حلمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 15:52
المحور:
مقابلات و حوارات
مقدمة: نص ثابت يتم إدراجه في مقدمة كل لقاء, لأهمية ترتيب االلقاءات وربط الأحداث وتسلسلها.
هذه هي تجربتي الشخصية للتعرف على جماعة " شهود يهوه", لم يكن لدي أي علم بهم ولم يسبق لي أن قرأت, ولم يحدثني أحد من قبل عن هذه الجماعة ولا عن نشاطاتهم او منهجيتهم ولا إلى أي عقيدة دينية ينتمون.
التقيت ببعض أفراد هذه الجماعة ثلات مرات في أماكن وأزمنة مختلفة متفرقة. كان اللقاء الأول في أواخر عام 1998, ثم تبعه اللقاء الثاني في منتصف عام 1999, وكان اللقاء الثالث في نوفمبر 2011 أي أنه كان هناك فترة زمنية بين اللقاء الثاني والثالث تقارب الإثنا عشر سنة وفي اللقاء الأول والثاني لم أستطع أن أتعرف على تلك الجماعة جيدا ولم أتمكن من الحصول على معلومات تساعدني على تحديد هويتهم الدينية العقائدية ولكن في اللقاء الثالث الذي كانت بدايته في آواخر شهر نوفمبر 2011, علمتُ عنهم الكثير والهام جداً, ولا يزال اللقاء مستمرا حتى هذه اللحظة التي عزمت فيها أن أدون لقاءاتي بهم, ضمن عددة مقالات مدرجة تحت تصنيف [مواقف في حياة مهاجر], كي أروي ما علمته وما جمعتُ من معلومات هامة جدا حصلت عليها عن قرب وعن مناقشات شخصية ولقاءات, وليس فقط من خلال ما بدأتُ اقرأه أيضا وما كتبه الآخرون عن "شهود يهوه".
فقد كانت تجربة فريدة وثرية وخاصة جدا وكان من أهم ما يميز هذه التجربة أن اللقاءات الثلاثة بأفراد من جماعة "شهود يهوه" كانت قدرية ولم تكن عبثية أو كما يقول البعض ويطلقون عليها (الصدفة).
من هم شهود يهوه وما هي منهجيتهم ؟
وما هي عقيدتهم؟ وبماذا يؤمنون وما هي غايتهم ؟
هذا ما سوف نتعرف عليه في اللقاء الثالث تفصيلا مرورا باللقاء الاول والثاني.
اللقـاء الثـالـث: / [1] ألمانيا ـ نوفمبر 2011
[ ندعـوكَ لحضور اجتماعـنا ]
أشخاص الرواية
حلمي محمد: المهاجر
الشهود: أفراد من شهود يهوه
... ذات صباح من أيام السبت وفي آواخر شهر نوفمبر 2011, وبترتيب قدري لم يكن لأحدنا اي تدخل او سعي في التمهيد إليه, يطرق بابي أحد الأشخاص الذين ينتمون إلى جماعة " شهود يهوه ".
في هذه المرة اختلف الأمر, فقد تكونت لدي معلومة ثابتة, أن يكون الزوار من الجماعة, شخصين متلازمين, وغالباً ما يكونان رجل وامراة, قد يكونا زوجاً وزوجته, او أخاً وأختاً في "المسيحية" كما يقولون هُم. ولكن فهذه المرة كان شخصاً بمفرده وكان رجلا مسناً علمتُ بعد فترة من جار لي, أن هذا الرجل يبلغ من العمر الثمانين عاماً.
بعد أن فتحتُ الباب ووجدته أمامي ...
۩ المهاجر: صباح الخير
■ أحد الشهود: صباحكَ سعيد
۩ المهاجر: تفضل, كيف يمكنني ان أساعدكَ؟
■ أحد الشهود: هل هذا هو منزل السيد / فلان؟
۩ المهاجر: لا.. إن منزله هناك.. ذاك الذي أمامنا .. من تلك الناحية يكون الباب الرئيسي للمنزل.
■ أحد الشهود: كنتُ هناك, وطرقتُ الباب دون جدوى.. ربما أعاود ثانية بعد قليل.
۩ المهاجر: حسناً .. قد يكون ذهب لشراء بعض الأغراض ثم يعود.
■ أحد الشهود: هل تسمح لي بأن أعرفكَ بنفسي؟ أنا من أتباع "شهود يهوه" وكنتُ أود زيارة جاركَ السيد (فلان), ولكن يبدو أنها ترتيب الأقدار أن ألتقي بكَ, هل تمانع أن أتحدث إليكَ قليلا؟
۩ المهاجر: ليس لدي اي مانع, ولكن قد يصعب تحقيق ذلك الآن, فإنني مرتبط بميعاد وليس أمامي الكثير من الوقت, ربما يتسنى لنا ذلك في مرات قادمة.
■ أحد الشهود: هل أستطيع زيارتكَ في الأسبوع القادم لأتحدث إليكَ, وليكن ذلك في يوم السبت القادم؟
۩ المهاجر: يوم السبت, ليس مناسباً لي .. فليكن يوم الأحد, هل يناسبكَ ذلك؟
■ أحد الشهود: نحن نلتقي في مساء كل يوم جمعة, وكل يوم أحد في التاسعة والنصف صباحاً تقريباً. هل ترغب في ان تحضر هناك وتسمتع لمحاضرة من المحاضرات التي نجتمع حولها في قاعة اجتماعات خاصة. عددنا يقترب من المئة شخص, قد يزيد العدد او يقل عن ذلك بقليل.
۩ المهاجر: هلا أعطيتني فكرة مبسطة عن تلك اللقاءات الخاصة بكم, كيف تبدأ وكيف تنتهي وكم من الوقت تستغرق, وكيف يكون خط سير المحاضرة وهل يُدار حولها نقاشات, وهل يتخللها "أدعية أو صلوات". كي أكون على علم بكيفية اللقاء وتنظيمه, حتى لا يصدر مني أي تصرف غير ملاءم عن طريق الخطأ, قد يعتقده البعض من الحاضرين, أنه تعمدا لإحداث الفوضى والبلبلة داخل القاعة, أو قد يؤخذ على أنه عدم احترام واستهزاء بعقيدتكم.
■ أحد الشهود: شكرا لكَ على هذا الحرص وهذا الأسلوب الراقي المتحضر في التواصل مع الآخرين. اللقاء يكون مدته حوالي ثلاث ساعات, يبدأ بافتتاحية قصيرة عن اللقاء, ثم يتبعها محاضرة توعوية مدتها تقريباً نصف ساعة, يتم من خلالها تناول الموضوعات العامة التي تتعلق بالأمور الحياتية, من تعاملات مادية وأخلاقية بين البشر في مختلف الأحوال والظروف, ثم نتناول مضوعاً للمناقشة من خلال المجلة الشهرية التي تُطبع وتوزع على كل فرد وبها موضوعات مختلفة في نهاية كل موضوع يتم طرح بعض من الأسئلة ثم نتبادل الإجابات والآراء حولها. ويتخلل اللقاء أناشيد نرددها على إيقاعات موسيقة هادئة " روحانية " وأدعية قصيرة [صلوات] ثم ينتهي الإجتماع الأسبوعي ليوم الأحد.
۩ المهاجر: لا يوجد مشكلة في أن أتواجد بينكم واستمع للمحاضرة ومناقشة الموضوعات المطبوعة داخل المجلة الشهرية. ولكني لا أستطيع أن أشارك معكم في قراءة الأناشيد والأدعية [الصلوات] التي تؤدونها. فهذا يتعارض مع عقيدتي ومع ما أؤمن به, ولا أريد أن أظل جالساً حين تقومون أنتم لتأدية الأدعية والصلوات, كي لا أعطي انطباعاً للمتواجدين هناك بأنني لا أحترم طقوسهم العقائدية, وحتى لا أثير لغطاً بينهم فيكرهون تواجدي بينهم, أو أن يقول أحد لماذا إذا انت هنا إن لم تحترم طقوسنا وعقيدتنا.
■ أحد الشهود: هذا شعور نبيل منكَ, أن تحرص كل هذا الحرص على مشاعر الآخرين, وأن تظهر احترامكَ لعقيدتهم. أنت تثير دهشتي وأعجابي الشديدين بشخصكَ وفكركَ المتحضر ....!
۩ المهاجر: شكرا لكَ على كل هذا الإطراء. ولكن دعني أوضح لكَ أمرا هاماً, وهو أنني لا أحاول أن أتجمل ولا أن أظهر أمامكم في صورة الانسان المثالي الذي يؤمن بمبادئ وأخلاقيات اصطنعهتا لنفسه, ولكني أتبع ما يأمرني ديني به وما تفرضه علي عقيدتي, فهذا هو ما يأمر به الإسلام وهذه هي تعاليمه وأخلاقياته. احترام حريات الآخرين.
■ أحد الشهود: الحق أقول لكَ... ما نراه ونسمعه في الإعلام وما نقرأه في الكتب والصحف, عن المسلمين, يختلف تماما مقارنة بما أسمعه منكَ وما ألمسه بنفسي. حسناً, سوف نحاول أن نجد حلا لهذه المشكلة, وسوف أتصل في المساء بأحد أعواننا لكي يمر بكَ غداً وهو في طريقه للإجتماع, ليأخذك معه في سيارته هو و زوجته, أرجو منكَ أن تنتظرهما أمام المنزل في تمام التاسعة وخمسة دقائق. وسوف أكون في انتظاركَ بالقاعة, أتمنى أن أراكَ هناك غداً. إلى الملتقى غداً.
۩ المهاجر: على وعد باللقاء غدا "إن شاء الله"
■ أحد الشهود: يفحت حقيبة اليد التي يحملها, يُخرج منها "كُتيب / طبعة شهرية للمجلة الخاصة بهم" ليعطيني إياها, ترتعش يديه, أثناء اخراجه للمجلة يسقط من الحقيبة "الكتاب المقدس" على الأرض.
۩ المهاجر: أسرعتُ فألتقطتُ الكتاب من فوق الأرض ... وأعطيته إياه مرة أخرى.
■ أحد الشهود: لقد كنتَ أسرع مني ..!!!
۩ المهاجر: إنه كتاب مقدس. دون بداخله اسم "الله". حتى ولو أختلف بعض مما ورد فيه مع عقيدتي. فهذا لا يعني أن أظل وافقاً أنظر إليه وهو مُلقى فوق الأرض, وانتظركَ حتى ترفعه انتَ.
■ أحد الشهود: يُبدي دهشته مرة أخرى التي تكشفت عنها ملاح وجهه الذي مال إلى الإحمرار قليلا, وصحبتها ابتسامة حائرة, وهمهمة خافتة, تفصح جميعها عن حالة اضطراب قد أصابته. ثم أعطاني "المجلة". وقال سنكون في انتظاركَ غداً.
۩ المهاجر: ثم فتحتُ له الباب وودعته وشكرته على الزيارة, مع تأكيدي له بحضوري يوم غد.
○ وبعد أن انصرف الرجل وأغلقت الباب وجلستُ مع حالي أفكر واسترجع كل ما دار من حوار بيني وبينه. وجدتني أسأل نفسي ... لماذا وافقته على الذهاب غدا إلى قاعة الاجماعات, ولماذا وعدته وما الذي يجبرني على أن أوفي بوعدي له. وماذا أريد أنا من هذا اللقاء, وهل أنا بحاجة لشيء كهذا, أم أنني أعـبث لمجرد هوى في نفسي. ثم وجدتني أجيبني قائلآ .. ولماذا أنا خائف من هذا اللقاء وما الذي يجعلني أخشى مقابلتهم والاستماع إليهم, هل أخشى أن تتزعزع عقيدتي أو أن أفتن بهذا اللقاء. إن كان هذا هو ما أخشاه, فهو دليل على ضعف إيماني وعدم رسوخ عقيدتي وهوان ما أستند إليه من حجج وبراهين, وتوهماً مني بأنني على الحق. إن مواجهتهم والاستماع لما يقولون والتحاور معهم, لهو مختبر حقيقي لقوة إيماني وعقيدتي. وليست محاولة مني للبحث عن الحقيقة. فإنني أؤمن بأن الحقيقة الكاملة تكمن في عقيدتي الراسخة وإيماني الثابت الذي لا يتزعزع.
سأذهب غدا للإجتماع لأتعرف عليهم وعلى فكرهم ومنهجيتهم, نعم سأذهب..
○ ولكن ماذا لو سمعت منهم تجاوزات وتعديات تنال من عقيدتي ومن دين الإسلام والمسلمين ...
كيف سيكون رد فعلي وكيف لي ان أتصرف وقتها ... لا, لن أذهب إلى هناك ...!!!!
○ وظللتُ هكذا طوال اليوم والليلة إلى ان أشرق صباح يوم اللقاء, وكلما نظرتُ إلى عقارب الساعة واقترب موعد حضور من سيأخذني إلى قاعة الإجتماع, ازداد توتري وقلقي .. يجب ان أتخذ القرار السريع والحاسم فلم يتبقى على الموعد سوى دقائق قليلة .. حسناً سوف انتظرهم أمام المنزل وعندما يجيؤون سأعتذر لهم وأبلغهم بأنني لا أستطيع الذهاب معهم, فقد طرأت ظروفاً خاصة تحول بيني وبين حضور الإجتماع. نعم هذا هو القرار النهائي.
○ أرتديتُ ملابسي !! خرجتُ من المنزل, سرتُ في خطى متباطئة انتظرتُ على أول الطريق, رأيتُ سيارة تقترب من بعيد تقل سرعتها شيئاً فشيئا, قلتُ يجب أن تكون هذه هي سيارة الشخص الذي انتظره .... عزمتُ وتوكلتُ على الله أن أذهب معه.
توقفت السيارة أمامي.
■ أحد الشهود: صباح لخير .. هل أنت السيد / محمد, من أخبرنا عنه السيد / (فلان)؟
۩ المهاجر: صباح الخير, أجل أنا هو.
■ أحد الشهود: أرجو ألا أكون قد تأخرتُ عليكَ وتركتكَ تنتظر طويلا في هذا الجو القارس؟
۩ المهاجر : لا.. لقد جئتَ في الموعد المحدد تماما. ولم أنتظر سوى بضع ثواني.
■ أحد الشهود : هذه هي زوجتي وانا اسمي (.......).
۩ المهاجر: محدثاُ نفسي ... انهما صغيرين جدا, وفي مثل سنهما لا يتزوج الأوربيون عادة, إنما يتخذ صديقة ويعيش معها كزوجة. فعلى عكس ما سمعتُ وقرأت عن " شهود يهوه ". فقد وجدتهم يحترمون العلاقات الانسانية ويحيون حياتهم على اسس من الأخلاق فهم يؤيدون الزواج المبكر ليبعدوا شبابهم عن الرذيلة والانحلال الاخلاقي.
وكانت هذه اول ملاحظة تشد انتباهي شدا وبدأ تفكري يتجه إلى ان افهم هذه الجماعة. واحتفظتُ بتلك الملاحظة في ذهني ولم أناقشها معهم, ولكن على الفور ذكرتني بما قرأته من وصف عن أخلاقياتهم وما ينسب اليها من فوضى عارمة وإباحية في العلاقات الخاصة, فرأيتُ أن كل ما قرأته عنهم يتناقض مع ما المسه وأراه بنفسي.
وبينما نحن في الطريق إلى قاعة الاجتماع, رحنا نتبادل أطراف الحديث, وكان أول شيء سألتهم عنه إن كانا على علم ودراية بعقيدتي الدينية, فأجاباني بأنهما ليس على علم بذلك وأثار سؤالي فضولهما والتفتا إليَّ في تشوق ولهفة شديدين, ثم سألاني إن كنت أرغب أن أخبرهما عن ديانتي.
فأخبرتهما بأنني مسلم فازدادت دهشتهما ثم قالا انه أمر يثير الاهتمام " interessant " فلم يسبق لهما ان شاهدا مسلما يحرص على حضور اجتماعاتهم. ورحنا نتحدث سريعا عن بناء المساجد في ألمانيا وكيفية تأدية الصلاة بها وعن عدد الصلوات في اليوم الواحد ومواقيتها المختلفة. وهل يشترط تأديتها داخل المساجد ام انه من الممكن تأديتها في أماكن أخرى (المنزل مثلا), فأخبرتهما أنه من الافضل أن نحرص على تأديتها في المساجد وفي حالة ان تعذر ذلك يجوز تأديتها في أي بقعة من الارض طاهرة. فمثلا إذا جاء وقت صلاة الظهر, وأنا مازلتُ داخل قاعة المحاضرات فيجوز لي أن أصلي الظهر هناك ولا حرج في ذلك.
■ الشهود: هذا أمر يثير الاهتمام أيضاً !!, لم يكن لدينا علم بشيء كهذا, ... هل تعلم أنه يوجد مسجد جديد قد تم بناؤه بالقرب من هنا في منطقة ( بنسبرج ) " Penzberg "
۩ المهاجر: أجل علمتُ بهذا, ولكني لم أقوم بزيارته حتى الآن.
فيوجد مسجد آخر في منطقة (فيلهييم) " Weilheim" قريب من المنطقة التي أسكن بها أزوره أحياناُ كلما سنحت الفرصة لي بذلك.
واستمر الحديث بيننا حول هذه الجزئية حتى وصلنا إلى مقر قاعة الاجتماع.
وهنا أتوقف على نكمل بقية أحداث هذا اللقاء في المقالة القادمة "إن شاء الله"
ــــــــــــــ
من مجموعة روايات: [ مواقف في حياة مهاجر ]
يكتبها: حلمي محمد | مهاجر عربي
من ألمانيا: في 26.12.2011
#حلمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟