نور نديم
(Nour Nadim)
الحوار المتمدن-العدد: 3597 - 2012 / 1 / 4 - 22:34
المحور:
الادب والفن
هل قلت لك من قبل إني أشابه المدينة التي بلا جسور .. بلا طريق مؤدي إليها ..
بلا لافتات على الطريق ولا أسهم تنير في الظلام لمن يضل الطريق .
يفاجئها هذا الإحساس أثناء زيارتها لمتحف اللوفر في قلب تلك المدينة التي تنتمي إليها بلا أسباب .. تقف أمام هذا التمثال في وسط إحدى قاعات المتحف .. امرأة تشبه قسمات وجهها .. تلملم ثوبها هاربة بقدمين حافيتين من البرق وهي تتلفت للوراء ..
كلما أتت تتسمر أمام هذا التمثال وكأنه لها .. أكان النحات يعرفها ؟
صامتة لا تلحظ الوقت .. تتسارع نبضات قلبها كمن ينتظرها البرق خارج أبواب اللوفر ..
لا تعرف أيهما يخيفها أكثر ؟ حريق البرق أم تمكنه من الوصول إليها ؟
ما أقسى أن تحيا بثياب جافة وروح يغرقها المطر ..
لم تعرف كيف تعتاد رحيلك بعد .. تتراكم طبقات الحزن أمام منزلها كل مساء كما الثلج .. تبقيها غارقة حتى الصباح متى تحضر .
هو التمثال الوحيد الذي لا تحتفظ بصور له رغم وقوفها أمامه بالساعات .. تجزع من مجرد فكرة أن يعلق ثوبها في تلك الشجرة القريبة منها . أيمكن ألا يمهلها القدر فرصة للهروب هذه المرة ؟
أيمكن أن يكون قدرها الاحتراق بنور البرق ؟ أم أنها الطريقة الوحيدة للوصول إليها ؟
فهي عزلاء عارية – بلا جسور ..
هل عرفتك يوماً هناك في تلك المدينة ؟ اتقابلنا أمام هذا التمثال من قبل ؟
أم أنك النحات الذي قضى لياليه ينحت خوفي ويـُخلد هروبي للتاريخ ؟
لم أعرف اليقين منذ عرفت ألعاب الكبار وأرقهم .. وليلهم الدامس الممتليء همسات سرية ، ونهارهم المتأنق .
شاردة أمام الوجوه التي تمر على تمثالك المنحوت بلا أدنى توقف .. لم يخيفهم البرق مثلي ولا عرفوا الفرار .. لا مبالين أمامه كما هم أمام الحياة .. يرتشفون منها بنـَهم جشع لا أطيق النظر إليه . حواس تمارس كل شيء .. لكنها لا ترى .. لا تسمع .. لا تتكلم .
البرد يصيبها بالوهن .. تـُستنزف محاولة البقاء حية حتى دفء الصبح .. تسقط مغشياً عليها برداً داخل غرقها الخاص بعد مغادرتك .
تغادر اللوفر مع دقات الساعة الرابعة .. لتلحق بشوارع المدينة قبل أن يأتيها الظلام . رغم أن مدينتها لا يأتيها الليل إلا في ساعة متأخرة جداً .. لكنها تحب شوارعها أسفل رذاذ المطر .
#نور_نديم (هاشتاغ)
Nour_Nadim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟