نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 1062 - 2004 / 12 / 29 - 07:01
المحور:
الادب والفن
كان منصور في التاسعة من عمره لما أصيب أخوه الصغير بالحمى التيفية. قلق عليه كثيراً، فاشتدت وساوسه المتشائمة، فلم يستطع أن يتصور إمكانية العيش بدون أخيه الصغير، وخاصة حينما لحظ القلق الكبير في عيون والديه، وحينما رأى والدته تضع كمادات الماء البارد وكمادات الخل على جبين أخيه. فكر ما بوسعه أن يعمل وفي النهاية؟ لم يجد إلا أن ينذر شيئاً من الدراهم لمقام (السيدة ) لكي يشفى أخوه من المرض. تعافى الأخ الصغير و منصور لم يفِ نذره.
مرضت أخت منصور(زكية) المولودة حديثاً فاضطرب مزاجه وازدادت تعاسته وخرج إلى الشارع لا يدري ماذا يفعل، وأخيراً لم يجد سبيلاً إلا أن ينذر من جديد، وهذه المرة كان لكنيسة مار يوحنا، شفيت أخته الصغيرة ولكن لم تسعفه جيبه الفارغة على إيفاء دينه.
توقف منصور عن اللعب مع أولاد حارته، ولم تعد لهفته إلى الطعام كما كانت، وحار والداه في حاله؛ في هذه الأثناء مرضت أمه التي كان يحبها إلى درجة العبادة؛ ذهب إلى المدرسة رِجلاً إلى الأمام ورجلاً إلى الخلف؛ وفي الصف على غير عادته لم يكن يسمع شيئاً مما يلقيه المعلم. وأخيراً لم يعد منصور يتحمل قلقه المتزايد، فلم يرَ إلا أن يتظاهر بالمرض فطلب من المعلم أن يسمح له بالذهاب إلى منزله...
خرج من باب المدرسة وكان أمله الوحيد أن يرى أمه المريضة على قيد الحياة، وبدأ يهمس في طريقه إلى البيت صلاةً أعادها أكثر من مائة مرة. في النهاية وصل إلى أمه، فرأى الابتسامة على وجهها وتتكلم بحيوية وتتناول من يد جدته كأساً من الليمون. حضنت الأم منصور متعجبة ومندهشة من مغادرته المدرسة مبكراً. فأخبرها أنه لم يعد يطيق البقاء بعيداً عنها وهي مريضة، ثم راح يحكي لها قصة نذوره المتراكمة؛ فضحكت الأم مغتطبة ومطمأنة ووعدته بايفاء نذوره..
ومن ثم راح صوت غالب يزداد خشونة وبدأ يظهر زغب شاربيه......
نقولا الزهر
عدرا في 20/5/1990
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟