أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - يوم القيامة














المزيد.....


يوم القيامة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1066 - 2005 / 1 / 2 - 06:19
المحور: الادب والفن
    


إستيقظ م من النوم. غسل رأسه و نظف أسنانه
تناول إفطاره. بيضة مسلوقة في نصف رغيف و كوب شاي
إرتدى ملابسه و خرج
لم يكن قد نام جيداً بالأمس. حلم أحلاماً مزعجة
و صدق الهاتف الذي أتاه في المنام. رأى حمامة بيضاء كبيرة بجانب أسد قزم
فقال لنفسه "إذن فأنا قد مت أخيراً". لأن عمره كان قد تعدى الثلاثة و عشرين عاماً بثلاثة أشهر كاملة
و عندما استيقظ
و نظر إلى وجهه في المرآة
قال هكذا إذن أصبح شكلي في العالم الآخر
و عندما تناول البيضة المسلوقة قال أن طعم البيض في جهنم لا يختلف عنه في الأرض
و كان هذا عجيباً لأنه كان يعتقد طول عمره أن بيض جهنم أسوا طعماً من بيض الأرض
و عندما نزل إلى الشارع و رأى كم أن الدخان مزعج و الناس مزعجون و اللغة مزعجة
قال هذا غريب أيضاً
لأن الأمر لم يكن أحسن حالاً في الأرض
و ظل هكذا م مبلبلاً و لا يعرف تفسيراً لأي شيء
و الواقع أن م قد أخطأ
فم يا سادتي لم يكن قد مات, برغم عمره الذي تعدى الثلاثة و العشرين بثلاثة أشهر. هو كان ينتظر الموت. و لكنه لم يكن قد مات بعد
كل ما في الأمر أن العالم هو الذي مات
و كان هذا تفسير الحلم الذي رآه م بالأمس
و لكن م لم يستطع تفسير الحلم التفسير الملائم لأن عقله قد بدأ في الخرف
لأن عمره قد تعدى الثلاثة و عشرين عاماً بثلاثة أشهر

***

العالم قد انتهى. إختيارياً أقول. إنتحر
كل شيء انتحر و كان هذا مزمعاً
تشاورت الكائنات فيما بينها
و قررت الانتحار
تشاور كل بلغته. البشر و الحيوان و النبات و السيارات و البيض المسلوق
ثم تحدث كل بلغة مشتركة, لغة للجميع
و كان نص البيان كالآتي
"إنه لما لم تعد إمكانية للحياة, قررنا الموت
و ان ينهي كل منا حياته بالشكل الذي يرتضيه. لأننا كائنات محترمة و لنا الحق في الحياة
فإن لم تكن ممكنة فلنا الحق في الموت". هذا ما قيل
و انظر إلى التوقيعات. قضى العالم ألف سنة حتى يوقع كل على البيان
في النهاية فقط, عندما لم يكن ناقصاً إلا توقيع واحد, أتى الكون
لا يتبختر مختالاً كعادته. و إنما بائساً ذا قميص ممزق و بنطلون وسخ
و و جهاً قد ذبل من أثر السنين
و وقَّع
إثنان فقط لم يوقعاً. واحد اسمه م و واحد اسمه الله
الله كان خارج اللعبة من البداية. و لكن م
م كان هو شاهد المذبحة الذي أراده الموقعون
قيل "لن يموت الجميع, لأن الأمر ليس يوم قيامة. واحد فقط سيعيش
و سينجب و سيحكي للأجيال عن موقفنا هذا
و الذي غاب عن م, الغبي حتى حدود السيرياليزم
أن البيض المسلوق الذي أكله في ذلك اليوم كان بيضاً ميتاً
و أن التاكسي الذي ركبه كان تاكسياً ميتاً. و أن سائق التاكسي كان ميتاً كذلك
الكل كان قد مات
الكل..الكل..

***

لم يتناسل م. لأنه فشل في الانقسام كالأميبا
برغم تدريباته الشاقة و محاولاته الدائبة
و ظل يهرم و يهرم حتى شارف حدود الأربعة و العشرين
كان يسير متوكئاً على عصا و يتحدث بلغة يضحك عليها الأطفال
و في ليلة حلم بأسد قزم بجانب حمامة بيضاء كبيرة
و فسر الحلم كالتالي
كل شيء قد انتحر و بقيت أنا
كجدار قديم لا يحرس شيئاً و حتى منظره لا يراعي أياً من المواصفات الجمالية
و كان هذا تفسيراً صحيحاً
أرأيتم كيف أن م قد أدرك الأمر أخيراً
و لكن للأسف متأخراً جداً
إنتحر م

***

قالت القصة, و هي لا تنتمي إلى هذا الكون و إنما إلى كون آخر له يوم قيامة آخر مازال أمامه زمن طويل و طويل حتى يأتي: هذا كان مفاجئاً بكل المقاييس (أو من كان بتصور هذا), من كان يؤمن بالله ديمقراطي لهذه الدرجة, إلى درجة يوم قيامة اختياري بكل إرادة العالم الحرة. وقتما حدد العالم موعد القيامة حانت. و بهدوء. لأن الأمر انطوى على التسليم من البداية و لأن الأمر كان لا يحتمل صراخاً و هولاً و فزعاً. لم يكن يحتمل إلا موسيقى جنائزية حزينة كالأزرق لأنه كان شيئاً ما عظيماً و مهيباً في آن. بصمت تام
دخل الجميع مملكة الله. دارت السيارات في طريق طويل. أوتوستراد
بلا رجعة و لا خيار
في صمت قاتل. كأنها جنازة
في نهاية الطريق كانت بوابة جهنم الرئيسية, هناك حيث ركنت كل السيارات و ترجل الجميع و أبرزوا هوياتهم
إنفتحت البوابات و دخل الجميع واجمين و صامتين
و صامتين حد الموت
لأن الانتحار خطيئة
هكذا قال الله
و هو يعرض أمام كل شيء الجزاء الذي وقعه عليه

***

و أضافت القصة: هذا على مستوى أما على المستوى الآخر فإن الأمور ماتزال طيبة و ذات قدرة على الصلاح. فالناس مازالت تسير في الشوارع و الأمطار تغرق الأرصفة و تجففها الشمس و مازال البيض المسلوق يؤكل بشكل رائع و مازال الناس ينتظرون يوم القيامة و هو لن يأتي أبداً لأن يوم القيامة كلحظة مضت و لن تتكرر ثانية أو هو كقطار يأكل في طريقه ملايين البشر فإن مات الجميع و لم تتبق إلا الصور قال القطار لنفسه ماذا أفعل أنا لأشباح و تركهم فمضت الأشباح و سمرت نفسها على قضيب القطار و نظر واحد إلى صاحبه و قال هنا المفروض أن يمر قطار و لم يمر فقال صاحبه لن يمر فقال الأول من سيأكلنا إذن إن لم يأكلنا القطار فقال صاحبه بسيطة كل نفسك و مضى يأكل نفسه فلما رأى الأول هذا و كان آيس من مرور القطار مضى يأكل نفسه كذلك فأيكم يحب أن يكون الأول و أيكم يحب أن يكون الثاني الحق الحق أقول أن القطار قد امتلأت بطنه من الوجبات الدسمة إلى حد التخمة و لم يعد قادراً على تناول الوجبات الخفيفة بين وجبة و وجبة



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ديوان جديد للشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور: الجيش و المجتم ...


المزيد.....




- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - يوم القيامة