أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالكريم صالح المحسن - القناع الاستعماري ودروس التاريخ السبعه















المزيد.....


القناع الاستعماري ودروس التاريخ السبعه


عبدالكريم صالح المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 00:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دراسة تاريخ الاستعمار الغربي والامريكي للشرق الاوسط والبلدان العربية على وجه الخصوص خلال القرن العشرين نلاحظ ان هذا الاستعمار كان يهدف في مجمل اهدافه هي توظيف موارد المجتمعات العربيه بشكل دائم على ان تبقى الشعوب العربيه والاسلاميه متخلفه ومتجزئه غير متناسيين شعاره القديم الحديث "فرق تسد" من اجل ان يستمر الوضع وهو الاساس الذي ارتكزت عليه قوى الاستعمار حيث جرى التمهيد لهذا من اجل تقسيم الوطن العربي الى مجموعة دول استناداَ الى اتفاقية سايكس- بيكو لكي يتم بعد ذلك اثارة الفتن والنعرات الطائفيه والمذهبيه والقوميه ليتم تقسيم البلد الواحد الى مجموعة دويلات متناثره وهو ما حاول فعله الاستعمار الفرنسي في سوريا اوائل القرن المنصرم من جهة ثانيه ان ثقافة الغرب الاستعماريه هي ثقافة "السراق" تمتاز بالتخطيط والتكتيك وهو يقوم على النهب الجماعي المنظم للشعوب والامم ومقدراتها وليس لهذا الحد فحسن انما الاباده الجماعية لتلك الشعوب وفي احيان اخرى يحاول الاستعمار الغربي وصنيعته امريكا طمس الهويه الوطنيه والثقافه القوميه لشعوب تلك الاوطان.

يتجسد تكتيك الإخفاء والتخفي الاستعماريين في الإعداد للغزو بفبركة أسباب ظاهرية تملك خاصية تجاوب قسم كبير من الرأي العام الغربي معها، فمثلاً تميز الاحتلال الاستعماري الأوروبي "البريطاني، الفرنسي، البرتغالي، الأسباني لآسيا" وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بادعاء انه يقوم على نقل الحضارة الغربية للشعوب المتخلفة، ورغم أن واقع الاستعمار كان يفضح أهدافه الحقيقية، وهي النهب المنظم والفوضوي أحياناَ، إلا أنه كان يصر على ادعاء "أن مهمته انسانيه وأخلاقية"، هذا ما يؤكد بأن تاريخ النظام العالمي الاستعماري القديم هو تاريخ النظام الصناعي العسكري الغربي الذي حوَّل العالم إلى مصدرٍ للطاقة الطبيعية والبشرية الرخيصة وإلى سوقٍ لبضائعه.

لقدغرست هذه الثقافة الاستعمارية كل أنواع الاستعمار في عالمنا العربي والإسلامي "الاستعمار العسكري في مصر، السودان، ليبيا، المغرب، تونس، الصومال، العراق، جيبوتي، سورية، لبنان واريتريا - الاستعمار الاستيطاني في الجزائر - الاستعمار الاستيطاني الإحتلالي في فِلَسطين"، وقام بنهب هذه المنطقة، إما مباشرة إبَّان فترة الاستعمار العسكري المباشر أو من خلال التحكم في أسعار المواد الخام خصوصاَ النفط، وعن طريق بيع أسلحة ببلايين الدولارات لنظم يضمن هو بقاءها في الحكم، ويعلم جيداً أنها غير قادرة على استخدام هذا السلاح على الاخص ضده لكنها يمكن ان تستخدمها فيما بينها.

هذه الثقافة الاستعمارية ترتكز على حقيقة ثابتة وهي أن العالم يتعرض باسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وغيرها من الذرائع لأسوأ هجمة استعمارية عبر الهيمنة الأمريكية وبتدخل مباشر في كل أنحاء العالم وبواسطة الحروب المباشرة والتمركز بقواعد عسكرية، وهو ما يترافق مع تراجع كبير في مجال الحريات العامة ليس في العالم الثالث بل وفي العالم الأول ايضاَ، وفي هذا السياق جاءت الولايات المتحدة لتكمل المشروع الاستعماري الأوروبي بصفتها الوريث الشرعي، وامتداداً "للسرطان الإمبريالي" الذي يقوم على استغلال ثروات الشعوب الفقيرة بشكل منظم ومستمر دون استعمارها عسكرياً.

في المقابل ورثت العلوم الاجتماعية الأمريكية نفس نظرة الأوربيين للشرق وللعالم الإسلامي، إذ سعى الأكاديميون الأمريكيون إلى تقسيم العالم غير الغربي إلى مناطق ومستويات وفقا للمصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية تحت إشراف ودعم الحكومة الأمريكية ذاتها. ومنذ عام 1945م تحددت سياسة أمريكا تجاه العرب والمسلمين بحماية مصالح أمريكا في الحصول على البترول العربي وحماية أمن إسرائيل واحتواء بعض الأنظمة العربية. إن اشتراك القوات المسلحة الأمريكية في الحملة اللصوصية على طرابلس الغرب مخلدة في الأسطر الأولى من نشيد المشاة البحريين الأمريكيين والذي جاء فيه : "من تلال مونتيسوما إلى سواحل طرابلس، في السماء، وفي الأرض خضنا معارك الوطن". وهذا النشيد يتسم الآن بأهمية خاصة على ضوء المهمات التي طرحها المعتدون الأمريكيون على مشاة البحرية في تنفيذ خططهم بحق الشعب العربي والشعب الأفغاني وبحق شعوب الشرق الإسلامية والخطط جاهزه ومستمره بمختلف الاقنعه في كل يوم قناع يختلف عن الاخر من حيث التكتيك لكنه متشابهه في الاهداف.

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية بتاريخ 22 كانون الاول/ديسمبر 2011م تقريراَ تاريخي كتبه " شايماس ميلن Seumas Milne" بالاستعانة" بالارشيف البريطاني - باثي نيوز British Pathe Archive" حول الثورات العربية المتصاعدة والتي تشكل تهديدا فعليًا للنظام الإستراتيجي العالمي، مؤكده ان الغرب لا يكل ولا يمل أبدًا في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط.

وتوصل التقرير المدعم بالافلام والصور الارشيفية للاحداث التاريخية التي مرت على البلدان العربية ومقارنتها بالربيع العربي، الى سبعة دروس تربط علاقة الغرب بالعرب والجهود الاستعمارية المتكررة للسيطرة على الشرق الأوسط. وقال: "هناك شعور حقيقي في الشرق الأوسط أكثر من أي بقعة أخرى من العالم الاستعماري سابقًا بأن الشرق الأوسط لم يحصل على استقلاله بالكامل، وبسبب تربعه على عرش مخزون البترول الأكبر في العالم، تم استهداف العالم العربي بتدخلات وغزو مستمرين، حتى بعد حصوله رسميًا على الاستقلال". وبعد تقسيمه إلى دول صورية بعد الحرب العالمية الأولى، تم قصف واحتلال أجزاء منه بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا كما تم محاصرته بالقواعد الأمريكية وأنظمة استبدادية مدعومة من الغرب، وكما كتبت المدونة الفلسطينية "لينا الشريف" على تويتر في يوم الهدنة في العام الحالي : "ان السبب وراء عدم انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن، هو أننا في الشرق الأوسط ما زلنا نعيش عواقبها".

وقد ركزت الثورات العربية التي اشتعلت شرارتها الأولى في تونس العام الماضي على الفساد والفقر وانعدام الحريات، وليس الهيمنة الغربية أو الاحتلال الإسرائيلي. ولكن حقيقة انطلاقهم ضد الديكتاتوريات المدعومة من الغرب تعني أنَّهم شكلوا تهديدًا فعليًا للنظام الإستراتيجي.

ومنذ يوم سقوط حسني مبارك في مصر، ظهر اتجاه مضاد متعنت بقيادة القوى الغربية وحلفائها في الخليج لرشوة أو تحطيم أو السيطرة على الثورات العربية، ولديهم معين من الخبرة المتأصلة يمكّنهم من استنتاج أنَّ: كل مركز للثورات العربية، من مصر إلى اليمن، عاش عقودًا تحت الهيمنة الاستعمارية. وكل دول حلف الناتو الأساسية التي قامت بضرب ليبيا، ومنها على سبيل المثال - الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا- كانت لديهم قوات تحتل المنطقة ومازالت ذكراها حية في الأذهان.
وإذا أرادت الثورات العربية أن تتحكم في مستقبلها، فهي في حاجة إلى مراقبة ماضيها القريب. ولذا نسرد هنا سبعة دروس من تاريخ التدخل الغربي في الشرق الأوسط، بإذن صوت بريطانيا العظمى التي لا عهد لها أبان الحقبة الاستعمارية، الدرس الاول هو ان الغرب لا يكل ولا يمل أبدًا في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات : باعتبار المحاولة الأخيرة التي سعت فيها الدول العربية إلى الخروج من المدار الغربي - في الخمسينيات من القرن الماضي، تحت تأثير الوحدة العربية التي أطلقها جمال عبد الناصر، في تموز/بوليو عام 1958م، أطاح ضباط جيش عراقيون قوميون متشددون بنظام فاسد وقمعي مدعوم من الغرب ، ومحميّ من قِبل القوات البريطانية.
أصاب طرد الملكية العراقية، النظام المهادن الموثوق به، بالفزع. فأطلقت" باثي نيوز Pathe News "صيحة تحذير في أول تقرير إخباري لها تعليقًا على الأحداث بأن العراق الغني بالبترول أصبح "منطقة الخطر الأولىNumber One Danger Spot "، بالرغم من وطنية الملك فيصل -"وهو الذي تلقى تعليمه في مدرسة هاروHarrow Educated "- والتي لا يُختلف عليها،و يؤكد التعليق الصوتي لنا أنَّ - الأحداث تحركت بسرعة شديدة، "لسوء حظ السياسة الغربية".

ولكن في غضون أيام قليلة- مقارنةً بالشهرين اللذين استغرقهما تدخلهم في ليبيا هذا العام- حركت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية آلاف القوات إلى الأردن ولبنان لحماية اثنين من الأنظمة العميلة لهم من الثورة الناصرية. أو، كما تقول "باثي نيوزPathe News " في تقريرها التالي، لغرض" إيقاف سريان الفساد في الشرق الأوسط".

ولم يكن لديهم نية مطلقًا لترك العراق الثوري لأجهزتها الخاصة. وبعد أقل من خمس سنوات: في شباط /فبرايرعام 1963م، دعمت المخابرات البريطانية والأمريكية الانقلاب الدموي والذي جلب في البداية بعثيي صدام حسين للسلطة.

وبالتقدم سريعًا لعام 2003م، نجد أن بريطانيا وأمريكا استطاعتا غزو واحتلال الدولة بالكامل. وأخيرًا عاد العراق تحت سيطرة غربية كاملة - على حساب دم شعب تمت إراقته بوحشية ودمار. إنَّ قوة المقاومة العراقية هي التي أدت إلى رحيل القوات الأمريكية هذا الأسبوع - ولكن حتى بعد الانسحاب، سوف يظل "16000" مقاول ومدرب وآخرين تحت أمر الولايات المتحدة. ففي العراق، كما في باقي المنطقة، لا يرحلون إلا إذا أرغموا على ذلك.

الدرس الثاني الذي تحدث عنه " شايماس ميلن " هو درس مهم "عادةً ما تخدع القوى الاستعمارية أنفسها بشأن حقيقة ما يفكر به العرب": هل من الممكن أن يكون مقدم" باثي نيوز Pathe News "- والمحتلون الاستعماريون اليوم- قد صدقوا بالفعل أنَّ آلاف العرب عندما أمطروا الثناء المرعب على الديكتاتور الفاشي موسولينى عندما قام بجولة في شوارع طرابلس في المستعمرة الإيطالية بليبيا في عام 1937م كانوا بالفعل يعنون ذلك؟ قد لا تظن ذلك عندما تنظر إلى وجوههم الخائفة.

ثلث سكان ليبيا قد ماتوا تحت وطأة الحكم الإيطالي الاستعماري الوحشي، ولا عن حركة المقاومة الليبية البطولية التي قادها "عمر المختار"، والذي شُنق في معسكر اعتقال إيطالي. ولكن بعد ذلك يصف التعليق الصوتي، أو "القناع الاستعماريMask Colonial "، موسولينى بأنَّه كالساسة البريطانيين في ذلك الوقت.
وتقرير "باثي نيوز Pathe News "عن زيارة الملكة للمستعمرة البريطانية "عدن "الآن جزء من اليمن، بعد سنوات قليلة كان مشابهًا على نحو مخيف، مع آلاف من الرعايا المخلصين السعداء "يقدمون ترحيبهم المفترض" لملكتهم والذي وصفته بفرح بأنه "مثال غير مسبوق في التطور الاستعماري".

وبالفعل كان غير مسبوق حيث إنَّه بعد ما يقرب من قرن أجبرت حركات التحرير اليمنية الجنوبية القوات البريطانية على إخلاء آخر موقع من الإمبراطورية بعد ما تعرضوا للضرب والتعذيب والقتل في طريقهم عبر منطقة فوهة عدن. ويشرح جندي مشاه سابق في وثائق بي بي سي 2004 م عن "عدن "أنَّه لا يمكنه الخوض في التفاصيل بسبب خطورة أدعاءات جرائم الحرب.

ولكن اكتشاف حقيقة إعلام العصور الأخرى أسهل مما يكون عليه الأمر في عصرك - خاصةً عندما تتم قيادته بواسطة أسلوب الخمسينيات من القرن الماضي المثير للضحك شخصيات مثل هاري إنفيلد/ شولمونديلي - وارنر.وتوقع اليمينيون المتطرفون أمرًا سهلاً في العراق، ورأينا في التغطية الأمريكية والبريطانية للغزو في البداية أنه كان لا يزال هناك عراقيون يلقون الورود على قوات الغزو عندما كانت المعارضة المسلحة تتدفق بالكامل بالفعل، وأورد التليفزيون البريطاني أنَّ القوات البريطانية "تحمي الشعب المحلي" من طالبان في أفغانستان، والذي يمكن أن يكون مذكرًا على نحو مذهل بالأفلام التسجيلية من الخمسينيات من عدن والسويس.

حتى خلال الثورتين المصرية والليبية هذا العام، رأى الإعلام الغربي ما يود أن يراه في الغالب في الحشود سواء في ميدان التحرير أو بنغازي - حتى أخذته الدهشة، عندما انتهى الأمر بوصول الإسلاميين إلى السلطة أو الفوز بالانتخابات. وأيًا كان ما سيحدث لاحقًا، فإنهم لا يبدو أنهم سيحصلون عليها.أما الدرس الثالث فهو ان القوى العظمى هي أيادٍ خبيرة في تجميل الأنظمة العميلة لإبقاء تدفق البترول : عند الحديث عن حكام الخليج الرجعيين، وحتى أكون منصفًا، فهم غير مزعجين بالمرة. ولكن قبل أن تنال منهم الموجة المناهضة للإمبريالية في الخمسينيات من القرن الماضي، عكفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا على تزيين الأنظمة العميلة لجعلها تبدو كديمقراطيات دستورية.

وفي بعض الأوقات يخفق هذا الجهد سريعًا، ويبدو مثل هذا في التقرير الفكاهي عن "الاختبار الأساسي الأول للديمقراطية" في ليبيا تحت الدمية الأمريكية - البريطانية الملك" إدريس" واضحًا بما لا يدع مجالاً للشك.أدى التلاعب المخزي بالانتخابات عام 1952م ضد المعارضة إلى شغب ومنع لكل الأحزاب. وتم الانقلاب بعد ذلك على "إدريس" بواسطة القذافي، وتم تأميم البترول وإغلاق" قاعدة هويلس الأمريكية "- وبرغم ذلك فإن علم الملك يعلو مرة أخرى في طرابلس بمساعدة حلف الناتو، بينما تنتظر شركات البترول الغربية لحصد مكاسبها.

وتم التلاعب أيضًا بالانتخابات وتعذيب آلاف المعتقلين السياسيين في الخمسينيات بالعراق. ولكن عندما يتعلق الأمر بطبقة الموظفين البريطانيين - الذين ترسخ وضعهم باعتبارهم "المستشارين الحكوميين" في بغداد وقاعدتهم العسكرية في الحبانية - والأفلام التسجيلية المعروضة في دور السينما البريطانية في ذلك الوقت، كانت العراق في عهد الملك فيصل تعد دولة ديموقراطية مسالمة وناجحة".

وتحت مراقبة السفراء الأمريكيين والبريطانيين و"السيد جيبسون" لشركة الوقود البريطانية العراقية، يُمكننا أن نرى رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، يفتتح حقل بترول "الزبير" بالقرب من البصرة في عام 1952م لبناء "المدارس والمستشفيات" من خلال "عمل مشترك بين الشرق والغرب".
وفي الواقع سوف يحدث ذلك فقط عندما يتم تأميم البترول - وبعد ذلك بست سنوات تم اغتيال السعيد في شوارع بغداد عندما حاول الهروب مرتديًا زى امرأة. وبعد مرور نصف قرن عاد البريطانيون للسيطرة على البصرة، وبينما يحارب العراقيون اليوم لمنع الاستيلاء على آبار بترول بلدهم المشتتة، يُصر الساسة الأمريكيون والبريطانيون مرة أخرى على الديمقراطية.

وأي دولة من دول "الربيع العربي" تتخلى عن حق تقرير مصيرها بنفسها من أجل احتضان الغرب يمكن بالفعل أن تتوقع مصيرًا مشابهًا- تمامًا مثل الأنظمة العميلة التي لم تترك مدارها قط، كالدولة البوليسية الفاسدة في الأردن، والتي يُدعى أنها نماذج للقيادة الرشيدة و"الاعتدال".
الدرس الرابع المهم هو لا تنسى شعوب الشرق الأوسط تاريخها - حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ذلك: لا يمكن أن تكون الفجوة أوسع من ذلك. وعندما حذر محمد حسنيين هيكل الصحفي المحنك ووزير الإعلام في عهد جمال عبد الناصر الثورات العربية أنَّه يتم استخدامها لفرض "اتفاقية سايكس - بيكو" جديدة - عندما قامت الحرب العالمية الأولى بتقسيم الشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا - فهم العرب وآخرون في الشرق الأوسط ماذا يقصد بالضبط قامت بتشكيل المنطقة بالكامل وعلاقاتها مع الغرب منذ ذلك الحين. لكن بالنسبة لأغلب غير المتخصصين في بريطانيا وفرنسا، من الممكن أن تكون سايكس بيكو أيضًا بمثابة علامة تجارية غامضة على مبشرة الجبن الكهربائية.

.وهذا ينطبق أيضًا على أكثر من قرن من التدخل والاستعمار والتدمير غير الديمقراطي البريطاني الأمريكي ضد إيران. وعبَّر الإعلام البريطاني عن حيرته إزاء كراهية الشعب الإيراني لبريطانيا عندما تم تدمير السفارة في طهران الشهر الماضي على يد متظاهرين. ولكن إذا كنت تعرف السجل التاريخي، فهل هناك شيء أقل غرابة؟ وتم تبني مبدأ الشك عند "أورويلOrwell "في الدور البريطاني بشكل مثير للاهتمام من قِبل" باثي" عند تناول الإطاحة بالقائد الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق عام 1953م بعد أن قام بتأميم البترول الإيراني.

تم وصف المتظاهرين المؤيدين لمصدق بالعنف والتدمير، بينما نظمت المخابرات البريطانية والأمريكية العنيفة انقلابًا لطرده في مقابل الترحيب "بالشاه" بأعتباره شخصية محبوبة و"تحولاً دراميًا للأحداث". وألقت الأفلام التسجيلية اللعنات على "الديكتاتور الافتراضي" المنتخب مصدق، والذي أعلن أثناء محاكمته اللاحقة بتهمة الخيانة العظمى عن أمله في أن يصبح مصيره مثالاً "لكسر قيود عبودية الاستعمار". وتم تقديم الديكتاتور الحقيقي كحاكم للشعب، وهو الشاه المدعوم من الغرب والذي مهدت رجعيته الوحشية الطريق للثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية بعد ذلك بنحو 26 عامًا.

ويستمر التقرير في سرد الاحداث : وهكذا عندما ينتقد الساسة الغربيون التسلطية الإيرانية بقسوة أو يتقمصون دور البطولة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بينما لا يزالون مستمرين في مساندة الأنظمة الديكتاتورية في الخليج، فلن يكون هناك الكثير في الشرق الأوسط ممن يأخذون ذلك على محمل الجد والدرس الخامس يقدم الغرب دائمًا العرب الذين يصرون على إدارة شئونهم الخاصة كمتعصبين : لم تكن الثورة التي بدأت في ديسمبر الماضي في سيدي بوزيد أول ثورة شعبية تقوم ضد الحكم التعسفي في تونس. ففي الخمسينيات أدانت الحكومات الاستعمارية وداعموها بطبيعة الحال الحركة المناهضة للحكم الاستعماري الفرنسي بوصفها حركة "متطرفة" و"إرهابية".
ولم يكن لدى" باثي نيوز Pathe News " في الواقع أي اتصال بحملتهم من أجل الاستقلال، وفي عام 1952م، تم إلقاء تهمة الهجوم على قسم شرطة على "مجموعة من القوميين المتعصبين" في شمال إفريقيا. وبينما قامت الشرطة الاستعمارية بعملية "بحث نشيطة عن الإرهابيين" - على الرغم من أن الرجال المذهولين الذين كان يتم سحبهم من منازلهم تحت تهديد السلاح كانوا يبدون أقرب إلى "المشبوهين العاديين" لكابتن رينولت Captain Renault في كازابلانكا - حين يشتكي المُقدم من أن "المتعصبين يتدخلون مرة أخرى ويزيدون من صعوبة الموقف".

وعنى بذلك القوميين التونسيين بالتأكيد، وليس النظام الاستعماري الفرنسي. وقد خفت نجم القومية العربية منذ نشأت الحركات الإسلامية، والتي تم إقصاؤها بوصفها حركة "متعصبين"، وذلك من جانب الغرب وبعض القوميين السابقين. ولأنَّ الانتخابات تأتي بحزب إسلامي تلو الآخر في العالم العربي، فإنَّ أمريكا وحلفاءها يحاولون ترويضهم - على السياسة الأجنبية والاقتصادية، بدلاً من تفسيرات الشريعة، والذين يخضعون لذلك سوف يتم اعتبارهم "معتدلين" - أما الباقي فسيظلون من "المتعصبين". ،الدرس السادس وهو حقيقه ثابته :ان التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم والحكم، ليست هناك حاجة للبحث في السجلات التاريخية لاستنتاج تلك الحقيقة. فتجربة العقد الأخير واضحة بشكل كافٍ. وسواءً كان ذلك غزوًا واحتلالاً بشكل كامل مثل العراق، حيث تم قتل مئات الآلاف، أو قصفًا جويًا لتغيير النظام تحت شعار"حماية المدنيينProtecting Civilians " في ليبيا، حيث تم قتل عشرات الآلاف، فقد كانت الخسائر البشرية والمادية كارثية، وكان هذا هو الحال طوال التاريخ المشئوم للتدخل الغربي في الشرق الأوسط. ويمكن لفيلم "باثي نيوز Pathe New"الصامت لتخريب دمشق على يد القوات الاستعمارية الفرنسية خلال الثورة السورية عام 1925م أن يقدم صورة شبيهة للفلوجة في عام 2004 م أو سرت في هذا الخريف - وذلك بغض النظر عن الطرابيش والخوذات.

وبعد ثلاثين عامًا بدت بورسعيد في وضع مشابه خلال العدوان البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956م الذي ميز حلول الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة محل الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في المنطقة، وهذا الفيلم التسجيلي للقوات البريطانية وهي تهاجم السويس، وقوات الغزو وهي تحتل وتدمر مدينة عربية أخرى، بيروت أو البصرة مثلاً - قد أصبح من الملامح المميزة والمعتادة للعالم المعاصر ورابطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري.

وهكذا كانت الخطط الإمبريالية التقليدية لاستخدام الدين والانقسامات العرقية لتقوية الاحتلال الأجنبي: سواء من الأمريكيين في العراق أو الفرنسيين في سوريا أو لبنان أو البريطانيين أينما ذهبوا تقريبًا. ويمتلئ أرشيف "باثي نيوز Pathe News "بالأفلام التسجيلية التي تروج للقوات البريطانية باعتبارها تعمل على "الحفاظ على السلام" بين الطوائف المتناحرة، من قبرص حتى فلسطين - وكل هذا لصالح أستمرار السيطرة،والآن تعمل التقسيمات الطائفية والعرقية التي فُرضت تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والتي تم حشدها بواسطة حلفاء الغرب في الخليج للتخلص من تحديات الصحوة العربية أو تحويل مسارها ومثلما حدث في قمع الثورة البحرينية، وعزل اضطرابات الشيعة في المملكة العربية السعودية وزيادة الصراع الطائفي في سوريا - لن يؤدي التدخل الأجنبي إلا إلى رفع نسبة القتل ومنع السوريين من حق السيادة في وطنهم، الدرس السابع يورد التقرير ان الرعاية الغربية للاستعمار في فلسطين هي عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي، اما الدرس السابع الذي اورده التقرير فهو: الرعاية الغربية للاستعمار في فلسطين هي عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي.

كان يمكن ألا يتم إنشاء دولة إسرائيل لولا الحكم الاستعماري لبريطانيا الذي دام ثلاثين عامًا في فلسطين ورعايتها للاستعمار الأوروبي اليهودي على نطاق واسع تحت شعار "وعد بلفور" عام 1917م ، وكان من الواضح أن فلسطين المستقلة ذات الأغلبية الفلسطينية العربية لم تكن لتقبل بهذا أبدًا.وتتجلى الحقيقة المقنعة في هذا المقطع "لباثي نيوز Pathe News " من وقت الثورة العربية ضد التفويض البريطاني في نهاية الثلاثينيات حيث يعرض الجنود البريطانيين وهم يحاصرون الفلسطينيين "الإرهابيين" في مدينتي الضفة الغربية المحتلة نابلس وطولكرم - تمامًا كما يفعل خلفاؤهم الإسرائيليون اليوم. إن سبب شعور المستوطنين اليهود بالأمان، كما يعلن مقدم الفيلم ذلك بنبرات حادة لاهثة في التعليق الصوتي المميز لفترة الثلاثينيات، هو "القوات البريطانية اليقظة دائمًا، والحامية دائمًا". وانهارت العلاقة بعد تقييد بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الثانية.وكان رد الفعل الاستعماري لبريطانيا، في فلسطين وفي أماكن أخرى، هو دائمًا الظهور باعتبارها "راعية القانون والنظام" ضد "تهديد الثورة" و"سيدة الموقف" - كما يبدو في هذا الفيلم الإخباري المضلل عام 1938 م من القدس.

ولكن الصلة الأساسية السابقة بين القوة الاستعمارية الغربية والمشروع الصهيوني أصبحت تحالفًا إستراتيجيًا دائمًا بعد تأسيس إسرائيل - من خلال إجلاء ونزع الملكية من الفلسطينيين وعدة حروب و44 عامًا من الاحتلال العسكري واستعمار غير قانوني مستمر للضفة الغربية وغزة.
وتعد الطبيعة غير المشروطة لهذا التحالف، والتي تظل محور سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هي أحد الأسباب التي تفسر احتمال رفض الحكومات العربية المنتخبة ديمقراطيًا أن تلعب دور الضحية للقوة الأمريكية والذي كانت تلعبه حكومة مبارك وأنظمة الخليج الديكتاتورية. ولا شك أن القضية الفلسطينية متأصلة في الثقافة السياسية العربية والإسلامية. ومثل بريطانيا قبلها، يُمكن أن تكافح الولايات المتحدة الأمريكية لتظل "سيدة الموقف" في الشرق الأوسط ، إن الإمبريالية الأمريكية، في الحقبة الراهنة ليست قاطع الطرق العالمي فحسب وليست القرصان العالمي فقط، بل هي الشرطي والقاضي في ذات الوقت السياسة تخدم الاقتصاد والاقتصاد يخدم السياسة، العسكرية المتفوقة تخدم المصالح الاقتصادية والمصالح الاقتصادية تخدم العسكرية. وكما نلاحظ، فكلما عززت الإمبريالية الأمريكية سيطرتها أكثر، زادت شهوة السيطرة بشكل وحشي، زادت الغريزة المتوحشة للسيطرة على العالم.

ألا آن للعالم ان يدرك ان نظام القطب الواحد مهلك لكل العالم ولكن لغاية يومنا هذا لم تتبلور بشكل كامل القوى التي يمكن ان تقف بوجه الامبراطوريه الامريكيه وقفة"الند للند" ولكن عام بعد يتعمق الوعي بان الهيمنه الامريكية ليسن بصالح الحضاره الانسانيه وخطر على السلم العالمي .



#عبدالكريم_صالح_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحتواء الحضارات
- البراغماتية في النهضه الصينية المعاصره
- أنزلوا عن ظهورنا ايها الظالمون
- سديم زوال امبراطورية الشر
- ملوك الطوائف من جديد
- الحسين ينهض من جديد
- أمريكا و أوربا- أسيا الأستراتيجيات و ‏نشوء‏ ‏الأقطاب‏ ‏الجدي ...
- العلاقات الصينية - الافريقية روابط الجنوب بالجنوب والعولمه ا ...
- ضرب الجمود والانعزالية واعادة روح المشاركة
- ربيع الازل بين الجد والهزل
- الطاغيه وعائلة الطغيان
- البجعه السوداء و خيار السلفادور ومديات التحولات الاستراتيجية ...
- أفول ام انحسار الرأسماليه
- التحول الاصلاحي واصلاح القومية - الصين نموذجاَ
- لمحات من تاريخ الثورات السلميه في العالم-الحلقه الثانيه
- لمحات من تاريخ الثورات السلميه في العالم- الحلقه الاولى
- بداية نهاية القطب الواحد و الشعب يريد اسقاط العم سام
- الاستلاب الفكري وتسويق الوهم
- كيف السبيل لقيام دولة فلسطين
- نواة الحكومة العالمية-بيلدربيرغ


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالكريم صالح المحسن - القناع الاستعماري ودروس التاريخ السبعه