|
جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3591 - 2011 / 12 / 29 - 01:22
المحور:
الادب والفن
المنام ، واليقظة ، والحوار حول زهير استيقظ الصباح ، ولم يستيقظ جحا .. ولا ساميلا . ومايزالا كما كانا لحظة استولى عليهما النوم ، بوضعيتهما ذاتها ، وكان جحا يحلم : كان يقود " تراكتورا" : ( جرارا ) زراعيا ، وسط حقل واسع جدا ، وكان يحاول أن يوقف الجرار ، فيكبس بأسفل قدمه على المكبح ، ولكن المكبح لايستجيب ، ويكبس بقوة أكبر بلا جدوى ، ويبذل جهدا مضاعفا سدى ، فيستغرب ويخاف ، ويتعرق وجهه ويتكلم بصوت عال : " أيها الجرار اللعين .. قف قف ، عليك أن تتوقف " ويستمر الجرار مندفعا ، لا يأبه لأوامر صاحبه .. سائقه جحا ، ولا ينفك محركه " موتوره " عن الزعيق المزعج ، ويقوم جحا بمحاولة : " لماذا لا أطفئ المحرك ؟ وأرتاح من نهيقك المزعج ، حماري لاينهق دائما وبشكل متواصل مثلك ، وإلا فسيتعب وينهار ، حماري أحسن منك ، إنه يفهم علي ، يفهمني ، أما أنت ...! أنت حمار من حديد ، وعنيد أكثر من حماري ، الفرق بينكما كبير .. شاسع ، حماري لايعصي أوامري ، ولو حرن ، أضحك عليه بسهولة ويسر ، أضحك على لحيته بالعصا والجزرة ، فيركض ويركض وراء الجزرة فلا يطالها ، ويستمر هكذا مادام جائعا ، إلى أن لايقوى على الاستمرار بسبب التعب والإنهاك ، أما أنت .. أيها التراكتور اللعين ، أيها الحمار الحديدي الدخيل العميل ، أنت أعند من حماري ، ولو جعت أو عطشت لكوب من المازوت الأصفر أو الأحمر ، فتحرن ولاتتحرك إن لم أسقك أو أطعمك ، تحرن أيها العنيد اللئيم ، ولاتطيع أوامري ، ولا أتمكن من خداعك ، والضحك على ذقنك بباقة برسيم أو فصة ، ولا باستخدام العصا والجزرة ، ولا تفهم علي بأي لغة ، سوى لغتك اللعينة القاسية .. التي تشبه لغة رئيس المخفر أو الخفير الذي يتجاهل كلامي وتوسلاتي ورجاءاتي له بأن يطلق سراحي أو سراح ساميلا ، أو سراح حماري الذكي الخبير الذي ضحك على رئيس المخفر ، وكسب وده وثقته وصداقته ، بدليل أن رئيس المخفر البخيل جدا ، والنصاب جدا ، والمرتشي ، رئيس المخفر هذا ، تصوروا ، شاركه بطعامه ومائدته ، لقد قدم له الخبز والبصل الأخضر والخيار والبندورة لقد تأكدت من إخلاص حماري لي ، عندما باح لي بسر مساعي رئيس المخفر لتجنيد حماري ضدي ! تخيلوا .. رئيس المخفر يحاول أن يقنع حماري بأن يتجسس علي ، ويقدم بي تقريرا ، ياعيب الشوم عليك يارئيس المخفر .. مالك أمان ، لا تؤتمن ، خسيس ، مالك أصل ولا فصل ، تبيع أباك بفجلة أو بصلة ، غبي .. تافه .. شيطان ، لايهمك في هذه الدنيا غير الدجاج ، وملء الجيبة بالأموال ، النهم شيمتك ، والأذى طبعك يارئيس المخفر ، ترى كم تدفع ليبقوك في منصبك الرفيع جدا ؟ يلعن هالعيشة الزفت ، مالي حظ ، حاولت أن أكون خفيرا ، ولم أفلح ، لأنني فقير ، ولاأملك مبلغ " البرطيل " ( الرشوة ) المطلوب لقبولي في سلك الدرك ، ماعلينا ، المهم أن حماري تظاهر أنه قبل العرض ، عرض أن يعمل مخبرا عند رئيس المخفر ، لينقل أخباري وأخبار ساميلا أولا بأول ، ولماذا ؟ لا أدري ... ويحاول جحا أن يسكت محرك التراكتور ، يدير المفتاح ، ولايفلح ، يكبس على المكبح ، ولايفلح ، وفكر أن يرمي نفسه من فوق التراكتور مرارا ، ولكنه كان أجبن من أن يفعل . واستمر يفكر : كيف سأتخلص من جعير المحرك الملعون ، إنه أقبح من جعير زهير ، الذي لا يكف عن الثرثرة الفارغة التي تبعث على النعاس والنوم ، ترى ماهو الأمر الخطير ؟ ماهو الخبر الخطير الذي جئتني من أجل أن تخبرني به يازهير يا ابن أبو زهير المجنون الغبي ؟ ويتفاجأ جحا بتراكتوره وقد وصل إلى حافة هاوية صخرية سحيقة ، وأدرك أنها النهاية ، لأنه بلا مكابح ، وقبل أن يفكر في القفز عن ظهر التراكتور ، كان هذا الأخير قد هوى نحو الوادي السحيق ، هو وسائقه جحا ... وراح جحا يصرخ ، وارتطم بالأرض ، وهو يصرخ من الألم الذي أصابه جراء الاصطدام بالأرض ، وصحا من نومه على صراخه وصراخ ساميلا ، ليكتشف أنه سقط عن الكرسي الذي نام جالسا عليه على أرضية الحجرة ، ولعن زهير وزوجته ، التي احتجت : " لماذا تلعنني ؟ ماذنبي ؟ " واستعاد جحا أنفاسه وتماسكه ، وراح يدير رأسه وعينيه يمينا وشمالا ، لتقلده زوجته ساميلا ، وتتساءل وهي تتثاءب : أين زهير ؟ ألم يكن جالسا هناك ؟ ألم ينم ؟ ويعلق جحا : - ابن الهيك وهيك .. كيف غادر ؟ هل هرب ؟ - ولماذا يهرب ؟ - كان يجب عليّ أن أسأله هذا السؤال قبل أن يهرب ، - طول عمرك مغفّل .. وعقلك معطّل .. كيف تركته يهرب ؟ - أنا ؟ أنا تركته يهرب ؟ أتتهمينني ياساميلا الهبلة ؟ لو لم يكن مذنبا لما هرب - أنت السبب ، لم تسأله لماذا يهرب قبل أن يهرب ، أشك أنك متواطئ معه - أنا ؟ أتواطأ معه على ماذا؟ - ما أدراني ؟ قلبي يخبرني أنك شريكه ، وأنكما تنويان أن تعملا عملة لا أدري ماهي ؟ - ياساميلا .. لاتخونينني .. ألم تري كيف غلبنا النعاس .. وهو يجعر كمحرك التراكتور ؟! - تراكتور؟ ! ها .. ها .. ماقصة التراكتور ؟ هل تستطيع أن تبرئ نفسك بعد ذلك ؟ - ياساميلا .. أنه تشبيه ؟ أنا ماجبت سيرة التراكتور - قلبي يقول لي أنك تكذب .. - بلا هذه السيرة ، المهم هل عرفت ماهو الأمر الخطير الذي أخبرنا به زهير ؟ - زهير ؟ آ .. تذكرت .. - أنا لم أتذكر ؟ - هل عرفت أنت ؟ - لا .. لم ولن ولا ... - جحا جنّ .. - ساميلا .. لقد نوّمنا زهير بحديثه من دون أن نتوصل لمعرفة الأمر الخطير الذي يهمنا معرفته .. كان حديثه يشبه نهيق حمار متواصل ، أو نهيق محرك التراكتور الذي كنت أقوده ، وهويت إلى الوادي ، والحمد لله أنني سليم معافى ، لم أصب بأذى بعد تلك السقطة المميتة - عمّ تتكلم ياجحا ؟ - عن رئيس المخفر ومؤامراته ضدي ، وعن إخلاص حماري وذكائه - جحا جنّ .. جحا جنّ - ياساميلا .. أخفضي صوتك .. كنت أرى مناما .. - هل رأيتها ؟ - من هي ؟ - المرأة التي تخونني معها .... - أنا ؟ ياقليلة العقل ... من أين تخطر ببالك مثل هذه الأوهام ؟ - لاتستشرف علي ، عامل حالك عفيف ، ملاك ، درويش ، مغفل - أنا ؟ أنا مغفل ؟ أتشتمينني يامغفلة ؟ لعن الله جارتك ، وجارة جارتك ، هم يعلمونك ، - ماذا يعلمونني ؟ - هنّ يحسدنك على زواجك بي ، أنا جحا .. جحا الذي كل البنات تتمناه زوجا .. - أتصدق ؟ فعلا أنا مغفلة ، أتعرف لماذا ؟ ... لأني أستمع لتخريفك - ساميلا .. نسينا أن نشرب القهوة .. أخذنا الحديث عن الغبي زهير - ترى كيف غادر ؟ ومتى ؟ ولماذا؟ وكيف ؟ وماذا كان يريد أن يخبرنا ؟ - حسنا ، بعد أن نشرب القهورة ، أذهب وأبحث عنه - لابد من أن نعرف ماذا كان يريد أن يخبرنا به ، الأمر خطير .. خطير جدا - أعرف أنه خطير .. خطير جدا - كمشتك ، لقد أوقعت نفسك ، ولن يسمي عليك أحد - ماذا؟ أرجوك ساميلا - أنت تقول : إنك تعرف أن الأمر خطير .. خطير جدا . كيف عرفت إن لم تكن شريكه ، أكيد أنتما تخبئان عني شيئا خطيرا .. خطيرا جدا ..ولكن لماذا ؟ لماذا؟ ، هل أصبحت أنا الغريبة عنك ، وزهير بيت سرك ؟ ياحيف عليك ياجحا ، ما كان هذا هو العشم بك - طولي بالك ، كل شيء في وقته حلو ، سأذهب وأبحث عنه ، وأنكشه من تحت الأرض ، وأكشف سره ، ثم أخبرك - دعني أساعدك ؟ - كيف ؟ - سأبحث عنه أنا أيضا - أين ؟ - عند جاراتي وجارات جاراتي ، وجارات جارات جاراتي .... - يامغفلة .. زهير رجل ، صدقيني رجل ، بماذا أحلف لك حتى تصدقين أنه رجل - لايهم .. ثم ماذا تقصد بقولك : إنه رجل ؟ - أقصد إنه رجل - أعرف ، ولكن - زهير لايمكن أي يكون عند جاراتك ، إذ ماذا يفعل رجل عند امرأة ؟ - ومع ذلك سأسأل عنه ، وربما إحداهن تعرفه ، أو تمت له بصلة قربى ، أو ربما تعرف زوجته ؟ أو ... - زوجته؟ وكيف عرفت أنه متزوج ؟ - لاأعرف ، قد يكون عازبا . . أو لاأدري ... وينهق الحمار مطولا ، وتصغي ساميلا وجحا له ، ويبتسمان ، وهما يهزان رأسيهما ، وكأنما فهما المغزى والمقصود من نهيق الحمار المربوط خارج الحجرة ، بدليل أن ساميلا ترجمت نهيقه لجحا شامتة : " أتسمع ؟ أتفهم ؟ هاهو حمارك يشتمك لأنك غبي ومغفل وثقيل الدم " جحا : " معه حق ، يريد أن يتناول فطوره ، يريد بعض الشعير ، إنه لايحب أن نتأخر عليه بالفطور ، مع أنه مشهور بأنه صبور ، " ومضت ساميلا لتعد القهوة ، ومضى جحا ليجلب الشعير للحمار .... قبل أن يمضيا للبحث عن زهير ، لمعرفة الأمر الخطير .. الخطير جدا ، الذي كان يود أن يخبرهما به قبل أن يسرقهما النوم تلك الليلة .........
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
-
من خلف الغربة : شعر نثري
-
تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
-
الأديب باسم عبدو: في
-
جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
-
جحا وساميلا : قصة قصيرة
-
سأعود إليك : شعر نثري
-
أوكازيون: روسيا تبيع سوريا
-
الإخوان المسلمين وفوبيا الإسلام السياسي في سوريا
-
قصئد غزلية قصيرة : شعر نثري
-
الصورة والاشتعال:شعر نثري
-
قصائد غزلية قصيرة (3)
-
الشعر والناس
-
سوريا وروسيا : تحالف غير مقدس
-
قصائد غزلية قصيرة :(2)
-
قصائد غزلية قصيرة
-
من قصائد الثورة (9)
-
العبور من ثقب الإبرة : قصة قصيرة
-
بوادر حرب عالمية
-
من عينيك : شعر نثري
المزيد.....
-
تركيا تقضي باعتقال مديرة أعمال فنانين مشهورة بتهمة محاولة ال
...
-
-من هو النمبر وان؟-.. الفنان المصري محمد رمضان يسأل والذكاء
...
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|