|
من ينابيع الفلسفة
ابراهيم عودة نمر
الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 14:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جمع (الاسكندر المقدوني) فلاسفة عصره ووضع أمامهم خارطة العالم طالبا منهم أن يختاروا مدينة لهم يمارسون فيها الفلسفة. تقدم كبير الفلاسفة ممسكا بعصاه راسما دائرة تحيط بالعالم.. وكأن كبير الفلاسفة أراد أن يقول( للاسكندر) من إن الفلسفة لا يحدها مكان وهي موجودة حيثما الإنسان موجود. الفلسفة في مفهومها العام هي (حب الحكمة) وقد لا نأتي بجديد.. فهي تتكون من كلمتين (فيلو سوفيوس) وبالإغريقية تعنيان حب الحكمة.. إلا أن رواد الفلسفة اختلفوا في تعريفها.. فلقد عرفها (سقراط) بمعرفة النفس، وعرفها تلميذه (أفلاطون) برئاسة جميع العلوم)، إلا أن (أرسطو طاليس) عرفها ب(الفضيلة الكاملة) أما (ابيقور) فعرفها ب(فن إسعاد الذات عن طريق العقل) والفيلسوف الذي سبق كل هؤلاء (احتيقار) عرفها ب(معرفة الحياة). وقطعا أصاب الجميع في تعريفها ولو جمعنا تلك الآراء.. لتوصلنا إلى استنتاج مشترك من إن الجميع بحثوا في أسرار الكون والوجود والمطلق وما وراء الطبيعة عن طريق العقل وبالنتيجة: كل الأبحاث تصب في صالح الإنسان لبناء عقل يفضي إلى الحكمة.. وحكمة تفضي إلى العدل.. وعدل يفضي إلى الفضيلة التي هي ذروة سعادة الإنسان في بناء مجتمع نظيف وسليم جسديا وفكريا. والعالم مكان جيد.. ويستحق أن نكافح من أجله.. كما أكد ذلك الكاتب الأمريكي (همنغواي) ولو متأخرا ولقد كافح الكثير من العظماء من مفكرين وعلماء وأدباء وفلاسفة من أجل هذا العالم ومن اجل إنسانه وبفضل هؤلاء كان الانجاز في شتى مجالات الحياة وبخاصة بعد الثورة الصناعية في أوربا. فكانت الآلة والتكنولوجيا الصناعية وثورة الإلكترون حيث اختزل الزمن وقربت المسافات وكان (ليونوف) أول إنسان يمشي في منطقة انعدام الوزن.. وكان (جورج أيسمان) أول من اخترع آلة التصوير والتي كل المرئيات مدينة له اليوم.. وكان (فكتور فرانتز) أول من أكتشف الأشعة الكونية. و(غالي جوهان) الألماني مكتشف الأشعة السينية.. ومنهم من نال جائزة نوبل ومما لا شك فيه أن معظم التطور الحاصل في حياة اليوم.. يعود إلى العقل الأوروبي أو الغربي أما العقل العربي.. فلقد بقي يراوح مكانه لكثرة مشاكله وصراعاته وثوراته من أجل السلطة. لنعود بالزمن إلى الوراء.. ما قبل التاريخ.. إلى أثينا والى سقراط الفلسفة.. كنموذج للمثالية والذي استطاع أن يعبر فجر العقلانية (كما يقولون) دون أن يترك لنا نصا مكتوبا تلك الشخصية الرائدة.. تناولها الكثير من أقلام المفكرين والكتاب وهي بالتالي دوخت عقول الكثير.. حتى قال (افلاطون) مرة.. الحمد للإلهة التي خلقتني رجلا وليس امرأة.. يونانيا وليس بربريا.. وفق كل هذا خلقت في زمن (سقراط) وبقدر ما حيرت تلك الشخصية عقول العظماء من الرجال حتى اعتبر البعض منهم من أن (سقراط) شخصية وهمية لا وجود لها في الواقع.. اخترعها (أفلاطون) ليمرر من خلالها أفكاره.. (سقراط) شهيد الفلاسفة.. كان رمزا لحرية الفكر وكان زاهدا للحياة مؤمنا أن هناك عالم آخر (وفق الإيحاءات التي تأتيه من الداخل) لذلك فضل الموت؟ وقصة موته هي الأخرى تستحق أن نقف إزاءها.. وقد تناولها الكثيرون.. تحدث (اريستوفان) عن موت (سقراط) معتمدا على نصوص (افلاطون) تلميذه الوفي، وكذلك كتب الكاتب الفرنسي (كلافيل) هذا اليهودي سقراط الذي قتلنا جميعا، وكذلك تناول الكاتب الألماني (غوارديني) موت (سقراط)، وهو يرى كما يرى الآخرون.. من إن موت (سقراط) كان استكمالا لحياته، ذلك أن روحه خلدت فكره. وكتاب (كلافيل) كما يؤكد الكاتب العربي (ابراهيم العريس) فيه إشارة إلى موت المسيح (عليه السلام) وأنا أقول (مع فرق التشبيه) ويحلل العريس على ما جاء على لسان (كلافيل) من أن موت المسيح (عليه السلام) يحمل دلالة دينية رمزية وأخلاقية تتعلق بخلاص البشرية وفدائها.. في حين يتخذ من موت (سقراط) دلالة معرفية وفكرية. ويعتبر من المنتصرين على الموت. لنأخذ شيئا من حياته.. كان يعيش عيشة بائسة، حتى كان معرض للانتقاد، فهو دميم في خلقته، أشعث الرأس، حافي القدمين في معظم الأحيان، يرتدي معطفا صيفا وشتاء، كان زاهدا للحياة وإذا ما داهمه الجوع يتناول الحشائش من أي حديقة عامة حتى لفت نظر احد الوزراء أثناء مرور موكبه بالقرب من تلك الحديقة والتي جلس (سقراط) وهو يلتهم شيئا من حشائشها.. وقف الموكب، ترجل الوزير، أقترب من (سقراط).. قال لسقراط: لو خدمت الملك لما أكلت الحشيش.. أجابه (سقراط) وعلى الفور: وأنت لو أكلت الحشيش لما احتجت لخدمة الملك.. كان (سقراط) يعيش الكفاف لم يضايق احد على مكانه ولم يشكوا أحدا حالة فقره وكان مؤمنا بذلك الإيحاء الذي كان يأتيه من الداخل ويتصرف وفق ذاك الصوت وكان متواضعا حتى قال: كل الذي اعرفه عن نفسي هو إنني لا اعرف شيئا! في (جمهورية أفلاطون) وهي نتاج لأفكار (سقراط) وهو يحاول بناء قواعد نظام حكم وإدارة لدولة حكم مع (غلوكون) و (ادمينتس) وغيرهم من الفلاسفة وكان يؤمن جدا بأن تناط السلطة التامة في الدولة ب(فيلسوف واحد) شريطة أن يشعر هذا الفيلسوف الحاكم بخطورة الحق والشرف ويحتقر التكبر ويعتبر العدالة أسمى الواجبات.. ُقدّم (سقراط) للمحاكمة بناء على أفكاره التي كانت تتناقض تماما مع قانون (أثينا) وقتها.. وطعنه للإلهة كانت جريمة بحد ذاتها يحاسب عليها القانون وكانت أفكاره خروجا عن القاعدة، لذلك حكم عليه (بالإعدام) لم يطلب الرحمة من أحد، لم يتنازل عن أفكاره ولم يثنه الموت عن موقفه وحينما وفر له بعض تلامذته فرصة للهرب من السجن، رفض وبادرهم قائلا: لا قانون بلادي حكم علي بالإعدام وعلي أن احترم القانون لأنه سور البلد، وفي ليلة إعدامه كان بعض من تلامذته حاضرين مع تلميذه الوفي (أفلاطون) وعادة ما كان يقدم كأس السم في ساعة متأخرة من الليل تشبثا وحبا باللحظات الأخيرة للحياة إلا أن (سقراط) عجل بالوقت وطلب من السجان أن يقوم بواجبه مبكرا.. قدّم السجان كأس السم بعين باكية وهو يقول ل(سقراط): يا أشرف وأنبل من دخل السجن. شرب الكأس تقطعت أوصاله تألم ترنح سقط على الأرض بعد أن فارقت روحه جسده إلا أن فكره ظل يتقد بعد مرور أكثر من ثلاثة وعشرون قرنا من السنين ولم يزل..! اليوم ونحن نتذكر رائد المثالية وقد انتصر على الموت بخلود فكره لما يمثله الوجود الفلسفي الإنساني في الحياة. ترى هل من فيلسوف يخلص هذا الوطن المستلب من هذا التشظي ومن هذه الصراعات العقيمة ومن شراهة وشهوة حب المال والتملك واللتان أستهوت معظم المسؤولين متناسين جموع الفقراء والمحتاجين والمعوزين والجياع وأطماع الدول الإقليمية وحرمة الوطن وقدسيته وحق المواطن في عيش كريم..؟ أم أن الوطن في طريقه ليصبح أوطانا؟ وعلى غرار كردستان وانبارستان وصلاح الدين إستان بفضل الدستور والمادة 119 على ما أظن بفعل الكثير من السياسيين أصحاب القرار حيث بدأوا ولا زالوا.. بالتهميش والإقصاء والاعتقالات.. والعودة إلى المربع الأول في المكونات والمذاهب والأديان.. والقوميات.. والطائفية.. التي التهمت خيرة الشباب من كلا الطرفين ويتمت الملايين من الأطفال.. وهجرت الكثير من العقول.. عراق اليوم بأمس حاجة لفيلسوف حكيم يرسي سفينة الحكم التي تتقاذفها الأمواج الهائجة إلى بر أمان.. وبخاصة أكبر قوة ظالمة عبثت بالوطن ومزقت لحمته ونهبت خيراته وقتلت ودمرت وأهانت.. حتى جعلته كسيحا لا يستطيع الوقوف بوجه المتاهات.. بعد أن كان عملاقا في كل الأشياء.. وكانت تهابه الدول الكبيرة قبل الصغيرة؟؟!
#ابراهيم_عودة_نمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في هذه الأرض.. وطن.. أسمه العراق
-
وتسقط المروءات
المزيد.....
-
استعانوا بطائرات هليكوبتر.. كاميرا تُظهر إنقاذ مئات المتزلجي
...
-
عبدالملك الحوثي: لن نتوقف عن مهاجمة إسرائيل مهما كانت الضغوط
...
-
ضابط شرطة يطلق النار على كلب عائلة ويقتله.. وخلل فني في كامي
...
-
تحطمت فور ارتطامها بالأرض واشتعلت.. كيف نجا بعض ركاب الطائرة
...
-
إعلام حوثي: إسرائيل قصفت مواقع في صنعاء والحديدة.. ولا تعليق
...
-
رويترز عن مصادر: نظام الدفاع الجوي الروسي هو الذي أسقط الطائ
...
-
إعلام عبري يكشف تفاصيل جديدة عن تفجيرات إسرائيل لـ-بيجرات- ح
...
-
نائب أوكراني: زيلينسكي فقد ثقة الشعب والقوات في بلاده
-
مقتل العشرات ونجاة آخرين إثر تحطم طائرة ركاب في كازاخستان
-
قوات -أحمد- الروسية: الجيش الأوكراني يتحصن عند أطراف مقاطعة
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|