً شعبيّاً وفي بوطان تطوّرت الثورة.
غدا الوطن بكَ أكثر جمالاً, تضحكُ معه ويضحك معك, غدت كردستان بكَ حديقة جميلة تنضح بالحياة, مفعما بالإنسانيّة بالأخلاق, بالمروءة, بالوفاء, بالشجاعة والبطولة ومَحيتَ من قاموسك الخوف والانحناء والخنوع والعبودية ووضعت بدلاً عنها معاني الحرية والكرامة والقيم والسمو .
ماذا سأكتب عنك؟. احتضنتك الجبال أكثر من ربع قرن, أيّة مُعجزة هي هذه التي أحاطَت بك، عجباً!. هل هناك عبر التاريخ من يضحي من أجل شعبه ليل نهار. كل يومٍ في ساحات الوغى يحارب ويصارع العدو وأزلامه في كل مكان دون توقّف ولو لحظة ولأكثر من ربع قرن، كيف أسردُ حكايتنا "خبات"!؟ وأنت الذي درّبت الآلاف من المقاتلين وعلّمتهم فنون الحرب والحياة؟. كيف أنسى وأنت في بوطان تتنتقل من معركة إلى أخرى؟. كيف ينساك الشعب يا رفيقي "خبات" وقد غدوت نوراً مشعاً في درب حريّته؟.
رفيقي "خبات" ! أيّة قصّة من قصص بطولاتك سيرويها مقاتلوك الذين درّبتهم وأهّلتهم لحرب الحياة؟ سيسألون أين قائدنا "خبات"، وسيكونون أوفياء للعهد الذي قطعوه مع الشعب.
اليوم كردستان حزينة, ليست كردستان وحدها، بل جبالها وأشجارها ووديانها وصخورها حزينة كلّها. عندما تنظر إليها كأنّها تحدثك لقد اشتقنا لمسيره, لنظرته, لحديثه, لصوته ,لحركته ,لقتاله، تحدّثك :أجيئونا به ,لقد عشنا ربعَ قرنٍ معاً، ستنتقم الصّخور والأشجار والجبال, كردستان بطبيعتها ومجتمعها ستنتقم من هذا الغدر وهذه الخيانة.
في البرد القارس بإرادة لا تلين كنت تمشي والثلوج تسّاقط على قامتك الشامخة. كنت تشقّ بياض الثلوج, تسير وتسير كأنك تروّض الطبيعة حتى تآلفت مع الطبيعة وأصبحت صديقها, وأردت الحياة لها, وأردت أن تُطهّرها وتَتطَهّر بها, ولم ترِد أن تتدنّس قدسيتها بأيادٍ وسخة قذرة .
كم بقيت في الجبال تناضل وتصارع, لم تعرف البرد والحرّ, عايشتَ الجوع والعطش, كنت تطعم الرفاق قبل أن تطعم نفسك, كنت تُشرِبهم الماء قبل أن تشرب بنفسك, وأنت الذي كنت تتخذ التدابير لحمايتهم قبل أن تحمي نفسك, وكنت في المقدمة من أجل ان تعطيهم القوة والاندفاع، دائماً كنت في مقدّمة المعارك وأنت الذي كنت تخطط للمعارك, وكأن المعركة تقول لا معنى لهذه الحرب بدون وجود خبات.
ارتبط اسمك بكلّ شيءٍ جميلٍ بالجرأة والمروءة والوفاء والعهد والكرامة والنصر والنجاح والتطور والتضحية ونكران الذات. أنت الذي أصبحت فلسفة عملية, لست أقول هذا فقط لأنك استشهدت, فكلّ من يعرفك يعلمُ هذا جيّداً, فعندما كان يعيش أي شخص معك كان يتعلم منك الكثير, من حركاتك ووقفتك ونظرتك الثاقبة وموقفك النضالي وشجاعتك يتعلم الانسان, أنت الذي طوّرت نوعاً آخر من التعليم وهو التعليم بالنظر, فأصبحت القدوة, وقلت لا بد أن نعلّم المقاتلين بأسلوب آخر من خلال نضالنا ومواقفنا وحياتنا, لقد كنت مدرسة في الحرب والتكتيك والدروس العسكرية, محنكاً تعرف كيف تخطط لمعركة الوجود والحياة، لقد تعرفتَ على كل شبرٍ من جبال كردستان, لم تكن بحاجة إلى السؤال... لأنّك كنت تعرف الجواب, كنت تعرف أين تنبت كلّ شجرة وأين يسكنُ كلّ قرويّ وإلى أين يؤدّي كلّ طريق , كأنك عرّاف بجغرافية كردستان. أجل رفيقي خبات لا أعرف عن أيّ خصالك أتحدّث، انظر إليّ مرّةً رفيقي خبات! كلّما أكتب سطراً أتذكر قدرتك العسكرية دون إرادتي, أرى فيك الرفيق عكيد وكلّ من سار على دربه وحمل سلاحه.
لا اعرف كم من الشهداء استشهدوا على كتفيك وبين ذراعك. ستستقبلك قوافل الشهداء, سيستقبلك عكيد واسماعيل وعلي دريج وشيلان ورستم ورفعت وشرفين وعدنان وعزيمة وبروين وبيمان وآلاف الشهداء. سيهتفون لأجلك: ها هو خباتنا يعود إلينا, كنت صادقاً مع رفاقك الشهداء, تودّعهم وتقسم بالعهد والوعد وتقول سنسير على طريقكم ونحقق أمنيتكم وأنتم مصيرنا وأنتم قادتنا. والآن تفي بوعدك وتلقاهم من جديد.
سيذكرك أهالي ديريك وكوباني وقامشلو وعامودة ودرباسيه وسري كانيه وكلّ المدن والقرى والأحياء, سيقولون كان ابناً وفياً لنا كان مناضلاً مكافحاً, كان بطلاً كان قائداً كان عظيماً, سيقولون كيف تركنا هكذا ونحن بحاجة لنضاله؟
ستبكيكَ ديريك وستبكيكَ كوباني وحلب وعفرين وقامشلو, وتقول لماذا غادرتنا خبات في وقتٍ نحن فيه بحاجة إليك؟.
ألم يكن وعدنا وعهدنا أن نحقق ربيع غربي كردستان معاً ونعيش معاً؟ انتظرناك طويلاً, أتيت لكنّك شرّعت للرحيل مسرعاً؟.
رفيقي الشهيد "خبات" لن ننساك, ولن ننسى أيدي الغدر والخيانة, وسنجعل من شهادتك حملة لانهاء الخيانة واجتثاثها من جذورها, ليعيش الشّعب بحرية وعدالة وديمقراطية وأمان, وليحصل كل ذي حقٍ حقه.
ارفع جبينك أيها الشهيد!. أنت ناضلت وآمنت وعلمتَ المناضلين فنون النضال، وعلمتنا كيف نصرّ على حقوقنا, فمنك استلهمنا روح الرفاقية, ونستمدّ منك معاني التضحية بالنفس من أجل الشعب والرفاق. كنت مثالاً لنكران الذات من أجل كردستان, والمسير بثباتٍ حتى تحقيق النصر، فكن مطمئن البال في مرقدك أيها الرفيق العزيز. أيها المضحي. أيها القائد الملهم. تلاميذك ومقاتلوك ورفاقك وشعبك الأبي سائرون نحو النصر بروحك الثوريّة وفلسفتك الأوجَلانيّة, وبقوتك المعنوية. ستكون رمزاً وشهيدَ الإدارة الذاتية الديمقراطية في كردستان حرة ديمقراطيّة.
#زوهات_كوباني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟