محمد بوجنان
الحوار المتمدن-العدد: 3607 - 2012 / 1 / 14 - 10:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذ : بوجنان محمد
لا في العير ولا في النفير
عجبي لهذه المتابعة الدقيقة واللصيقة لكل حركات الحكومة الجديدة وسكناتها . الحقيقة أن حكومة بن كيران لا تحسد على وضعيتها فقد اضحى كل المغاربة وفي رمشة عين عرفاء بالعمل الحكومي ملمين بأسراره, فقد جعلوا يغوصون في دواليب السياسة ,ويبحرون بأخيلتهم ,وما تمليه عليهم أوهامهم في نقد العمل الحكومي, الذي لم يبدأ بعد في العمل ومناقشة أداء لم تتبين بعد معالمه .
إن الاهتمام بالعمل الحكومي أمر صحي ينم عن اهتمام المغربي بالاطلاع على كيفية اشتغالها وذلك لا شك من حرصه عليها وخوفه من فشلها لأن أمال المغاربة المؤمنين بالعمل السياسي من الداخل متعلقة بنجاح هذه الحكومة أو فشلها لأنها الفرصة الأخيرة كما يقدرها الجميع فرصة لها ما بعدها إن هي تعرضت للإجهاض بفعل فاعل لأن حجتهم ستكون أمام غريمهم السياسي الذي يتربص بهم الدوائر سواء تعلق الأمر بحركة 20 فبراير أو جماعة العدل والإحسان التي بدأت مناورتها ضد الحكومة برسائل تعرض فيها باختياراتها الخاطئة للانخراط في لعبة كل خيوطها بيد المخزن ونتائجها في حكم المعروفة لأن من جرب المجرب عقله مخرب فلن يعود أمامهم سوى النزول للشارع ولا عذر نفع بعدئذ لمن يعتذر.
تسير الحكومة التي تنتظر التنصيب على حقل من الألغام صاغته بإحكام وعفت معالمه الظرفية الصعبة .ويبدو أن وصول الحزب لسدة الحكم فيها منحة شيطانية ومحنة بها مطوية لم يكل للمخزن أن يحلم بأن يسدي القدر له في هذه المرحلة بالذات خدمة في مثل أهميتها أو لعله ــ من يدري ؟ــ كان يدخرها دون أن يشعرها بذلك لمثل هذه اللحظة الحاسمة لتلعب دور الإطفائي وتمتص تفاعلات الشارع من جهة لأنها تمتلك قاعدة شعبية يمكنها أن تعتمد عليها في التهدئة وخصوصا وأن الحزب كان يضع إحدى رجليه مع المظاهرات بتوظيفه لجبهة الصقور التي ظلت تتصرف في شبه استقلالية عن المركز ونذكر هنا بخرجات حامي الدين مع 20 فبراير بقرار انفرادي وإلحاحة على وزير الشباب والرياضة أن يكشف عن راتب غيريس فضلا عن ارتباط اسم الرميد بالسلفية الجهادية بتوليه الدفاع عنها ,عبد العزيز أفتاتي وخرجاته ضد الهمة وغيره خرجات كثيرا ما أحرجت جناح الحمائم وهو يستعد لولوج الاستحقاقات الأخيرة بدون مشاكل أو وهو يستعد للإستفتاء على الدستور ولكن اتضح أن كل ذلك كان يضخ في النهاية في مصلحة الحزب ويسمح له بأن يغطي المساحة الفاصلة بين التموقع في الشرعية والتمترس في الشارع خارج عنها مع الثوار. هذا التخارج كان سبب خوفها من الحزب المخزني الذي شن عليها حربا معلنة لإسقاطها من المعادلة السياسية وإخراجها للهامش وتثبيتها ضمن اللاشرعية هناك في جبهة الممانعة السياسية , حتى يسهل عليه هزمها متمنطقا بكل آليات المخزن ومؤسساته .بيد أن الأخيرة ظلت صامدة واستطاعت, بدهاء , أن تتجاوز تسونامي الأصالة والمعاصرة وحلفائه من ج 8 بمساعدة غير مقصودة من لدن الشارع الذي جعل عنوانا لمطالبه المرحلية" محاربة الفساد "وجعل من رموز هذه الأحزاب على رأس المطلوبين بهذه التهمة وكانت خرجاتهم المتوالية تحقن الشارع بجرعة زائدة دفعت به مباشرة نحو مرشحي حزب العدالة والتنمية ووجهته للتصويت آليا نحوالخيار الوحيد المتبقي بين أحزاب استنفذت صلاحيتها بوصفه الحزب الوحيد الذي لم ترفع ضد منتخبيه شعارات الاسقاط .لاشك أن الحزب قد استفاد أيضا من أصوات اعتادت التصويت على اليساريين و أرادت هذه المرة أن تعاقبهم على ما بدر منهم من تهاون في حق المواطنين وتسقطهم من الحكم جزاء خيانتهم للأمانة وتشبثهم بالكراسي عندما لم يتمكنوا من الاضطلاع بدورهم كاملا أثناء قيادتهم لحكومة التناوب ,عوامل تضافرت لتعطي للحزب هذا الانتصار غير المسبوق ,انتصار بدا طعمه مرا في لسان الخصوم, لهذا انبرت كل جبهة لتستدرك ما فاتها بإظهار حرصها على مصلحة الشعب ورغبتها في التنزيل الديموقراطي للدستور والتنفيذ الملائم للجهوية الموسعة وشرعت ,قبل الأوان في توقع عجز الحكومة التي لم تنصب بعد ,وتبكي عدم امتثالها للشرعية بل وعمدت أمام الملأ ,وعبر الفضائية ميدي 1 تيفي , في السخرية من وزرائها مآزرة بمتدخلين من اليمين المتطرف , والناس يتساءلون إن كان الاشتراكيون يستشعرون أن ما يربطهم بالأصالة والمعاصرة أوثق مما يربطهم بحزب العدالة والتنمية ؟ رغم أن العدالة والتنمية اقترحت في 2008 أن تدخل في تحالف مع الاتحاد خصمها السياسي اللدود لمواجهة حزب الهمة الذي الذي تصنف العدالة في جبهة مناهضة الديمقراطية وتعتبر وجوده خطرا على الحياة السياسية بل إنه وجوده أساسا كان لغاية تسميمها وقلب الطاولة على الأحزاب التي ضيعت فرصة وجودها في الحكومة دون أن تفعل شيئا الأمر الذي دفع بعدد من المناضلين والمثقفين للهرولة نحو هذا الحزب الملكي للبحث من فرصة تمكنهم من الإرتقاء لمناصب مهمة تؤمنهم من شظف العيش الذي كانوا نهبا له لمدة طويلة . لكن قراءتم كانت سيئة لمجريات الأحداث فنسائم الربيع العربي التي هبت على بلادنا قوضت حساباتهم فعدوا من الرعاع فلا هم في العير ولا في النفير ,عادو بخفي حنين من التجربة التي كانت مكنسة لكل نضالاتهم وأفقدتهم شرعية الكلام باسم الشعب ومع ذلك يجد الاشتراكيون أن المعارضة مع هؤلاء خير من حكومة إسلامية هذا ما جنته الإيديولوجيا عليهم .ولا ينفع قائلا أن يقول أنهم أرادوها استراحة محارب لإعادة ترتيب الأوراق , لوأنهم أرادوا ذلك حقا لجمع صفوفهم وترتيب أوراقهممن من جديد هل كانوا ليجدوا أفضل من حكومة تقودها معارضة شعبية بأغلبية مريحة ودستور ,كما يصفونه ويريدون محاسبة الحكومة على أساس هذا الوصف,ديموقراطي وقد صوتوا عليه , أم أن المخزن أرهقهم فلم يجدوا سبيلا أسلم من الهروب للمعارضة . يبدو أن المشكلة تنحصر عند الاشتراكيين من جهة في شرعية تاريخية ولدت كبرياء يصعب التنازل عليه خصوصا أمام خصم إيديولوجي كالعدالة والتنمية خصم يحسبونه على الظلامية ويعدونه مناهضا للحداثة .ولكن ألم يقدم الحزب تطمينات على عدم تراجعهم عن المسار الديموقراطي الحداثي إن صدقوا ؟ ألم يتعهد الحزب بمحاربة الفساد أليس محاربة الفساد وحده مشروع يستحق المؤازرة ؟ لا نريد أن نقرر للحزب تموضعه ولكن من حقنا نحن الذين عقدنا عليها أمالا عريضة قبل اليوم أن نفهم لماذا يتخذ هذه الخطوة ويخذل ليس العدالة والتنمية ولكن المغاربة الذين يسعون للخروج من المأزق أما إن أرادوها معارضة فعلية تعيد مجدهم السياسي فإنها لم تعد بعد الان في البرلمان بل هي في الشارع لمن أراد إعادة الحسابات
كيف نسيت المعارضة الحالية أن العدالة والتنمية لم تعرقل عملهم بل ساندتهم مساندة نقدية بتصويتها على ما ينيف على ثلاثين تعديلا على قانون الصحافة جاءت به الحكومة . وقد بذلوا جهدا في تقديم شكل جديد من المعارضة الناصحة غير المعرقلة فأين المعاملة بالمثل؟ أم أن الأمر مجرد تسخينات أولية لاستذكار وظيفة المعارضة واستعداد لتصفية حسابات أم أنه قيء فات المعارضة أن تشد الحبل عنه فرمته لأول وهلة في وجه الحزب الحاكم .
مهما يكن من أمر فقد قدمت المعارضة صورة سيئة عن نفسها حين انساقت مع هواجسها ولم تقدم مصلحة البلاد ,أما العدالة والتنمية فالوقت كفيل بإثبات مدى قدرتها على مجابهة قوى المخزن وحقيق بأن يكشف إن كانت تستطيع أن تنفذ من عنق الزجاجة وتنجح في هذا الاختيارالمرحلي وتتجاوز هذا الاختبار الصعب بأقل الخسائر وتدفع في أفق تغيير ملامح الحكومات المتعاقبة التي شكلت صورة واحدة متشابهة لا فرق بين أعضائها لأنها في كل مرة ,بدل من أن تؤثر في سياسة المخزن, كانت تنتهي بأن تتأثر هي بسياسته وتتقولب بقوالبه, فتغدو نسخة منه تعيد إنتاج سلوكه السلطوي بدل من أن تعمد إلى ترسيخ نموذجها الديموقراطي الذي كانت تبشر به إبان وجودهل في المعارضة . فهل تنجح العدالة والتنمية من الخروج عن هذه الصوره النمطية ,هل بدأت محاولاتهم لرسم صورة جديدة لمفهوم الوزير تقلق أسلافهم من الوزراء فأصبح خصومهم يصفونهم بالشعبوية فإذا كانت الشعبوية هي الاقتراب من الشعب فنعما هي ,أليست الشعبوية أفضل من الأنوف العالية المتوغلة في وحل الكبرياء
كثيرا ما تماهى أعضاء الحكومة مع صورة رجل السلطة الذي يستدعي التقديس كأني به يستمد قداسته من طبيعة النظام الذي يشتغل فيه ولم تفلح حكومة من الحكومات التسعة والعشرون السابقة في فرض صورة مختلفة عن الأخرى فهل تنفع إشارات هذه الحكومة في توطين شعور الارتياح لدى المجتمع بأنها الحكومة المنتظرة, بوادر التقشف طريقة انتخاب الوزراء حزبيا غير المسبوقة طريقة إدارة الحوارمع الشركاء في الحكومة ,ربما تكون هناك في المقابل مؤشرات عكسية تفيد وجود تعثرات أو تبين قابلية الحكومة للتعاطي مع المخزن غير أن الفصل في الموضوع يحتاج للاطلاع أقلها على البرنامج الحكومي ولا بد من عدم إثارة الزوابع ووضع العصي في الدواليب لتعطيل مسيرتها .كأني بالمعارضة ما تزال تحلم بالعودة للكراسي بل ونستشعر من خطاباتها أنها تستكثر على العدالة والتنمية وصولها للحكومة وتبدي امتعاضا في تعاطيها معها .
أتساءل ما إن كانت تصريحات الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة وبعض من نوابه البرلمانيين الاستباقية والتي يراد منها إثبات أن الأصالة والمعاصرة تملك من الكفاءات ما يؤلها لقيادة الحكومة بدل حالة الارتزاق التي باتت تتبعها حكومة بنكيران باستوزارها لتقنوقراط ما كان أغناها عنهم في هذه المرحلة, ألمس المطلوب أن تقدم العدالة والتنمية برنامجها الذي طالما اتهمتها الأحزاب بافتقارها للعمل واتهمتها فيما اتهمتها بالاعتماد على حسن النية بدل الإنجازات الفعلية والبرامج المفصلة التي تنبني على الأرقام والمواعيد و تبين مصادر التمويل واتهمتها بعدم القدرة على ذلك فهلا تركتها تشتغل حتى تبرهن وهي التي ما فتئ أعضاؤها يذيعون في المنابر الإعلامية أن برنامجهم غير مسبوق فهل يخاف هؤلاء من أن تربح العدالة التحدي فيبادرون لاتحريف المناقش على هوامش وتفاصيل قد لا تثير اهتمام أحد عدا المختصين وفقهاء الدستور إشكاليات لا يراها المغربي مهمة بل إن خبر رفع الحد الأدنى للأجورإلى 3000 درهم إن صدق أهم بكثير من خطاباتهم السياسية هل يثبت هذا من جديد أنهم لا يعرفون ماذا يريد الشعب ألم يتعلموا من خطابات 20 فبراير أم أنهم يطلقون على هذا السمت الشعبوية في مقابل النخبوية هل المغاربة كلهم نخب ؟
#محمد_بوجنان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟