|
العاصيات
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 20:48
المحور:
الادب والفن
الأعمال الكاملة الأعمال الشعرية (4)
العاصيات INSOUMISES
مسرحية شعرية
إلى ذكرى ابن بلدياتي إبراهيم طوقان
شخصيات المسرحية
جولدا: جندية في الجيش الإسرائيلي، بيضاء، شقراء الشعر، تدخن السيجار، وترتدي سترتها العسكرية فوق مشلحها الحريري.
لونا: جندية في الجيش الإسرائيلي، بيضاء، سوداء الشعر، تدخن الغليون، وترتدي بنطالها العسكري فوق مشلحها الحريري.
آسترا: جندية في الجيش الإسرائيلي، سمراء، كستنائية الشعر، تدخن السجائر، وترتدي قبعتها العسكرية ومشلحها الحريري.
المكان
قاعة جلوس
الزمان
بعد حرب حزيران 1967
آسترا : لست كوكب الليل ولا كوكب النهار لكني رائعة الجمال يسقط الغزاة على قدميّ ومن أجلي يحرق الرجال الكواكبَ فلا يبقى غير الرماد للنساء
جولدا :
أنا كوكب النهار وذهب الليل عند كل مساء أشتري أعدائي بقبلاتي فالقبلة عندي أغلى من كل مال والمال للنساء منجمه الإغواء
لونا :
أنا كوكب الليل أنا الأرق والسهاد وأنا استسلام الذئاب على مرآي ينهار العمالقة ومن أجلي يكون انتحار الحبالى وحداد النسور على الأبناء
جولدا :
نحن في الليل جسد الكون وفي النهار عقل الجنود ولكننا شيءٌ آخرُ...
لونا :
غيرُ معقول
آسترا :
أو غيرُ موجود
جولدا :
كيف الوصول إلى غيرنا؟ كيف الوصول إلى صِنونا؟ كيف الخروج من الظلمات إلى النور؟ كيف نضرب على يدنا بيد من زجاجٍ دون أن نجرح يدنا؟ كيف نقول ما نخفيه في قلبنا دون أن يشك أحد في أمرنا؟ وهل نرفض الخضوع؟
آسترا :
من خاض المعارك وانتصر يصنعُ ولا تصنعُهُ العبر
لونا :
من خاض المعارك وأمات لا أحد يشك في أمره إلا إذا مات وترك في سرّه سرّ الأزماتِ من بعده
جولدا :
أنتما لم تريا ما رأيت ولم تسمعا ما سمعت رأيت ظلّ امرأة وسمعت طفلاً يصرخ ثم خرج جنديٌ من عندها بدا عليه الخجل لما رآني فكرت في القارب الذي كان لأبي وعندما دخلت لأنظرَ كان أبي قد مات غرقا
آسترا : (تنظر من النافذة)
هناك من يسير على الرصيف قمرٌ عالي الهمم فتى جميل نظر إليّ وابتسم
لونا :
بطلٌ من أبطالنا الخرافيين أبطالنا منذ القدم وقد غدوا في سماء حدائق النار والياسمين أقمارًا حقيقية ترقى القمم وقلوب العاشقين عندما نسعى في سيل الحُمَم ونقطع الطريق إلى جهنم وأجدني وحدي على الطريق عندما أقف على باب العدم وأطرقه طرقاتِ عابرِ السبيل أو صاحبِ حُلمٍ لا يُرَمّم أنتظر دومًا أن يفتح لي فتى جميل جماله يسبب الألم يأخذني بين ذراعيه عنوة يقهر فيّ ما لم يُقهر يرفض متعة أخرى غير تلك المستحيلة متعة الحتف بل وأكثر الأخيرة إنه الشعور بالهلاك الأبديّ شيء ما كجنوح سفينة وبالروع العصيّ وعندما تقطعين حبل الانتظار فجأة وتقررين فجأة انتهاك الزمن شيء ما كاغتصاب قبلة تقررين فجأة أن تقومي بعكس ما يقوله لك قادتك في مادة الأمن أن تثقي بخصمك
آسترا :
ها هو يلتفت الآن وينظر إليّ عابسا
جولدا :
لقد آن الأوان علينا ألا نكتفي بمس الأشياء مسًا خفيفا
لونا : (تسرع إلى النافذة لترى وتصيح بالشاب)
هيه!
(تضحك)
آسترا :
اتركيه وشأنه دعيه
(تضحك هي الأخرى ثم تضحك الاثنتان)
كاد يضرب بعمود الكهرباء ويَكْلِمُ جبينا جولدا :
أريد أن أتنفس الهواء أن آخذ قاربا ومثل أبي أن أغرق في الماء أن أعيش يوما
(تترك لونا وآسترا النافذة)
قبل أشياء كثيرة ربما لن تتحقق أشياء أخيرة لكني أحاولُ أشياء كبيرة أكون قد حاولتُ أشياء صغيرة فالأشياء الصغيرة يمكن أن تكون للمرء كبيرة أحيانا
آسترا :
ذلك الجندي ربما كانت بعض أشيائه الصغيرة فترك من ورائه صراخا وقضى على كل أسباب الغيرة أنا أسمع الصدى لا شيء في الصدى غير الحيرة الصراخ أهم من الصدى أم الصدى؟ لو كنت مكانها لقتلته
لونا :
بسبب الصدى؟
آسترا :
بسبب الصراخ الضحية لا تسمع الصدى الصدى تخنقه الأوجاع وعندما يصعد القمر في الليل تصعد الأوجاع وتبدأ حفلة الجنون في الرأس تنفتح الجراح وتبدأ الأفاعي بالرقص بالرقص
(تأخذ بالرقص)
بالكفاح فالرقص في ظرفٍ كهذا كفاح بالرقص بالانبطاح
(تنبطح على الكنبة)
بالتلوي
(تتلوى)
بمعاشرة الهواء (تعاشر الهواء)
باللهاث
(تلهث)
بالتوتر (تتوتر)
بالتلذذ
(تتلذذ)
بالانشلال والموات
(تنشل وتموت)
جولدا : (تردعها)
يا للعار انهضي!
آسترا : (تنهض متمايلة وقد فقدت توازنها)
لهذا السبب سأترك الجيش لأني لا أستطيع أن أكون الضحية
لونا :
أما أنا فلأني أستطيع أن أكون الضحية أن أكون الفكرة الضحية أقوى كفكرة كهوى
جولدا :
كهوى مدنس
(تقهقه)
لونا :
كهوى السكين أقوى كفكرة كقوة
جولدا :
كقوة مغتصبة
(تقهقه)
لونا :
كقوة الكيان أقوى كفكرة كهوية
جولدا :
كهوية مزيفة
(تقهقه)
لونا :
عندما أُحرقنا في أوشفتز كان ذلك من أجل الفكرة ولا هوية للفكرة الفكرة فلسطينية في أوشفتز
جولدا :
عندما خرجتُ نادتني المرأة قالت لي شيئًا مثلَ لماذا يصرخ طفلي لم أفهم تماما لماذا ينبح كلبي لم أكن في وضع ٍيسمح لي أن أفهم تماما لماذا مات رجلي لماذا الشمس قويةٌ جدا لماذا يقاتل البشر بعضهم في الصيفِ رجتني المرأة أن أقتل ولدها لأنه لا يتوقف عن الصراخ فرجوتها أن تسقيني كأس ماء
لونا :
لهذا السبب سأترك الجيش ليس لأني ضده أبدا ولكن لأني مع الضحية وقد غدت فكرة جولدا :
لم تسقني وكدت أقتلها لأنها لم تسقني لولا أن صمت الطفل فجأة
لونا :
كان الصمت في أوشفتز ماءً على فمِ البدرِ كان الصمت في أوشفتز عصًا في يدِ القدرِ كان الصمت في أوشفتز تفاحةً بين أسنانِ القهرِ ولهذا السبب سأترك الجيش لئلا أكون ما لا أشاء
جولدا :
أما أنا فسأترك الجيشَ لأني أحب النساء وفي الجيشِ حبُّ النساء جرمٌ ما بعده جرم وحرام
آسترا :
حب النساءِ للظامئِ كالماء
لونا :
وكانت هناك طيورٌ في أوشفتز لم تكن تتألمُ لما يجري ولم تكن تعلم وكانت تغني ولكنها كانت مذنبة ًدون أن تدري ولهذا السبب أيضًا سأترك الجيش لئلا أكون طيرًا من طيور أوشفتز
آسترا :
وأنا أيضا لهذا السبب أريد أن أترك الجيش لئلا أكون طيرًا من طيور أوشفتز
لونا :
ولئلا أكون طيرًا من طيور نابلس
آسترا : (تغني)
الطيور الجارحة نقف لها بالمرصاد العوزي في قبضتنا والمَرامُ حمايةُ ما في مرآة الأجداد!
جولدا : (تغني)
الطيور الجارحة مخالبها من نار أقوى من مخالبنا كلنا لكننا نطفئها بالنار!
لونا : (تغني)
الطيور الجارحة أجنحتها تغطي السحاب تخيف الكلَّ إلانا طلقةٌ واحدةٌ تكفي من أجل عيون الأحباب!
(صيحات فرح وأسهم نارية تأتي من النافذة، تسارع ثلاثتهن إلى النظر منها، وهن يضحكن، ويصحن، ويرمين الناس بالقبلات)
آسترا :
للانتصارِ عيدٌ وهذا هو أكبرها داوودُ ذهب إلى القتال ويعقوبُ عاد منتصرا
جولدا :
يعقوبُ جفف دمعه بعد كل الذي عانى من آلام فيوسُفُ لم يمت غدرا
لونا :
يوسُفُ لم يكن حلما يوم القعود ويوم القيام يوم الصعود على صهيون علمًا يلوّح سحرا
جولدا : (بعد لحظات من الصمت)
الحرب كانت ولم تكن مثل كل مرة الحرب أُعلنت في الحجرات المعتمة وتم كسبها لدى الموساد
آسترا :
اذهبوا إلى الهزيمة قالوا لنا واقضموا الكرزَ فالهزيمة نصرٌ تم على الأوراق
لونا :
كان الرصاص يزخ كالمطر فقالوا لا شيء غير الخطأ خطأ من الأخطاء لوطنيتهم لون الدم الذي لنا وللقدس جنون الآباء
آسترا :
كانت فرقة ضائعة من المشاة والنجوم كثيرة ولا أدري إذا ما كان هناك في مكانٍ ما يسهر بعض العشاق
لونا :
جعلني رصاصهم أحب الوطن لأول مرة يجب أن تكوني مجنونةً لتقاتلي مثلما قاتلوا أن تكوني امرأة أن تُثبتي مثلما أثبتوا أن تنجبي دون أن تكوني حبلى أن تَثبتي مثلما ثبتوا أن تنظري في عينيِ الموتِ وتضيءُ على شفتيك بسمة أقمارًا كانوا فخجلت لونا من نفسها ولم تقاتل اختبأت في أحد الخنادق كان الخوف سيدها والنيازك جولدا :
وفي الوجه المقابل لما عرفوا فكروا في اغتصابك لكني كنت لك وحيا كنت السلاح لذراعك يا جبانة
لونا :
فَجّرَتْ رصاصاتك فيّ الليبيدو فأخذتُ أموءُ وأخذتُ أختبئُ في ظلالك وأخذتُ أزحفُ وشعرتُ بامتلاكك لنفسي فوقعت في غرامك
آسترا :
لم يكن الذنب ذنبها كان ذنب السناجب فالبندق قدرٌ كالبنادق كالجنازير كالخنازير كالكذب كالحرائق
جولدا :
لهذا لم أقاتل من أجل أورشليم وقاتلت من أجل لونا
آسترا :
كان عليكِ أن تختاري موتهم أمام حبها
جولدا :
وفي لحظةٍ من اللحظات أردت أن أكشف سرها كنت أريد لها الموت ولم أعد أريد جماعها
لونا :
وكلما قَتَلَتْ منهم واحدا كانت المتعة تجرفني في وحلها وكلما تَقَدّمَتْ باتجاههم خطوة كانت الحياة تبدو لي أجمل من وقت السلم بدا لي شعرها الأشقر قدرا ربطتني به إلى الأبد إلى الأبدِ بِهِ ربطتني
آسترا :
وبدا لي شعرك الأسود عذابا رماني فيه خط الدفاع العربي
لونا :
كان علينا ألا نموت من أجل البسالة وألا ندع الغواني في الأزقة بانتظار اقتحام جولدا لقلبي كان علينا ألا نتراجع تحت أوامر القيادة أن نحقق المعجزة كما كانت أمي تردد على مسمعي كان علينا ألا نخضع لشرف المرأة أن نلوث فخذينا بمني القتال وأن تفخر الذئاب بنا
جولدا :
عندما قضينا على غضب الذراع لم يكن قد مات من بين الذين أمتنا طلب مني قبلة كان لا يريد أن يموت موت العذارى كان يرى في القبلة لعنة العاشق وكان يريد أن يعيش آخر مغامرة للأهوج الغاضب مع أني لم أشأ قتله لم أشأ قطعَ الأمنيةِ بالحد البارق كان يريد أن يموت بين ذراعيْ حبيبةٍ تكون له حبيبةً وقاتلة نوعٌ من أنواع المؤامرة كان يريد أن يتزوجني ثم يموت أن يذهب بعد ذلك وحده إلى الجنة كان يريد أن أقدم له جسدي وأقتحم عليه روحه لكن لونا كانت هناك بشعرها الأسود ويديِ العصفورِ اللتين كانتا لها كانت كالطفلة الحائرة بعد أن ذهب عنها الخوف تنتظر الكارثة
آسترا :
وأنا أيضا كنت هناك لكني كنت كالضوء المنطفئ وكنت حجرًا تحت السماء
جولدا :
وخوفًا مني على لونا فضلت الذهاب
لونا :
بعدما ذهبتِ أخذته بين ذراعيّ وقبلته فمات لكني بكيته وآسترا تبكي عليّ وتجذبني من كتفيّ
آسترا :
كانت القدس قد سقطت وكان في قلبي إحساسٌ بالانتهاء كانت النهاية قد بدأت واحتفال الناس بموتِهِمُ القادمِ في الساحات إنها جهنم التي تفحمت إنها جهنم الخيال لففتُ لونا بذراعي وذهبت بها لنشرب الفودكا ونهرق الدمع في الحانات كانت في الليل كلُّ النجومِ هستيريا وهذيانا
(صرخات استغاثة تأتي من النافذة تتبعها طلقات رصاص، تسارع ثلاثتهن إلى النظر منها، وهن يزفرن حنقًا وعجزًا)
آسترا :
في كل محتلٍ مقاوم ولكل مقاومٍ سلاح ولم يكن لهذا سلاحٌ يعشق القبلات جولدا :
الدم يسيل في الزقاق والوجه هلال لو كنت مكان القتيل لقتلت القمر وغطيت العالم بثياب أمي بعدما غرب أبي وغاب لونا :
لم يكن القاتل كالقتيل مغرما كانت الرغبة في الأشياء وكان القتل طريقتهما إليها وكان الامتلاك
جولدا :
تريدين القول الاغتصاب أمس كان القتيل قاتلا
آسترا :
لا معنى للاغتصاب بعد أن أَطَلّ القتيلُ الدمَ وعلى الناس بالأذى إنها حرية ُالقتلِ في نقطة المدى
لونا :
والوهمِ جولدا :
وأنثى الخيلِ
لونا :
والصهيلِ (تصهل)
جولدا : (تردعها)
توقفي لونا :
الفرس تبحث عن فارسها بين بني البشر
(تصهل)
جولدا :
توقفي توقفي
لونا:
تنحني بعد أن تجده ليصعَدَ على ظهرها
(تنحني فتصعد جولدا على ظهرها)
وتركض به في الغابات
(تجذبها جولدا من شعرها وشعر جولدا يأخذ بالتطاير)
جولدا :
وإذا تباطأت في ركضها لسَعَها بالسوط
(تناولها آسترا سوطًا تلسعها به)
إلى الأمام!
(تصهل لونا)
إلى الأمام! إلى الأمام!
آسترا : (تقهقه)
إلى الأمام!
جولدا :
إلى الأمام! إلى الأمام! إلى الأمام!
(تقهقه)
آسترا : (تقهقه)
اصعدي بها إلى السماء!
جولدا :
سأصعد بها إلى السماء من مركبٍ يخشى الشواطئ سأحلّق بها مثل بُراق يعرف الطريق إلى البواطن العليا سأدق بحوافرها السلطات العامة سأحمل على ظهرها الخزائن سأسود عوالم الأثرياء سأجتاح أقواسَ سحابِ كلِ المدائن
(تقهقه)
آسترا : (تقهقه)
إلى الأمام! إلى الأمام!
جولدا :
سأستبيح الأعراض سأشعل الحرائق سأدوس الرؤوس والأعناق
(تقهقه)
سأمزق جلود العجائز سأقطع حلمات النساء الأرامل سأصدر أحكام الموت أحكام البلابلِ الذابحةِ للبلابل سأمثّل بالعصاة سأذل البشر كالبهائم سأرمي في السجون المجانين من الأطفال العمالقة المبدعين الفدائيين القاضمين للنار الفاتكين بالعنب الحامض
(تقهقه وآسترا)
الأباطرة الحالمين المقاتلين المدمرين للصروح في الكتاب وفي أحلام العوانس سأجتاح الأحلام والإجّاص بمخالب الحمائم
(تقهقه دون أن يمكنها التوقف إلا بصعوبة وهي تأخذ لونا بين ذراعيها وتتدحرج بها ولونا تلهث من التعب والإرهاق ومن فوقهما آسترا تقهقه قهقهات متقطعة إلى أن تسقط ثلاثتهن في الصمت)
لونا : (تنفجر فجأة باكية ثم لجولدا)
كنت أعتقد أنك تحبينني كنت أختك من غير أمك واليوم أنت سَفيني قلبك من غير حبك
جولدا : (تأخذها بحنان بين ذراعيها)
سامحيني الذنب ذنب الجنود والعقاب ألاّ يكونَ عقابٌ هناك اغدريني لو شئت وأنقذيني من حنان الذئب الحقود لأخلص من عبء الإخلاص فلا تلوميني ولا تلومي المياه في السدود لا تلومي سوى الجدران آسترا : (تأخذ الاثنتين بين ذراعيها)
لكننا تَصَرُّفُ الفارسِ بنا مهما فعلنا على ظهورنا يصعد الأقوياء وإن صعدنا الحِجْرُ نحن بعد الحَجَر وإن أضأنا في قلب الظلمات
(تأخذ ثلاثتهن وضع الفرس)
ثلاثتهن:
كيف يمكننا ألا نكون بطنًا لهم يأتيهم بالأولاد كيف يمكننا ألا نكون نهدًا لهم يرفع الأنصاب لقتلاهم كيف يمكننا ألا نكون طودًا لهم يصعدون على صخرِهِ الأمهات لهن فخر الأفاعي الصالحات لكننا إعلان الحضارة وألواح الزمان على أرصفة المحطات نفعل كل ما يريدونه منا نفعل كل ما يظنونه فينا نفعل كل ما يملونه علينا حتى الصهيل الذي لنا علمونا إياه بدل الغناء في أمسيات الصيف
(تصهل ثلاثتهن ثم ينهضن)
آسترا : (تغني)
الطيور الجارحة نقف لها بالمرصاد العوزي في قبضتنا والمَرامُ حمايةُ ما في مرآة الأجداد!
جولدا : (تغني)
الطيور الجارحة مخالبها من نار أقوى من مخالبنا كلنا لكننا نطفئها بالنار!
لونا : (تغني)
الطيور الجارحة أجنحتها تغطي السحاب تخيف الكلَّ إلانا طلقة واحدة تكفي من أجل عيون الأحباب!
(تذهب ثلاثتهن إلى النافذة، لا أحد في الشارع، الصمت مخيم)
جولدا :
كان الاحتفال بالانتصار قصيرًا كالانتصار ولدينا انطباعٌ أن الزمان عاد مثل زمان
آسترا :
الفاتحون يسعون إلى النوم الآن وغدًا ينهض الراعي والذئب والحُمْلان
لونا :
نعم لكل شيء أوان ولكل فكرة مجنونة لا يفهمها اثنان هل نركب البحر ونرحل أم ننتظر أمر الخضوع الأمثل دوما ما كانت أمي تقول لا تفعل وأنا صرت أحلم بالرجوع قبل أن أرحل
جولدا :
لقد مات أبي في البحر غرقا لقد مات أبي في البحر عبثا
آسترا :
أنا لا أحب البحر وأحب الموت فيه أنا لا أحب الموت وأحب البحر لحكايا السندباد عنه وصواريه
جولدا :
لقد مات أبي في البحر مغامرا لقد مات أبي في البحر مقامرا
آسترا :
أريد أن أشتري البحر من أبيك
لونا :
وأنا القوارب
آسترا :
أريد أن أمنح البحر للبشر
لونا :
وأنا للسمك
جولدا :
لقد مات أبي في البحر من أجل البشر لقد مات أبي في البحر من أجل السمك
لونا :
قبل أن تشتعل الحرب أشعلتُ بعض الأشرعة كنت أريد أن أعبر عن موقفي ضدها فأغضبتُ الصيادين كانت أشرعتهم كلها بيضاء كلها وكانوا من عربنا المحظوظين الذين لا يخوضون غمار المعركة من أجلنا الذين لا يهرقون الدم على ذيولِ ثوبٍ غيرِ ثمين كان عليّ ألا أناضل ضد الحرب من أجل حرب هم لا يريدونها
(تتناول شالاً من حرير وتشعله)
آسترا : (تصيح وهي تطفئ النار في الشال الحريري)
إنه شالي فلا تثيري غضب الدمقس عليكِ بعد غضب الصيادين أنا أيضًا ضد الحربِ فلا تنسي ولا تجعلي منكِ مهزلةً للمقتحمين غمراتِ القلبِ
جولدا :
أما أنا فضد كل شيء أنا ضد الكل والجزء أنا ضد الشيء والشك أنا ضد الترياق والسُّم أنا ضد الأنا والغير أنا ضد النحن والهُم أنا ضد الربع الأول من القرن والأرباع الثلاثة الأخر أنا ضد البشر لو كان الطير بشرًا لكنت ضده ولو كانت الأفعال أفعالاً للملائكة أنا ضد الجسد والأثر وضد الخضوعِ لِدُورِ الحِضانة أنا ضد المع أنا ضد الضد
لونا :
لنشعل العالم إذن ولنجعل منه أكبر مُحْرَقة لنبدأ بإحراقنا وننهي الفاكهة لكننا أخواتٌ للجبن إذا ما تعلق الأمر مباشرةً بنا
آسترا : (تشعل عود ثقاب)
سأعد واحدًا اثنين ثلاثة وأحرق الكستناء في شعري سأقول وداعًا للعالم وأذهبُ بقدميّ إلى قبري أنا مشيئة الحريق جولدا : (تصيح بها)
توقفي
آسترا :
أنا علة السقيم
لونا : (تصيح بها)
لا تتوقفي
آسترا :
أنا سمك القرشِ للغريق
جولدا : (تخرج عوزي من جرار وتهددها به)
توقفي... توقفي...
لونا : (تهجم على جولدا بسكين كان ملقى جانبًا وتهددها به على عنقها بعد أن طوقتها بذراعها)
دعيها تفعل ما تريد
آسترا : (تنفخ على عود الثقاب وتلقي بنفسها على مقعد يائسة)
سيبقى العالم كما هو العالم من بعدي
جولدا : (تحاول التخلص من لونا)
ذراعك كالحديد
آسترا :
سيبقى العالم كما هو العالم رغم موتي لن يهزم موتي المنتصرين في حلبة الملاكمة اسألي محمد علي يخبرك عن لكمات المتصارعين الأخيرة
لونا : (تأمر جولدا)
اقتليها وإلا قتلتك بأمرٍ غيرِ سفيه في موتها خير لها بعد أن ماتتِ الشجاعةُ فيها شجاعةُ قاتلِ أبيه في موتها خير لنا بعد أن مات فينا الضمير المضمخِ بعطرِ القلقِ الثدييّ في موتها إنقاذ لنا مما نحن فيه (تطلق جولدا النار على آسترا فلا تصيبها، تهرب هذه لتختبئ، وتترك لونا جولدا التي تستدير إليها تريد قتلها، لكنها تضع في الأخير سلاحها جانبًا، وتنهار على كنبة... بعد لحظات تُسْمَع ضجة لآليات عسكرية تأتي من النافذة، وصوت مكبر يدعو الإرهابيات الثلاث إلى الاستسلام، تذهب ثلاثتهن إلى النظر من النافذة بحذر ثم يتراجعن خوفًا)
آسترا : (لجولدا)
لرصاصاتك سحر الجنون أي سحر هذا الذي لجيشٍ يقوده ضابط ٌمأفون؟ الآن عليك أن تثبتي إثبات الحق اليقين أنك وكل العرب أبناءٌ للبراءة وتعلني للملأ أن منظمة التحرير ليست إرهابا فهل يمكنك الخروج من عالم غير معقول تشترين فيه روحك؟ هل يمكنك تحطيم كل الجسور وتقديم نفسك على طبق من فضة ودم؟ هل يمكنك عناق صورتك في المرآة دون أن يجرحك الضوء؟ كل عودتنا الآن تنتظر منك الجواب عن الصحراء التي حوّلنا وعن الأسود التي كنا وعن الطبول التي قرعنا وعن الدموع التي ذرفنا عن الذات المعذبة لليهود بعد أن صيرتنا رصاصاتك العابثة دون أن تشاء إلى ما يجب علينا أن نكون إرهابيات الجبل نحن وثعلبات الوادي ومتوحشات البوادي الحيّات المذهبة للرمل وقرون أيّلٍ تائه حتى أنها اختصرت كل تيهنا في الزمان رصاصاتك العابثة
لونا :
هذه معضلتنا وقد خلت من جمال الافتراء وقد غدت واضحة معضلة الصراحة مع النفس والمعرفة والحل الإنسان الحل اللاحل لكل أزمة الحل الحيوان الحل الحُلّة (الصوت الآتي من الميكروفون يعود ويدعو الإرهابيات إلى الاستسلام) جولدا :
لن يكون الأمر سهلا فلنلجأ إلى الحيلة وإلا ذهبنا قتلا
آسترا :
الحيلة! تقولين الحيلة؟ لا شيء ينقذنا من القرار الفصل لقد انتهى أمرنا لا شيء أنقذ الحيلة من الحيلة لما كانت الحيلة قدرنا فكيف الآن؟
لونا :
لنلجأ إلى الحنكة لنقل ما لا تقولُهُ الخطوطُ في كفِّ الرمان كانت أمي تقول لنا لنلجأ إلى الدهاء لنكن بنات معبدٍ أو شيئًا كهذا لنكن بائعاتِ حنطة أو تفاح على بطننا تُفتح المدن وعلى ثدينا تُقتحم البحار وعلى وَرِكِنا تنهار البنوك وتزول الأمم نقول كن للنهار ونقول كن لليل ولابن الليل العالي الهمم ونقول كن للنجم عند الأسر بين القضبان نحن جنديات الجراح وعقل القمح وحِجى الجوافا ونواح طفل قبل أن تقتله رصاصة عابثة كرصاصات جولدا رصاصة اكتسبت معناها البشري ولون الأقاحي في الصباح لم تُفلح في صناعة الموت ولم تدركه أبدا لم تؤسس لانهيار البيت وكانت حياةُ أمِّ الطفلِ الذي صمت فجأة هديةً لنا أنا أم هذا الطفل العبقريّ الموت وهذه ثيابي أمزقها
(تمزقها)
لأتعرى من أجله فيسقط الجيش على قدمي ويخضع لأني هزيمته التي ستأتي لأني استسلامه الأروع لأني حجارة الفضاء اللاعادي لأني مرايا الوقت الممتد من قبرٍ إلى بحرٍ في الأوديسا ومن كذبةٍ إلى طُرفة بن العبد ومن قمحٍ يمنيّ إلى جنونِ فرنِ طابونٍ قرب ماخورٍ في حيفا ومن زوانٍ مصريّ إلى صولجان قمعٍ كان لعمرو بن العاص الكرم والمجد ومن شَعِيرٍ كنديّ إلى غنمٍ جنسيٍّ سقته راعيةٌ من كاليفورنيا ومن علفٍ فرنسيّ إلى نهدٍ ضائعٍ باحثٍ عن جسدٍ رشيقِ القَدّ ومن سحرِ حاوٍ مغربيّ إلى سحرِ حاوٍ هنديّ لا نريد أن نعلمه أو يعلمنا ومن بقايا شعبٍ هنديّ إلى بقايا شعبٍ لم يصر هنديًا بعد ومن حنايا شُعَبٍ أحن منا على عاهرات يافا إلى حنايا شُعَبٍ صار الناس فيها يمارسون العبادة عرايا آه لما لم نصر آه لما كنا عقارب الوقت
جولدا : (تخلع ثيابها وترتدي كلونا ثياب بنت المعبد) آه لما كنا يد الطائر بعد أن فقدنا يد البحر ويد الغجر لكني لن أراهن على هوى الرجال لن أراهن إلا على المستقبل يوم تنهدم المواخير ونحن خارجها نتأمل عبور الأمم لن أراهن إلا على العبث يوم يفتك بالنفوس وقد تركنا أنفسنا بعيدًا عن براءة الذمم لن أراهن إلا على النصل يوم يصبح السكين هوية للفتك بالبحر للتمتع بواحات الصحراء دون نفط فهل يمكن لشَعري أن يغدو طيرا وهل يمكن لثغري أن يغدو بئرا وهل يمكن لصدري أن يغدو أمة من الأجنحة نأتي بالشمس عليها للثعالب وللأمراء للفحول وللضعفاء للنحل وللشعراء هؤلاء كلهم أشباهي عَمَلَتْ منا الحَربةُ آخرين ما بيننا في الكمون لتحمي الدببة القطبية آسترا : (تخلع ثيابها وترتدي كلونا وأولغا ثياب بنت المعبد) حَربةُ الضحايا والرمحُ الزنيمُ والجراح المهندية وعندما ننقذ الضحايا سنقول للحجاج كلماتنا الحقيقية عما لا يريدون أن يعرفوا غير الزئير فينا شيئًا ما عن الأبدية بعد أن يكونوا قد تركوا في أجسادنا بعضًا من وهمٍ أحضروه من صقلية فالوهم دومًا ما يكون غريبًا عنا وفي الوقتِ ذاتِهِ حميميا يزول بعد النكاح
(تعلو ضجة العساكر في الشارع والتهديد الحربي أكثر من المرة الماضية، وعندما تظهر الفتيات الثلاث على النافذة في ثياب بنات الهوى يخرس الجميع فجأة)
لونا :
جسدي من الجمال ما لم تعرفه مغوية جسدٌ للكيد والإغواء حتى النيازك جمدت على مرآه
جولدا : جسدي من الكمال ما لم تعرفه مغرية جسدٌ للأسر والإغراء حتى الأكوان سجدت له بعد أن صار للجنس إله
آسترا : جسدي من الدلال ما لم تعرفه امرأة مثيرة جسدٌ لِلّثم والعناق حتى التماثيل جاءته لاهثةً بعد أن دب فيها دبيب الحياة
لونا : يقول هذا إنه سيشتري ليلةً معي بكل مال الدنيا فهل يقبل قلبي لعبة البيع والشراء
جولدا :
يقول ذاك إنه سيبيع كل ليالي الكون ثمنا للبقاء قربي من الصباح حتى المساء
آسترا :
يقول هذا وهذا وذاك إنهم سيقتحمون من أجلي مخيمات الخليل ونابلس والقدس وأريحا وعلى رابيةٍ قربَ بئرٍ سيبنون لي أحلى العِرزالات
جولدا :
نحن المطرودات من أجسادنا امتلاكُ الآخرين أجسادٌ لا شيءَ آخرَ غيرَ أجسادٍ للتجوال المستديم أوعيةٌ للمني والتخييل نحن بنات الرب اللئيم الأناني المحب للأديم الذاهب فينا الكونُ خضوعُهُ على فخذنا والترتيل
نحن حارسات معابد أورشليم وأفكار الرجال التي لهم عن رجولتهم رجولة كل سادرٍ على الطريق المستقيم لونا :
تعالي إلى المخدع يا أختي اتركي جسدك هناك واطلبي من أخي تنظيم العناق من أجل قُبلة تعالي إلى الحب يا أختي انسي نفسك لثوان واجعلي من الجسد بيتًا ومتاعًا للغرباء وبوصلةً وقِبلة تعالي إلى الأمر يا أختي أمر الرغبة والإذعان لغرائبها وأطوارها الرغبةُ رغبات والعاشقات عاشقةٌ واحدة كلمةٌ في جملة
آسترا :
بدأ الجيش يقف على بابي غادر جسدي إليه إنه القبضة الذهبية المخملية وخزينة البر والإحسان إنه صراخ الرغبة البربرية على مذبح سليمان وتفجر اللذة مَرجانًا وإجّاصا إنه الاطمئنان في حضنكِ مصرٌ له نهرٌ الحجازُ له رملٌ السودان له أسْوِرة وأمان وفرنسا لغيره العناد فكرة وإلهامُ شاعرٍ يصنع الوردَ من أجل إزار جولدا :
ستنطبق الأشياء على الأشياء وتتداخل وستنقلب المعاني والأفعال وتتماثل هنا على ثديي أقيم كل حركات التحرر العربي بركانًا للآمال الكاذبة هنا على بطني أفجر كل آبار نفط الخليج العربي نبعًا لرؤوس المال الصادقة هنا على فخذي أرفع كل شعوب العالم العربي شُهُبًا للأوهام الواهمة
لونا :
كل شيء وله مقابل الثدي والبطن وباقي البدن كل شيء بأمر الشين بيت قائم الأفراح والأتراح وزرع الفتن كل شيء بأمر الجيش دائم الهوان والذل وحصاد المحن والاستسلام نسلّم الثديَ ليستلم سيناء ونسلّم الفخذ َ ليستلم لبنان ونسلّم الشِّقَ ليستلم الجزائر
آسترا :
هذه هي شروطنا مذ جاء روادنا الأوائل فيا أيها الاقتحام كن جبارًا في أجسادنا يا أيها الإجرام كن فتاكًا بنا يا أيها الإصرار كن سيفًا في قبضة سوءتنا
جولدا :
يا أيها الجلاد كن حنونًا علينا يا أيها القاتل كن ودودًا كن بشوشًا كن رمزًا لنا يا أيها العابث بالأعمار كن أطرى من فخذ لونا
لونا : (تضحك)
عندما أخذني قائدي بين ذراعيه أحسست بنفسي امرأة لثانيةٍ واحدة وعندما رفعني بين فخذيه حلق بي وكأني أحلق في طائرة
جولدا : (تضحك)
عندما أخذني قائدي بين ذراعيه أحسست بنفسي كتيبة تحاصر مدينة وعندما أردت أكثر بين فخذيه أتاني بأكثر من كل صحارى العرب وبأكبر من كل بحار العرب وبأعظم من كل ثيران العرب وغدوت التي بأمرها ينام العرب وينهض العرب
آسترا : (تضحك)
عندما أخذني قائدي بين ذراعيه أحسست بنفسي أسطولا العالم له جزيرة وعندما رغبت فيه حملني وعلى فخذ المحراب المقدس رماني كنت ميريامَ وكنت سارةَ وكنت ربقةَ الجميلة كنت كل النساء القدسيات في التاريخ وكنت مشط الأميرة قال لي سيمتشق الحسام من أجلي في ظلال التماثيل لم يكشف لي أنه سيهرق الأحمر المعتق والأبيض اللزج كما لم يهرقهما أحد في الجحيم ولم يجعلني في خيالي أعانق ما يعانق في خياله الغريب كان عليّ أن أشبع كل النزوات لأجل ألا يبدو ضعيفا بين قضبان السكة الحديدية وكان عليّ أن أعبّر عن جموحي بالصياح فأبدو لبؤةً في أعين العالم وصراعًا وصمودا كما لم يبدُ أحدٌ منذ أولى القبلات البربرية وفهمتُ أن الرواد لسنا نحنُ وعرفتُ أن التوراة ليست إلا لليهود الأوائل ثم أخذني الجنود واحدًا بعدَ واحد
جولدا : (تغني)
يا موسى الحبيب اعطف عليّ احمني أنت من رغباتي يا موسى الحبيب تعال إليّ أمِتْني أنت أنت حياتي!
لونا : نحن بنات المعبد الملكات الكون بأمرنا والنزوات
جولدا : (تغني)
يا موسى الحبيب ازرع في بطني ولدا اجعلني أنت أُمّاً ليوم يا موسى الحبيب خذني لك جاريةً سُدني أنت واصنعني شيئًا أهم!
آسترا : نحن بنات المعبد الجاريات الدين بأمرنا والخزعبلات
جولدا : (تغني)
يا موسى الحبيب كن حقيقتي لا تتركني أنت للوهم يا موسى الحبيب كن إيماني لا تبقني ظلاً لقوم!
لونا وآسترا :
نحن بنات المعبد المستوطِنات التوراة بأمرنا والهذيانات
جولدا :
سنبني هناك معبدًا في الصخر والأشواك فالله أعطانا الأسَفَ والأسى ومسئولية ألف عام ألقاها على عاتق الدمى سنكون الجِنْثَ والقِوام الجِذرَ الوتديّ امتداد الساق في التراب وغريزة الكون وما وراء الكون من أرباب النقيصة يوم نعجز عن الكمال ويتوقف الكمال على إرادة الغُلمة العليا على عجننا بين أصابعها القدسية على عصرنا كقطوف العنب على تمزيقنا في أحضان خيالية قبل أن نقفل أجسادنا بانتظار أن يفتحها يهوه وينشرها كالأشرعة أجساد الميعاد نحن سَلّمنا للرب مفتاحها وها هو الرب يهبط بالمفتاح إلينا يبغي العشق بعد أن بغينا فيكون تطهيرنا على يديه (تأخذ لونا وآسترا من يديهما)
ها هو يأتينا
(ترتعش ثلاثتهن)
على صورة فلسطينيّ يأتينا عاريا
(تستلقي ثلاثتهن)
قويا هيابا
(تطغى على ثلاثتهن لذة الجماع)
ينفخ فينا تهب مع أنفاسه الرياح
(الرياح تهب)
وبين يديه تثور العواصف
(العواصف تثور)
تزمجر الأنام وهو فينا ويصعد الرُغاء
(الناس والحيوان يزمجرون)
فنصرخ خوفًا وإجلالا ونصرخ لصراخه توجسًا وجنونا
(تصرخ ثلاثتهن)
ينفلق الزمان ومن أجلنا تعم رحمته على كل الأراضي المحتلة ويسيل الدمع من مآقينا
(تبكي ثلاثتهن، ثم يعم الصمت، وينهضن)
لونا :
في إحدى المرات والشوق كان ظمأ الدنيا ولهبين حلمت بسيدنا يوسف وأنا عاريةٌ بين ذراعيه ستكونين بنتًا من بنات المعبد قالت أمي وفرحها كان فرحين ثم قالت ستكونين ضحيتين الأولى أنا والثانية أنا وإن كانت غيري بعد كارثتين لهذا السبب تمنينا ما تمنينا ونادينا العالمين لبى الكل النداء حتى أعداءنا لبوا النداء وأتوا إلينا
آسترا : (تنظر من النافذة)
ذهب كل الحجاج ولم يبق على بابنا غير بعض الصبية وبعض البنات
جولدا :
لتكون البنات بنات معبدٍ مثلنا عليهن أن يكن عذارى وليكون الصبية أربابًا علينا عليهم أن يغدوا رجالا
لونا : (تنظر من النافذة)
فلسطينياتٌ هن وفلسطينيون هم إسرائيليون من عربنا كما كانت أمي تقول لي من ضلعنا
جولدا :
أي ضلع من ضلعينا ضلع الشمال أم ضلع اليمين؟
آسترا :
من الضلع الذي نهشنا الضلع الذي ليس ضلعا بل يافطة كتب عليها "ممنوع التدخين"
جولدا :
البنات والأرباب لا جنسية لهم في المعبد دعيهم يدخلون المعهد دعيهم يتسرألون سيكونون للتوراة بَلَحَا
لونا :
زوانًا أم بلحا؟
جولدا :
بلحا دون نواة
آسترا : (تنادي عليهم من النافذة)
ناديت عليهم لكنهم لم يردوا ثم ذهبوا
لونا :
بلحٌ دون نواة ولم يسمع لنا فكيفه بنواة؟
(تجسّ بطنها)
أشعر بشيء في بطني يتحرك كالنواة
آسترا :
وأنا أيضًا أشعر بشيء في بطني يتحرك كالنواة
جولدا :
وأنا أيضًا أشعر بشيء في بطني يتحرك ويغز كالإبرة
لونا :
عندما يتحرك شيء في بطن الأنثى هذا يعني أنها حبلى وأنها ليست شيئًا عاديا الجبل الذي يتحرك شيء في بطنه ليس جبلاً عاديا والنهر الذي يتحرك شيء في بطنه ليس نهرًا عاديا والسهل الذي يتحرك شيء في بطنه ليس سهلاً عاديا
جولدا :
ومن جديد ستكون المرحلة وسيكون القدر الرصيف وستكون المغامرة وستكون إرادةُ ما لا نريد بعد أن ترك الرب نطفته فينا إرادة النار والحديد من أجل اللباس العسكريّ لا من أجل الإنسانية الباحثة عن حيوانها آسترا :
وسيكون الزمن المكشوف الفخذ وستكون البداية المعادة إلى أبد الدهر لتبقى الأمور على حالها
ثلاثتهن:
سنكون الأمهات اللواتي كن بناتِ يومِها وأماني الليالي التي كانت سريرا بعد كل الذي جرى...
(تنطفئ الأضواء ثم تشتعل على ثلاثتهن عاريات وهن يربطن أنفسهن بشرائط سوداء)
آسترا : (تغني)
الطيور الجارحة نقف لها بالمرصاد العوزي في قبضتنا والمَرامُ حمايةُ ما في مرآة الأجداد!
جولدا : (تغني) الطيور الجارحة مخالبها من نار أقوى من مخالبنا كلنا لكننا نطفئها بالنار!
لونا : (تغني) الطيور الجارحة أجنحتها تغطي السحاب تخيف الكلَّ إلانا طلقة واحدة تكفي من أجل عيون الأحباب! جولدا :
للأمهات أمل واحد يعشن من أجله أن يكون لهن أبناءٌ كالجذور للشجر كالضوء للقمر كالخفق للقلب لمن يكون العمر بعدهم والعمر هم؟ لمن يكون الحب بعدهم والحب هم؟ ولمن يكون الغيم في فصلٍ بعيدِ المنال؟ لونا : يكون الغيم لهم عندما يكونون للغيم المطر وللكون الكمال شيئًا أشبه بالقمر
آسترا :
ولدي سيكون عاشقاً للفراش وللربيع نرجسا ميعاده قبلة على الشفاه وفي ظله يكون الموعدُ بعد أن ينقشع الضباب
لونا :
ولدي سيكون ابنًا للجمال جمال الليل جماله وفي النهار عندما يسيل الماسُ في البحر ماء عذبا تعوم العذارى على ذراعيهِ وبين ذراعيهِ يلهو الكونُ ولا يعرف الهوان
جولدا :
ولدي سيكون عالِمًا للخيال من النور ينحت القصصَ ويجعلُ من الأحلام قمصانًا للنوم ومن قوسِ قزحٍ يصنع السلالم لجموح الاستعارات والنظريات في الفلسفة بعد أن تغدو الفلسفة مُلَبَّسًا للأطفال ودمية (تكون ثلاثتهن قد ربطن بالشرائط السوداء أجسادهن ربطًا محكمًا)
لونا :
ها نحن ربطنا الجسد بشرائط يهوه وأغلقناه لنحفظنا فلا عناق يلوثنا ولا مخالب تخدش فينا العفة
آسترا : (للونا)
تدق على بابي الرغبة ولما أغلق ما أغلقناه علينا فتعالي إلى عَناق الأرض لنقاوم ألواح المعابد وأطبع على ثغرك قبلة
(تأتي وتهمس في أذنها وتجعلها تطبع على ثغرها قبلة)
هي قبلة ٌمني للطبيعة وهمسة ٌمنك للصراع عندما تذهب الإرادة في طريقٍ لا تعرف الوداع
جولدا : (بغضب)
الوداع الصراع الخوف من المجهول الضياع
(تعقد من حولها الشرائط السوداء بقوة وتئن)
هذا أنيني وأنين أم غائبة
لونا : (تعقد من حولها الشرائط بقوة وتتألم)
هذا ألمي وألم أم غائبة
آسترا : (تعقد من حولها الشرائط بقوة وتصرخ)
هذا صراخي وصراخ أم غائبة
جولدا :
سيُبعد عني ولدي أنيني فهل سيبعده عنها؟
لونا :
سيضع ولدي حدًا لألمي فهل سيضع حدًا لألمها؟
آسترا :
سيوقف ولدي في حَنْجَرَتي صراخي فهل سيوقفه في حَنْجَرَتِها؟
لونا :
يمكنني أن أصنع من ولدي امرأ طيبا لكن الألمَ... الطيبةُ لا تلطّفُهُ
آسترا :
يمكنني أن أصنع من ولدي امرأ كريما لكن الصراخَ... الكرمُ لا يخفّفُهُ
جولدا :
يمكنني أن أصنع من ولدي امرأ محبا لكن الأنينَ... المحبةُ لا تكيّفُهُ الأنين إذا ما أتى كل العالم لا يكيّفُهُ روايةً للسينما والألم إذا ما أحرق كل الماء لا يكيّفُهُ مطرًا لهيروشيما والصراخ إذا ما تفجر كل السلاح لا يكيّفُهُ سلامًا للفوهرر مع أريحا كل المدافع لا تستطيع فعل شيء لإسكاته (صراخ وأنين يأتيان من النافذة، تذهب آسترا لترى)
آسترا :
الصراخ يتبعه الأنين ليس هذا من أوقاته لا أحد في الطريق ليس هذا من إعجازاته صاحب البندقية العنيد ليس هذا من مفاجآته
لونا :
إنها الريح التي تأتي بما تشتهي السفن في الجهة المقابلة الريح المقاتلة أخاف منها على ولدي وأخاف منها على ورود النقبِ التي لن تنبت عندنا
آسترا :
إنه أمر الجنود وليس أمرنا
جولدا :
سيصير أمرنا (ترتعد خائفة)
سيصير شرعنا سيصير حفلنا على سَكْسِيّةِ السِّلْمِ والنبيذِ الفرنسيّ فابن الأم الغائبة يريد قتلنا ولا يريد ما يريد الطيرُ في موانئ مارسيليا هكذا سيقول الحمام الوحشيُّ في العِرزالات القديمةِ والجديدة ثلاثة آلاف سنة عمر جنيني وعمر القدس الأولى التي قئنا هل يكفي تبريرٌ كهذا من أجل أن نعيد القيء في أفواه الأجنة؟ سيقول ابن الأم الغائبة قبل موته لقد حاولت ولم أستطع الوصول إلى نوارس البحار ولا إلى ضفائر البنات فكانت اللحود وكانت القصائد التي لم يكتبها فيكتور هيغو في غَزَلِنا ستقولين إنه حتف الجنود وليس حتفنا سيصير حتفنا سيصير إبداعنا الأسود سيصير قمرنا الباريسيّ المِحاق عندما يجعلون من ابني قاتلاً لحدائق التويلري واللوكسمبورغ ويصنعون منه بطلا اختاره الرب لبنادق نابليون آه! يا إلهي خلصني من ولدي كيلا أعيش موته بأمرٍ عسكريّ
(تشد الشرائط السوداء حول بطنها، تضرب بطنها، تصرخ)
نعم أريد أن أسقطه قبل السقوط فلا آخذ معه مركبا أخذه من قبلي أبي ومات
(تضرب بطنها)
كل الوعود في بطني أريد لها السقوط كيلا تكون نارا وكيلا تكون جنة لليهود كيلا تكون مركبًا أخذه من قبلهم أبي وغرق في بحر الظلمات
(تضرب بطنها)
كل الذنوب في بطني كيف أنجو من الذنوب المحفورةِ في لحمي كيف أعود إلى ما كنتُ قديسةً أو عاهرة كيف أكون نفسي وولدي يكبر فيّ وتكبر معه المعاصي البتولية أشرعة الموت يا ولدي التي لم تخن مركبا أخذه من قبلك أبي وأبحر وما عاد
(تضرب بطنها، وتضرب بطنها، وتعود وتضرب بطنها... آسترا ولونا مربوطتان بالشرائط السوداء لا تستطيعان من أجلها شيئًا. تنطفئ الأضواء. ظلام ثم ضوء. ثلاثتهن حبالى في الشهر التاسع. بطونهن ضخمة من تحت فستان فلسطيني فولكلوري)
لونا :
اليومَ أو غدًا سيكون ميلادك يا ولدي الصنوبرات في الأحراش ترتدي ثوب الأعياد ثلجا والأجراس صامتة بانتظارك لتملأ الدنيا صيحات الحياة كل الوجوه من جمالك كل الآمال القادمة للأمهات من آمالك وللحوريات كل الغناء من غنائك وطبول الملائكة في السموات تقرع لمجيئك
آسترا :
الأعلام على الأسوار تخفق تحت شمسك وفي أعلى القباب جوهرة الموت في تاجك يا ابن داوود المهاب ذي السيف البارق البنات يتكحلن بليل بلقيس من أجلك كلهن بك مغرمات قبل أن تأتينا لتحكم بين الزنابق حكم العاشق
جولدا :
لروميو كانت جولييت العذاب ولجولييت كان روميو الليل الدامس ستكون روميو غير روميو ستكون كالعسل للنحلات وستكون جولييت غير جولييت ستكون كالبلح للنخلات وكالزنابق في حدائق بغداد تعالي أيتها النحلات إلى قلبي الخافق في ظلال النخيل فقد أعد ولدي لروميو مأتم روميو ذاك الذي كان احتفاءً بالمجيء
لونا : (تفتح بطنها بواسطة سحاب على فستانها، وتخرج دمية رمزًا لولدها، تخاطبه)
ستكون لأمك حنونا قبل أن تكون لغيرك ولن تصبح جنونا يُفقدها عقلها من أجل عقلك
آسترا : (تفتح بطنها بواسطة سحاب على فستانها، وتخرج دمية رمزًا لولدها، تخاطبه)
ستكون لأمك صولجانا قبل أن تكون لقدرك ولن تصبح حساما يُفقدها دمها من أجل دمك
جولدا : (تفتح بطنها بواسطة سحاب على فستانها، وتخرج دمية رمزًا لولدها، تخاطبه)
ستكون لأمك لَوْنا قبل أن تكون لقوسك ولن تصبح ليلا يُفقدها ذهبها من أجل ذهبك
لونا : (تدور هي وابنها دورات لا متناهية فرحة)
سألعب معك تحت كل الأقمار حتى تلك الداجية وسأحكي لك كل الأسرار حتى تلك الآتية
آسترا : (تدور هي وابنها دورات لا متناهية فرحة)
سأناديك يا عصفوري وستناديني يا ماما فتغير منك العصافير وتأتي لتلعب معنا
جولدا : (تدور هي وابنها دورات لا متناهية فرحة)
وفي أرض بلاد الغال من أجلك لن يكون الحزن يوما ولن يكون للجاهِ أيُّ معنى
آسترا : (تعيد ابنها إلى بطنها وتقفل عليه)
ابنًا عاديًا أريده كباقي الأبناء أكبر معه ويكبر معي أحلم معه ويحلم معي الحلمَ ذاته حينما ننام
لونا : (تعيد ابنها إلى بطنها وتقفل عليه)
هل تسمعن خطواته على الرخام؟ هل تصلكن أصداء ضحكاته من بين الغمام؟
جولدا : (تعيد ابنها إلى بطنها وتقفل عليه)
وعندما رآها أحَبّها دون أن يسألَ عن أصلها قالت له أنا غير المسألة فقال لها أنا غير الظلام
لونا :
ماذا سنفعل هذا المساء القمر في قلب السماء والنجوم لآلئُ لا تعد ولا تحصى
جولدا :
سنقطف بعضها ونستعد للمخاض
آسترا :
سنصنع من بعضها عقودا ونأكل عنبا
جولدا :
ولن ننام
لونا :
تعالي هنا يا قطتي كانت أمي تقول لي قبل أن تلدني كنت أذهب إليها وأجد من حولها أثوابًا براقة عليها لآلئُ لا تعد ولا تحصى هذه لك يا قطتي كانت أمي تقول لي هديةٌ من بعضِ أ ُمّاتِ النسور صعدتُ على سلالمها حتى السماء وقطفتُ أغلى اللآلئ وأحلاها فما كل ما غلا حلا لك يا قطتي عسى أن تكوني عاقلة فتوجعينني قليلا
آسترا :
أمي بعيدةٌ اليوم عني القمر أقرب والشمس مني
جولدا :
كنا في البحر أنا وأبي ولم نكن نعوم كانت الأسماك بعضها من ذهب وبعضها من فضة وكانت تلمع كالنجوم وكانت لنا كالمرايا نرانا فيها فلا نرانا بل نرى الطحالب والغيوم وكان أبي يقول لي هذه سماؤك في البحر والسماء في البحر ليست سماء إنها فضاءٌ أخضر لهذا كانت الطحالب خضراء اللون الأصفر فيها أخضر حتى اللون الأزرق فيها أخضر الأخضر هو لون الموت في البحر
لونا :
وبعد ذلك كانت أمي تقول لي ستكبرين يا قطتي كنتُ قد وُلدت وستذهبين في حلمٍ ليس حلمي يا قطتي كنت قد كبرت في الحلم سيلدك غيري مرةً أخرى يا قطتي كنت قد أحببت ففي الأحلام يمكن أن نولد مرات يا قطتي كنت قد تجندت ولن تعودي ابنتي بل ابنة غيري وستطيعين
آسترا :
أمي بعيدة اليوم عني القمر أقرب والشمس مني أمي لم أعرف أمي السنجاب أمي والثعلب أمي والجرذ أمي والحذاء المفقود عند منتصف النهار والكل كان من الحنان عليّ أقوى من أي كائن حيّ
لونا : (تخرج ابنها من بطنها وتهدده)
إياك أن تكون طائعًا لغيري إياك أن تكون قمرًا لبئر إياك أن تكون وعدًا لظلي إياك أن تعرف الطريق إلى موسى إبراهيم النبيّ إياك أن تفرح على مرأى دمي
آسترا : (تخرج ابنها من بطنها وتهدده)
إياك أن تكون أعمى يُري غيري الطريق إلى مرسح جان اللوطيّ إياك أن تكون أخرس يحكي عني إياك أن تقتل سنجابا إياك أن ترمل ثعلبا إياك أن تغتصب جرذا كان أمي
جولدا : (تخرج ابنها من بطنها وتهدده)
إياك أن تخرج من الأرض مجذافا إياك أن ترى الأزرق أخضر مثل أبي إياك أن تجعل من الطحالب مسكنا إياك أن تخلع الذهب عن الأسماك كما تخلع ثوبا إياك أن تصادق من المنتحرين الحيتانا إياك أن تهوى الأشرعة كما أراد أبي أن أهوى فَهَوَيْتُها دون إرادتي
(ينفجر صوت من المكبر فجأة، ومن الخوف، وقبل الوقوف على ما يريده المتحدث، تعيد ثلاثتهن أبناءهن إلى بطونهن، ويقفلن عليهم بإحكام)
الصوت:
كل حبلى تسلّم ابنها فكلُّ ابنٍ للرب لنا وإلا اعتبرناها ثورةً علينا وعِصيانا
لونا : (مرتعبة مرتعدة)
لن أسلم ابني حتى ولو مشوا بالجنازير على جسدي سأذبحه كما ذبح فرعونُ خلانَ موسى سأجعله يتيه في سيناء أربعين من عمره وأربعين أخرى من عمري سأرميه في البئر كما رمى مفسرَ الأحلامِ في البئرِ أخوةُ يوسُف سأجعل من بطنِ حوتٍ له مسكنًا بعد بطني سأتركه للكواسر طُعمًا كما ترك الهنودَ الحمرَ للكواسرِ الفاتحون سأبيعه للسياسة بأبخس ثمن في برلين وفي نيروبي سأنثر دموعه في الخيام لؤلؤًا اصطناعيًا كما نثرت الهاغانا دموع الرملة واللُّد دموع الوجع (تحيط بطنها بذراعيها)
أيها الحالمون بموتِ بطنٍ يثير الجشع ماذا فعلتْ لكمُ النسورُ ليكون ذنبي؟ أيها السائرون في الطريق المعبدة على مناقير البجع ماذا قال لكمُ القمرُ قبل أن يغيب في بركة الدم عني؟ أيها النائمون في جسدٍ مجبولٍ بشمسِ العبث ماذا أعطاكم السرابُ من هدايا لي؟ سأقتله والله دون عناء ثم أنصب العلم الأسود على أسوار ثديٍ من وحل
جولدا :
يا سوآء! أسْوَأُ ولود خير من حسناء عقيم! هذا صحيح لو لم تكوني بجمال القمر ومن غيرِ الصوابِ ألا تُعكس الأمثال
لونا :
ومن غيرِ الصوابِ ألا يدمرني طلبٌ من الممكن تحقيقه
(تحيط بطنها بذراعيها بقوة)
فالحقيقة ليست كما يدعي القضاة
آسترا :
ليس الذنب ذنب الثعالب ومع ذلك هو ذنبها ليس الذنب ذنب السناجب ومع ذلك هو ذنبها ليس الذنب ذنب لونا ومع ذلك هو ذنبها
جولدا :
ذنبها عندما تكون غيرها بالصَّحِّ أم بالإسمْ الذنب ذنب الآخرين يقولُ منظّرو الشعورِ بالخطيئة والإحساسِ بالإثمْ حتى القمرَ هو ذنبُهُ حتى العِلْمْ حتى البراءة وقد غدت نجمة في حشيش سجنْ
لونا : (تحيط بطنها بذراعيها بقوة) سأقتله والله بمتعةٍ قمعية وبِوَجْدِ الجُرْمْ سأقتله والله سعيّا وراءَ خطيئةٍ حقيقية وبرغبةٍ فتاكةٍ لحيةٍ لا يكفيها عناق الرّمْلْ سأقتله كقتل الجبان الرعديد للجبنْ والخائف المريض للخوفْ والمتعبد المتزمت للعبادةْ (تفتح السحّاب، وتخرجه من بطنها، وتأخذ بتقبيله قبلات كثيرة سريعة... تخاطبهما وهي تتراجع)
يا ابنتيِ الليل! لا يمكنني أن أغضبَ غضبَ الخِنّوْص ولا أن أنطح نطح الثور ولا أن أمنع صغاري منع اللبؤة عن إرضاعها لهم لهذا... لا يمكنني أن أقتله البراكين ترأف بما في بطونها البحار ترأف بما في بطونها النيران ترأف بما في بطونها والطبقات الرَّثَة
(تخاطبه وهي تتقدم)
يا ابنَ اللَّذة لا يمكنني يا ابنَ القمرِ أن أقتلك! يا ابن المَلْغَمة يا ابنَ الجسدِ ويا ابنَ العقل يا ابن الإحساس الدائم بدورة الأيام أنت يا من كنت التَواصُلَ لِسِنِي حياتي في الصحو وفي النوم في الضوء وفي الظلام في الوعي وفي فقدان الوعي وعندما يذبل نرجس الإدراك لا يمكنني أن أنكر عليك حق العيش والبقاء بين سيقان عذارى الوقت أهديك للتتار ولا أقتلك لكني لن أعطيكَ بعد أن ألِدَكَ وإذا ما حاولوا معكَ أتيتهم كلبًا أبلقَ جبارا أتيتهم ثورا أتيتهم تنينا ينفثُ النار في قصورٍ حملناها على ظهورنا ويضرمُ لظى الهيجان أرضُ ميعادِنا هي قصورهم ونحن العدم الحجارةُ وصناديقُ الفولاذ الأفكارُ الغبية السحرية المرمرية عالم المَرجان التدمير الذي لا يرمّم ورافعةُ النهدين الضيقة مما عرفنا على حافة سُلّم (تعود إلى تقبيل ابنها قبلات كثيرة وسريعة)
وبعد أن ألِدَكَ ستمسكني من يدي وتقول لي مثلما كانت تقول أمي لي يا قطتي لأني سأغدو ابنتك على الطريق المؤدي إلى جهنم ستكون جسدي الذي استعدت أو جسدًا آخر لي لم يتلوث ولم يتزوج في كاليفورنيا جسدُ تمثالٍ ينطق بما لا ينطق به الناس جسدٌ آدميٌّ من غير آدم لا يعرف التجول في البطن ولا منع التجول خارجه ولا يدخل في بطن غيره بعد أن خرج من بطني إلى الطبيعة وراح يركض كل صباح في الهايد بارك
(تخفت الأضواء) أما إذا استطاعوا أن يجعلوك غيرَكَ لك ويجعلوا السمك غيرَهُ للسمك والقبلاتِ غيرَها للشفاه ترى الأشياء وكأنك مغمض العينين ولا تعي سوى حقيقة واحدة زائفة فكن قدمًا للّهب ويدًا للبرق ونارًا تحرق كل شيء كل شيء تحرق كل شيء حتى المَرجانَ المُذَهّبَ في أعماق المياه كن كاملاً كما يجب عليك أن تكون ككل أمٍ لن أقبل بك إلا أن تكون كاملا في الجريمة كن كاملا وفي طبخ "التشكن تِكّا" وفي فعل العشق على الشاطئ عاريا كن كاملاً في الزيادة وكن كاملاً في النقصان هكذا هم أنصاف الآلهة هم أخوةٌ لشياطين الورع ولملائكة الجيش
(تسكت مفكرة)
ولكن... عندما تغدو الشجاعة جبنا
(تغضب من ابنها فجأة والأضواء تعلو قليلاً) ستكون جبانا بقدر وعيك قبل الدخول في عالم لاوعيك وبقدر قدرك قبل أن يجرفك قدرك المفبرك في موجه الضحل تخاف كالغزلان فتهرب عندما تسمع طنين ذبابة ضاق بها الفضاء عند أعدائك وقد حسبتها في البدايةِ زوبعة لن تكون إلا إذا شاء لها الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع أن تكون فكن مستعدًا كن شجاعًا هكذا نحن تعلمنا كيف ندركُ جوهرَ الأشياء بقرارٍ موقّع من قيادة الأركان وبخاتمٍ مرصّع (الأضواء تعلو كثيرًا)
كن على مستوى التوقيع الذي يصعب على الأيام تقليده وكن بقدر جسامة اللحظة فاللحظة لا يمكن لها إلا أن تكون جسيمة للجوهر الذي ليس جوهرا وللهشاشة التي قام عليها الجوهر لتحميك من التفتت ولتحميك من إثم البداية ومعرفة الإثم وقدر الإثم عليك لن يكون لك من خيارٍ آخرَ غير هذا الخيار أن تدمر الأعداء دمرهم قبل أن يدمروك ويدمروني احرقهم قبل أن يحرقوك ويحرقوني اقض عليهم يَتّمْ أطفالهم قبل أن ييتموا أطفالك وأطفالي رَمّلْ نساءهم قبل أن يرملوا نساءك ونسائي اهدم مزارعهم اقتلع أشجار زيتونهم بيوتهم اقتلعهم بيوتهم بيوتك وحَجَرُهم وأحلامهم المحبوكة أطردهم من أمامك وامحُ جميع صورهم وابِدْ كلَّ أصنامهم المسبوكة وخرب جميع مرتفعاتهم خرب جميع منخفضاتهم وآثارهم المتروكة كل شيء لهم هو لك كل شيء لهم هو لك كل شيء لهم هو لك
(تضرب رأسه في الجدار) لك... لك... لك...
( تهب جولدا وآسترا صوبها)
الاثنتان:
توقفي...
لونا :
لك... لك... لك...
الاثنتان:
توقفي... توقفي...
لونا :
لك... لك... لك...
الاثنتان:
توقفي... توقفي... توقفي...
لونا :
لك... لك... لك... لك... لك... لك...
(تخلصانها ابنها، فيجن جنونها، تعيدانه إلى بطنها، وتقفلان عليه بينما تأخذ بالصراخ كالمعتوهة، يُسمع نفير سيارة الإسعاف من النافذة، تنطفئ الأضواء. في العتمة، حركات الممرضين الذين يقيدون لونا، وهي تصرخ، وتضرب، وتشتم، قبل أن يقتادوها إلى مستشفى المجانين. يُسمع نفير سيارة الإسعاف من جديد وهي تغادر المكان ثم يسقط كل شيء في الصمت. ضوء. جولدا تصوب العوزي إلى رأسها، وتطلق. تسقط صريعة. عودة إلى سماع آليات الجيش الآتية من النافذة، والصوت عبر المكبر الذي يطالب الإرهابيات بتسليم أنفسهن. تحمل آسترا العوزي وتتمترس من وراء النافذة ثم تبدأ بإطلاق النار والجيش يرد عليها. تنطفئ الأضواء دون أن تتوقف آسترا عن تسديد النار. بعد مضي بعض الوقت، توجه آسترا العوزي إلى صدور المشاهدين دون أن يروها، ولكنهم يرون نار العوزي، وهي تنطلق كالشُهُب... نار العوزي... نار العوزي... في صدور المشاهدين... في صدور المشاهدين... في صدورهم... ثم تسدل الستارة)
العاصيات مسرحية شعرية تنتمي إلى كتابات أفنان القاسم الأولى، فهي مبكرة النضج بالمقارنة مع هذه الكتابات من ناحيتين أولاً الناحية الفكرية وما يرتبط بها من موضوع متطور جدًا بالنسبة لزمنها، فاجعة ثلاث جنديات إسرائيليات لسن كغيرهن، وثانيًا الناحية الفنية، فشعر المسرحية من الشعر النثري، والشعر النثري هو شعر العصر في الوقت الحاضر، بعد أن عرف تقدمًا كبيرًا يجعله في مقدمة اهتمامات كل تحليل سردي للخطاب الشعري، فالسرد الشعري في خصوصيته ينضاف إلى تعددية النوع عندما يخوض المحلل في مسألة الشعرية، ويضفي هذا السرد الشعري إلى ميدان الرموز والعلامات، الفعالية التي تنقص طرق التحليل. ومما لا شك فيه أن إعادة كتابة هذا العمل اليوم قد عمّقت النظر في الأشياء، وبالتالي في معرفة الآليات الداخلية للمسرحية من أجل فهم أفضل للفظة الشعرية وللإشارة الشعرية وخاصة للدلالة الشعرية وما تحويه من صراع يظل طابعه ملحميًا بما أن الشكل المقترح هو مسرحي درامي، شكل كوني بخاصية "أفنانية". لا توجد مسرحيات شعرية فلسطينية إطلاقًا ولا عربية إلا نادرًا، وأفنان القاسم هنا من أجل المسرحة يكسر القافية الشعرية ليتحاشى السجع ونهايات الأبيات التفخيمية التي استقاها محمود درويش من التراث وكرسها في الوعي العربي والأدب العربي لتُماشي الفكر السائد، ولسيطرة محمود درويش التامة على اللغة كان على أفنان القاسم أن يحطم كل شيء، ويبتكر لغة جديدة، وكذلك أن يحل الموسيقى الذهنية محل التفعيلة، مما أوجب النغمة الجديدة المموسقة للفظة الجديدة تحت استعمالات جديدة وبالتالي إبداع صورة جديدة واستعارة جديدة ودلالة جديدة. الجزائر 1967 باريس 2010
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غرب
-
العودة
-
وظائف الكلام في قصة الزكام لنبيل عودة
-
الحجر
-
نابلس
-
شمس مراكش تحرق الأصابع
-
بركات
-
الأطفال يتكلمون لغة واحدة
-
أفنان القاسم يجيب على أسئلة الحوار المتمدن
-
الرسامة الصغيرة
-
العاملة التي أحبت الكاتب
-
الحزب والموسيقى
-
السيدة التي لم تقرأ الجريدة
-
لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
-
وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
-
الفتاة الممنوعة
-
وحيد وجوديت
-
ناتاشا والفنان
-
العاطل عن اليأس
-
انتحار الشاعر
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|