أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب يصدر قريباً















المزيد.....


بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب يصدر قريباً


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 1065 - 2005 / 1 / 1 - 07:38
المحور: الادب والفن
    


لئن اهمل التعاطي مع طروحات " مدرسة شيكاغو " في الممارسة التصميمية التى تلت معرض كولومبيا ( 1893 ) في شيكاغو بالولايات المتحدة الامريكية ، فان مبادئ وقيم تلك المدرسة لم تكن في اي حال من الاحوال ، امرا ً عابرا ً في الذاكرة المعمارية العالمية ، نظرا لما انطوت عليه تلك المدرسة من افكار معمارية جديدة وطازجة ، استجابت بشكل مثير مع متطلبات الحياة العصرية وقتذاك ، وتلاءمت على نحو واسع مع النجاحات التقنية التى شهدها الانشاء ومواده ؛ الامر الذي عجل ّ سريعا ً ظهور اتجاه تصميمي جديد وتبنيه في المشهد المعماري العالمي – ذلك هو تيار " الار نوفـو Art Nouvaeu " – التيار المفعم بالروح العصرية والتائق نحو تكريس الجديد ( والمثير ايضا ً ) في الممارسة التصميمية . وساهمت كتابات المعمار الفرنسي " فيوليه لو دوك Viollet Le- Duc " التى نشرها تحت عنوان " حوارات " في ستينات القرن التاسع عشر ، ساهمت في خلق الاجواء المناسبة لتقبل تيارات معمارية جديدة ، نظرا ً لما اتسمت به تلك الكتابات من مناشدة للمعماريين ليكونوا بنائين ماهرين .. ايضا ً ؛ والتخلي عن وهم الافراط الفني كخاصية لازمة ووحيدة للتكوين المعماري . دعى " فيوليه لو ديوك " الى تبني مسلك تصميمي عقلاني يعتمد على اتحاد الشكل بالمحتوى ، مع الاخذ في نظر الاعتبار خصوصية ونوعية الاسلوب الانشائي ، الذي ينبغي ان تظهر تأثيراته صريحة في المعالجات التصميمية ؛ اي ان يكون الحجر – حجرا ، والحديد – حديدا ً ، وان يكون الخشب – خشبا ً ؛ مقرا ً في هذه الحوارات بان " الاساليب الانشائية الحديدية ستفتح مجالات جديدة لتطور العمارة .. " .
في البدء ، توخت ارهاصات التيار المعماري الجديد " الار نوفو " الى تقصي وارتياد اشكال جديدة خاصة بالفن التزييني ، والعدول عن الاساليب التقليدية الرائجة في هذا الحقل الابداعي والتخلي عنها، ونرى صدى تلك التقصيات واضحة في تصاميم الاثاث واوراق الجدران ، وتشكيل النوافذ وفي تصاميم الادوات المنزلية؛ ثم انسحب ذلك تدريجيا ً على العمارة ، عندما نادى انصار " الارنوفو " الكف عن محاكاة الطرز المعمارية التاريخية وتقليدها ، وسعوا الى منح المواد الانشائية الجديدة ولاسيما " الحديد والخرسانة المسلحة " دورا اكبر في العملية التصميمية ، وعدم إ خفائهما تحت طبقة من الجص او الحجر الطبيعي ، كما كان الامر سائدا في السابق .
ويعتقد ممثلو هذا التيار بان المعالجات المعمارية ينبغي ان تراعي مزايا هذه المواد ، وتظهر خواصها ، ولاسيما انسيابية الخرسانة المسلحة القادرة على التشكل في اي " فورم " مع التركيز على خاصية مطاوعة الحديد ولدانته . كما دعى انصار " الار نوفو " الى توظيف واسع للفنون التشكيلية في العملية التصميمية ، واعتبار مهمة استخدامها كمفردة ملازمة في التكوين " الار نوفووي " ، كما طالبوا ايضا ً ان يكون ذلك الاستخدام حاضرا ً وبكثافة في معالجات الهيئة الخارجية للمبنى Exterior ، او في التصاميم الداخلية له Interior .
ويتوق مشايعو " الار نوفو " الى جعل ظاهرة المناسيب متباينة الارتفاع ، حالة محببة ، واحيانا ً وجوبية في الحل الفضائي – الفني للمباني التى يصمموها ؛ من هنا اضحى عنصر" السلم " بمناسيبه المختلفة ، مدار اهتمام وولع انصار " الار نوفو " ، جاعلين من هذه المفردة المعمارية منطلق العملية التصميمية ، وفي كثير من الاحيان غايتها ! .
اظهر اتجاه " الارنوفو " إمكانيات الصيغ المعمارية – التكوينية الجديدة ، لتنظيم الفضاء الداخلي للمباني المصممة ، وفق مرجعية هذا الاتجاه ؛ والتى اتسمت بنزعة وظائفية واضحة . اذ امست متطلبات الرفاهية وأسباب الراحة ، تبدوان وكأنهما تحتلان هاجسا ً حقيقيا ً ومهما ً لدى معماري " الارنوفو " في تعاطيهم مع اشكالية تصميم الفضاءات الداخلية " الانترير " ؛ من هنا يمكن تحسس تناسبية عناصر الفضاء الداخلي " الارنوفوي " المثالية مع شاغليه بالضد مثلا ، في كبر المقياس المتبع وضخامته في فضاء الانترير الكلاسيكي .
عمل معماريون عديديون ضمن توجهات هذا المقترب الابداعي ، وكان تواجدهم حاضراً في بلدان عديدة ذات ثقافات مختلفة ، ومن اشهر ممثلي هذا الاتجاه في فرنسا كان فرنسيس جوردان ( 1847-1935 ) ، واوغست بيريه ( 1879-1959 ) ؛ وفي انجلترة جارلس ماكينتوش ( 1868- 1928 ) ؛ وفي بيجيكا فيكتور اورتا ( 1861-1947 ) ؛ وفي روسيا فيدور شيختيل ( 1859-1926 ) ؛ اما في النمسا فكان ابرز ممثلي هذا التيار هما جوزيف هوفمان ( 1870-1956 ) واوتو فاغنر ( 1868- 1941 ) ؛ وفي المانيا انري فان دي فيلدا ( 1863-1957 ) ، وفي اسبانيا انطونيو غاودي ( 1852-1926 ) ؛ وغيرهم .

اعتبرت " دارة تاسيل Tassel House " التى صممها الى المهندس " تاسيل " عام 1893 في بروكسل ، مزارا حقيقا ً لمعماريين كثيرين ، ما انفكوا يتقاطرون على المدينة لرؤية تجسيدات " الار نوفو " الواقعية ؛ وبدا المبنى وكأنه يدهش زواره لعدم انتظامية الواجهة ووسع النوافذ الزجاجية فيها . لكن الامر المثير في عمارة المبنى ، كان في الحقيقة هو اسلوب توقيع مخطط الدارة ، وتوزيع عناصر التصميم الداخلي لها ؛ اذ ترك " اورتا " نصف مساحة الارض خالية من الخلف كي يمكن له ان " يغمر " غرف الدار بنور الشمس النهاري الدائم ، ونظم توزيع هذه الغرف حول هول مركزي بالقرب من السلم الداخلي ، الذي جعل هيكله الحديدي مكشوفا ً ؛ بيد انه عالج سطوح عناصره التركيبية وما بينهما بزخارف مشغولة بالحديد المطروق ، اتسمت تشكيلاتها الفنية على مغالاة في التزويق والرسوم المركبة .
يحرص " اورتا " في دار " تاسيل " الى خلق اشكال تزينية جديدة انطلاقا ً من خاصية المعدن المستخدم – الحديد ، ولاسيما التأكيد على مرونته ، كما سعى لان تكون فضاءات الغرف الاساسية للدار مقسمة بمناسيب متباينة وبقواطع لا تصل بارتفاعها الى السقف ، مما منح فضاء الدار خاصية الانسياب والتمازج ؛ تلك الخاصية التى عدّ حضورها في التكوين " الار نوفووي " لازمة ضرورية ، طمح ممثلو هذا الاتجاه لاحقا ً الى تكريسها " وغرسها " في مجمل التكوينات الفنية المعمارية لمبانيهم .
وثمة تنوع خاص تتسم به عمارة " جارلس ريني ماكنتوش " Charles R. Mackintosh ، المعمار البريطاني السائر على النهج الجديد . في البدء عمل " ماكنتوش " اولا ً فنانا ً مصمما ً للفضاءات الداخلية " الانترير " ؛ وحظيت اعماله وتصاميمه الداخلية لمقهى كرانستون ، الذي اتمه عام 1897 في غلاسكو باسكتلدة ، على اهتمام كبير من قبل الاوساط المعمارية المحلية والاقليمية ، نظرا ً للرؤى الجديدة لمفهوم الفضاء الداخلي ذي المناسيب المختلفة ، وتوظيفه مختلف الاساليب الفنية والطليعية في تصاميم الاثاث وورق الجدران والانارة التى جاءت معالجاتها الفنية وفقا ً للنزعات الجديدة التى سعى اليها " الارنوفو " .
لكن العمل المهم في الانتاج الابداعي لـ " ماكنتوش " ، كان تصميم وتنفيذ " مدرسة الفنون " في غلاسكو ( 1899-1909 ) . ففي هذا المبنى ينأى " ماكنتوش " بفسه بعيدا ً عن تقليدية استخدام الاساليب المعمارية التاريخية / ويستند في خلق التكوين التصميمي للمبنى انطلاقا ً من وظائفيته ؛ اذ يجعل نوافذ الطابق الاول بمثابة فتحات زجاجية واسعة ، تدلل بوضوح عن غايتها المضمونية ، كونها فضاءات للمشاغل الفنية . واستثمر " ماكنتوش " بنجاح التضاد الذي خلقه بين الطبقات الرأسية لواجهة المدرسة ، وأفقية السياج الخارجي لها ، ليزيد من ثراء التكوين المبتدع وغناءه . وعلى ذكر هذا السياج الخرساني فقد عبرت هيئته العامة غير المألوفة باكتنازها على خطوط حرة متموجة وانسيابية عن مدى الامكانيات الكامنة في المادة الانشاءية الجديدة .

وتشغل الاعمال التى نفذها مكتب " الاخوة بيريه " الفرنسيين ، باشراف أوغست بيريه حيزا ً مهما ً في " بوناراما " عمارة " الار نوفو " ؛ ولاسيما تعاملهم وتوظيفاتهم الواسعة لمادة الخرسانة المسلحة في التصاميم الكثيرة والمهمة التى عملوا على تنفيذها واخراجها .
كا عمل " أوغست بيريه " على ايجاد حل لمعضلة معمارية كبرى ، وهي ترابط التركيب الانشائي مع " الفورم " المعماري ؛ تلك المعضلة التى تصّدت لها المدرسة المعمارية الفرنسية بنجاح ، وجعلت من تقصياتها المتنوعة مساراً مؤثرا ً في طروحاتها التصميمية . ولهذا فان نشاط " أوغست بيريه " ، يمكن اعتباره جزءا ً من فعالية تصميمية كانت قد افصحت عنها بجلاء كتابات " فيوليه لو ديوك " ، من " .. ان التقنية الانشائية المتجلية شاعريا ً يمكن ان تتحول بسهولة الى .. . عمارة " . ويعد مفهوم هذا التعبير العميق والمختزل في آن ، مفتاحا ً لادراك عمارة بيريه وتحديد تقصياته المهنية .
في عام 1903 ، شيد " بيريه " مبنى سكنيا ً عند " شارع فرانكلين " بباريس . وعّد هذا المبنى أول منشأ سكني متعدد الطوابق ، ينفذ بالخرسانة المسلحة بالكامل . ولئن كان المعماريون في السابق يستخدمون الخرسانة في عناصر إنشائية محددة ومقننة ، فان بيريه ، في هذا المبنى يجعل جميع عناصره التركيبة كالجدران والقواطع والسقوف معمولة كليا ً من الخرسانة .
ينطوي مبنى " شارع فرنكلين " ، على خاصية المنظومة الفضائية الموحدة ، من حيث ان فضاءات المنشأ الداخلية تمتزج الواحدة بالاخرى . وبفضل الهيكل الانشائي الخرساني فقد منحت جميع غرف المبنى أمكانية الاطلال على المنظر الداخلي بصورة مباشرة ، ومن دون عوائق ؛ كما وظف المعمار الشرفات الخرسانية في الواجهة الامامية لزيادة مساحات الفضاءات الداخلية وإثراء المعالجلت التصميمية لتلك الواجهة .
ونفذ مكتب " بيريه " عام 1906 " مرآب للسيارات " في وسط مدينة باريس ، وقد استخدم المعمار فيه المادة الانشائية الجديدة ، ليس فقط لتسهيل مهمة إ يجاد حلول كفوءة للمعضلة الانشائية ، وانما ساعدت الخرسانة المسلحة " بيريه " في تقصياته عن شكل معماري جديد وصريح لمبنى صناعي . ظل " بيريه " امينا ً ودؤوبا ً في تعاطيه مع استخدامات الخرسانة المسلحة في اكثر المباني التى صممها ، ويمثل مبنى " مسرح الشانزليه " ، المصمم عام 1914 ، والمنفذ بالخرسانة المسلحة ، المادة الانشاءية الجديدة في عمارة مبنى عام يتسم بالضخامة وينطوي على قدر كبير من الرسمانية .
لقد ابدى معماريو " الارنوفو " اهتماما خاصا ً لاستخدامات الحديد والخرسانة المسلحة ، كمواد انشائية جديدة ، واجدين فيها إمكانات هائلة في اعطاء هيئات المباني المصممة صفات تشكيلية ومرونة عاليتين . ولعب إنتاج المعماري الاسباني " انطوني غاودي Antoni Gaudi دورا ً مؤثرا ً وفعالا ً في هذا الاتجاه ، عندما شيد مجموعة من المباني السكنية ، والتى شدد فيها على تعبيرية المبنى ونحتيته ، مثل مبنى باتلو Batllo ( 1905- 07 ) ، ومبنى قصر ميلا Casa Mila ( 1906-1910 ) ؛ وكلاهما في برشلونة .
استخدم " غاودي " الخرسانة في المقام الاول لخلق اشكال مرنة وغير تقليدية للمباني التى صممها ، تنطوي على افراط تزييني واضح ، محاكيا ً صور الطبيعة ، ومقتديا ً بهيئات الصخور وقواقع البحر ، واشكال الاشجار . ويذ ّكر مبناه " كازا ميلا " – ذو الستة طوابق ، شكل صخرة جبلية ضخمة ، في حين جاءت فتحات الشبابيك في ذلك المبنى قريبة الشبه بفتحات مغارات الجبال العميقة ، واتسمت سطوح جدرانه الخارجية على حضور مكثف من المنحنيات ذات الاشكال المتموجة الناتئة ، والتى تعزز ّ الانطباع العام باننا امام قطعة من الطبيعة الحيّة ، وليس منشأ ينهض وفق قوانين الانشاء ! . وسحب " غاودي " سمة الخطوط المتموجة التى تمثل اساس " موتيف " الواجهة ، سحبه على نظام تراتبية مخططات شقق مبناه . التى جاءت اشكالها غنية بالخطوط المنحية والفضاءات غير المنتظمة ، جامعا ً هذه الشقق حول فناءين وسطيين مكشوفين وكبيرين .
استخدم " غاودي " في مبنى " كازا ميلا " حلولاً انشائية جديدة اتسمت يالجرأة والاقدام ؛ اذ نلاحظ غياب تام للجدران الحاملة الداخلية ، مستعيضا ً عنها باعمدة خرسانية تسند سقوف المبنى ؛ كما استطاع ان يوظف الشرفات الخارجية ذات الاشكال المنحية والمتموجة لزيادة متانة المبنى وصلادته . ويعد " غاودي " من المعماريين الاوائل الذين استخدموا في اعمالهم العقود الخرسانية ذات اشكال القطع المكافئ Parabola ؛ بيد ان هيئات تلك العقود المستخدمة جاءت مفعمة ومحددة بالحس السليقي للمعمار وحدسه ؛ وليس جراء حسابات دقيقة ومنطقية ، كما جرى لاحقا ً ، عندما باتت مزايا هذا النوع من الانشاء ظاهرة للعيان ، بالفترة الاخيرة .
في " كازا ميلا " ، كما في بعض مبانيه الاخرى ، يتوق " غاودي " الى تأكيد المسلك النحتي في التعاطي مع الصياغة الكتلوية لمبانيه ؛ فبالاضافة على الحرص في حضور الاحساس بان الهيئة العامة لـ " كازا ميلا " وكأنها معمولة من كتلة لزجة ومطلية ، فقد صمم " غاودي " شرفة في امتداد اعلى المبنى ظل منسوبها يتغير بتغير اطوال العقود التى ترفعها ، الامر الذي عزز الاحساس بتفرد الكتلة المصممة وعدم مألوفيتها . واذا اضفنا اشكال مجارير التهوية ومواسير المداخن في اعلاها ، فضلا على تلوين بعض القطع التركيبية يتبين لنا مستوى غرائبية هيئة المبنى المبتدعة وتفردها ! .
في عام 1887 م بدأ " غاودي " بتصميم ، وبعد ذلك الاشراف على تنفيذ ، كاثدرائية " سغرادا فميليا Sagrada Familia < العائلة المقدسة > في مدينة برشلونة ، ذلك المبنى الفريد في تاريخ العمارة ، والذي لم يكتمل بناءه ، رغم ان المعمار منحه سنين طويلة من حياته المهنية وظل متابعا لاعمال التشييد حتى وفاته سنة 1926 . في هذا العمل الضخم نشعر بنزوع المصمم للتحرر من تكبيلات " الثبوتية " و " الاستقرارية " اللتان يحس بهما المرء ، عندما يرى منشأ مبني من مواد انشائية مألوفة .
يحيلنا " غاودي " في عمارة " سغرادا فيميليا " الى عصر آخر ، غير عصرنا – ربما الى عصر" الكوثـك " ؛ فالرقة المتسمة بها العناصر التركيبية الاساسية للمبنى والمتولدة جراء غزارة التعاقب بين المادة والفراغ ؛ وكذلك اشكال الابراج العالية المستدقة والمتخمة تشكيلاتها بفيض من التزيينات الزخرفية كفيلة بان تغمرنا باحساس عال من الخفة والرشاقة ؛ ذلك الاحساس الذي طالما تاق اليه مصممو عصر " الكوثـك " ! .
حرص المعمار على تزينات واجهات مبناه " بموتيفات " زخرفية متنوعة الاشكال والمضامين والرموز ؛ فالى جانب المقرنصات المتدلية في ابواب الكثدرائية ، نتلمس سعي " غاودي " لاكساب سطوح واجهاته ملمسا ً خشنا ً يذكرنا بتوءات الصخور الجبلية ، او سيقان الاشجار المعمرة ؛ هذا فضلا ً عن وجود مجموعة من المنحوتات المعدنية المعلقة في فجوات مداخل البوابات ، الامر الذي يكرّس الاحساس بغرائبية المشهد المعماري المرئي ! .
وايا ً كان الامر ، فان اعمال " غاودي " المعمارية ذات النكهة التعبيرية والمتفرّدة ، كانت دائما ً مشوبة بالتناقضات واللاعقلانية والمهوسة بالذاتية العالية ؛ ومن خلال سلوكه المهني ، وعبر اعماله تجّلت مبادئ " الارنوفو " وقيمه باقصى تعبير لها .

ولئن قيُـمّ " الارنوفو " واتجاهاته الفنية في اكثرية ادبيات النقد المعماري ، تقييما سلبيا ً ، كونه لم يستطع ان يقدم افكارا ً تنظيرية واضحة وثابتة ، جراء انغماس ممثلي هذا الاتجاه وولعهم بفنطازيا الابداع الذاتي ، والتغاضي عن مبادئ " التكتونية " ، والهرولة وراء التأثيرات الزخرفية واشكالها الجديدة ، فاننا نعتقد ان مثل هذا التقييم مافتأ ينطوي على مفهوم احادي الجانب . اذ يتعين علينا ، ان لا ننسى جهد معماري هذا الاتجاه وعملهم الدؤوب في تكريس القطيعة بين منحى ممارسة تغليف المواد الانشائية الجديدة باساليب فنية تقليدية ، وعملية كشفها وابرازها ، ومن ثم توظيفها لجهة خلق معالجات تكوينية مشوبة بالحس الحداثوي والابداعي ؛ بمعنى آخر ، ان اتجاه " الار نوفو " انهى بصورة قاطعة مرحلة التوفيقية والاكاديمية التى سادت قبله ، وفتح المجال واسعا ً امام مرحلة جديدة من النشاط المعماري ، مرحلة ليست تنطوي على تقصسات اسلوبية على كل حال. اي ان " الار نوفو " ادى دورا ً ايجابيا ً ومهما ً في عملية " تنظيف " مسار العمارة ، ويسر انتقالها بسهولة الى مراحل جديدية ، مراحل افرزت فيما بعد تيارات معمارية عديدة ، قدّر لها ان تنتشر في بلدان مختلفة وان تستمر لفترة زمنية تجاوزت نيف ونصف قرن من الزمان ! . □□
---------------------------------------------------------
د .خالد السلطاني
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن- الدانمرك



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا في العمارة العراقية :العمارة ، بصفتها منجزا ً ثقافيا
- ثمانينية خالد القصاب : المثقف المبدع ، المتعدد المواهب يتعين ...
- صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز ، وال ...
- تيارات معمارية حديثة : التيار الوظيفي
- صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز والتأ ...
- موالي - صدام المُدَّعِية - بالثقافة - تسعى - لتبييض - سيرة ا ...
- عمارة جعفر طوقان : فعل الاجتهاد التصميمي
- المُعـلمّ - بمناسبة رحيل فائق حمد
- معالي العمارة المهنية
- عمارة اسمها .. التعبيرية - صفحات من كتاب : قرن من الزمان ؛ م ...
- عمارة اسمها .. التعبيرية
- مرور سبع سنوات على رحيل الشاعر الجواهري ( 27 تموز - يوليو - ...
- موالي صدام المدعية - بالثقافة - تسعى - لتبيض - سيرة الدكتاتو ...
- منجز العمارة الاسلامية مسجد السليمانية في اسطنبول نضوج الحل ...
- صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة ...
- مدرسة اولوغ بيك : جماليات مكان التعلم .. والتعليم
- حديث هادئ ، في معمعة كلامية
- صفحات من كتاب - العمارة العراقية الحديثة: السنين التأسيسية - ...
- العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة
- منجز العمارة الاسلامية (3 ) عمارة - مسجد امام - في اصفهان


المزيد.....




- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب يصدر قريباً