|
الأرينات ... الأرينات يا أشراقة و ... عن منفاك !
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3597 - 2012 / 1 / 4 - 14:14
المحور:
الادب والفن
يابنت ، لو أقمارنا نامت لما كنا هنا ! يابنت ، من فتح المساء ليغرق الدنيا بنوم الليل ؟ من نادي علي الماشين في الطرق الفخاخ ليرجعوا ؟ من لم عن شعر البنات الشيب والخصل القريبة من وجيب القلب ؟ يا أشراقة المعني في الصبيات البنات ، من ناداك ... كي تلقي علي آثارنا رمش المحبة والغواية ؟ كنا هناك ، نرتل البلوي وأحكام الرقابة وقمع الفراشات النساء والنبات المر يصرخ في شقوق الماء وموت البريق في عيون الطفل إذ يولد، يود يعيش ... كنا معا ، لصياغة المعني ... علنا ، في شهقة الموت الآخيرة نوقظ أهلنا !
الإيقاع جوهر الحياة الأنسانية ، من مبتدي أمرها وإلي يوم الناس هذا . إيقاع الكائن الحي في المقام الأول ، مستسلما ، مثل غمامة في الريح ، لخفقة قلبه ... أننا نعيش في عالم نابض ، مرتعش ، متذبذب و ... يتغير بأستمرار ، يتحكم بنا ، ويفرض علينا إيقاعه ! ولكننا - وياللمفارقة - نتعود عليه ونستقبله كما لو كنا نعرفه جيدا ... وينحدر هو ، ثم ينحدر ويتجذر في بنية جسدنا ذاتها ، ويالموسيقي الجسد حين تعزفها البنات ! القلق أزاء المجهول أحد تعاسات المنفي ! وأنت تعيشين منفي ما ... تمتلئين " نفيا " كثيرا ، لكنه - أحيانا - يبدوا مدهشا وجميلا ، حين تعاندين وتشاكسين الرؤي السائدة ، تراوغينها إذ تصارعينها ، ثم تختلسين فرحا يعوي في الملأ الفسيح من توترات المخيلة والجسد ، فتصرخين فرحا : " يا أهل السودان ، أعلن محبتكم لبلدي النمسا " في أعراس سماويات "بركة ساكن " هناك ، في المنفي ، الذي أصبح إليك بلدا ، لكنه لم يكن دما بعد ! القلق ، إذن ، أحد تعاسات المنفي ،حينما يجد كائنا ما نفسه ، ذات يوم ، في مدينة كبيرة غريبة ، لابد أن يثير فيه القلق المشوب بالحسد ، منظر أهليها المنهمكين بشئونهم الخاصة وهم يتحركون حراكهم اليومي المعتاد منشئين خطي عظيمة من صخبهم اليومي ! و ... أينك ياوطني ... أينك وأحلامك المشرقات ؟ وأنت تعيشين هذا الواقع ، تجهدين لكيما تقلصين الشعور بالغربة ... حيث السعي ، سعي النحلة ودأبها ، هو ميدان معركتك . لأنك تشعرين كونك " مقصية " ، شيئا ، من التاريخ الذي هو دائما تاريخ مساحة خاصة علي الخارطة ، وعليك مواجهة ما أسماه " ميلان كونديرا " ، المنفي بإمتياز : " خفة الوجود التي لا تطاق " ! عندما ترحل عن وطنك الأم ، لا تتلفت حواليك ، لأن "الأرينات " وراءك ! ، حقا ، أن الأرينات خلف ظهرك ، منظرهن له سلطة تشل حتي الميت ! يري البعض أنهن بنات الأرض ، وآخرين يرونهن بنات الليل ، ليل العاشقين ، وعلي أية حال ، فهن يأتين من أعماق العالم السفلي ، مجنحات ، وبلا من الشعر ، لهن أفاع متلوية ! أنهن ، تلك الأرينات عقابا لك عما أقترفته سابقا ، وتعرفين جيدا ، أنه ليس بوسعك أثبات حسن نواياك لسلطات القمع في وطنك ، بغض النظر عن كونك أشراقة التي عاشت ، وتعيش بفرح الآن ، سيرة الوجع بشكل نازف جدا و ... وجوديا صارخا ، مدركة لجراحاتك - بحق نفسك - أم لا ! فهناك في بلد أسلافك ، لغتك وعائلتك ، وهناك ، كنزك الأثمن من كل الثروات المحسوبة بالنقود ، كنزك ، كنز من السحنات والملامح والتكوينات ، والترنيمات ، وتفاصيل العمارة والبيوت التي لا تستر أهلك من المطر والشمس والزمهرير وعيون العسس ، وتعاسات الطفولة وهي تتعري موسومة بالقبح والتابوهات وقهر النساء والجوع والظمأ ، اللذان يمشيان علي شوك ولهيب وقمامات ...صريخ وعواء كثير يتبدي في الأجساد، نبوءات وتشوهات لا تحد ... فيجعلن " ذاكرتك " تتحدث عنك ، توقظين بعضا كثيرا من الماضي ، ماضيك وماضيهم ،وماضي الوطن نفسه ! لكنك ، بالقدر نفسه ، توقظين الأرينات ! تضيئن الذاكرة ، بخشية وبعض هلع ، زعر يجترح جراحا تنزف و ... وجعا كثير مديد ! آه ، ياسيرة الوجع في جسد البنيات ، الصبايا الحالكات المعتمات ، ويالجروحهن النازفة حبرا علي دواتك / حبرك الذي ، أيضا ، يضئ ! تبدين إنسانة مشرقة البهاء ، لكنك مجرحة ، كثيرة الجراح و ... تنزفين ! أن الآلاف ، بل الملايين ، الذين يهاجرون ، مشردين من أوطانهم ، إما بسبب حروبات أو ظروف أقتصادية صعبة ، أو ملاحقات سياسية ... والمهاجر منهم ، الكاتب ، الفنان ، المثقف الذي غادر وطنه بأسبابه ، لا يستحوذ عليه الهلع من الجوع أو الشرطة فحسب ، وإنما من غير الممكن أن يفكر بمصيره بمعزل عن مصير تلك الجموع . فحياتهم غير المستقرة وتعاساتهم وأكواخهم التي طالما سكنوها ، وصحاري الشوارع القذرة التي يلعب فيها أطفالهم ، جميعها ، إلي حد ما ، من هموم وجعك الكثير يا أشراقة ، تشعرين التضامن معهم ، تتفكرين فيهم ، تعيشينهم ، ثم تكتبين ! أليس ذلك هو حالك ، حال كونك ، في المنفي ، في التعاسة ، في هم الكتابة واالغلابة و ... تكتبين ؟ علي التأكيد ، أن أشعارا وروايات كبيرة خرجت من تحت أقلام المشردين الذين وصفوا - أحيانا - بلدانهم بأجمل مما هي عليه في الواقع ، لمجرد أنها صارت متشظية ، أو في سبيلها لتكون مفقودة ! وأنت ، إذ تتحركين في الحيز والمسافة بينك والوطن ، تقيسينها ، كما أراك ، بالأشهر والسنوات وعشرات السنين ! تبدوا لك حياة الكائن الحي كحركة مستديمة ، من الطفولة مرورا بالبلوغ فالشيخوخة ! فكل ما جري في حياة الفرد يتعرض للتحول ، في حياته أو ذاكرته ، وغالبا ما يأخذ ملامح الوطن الذي بسبيله إلي التشظي و ... إلي الفقدان ... فيمكننا أن نتخيل بسهولة شيخا منفيا يفكر ببلاد الصبا ، ويدرك أن ما يقصلهما عن بعض ليس فقط عدد الكيلومترات ، وأنما تغضنات وجهه وبياض شعره ، وتلك الندبة التي تركها حارس الحدود القاسي : الزمن ! كان " نيتشة " ذات يوم قد مجد حرية الذري والعزلة والصحراء ! آآآآه ، لقد وجدت لديك الصحراء ، صحراء وبراري شاسعة ، لكنني ، لست أدري ، هل رأيت لديك عزلة ! رأيت عواء ، خيول تركض وذئاب ، رأيت مارأيت ، رأيت " حبوا " علي قول حكمة ، فهل لديك شجيرات العزلة الصغيرات بزهوهن المثير ؟ الغربة تدمر ، فأذا لم تدمرك ، فأنت بفضلها أقوي ... الآن أنت قوية بما يكفي لمقارعة العالم ، والوقوف ، ببسالة العارفات ، في وجه الأرينات ، دونما حوجة لتحذيرنا إياك : " الأرينات ... الأرينات يا أشراقة !! ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- * الأرينات Erynie : آلهات الأنتقام في الميثولوجيا الأغريقية . ظهرن من دم " أورانوس " الجريح . وهن رمز الغضب والأنتقام والحقد. وفي الميثولوجيا الرومانية سمين بالمنتقمات والحاقدات . كن ، دائما ، حارسات النظام الأجتماعي يلاحقن كل المجرمين ، خصوصا القتلة منهم ، قبل الموت وبعده علي السواء ! جري تصويرهن مجنحات ، بشعور نافرة تتلبسها أفاع متلوية ... وفي مخيلة الآقدمين من المنصفين ، كن " يتصفن بالشهامة والرحمة والضياء " ! * د. أشراقة حامد مصطفي : أكاديمية سودانية مقيمة في منفاها الأختياري بفينا بالنمسا وتعمل هناك ، كاتبة وشاعرة وروائية ، ناشطة في مجال " الجندر " والدفاع عن حقوق النساء ، تعرضت للآعتقال والقمع والملاحقة من سلطات أمن النظام المتأسلم في وطنها السودان ، فأختارت المنفي ! * حكمة أحمد : محامية وناشطة في مجال صيانة حقوق المرأة والنضال لأنعتاقها وتحررها ، شاعرة وكاتبة مرموقة !
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
و ... هل مات جيفارا ؟ ثلاث لوحات ووردة ...
-
لوركا ، رياحنة الألفية الثالثة أيضا !
-
لغة في الرحيق ... !
-
كن في الحشود الرفيق ، إلي صديقي الشاعر والمناضل المغربي محمد
...
-
الرفيقة عطا أو ... المرأة التي أحببت !
-
حياة و ... موت زكريا !
-
عقد من التنوير ... !
-
صالح محمود عثمان ، أعطيك صوتي و ... باقة ورد !
-
محاورة النص ، بوجع أقل ... !
-
كلمتان ، لأقولها للتجاني الطيب بابكر
-
الثقافة في صف الجماهير : تحية للجنة التحضيرية لملتقي قصيدة ا
...
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|