ريمه الخاني
الحوار المتمدن-العدد: 3606 - 2012 / 1 / 13 - 14:34
المحور:
الادب والفن
حدث في البصرة....
كانت النار تشتعل في كل مكان.. تتخيل أن الكون بات جمرا ملتهبا ً من حولك,وأن براكين العالم اجتمعت هنا فقط لتحرقك.. لتتحول المنطقة من حولك إلى حطام متهالك..تكاد تحاصرك وما حاصرتك, تشد الخناق عليك....لم تعد متأكدا من أن ابنك البكر حيا أو ميتا, يكفي أنك مؤمن بأن الشهادة في ظرف كهذا حق وإيمان وتسليم, لكن الفقد مر بكل الأحوال لأم مازالت تودع أبناءها كل يوم .., من يهدئ من روعها ؟.
لو عرفت أن ابنها الثالث صار شهيدا أيضا ماذا كان سيحصل؟.
سوف يقوم بما يمليه عليه واجبه الوطني والإنساني والعائلي كإخوته تماما
فأنت المربية وأنت الوطن...
هذا ما عرفناه عنك , قد تآلف الجرح في قلبكَ أيها الأب الحكيم..و بحكم مهنتك الهامة..مع كل الطوارئ والنكبات ..كل هذه الأكوام من الأوراق المهمة التي تحرص علبها يكون ما هو أهم منها هناك..؟.
ما أشد الاختلاف بين تلك النيران ونار حرب تشرين التحريرية..
لا أحد بالقرب سوف يكون أكثر حرصا منك عليها !,ولا معرفة بما يجري هنا في غفلة من الزمان..لكن آذانا صماء لا تسمع وأعين لا تدمع تركت السيل يجرف ما جرف...
كانت عصارة فكرك فيها تنبض بالحياة مازالت..
أعرف مسبقا.. سوف ترحل لو اضطررت لكن إلى أين ؟ ومن قال أنك سترحل أصلا!.
النار المشتعلة في بدنك قبل المكان ..فقد حولته ركاما ...
كانت أكبر من كل ما حوصر الآن..تكاد تظلل كل شيئ.. وتحولك لنار أقوى وأدهى مما تتخيل!..ابتلع ريقك الجاف وادفع امرأتك أمامك يجب أن تنقذ كل ما تبقى من ثمار حياتك,
هي تغص الآن في دمعها تريد البقاء, تنظر في كل الأرجاء ..
مازالت تلملم أشياءها ولا تستطيع القرار تنظر بعين دامعة وحزينة لكل ما حولها... في منزلها الغالي..
أمكرهة هي؟
سمعتها من بعد:
لقد كان الأمر مفاجئا جدا ومباغتا أيضا..
-ما هذا يا ربي..اتركني هنا..لن أرحل...
-,سوف نعود لاحقا ولكن لننجو بأنفسنا أولا . أعدك ..
سوف يبقى المفتاح في قلوبنا قبل أن يكون في جيوبنا سوف يبقى في فكرنا في رأسنا لا في تلك الأوراق الفانية.
-لكنك أنفقت ردحا من الزمان في توثيقها..كيف ستتركها؟
-لامناص يا امرأة لامناص.. .سأحاول أخذ الأهم..
تخرجان يسبقكما ولدكما الثاني يستطلع لكما المكان ..
ينفجر زجاج المنزل يكاد يصيبكما بشظاياه الحادة..أسرعت زوجتك مرتعشة وهي تمضي بفعل انعكاسي فطري مذعور, متلفتة بحرقة مؤلمة للوراء..
لقد كانت الحرارة المنبعثة من سلم العمارة تحرق العيون والآذان, وتكمم الأفواه حتى لتشم رائحة شواء لحم منبعثة من الجوار,
-وابننا البكر ليس معنا الآن!!؟
-سوف يلحق بنا لا عليك.
مازلت تشدها بقوة ووعي تنظر للخلف بألم..
كان يجب أن تكذب هنا...رغم عدم يقينك إلى تلك اللحظة بما حصل ,جميل أنك إلى الآن مازلت متماسكا والصراخ المر يعلو في كل المكان .
أنت تنتظر خروجها حتى تعود لتراه فربما..
-يا لهم من ظلمة جزارين ...من هم الخونة الحقيقيون أريد أن أعرف ؟
تصرخين ألما من نار اشتعلت قربك منعتك من الخروج...
تقول لها:
-ولا حرف لا مجال للكلام الآن امضي بصمت لا نريد أن يسمعنا أحد هنا...فيقتلنا كالنعاج..
هبطت زوجتك السلم ودموعها تنهمر بغزارة وهي تتطلع إلى الخلف بمرارة.. , وكأنها تودع المكان لآخر مرة.
تقولين له:
- لم يعد أهل فلسطين بعدما حافظوا على مفاتيحهم ! مازالوا ينتظرون أكثر من ستين سنة!فما فائدة مفتاح بلا باب؟
لا تجيب فقط تدفعا برفق للأمام..
كانت دموعها تنهمر من أثر الدخان المنبعث ومن الحزن المتفجر بركانا..
-لم أقفل قنينة الغاز فربما انفجرت على حين غرة.
-لا حول ولا قوة إلا بالله.انزلي غاليتي
كنت على يقين من أنك لن تعود لو خرجت.. لذا تركت أمرا عرفته منك سلفا... ..
اسمع حوارك الآن بوضوح:
-بابني ارحل من هنا والحق بإخوتك في دمشق وخذ والدتك معك ...سوف ألملم أهم ما نملك هنا ونعيش مؤقتا هناك ,عسى الله أن يفرج عنا ضيقنا وحرجنا, ورغم هذا لن أتخلى عن مسكننا هذا مهما كان , ولو كلفني عمري..
-يا والدي أنت أستاذ جامعي وأنا كذلك , الأمر مهم جدا يجب ألا نترك المكان بحال, لن أرحل دونك....
- ومن سيراعي إخوتك هناك؟
-نرعاهم معا فكرتك مغلوطة تماما, سأنفذ رغما عني.
- يا بني سوف اترك لحارس العمارة مبلغا بسيطا يكفيه مؤقتا , حارس العمارة وحتى لا يشريه احد...
-هذا صحيح يا والدي وتفكيرك صائب.
-إذا أعني على نفسك بالرحيل..
وصلت أخيرا للخارج..
رأيت حارس العمارة يدخل الغرباء...
لقد دخل الحارس مع جنود الاحتلال ....وسطوا على المكان والمساكن ...
لكنني كنت أعرف ما أوصيتني به جيدا...فدخلت وراءهم...لأكمل المهمة..
ريمه عبد الإله الخاني 31-5-2010
#ريمه_الخاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟