|
سلطة الطغاة والشعوب المضطهدة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1067 - 2005 / 1 / 3 - 09:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تسللوا معظم الطغاة في العالم إلى السلطة عبر أحزاب شمولية، واتخذوا منها مظلة لحمايتهم من واقع القهر والحط من قدرهم في المجتمع. ويسلط علماء النفس عند دراستهم لأسباب الانحراف للطغاة عن أنماط المجتمع على مرحلة الطفولة والعائلة والواقع الاجتماعي الذي ترعرع فيه الطاغية. وتُجمع تلك الدراسات على أن معظم الطغاة في العالم، كانوا يعانون خلال مرحلة طفولتهم من واقع مزري (الاضطهاد، العوز، الاغتصاب الجنسي، الشرخ العائلي، الدونية...) تلك الأسباب جعلت منهم أفراد غير أسوياء، ومنحرفين وحاقدين على المجتمع وتتحكم بهم هواجس من العنف والانتقام لأجل خلق حالة من التوازن النفسي لديهم. وعقدة النقص وما يعاني منها الطاغية في الوسط الاجتماعي ( حيث يتم وصفه بأنه أبن عاهرة أو مأبون..أو أي صفة أخرى تحط من شرفه خاصة إن كانت تلك الصفات حقيقية) تدفعوه نحو الاعتداء وهتك الأعراض لأجل أن لايعتريه النقص لوحده في المجتمع، ويعمد الطاغية المأبون من خلال أجهزته القمعية للاعتداء جنسياً على معارضيه لخلق حالة من التوازن النفسي لديه باعتباره ليس المأبون الوحيد في المجتمع!. وتختلف هواجس وعقد النقص للطاغية تبعاً لاختلاف قيم المجتمع فقد تكون الهواجس السابقة الذكر ليس لها مدلولاً كبيراً يحط من قدر الذات في المجتمعات الأوربية، لكنها في المجتمعات المتخلفة تعني الكثير خاصة أنها مرتبطة بمنظومة القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع. ونجد الطاغية في المجتمعات المتخلفة أكثر سادية وإجرام منه في المجتمعات الأخرى، نتيجة تحكم منظومة القيم الاجتماعية بحياة الفرد بشكل كبير مما يجعله خارج حدود المجتمع ويتولد لديه إحساساً بالنبذ والاحتقار الاجتماعي. وهذا الاختلاف وعدم التوازن نتيجة حالة النبذ والاحتقار الاجتماعي لدى الفرد غير سوي، يدفعه أكثر نحو الانزواء والعزلة واستخدام العنف ضد الآخرين في محيطه لأجل فرض نفسه بالقوة على المجتمع. وعندما يفشل الفرد غير السوي في الحصول على القبول الاجتماعي له، يزداد لديه الإحساس بحالة النبذ الاجتماعي وفشله يدفعه أكثر نحو إيجاد سُبل أخرى للانتقام من المجتمع. كأن يبحث عن أقران من شاكلته لتشكيل عصابة للنهب والسلب وإرهاب المجتمع، وحينئذ سيكون مصيره إما السجن وإما القتل. ولكن قد تتطور النزعة الشاذة لدى هؤلاء الأفراد غير الأسوياء ويتولد لديهم طموحاً أكبر لفرض أنفسهم على كامل المجتمع من خلال الانتساب لأحزاب شمولية كونهم يعتقدون أن الحزب الشمولي يحقق رغباتهم الشريرة لفرض سطوتهم ليس على محيطهم الاجتماعي بل على سائر المجتمع. وتستغل الأحزاب الشمولية تلك العناصر الشاذة من المجتمع، لإرهاب المناوئين لها بغرض تعطيل سُبل المنافسة الحرة. وهذا الأمر يؤدي بالنتيجة إلى إعطاء دور أكبر للفرد الشاذ وغير السوي في الحزب الشمولي، ومع الزمن يتعاظم هذا الدور ليفرض سطوته على الحزب ذاته. ومن ثم على السلطة ليسخر أجهزتها القمعية ضد المناوئين، وبذلك يفرغ الفرد غير السوي شحناته الشريرة ضد المجتمع. ويصف ((أفلاطون)) مسيرة الطغاة نحو السلطة قائلاً:" ويبرز من بين دعاة (الديمقراطية) وحماة الشعب من أشدهم عنفاً وأكثرهم دهاء، فينفي الأغنياء ويعدمهم...ويكون لنفسه حماية يتقي بها شر المؤامرات ويرهب الشعب ويستأثر بالسلطة. ولكي يُمكن نفسه في السلطة يشغل الشعب عنه، ويُديم الحاجة إليه ويشن الحروب على الجيران، بعد أن كان قد سالمهم. ليتفرغ إلى المناوئين في الداخل، ويقطع رأس كل منافس أو ناقد ويقصي عن سلطته كل شخص فاضل، ويقرب إليه جماعة من المرتزقة والسفلة. ويجزل لهم العطاء ويمنح المكافآت للشعراء ليكيلوا له المديح، وينهب الهياكل ويُفقر الشعب ليطعم حراسه وأعوانه". وبالرغم من أن الطاغية يمتلك من الأجهزة القمعية لتصفية المناوئين، لكنه يعاني بشكل دائم من عقدة الخوف. ويتولد لديه إحساساً بأنه منبوذ من المجتمع وهناك من المناوئين من يتحين الفرصة للانقضاض عليه وتصفيته لأنه موضع حسدهم وحقدهم. لذا تجده يُسرف بأعمال التنكيل والقمع دون رحمة بالمعارضين وحتى بالدائرة المحيطة به، لأنه دائم الخوف والخشية من المنافسة لإحساسه العميق بأنه غير شرعي ومنبوذ من الجميع. ويعتقد ((أفلاطون))" أن الطاغية منتهك، جلاد، ومجرم، وخائف دائماً. ولايعاشر غير الأشرار وهم يعاشرونه ليستفيدوا منه". تعاني الشعوب المضطهدة من قبل الطغاة، من حالة المهانة والظلم والإفقار والتجهيل والإضعاف بغرض السيطرة عليها، مما يجعلها تلجأ بصورة أكبر نحو الغيبيات والخرافات والسحر لغرض تبرير حالة الظلم والمهانة المفروضة عليها لأجل إيجاد نوع من التوازن النفسي (الكاذب) لها لعدم قدرتها على ردَّ الظلم وإزاحة الطاغية. ويرى ((الأمام جعفر الصادق-ع))" أنه من نكد العيش، السلطان الجائر، والجار السوء، والمرأة البذيئة". إن حالة المهانة والظلم واللامبالاة، تلازم الشعوب المضطهدة حتى بعد سقوط الطاغية ولأمد طويل. ويتعلق ذلك بالحقبة الزمنية للاضطهاد والعُسف التي تعرضت له، وأكثر ما يعاني منه النظام الجديد بعد زوال الطاغية هو حالة عدم التجاوب واللامبالاة التي يبديها الشعب المضطهد للنظام الجديد كونه فقد الثقة بنفسه وتراكمت لديه هواجس من الخوف والخشية وعدم الثقة بالأنظمة السياسية لأنها السبب المباشر وراء معاناته واضطهاده وإفقاره. لذا ينشغل الشعب المضطهد عن النظام الجديد ويتعامل معه ومع السياسيين بحالة عدم المبالاة، ويتفرغ لتضميد جراحه. ويفتقد لقدرة التمييز بين السياسيين، وتضعف لديه سُبل المبادرة والمشاركة في إصلاح مواضع الخلل في بنيته العامة، ويعزف عن الشؤون الدنيوية لصالح الشؤون السماوية مما يجعله أداة طيعة بيد رجال الدين وبغض النظر عن صدق دعواهم!. ويعتقد ((أفلاطون))"أنه قد تنزل بالعادل المصائب وُتهم كذباً، ويُجلد ويُعذب ويُوثق بالأغلال وتكوى عيناه ويعلق على الصليب وهو سعيد بعدالته. وأما الطاغية فهو الذي يُنكل بالعباد، وإما السياسي فهو الذي يُوقع بخصومه فكلاهما مًّدان ويستحق الرثاء، لأن الظلم أعظم الشرور". إن إخراج الشعوب المضطهدة من حالة الخوف والمهانة، يحتاج إلى إحداث تغيرات جوهرية في بنية النظام الجديد وإجراء إصلاحات سريعة وفعالة تنعكس على حياتهم المعيشية، وإطلاق الحريات وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. وإصدار سلسلة من التشريعات التي تحفظ كرامة المواطن من الانتهاك من قبل السلطات، والشروع بحملة إعلامية لتعريف المواطن بحقوق الإنسان وتقديم مجرمي النظام السابق للمحاكمة لأجل إعادة ثقة المواطن بنفسه وبالنظام الجديد.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسيون وراء قضبان العدالة
-
أنماط الوعي والإدراك في الصراع الاجتماعي
-
إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة
-
مفهوم الثقافة والمثقف
-
الادعاء والتهويل المعرفي في الوسط السياسي والثقافي
-
صدر كتاب جديد للمؤلف صاحب الربيعي بعنوان (المثقف بين المهادن
...
-
البعد الثالث في التوجهات الجديدة في العالم
-
رؤية فكرية في النظرية والتطبيق
-
شرعية استخدام العنف في النظم الشمولية والديمقراطية
-
مفهوم الثورة والتحديث في المجتمع
-
التوجهات الأساسية في الفكر الليبرالي
-
الانتخابات وعملية إرساء أسس النظام الديمقراطي
-
العلاقة بين السياسة والاقتصاد في النظم الشمولية والليبرالية
-
ظاهرة النزاع والعنف في المجتمع
-
وزارة الموارد المائية العراقية ما لها وما عليها
-
العلاقة بين الكاتب والقارئ
-
مهام الكاتب ومسؤوليته كمثقف
-
دور المثقف والسياسي في الثورة والاحتلال
-
موقف السلطة الفاشية من الثقافة
-
السياسية والعنف في المجتمع
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|