|
الطبقة السياسية في العراق تتحاور عبر المفخخات والعبوات الناسفة
حبيب تومي
الحوار المتمدن-العدد: 3586 - 2011 / 12 / 24 - 07:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشكلت الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 من قبل بريطانيا وعلى خلفية تفكك الأمبراطورية العثمانية ، وتتويج الملك فيصل الأول ملكاً على العراق ، يمكن الزعم ان هذا الملك ، الذي لم يكن عراقياً لكنه عمل من اجل وحدة العراق ومن اجل إرساء دعائم دولة عراقية حديثة ، وبعد 38 سنة سقط النظام الملكي بيد مجموعة من الضباط المغامرين لمعظمهم افكار قومية عروبية ، عازفين على وتيرة الوطن العربي الواحد دون الألتفات الى مصلحة الوطن العراقي اولاً ومن ثم الوطن العربي ، وكانت الأفكار الناصرية العروبية لاهبة لمشاعر الملايين في العالم العربي ، وبعد ذلك كانت سلسلة من الأنقلابات ، الى ان استقر البعث في الحكم ، لكن فترة البعث كانت ايضاً زاخرة بالحروب والصراعات الداخلية ، فكان العنف في معظم المراحل عناوناً رئيسياً للمشهد العراقي بدل الأستقرار والبناء . بعد 2003 لم يختلف المشهد ، بل اخذ منحاً خطيراً حينما رتبت الأمور بجهة الأستقطابات المذهبية وان المناصب والسلطة يجري توزيعها وفق المحاصصة الطائفية . لم تنتهي يوماً العمليات الإرهابية بشتى اشكالها الدموية لكن يمكن الزعم ان وتيرتها قد خفت مقارنة مع السنين 2005 و 2006 ، وفي كل الأحوال بقيت مظاهر تقسيم مدينة بغداد مثلاً فلا زالت الحواجز الكونكريتية تتاخم المعالم البارزة في بغداد منذ 2003 م . الأنتخابات وصناديق الأقتراع لم تكن حاسمة في إنهاء النزاعات على السلطة ، ففوز العراقية بالأكثرية لم يؤهلها لتحكم لتكن على رأس الحكومة ، بل كانت الأجتهادات والتحالفات على هامش النتائج هي التي قررت من يكون على رأس السلطة ، ومن هنا احتدم الصراع وزادت وتيرته ، لكن تدخل الجهات التي يهمها الأستقرار في العراق ، ومبادرة البارزاني ، كانت الكفيلة بإخراج العراق بعد تعلقه في عنق الزجاجة ، وانشرحنا لحلحة الأزمة السياسية وشكلت الوزارة بعد توافقات مارثونية صعبة . لكن التوافقات الهشة كانت في كثير من مفاصلها مبنية على نظرية ( السكوت) على فضائح او فساد الآخر ، فالمصلحة الوطنية كانت آخر المراهنات بل يمكن الزعم انها مفقودة . إن اي خلاف او تلكؤ في العملية السياسية تكون مصاحبة لسلسة من التفجيرات الدموية إن كانت بأحزمة او عبوات ناسفة او لاصقة او بالسيارات المفخخة . ليس بعيداً إن اخذنا اقليم كوردستان مثلاً ، فإن الخلافات مع الأحزاب الحاكمة تحل في داخل البرلمان او باجتماعات واتصالات جانبية او بمقاطعة اجتماعات البرلمان او الوزارة ، ولم نسمع ان اي طرف يستخدم العنف الدموي لحل معضلاته السياسية . إن لغة العنف هي المفهومة بالعراق ، ومع الأسف ان المواطنين الأبرياء هم الضحايا ، اما الساسة فلهم سياراتهم الواقية ضد الرصاص ولهم حراسهم ، فيكون الضحية المواطن المسكين . إن لغة العراق في تفضيل العنف هي السائدة ، وإن تقسيم العراقيين الى مجموعات كل منها يريد فقط ان ( يحود النار لكرصتة ) ومن بعدي فلا نزل قطرٌ . هكذه كانت ثقافة العراق في العصر الحديث فها هو المرحوم الملك فيصل الأول يكتب في مذكراته السرية (حنا بطاطو ، العراق ج1 ص44 ) : (( أقول وقلبي ملآن أسى أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية متشبعة بأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى ، مستعدون دائماً للانقضاض على اي حكومة كانت ، نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف ، يجب ان يعلم ايضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لأتمام هذا التكوين وهذا التشكيل )) . اجل لم يتبدل شئ جذرياً فالوطن مقسم بين ولاءات دينية ومذهبية طائفية ، وهي مرشحة للاستخدام بيد اي فريق لا يعجبه الوضع ولم تصله قطعة من الكعكة التي يريديها . العراق اليوم تحوم في اجوائه السياسية مشاكل كبيرة ، انسحاب القوات الأمريكية والشكوك في قدرة وجاهزية القوات الأمنية العراقية ، الخلافات الحادة بين كتلتي العراقية ودولة القانون ، كتبت صحيفة تلغراف البريطانية تناولت الأحداث المتسارعة في العراق، منذ انسحاب القوات الأمريكية ، تحت عنوان: "تفجيرات العراق.. نوري المالكي يعلب بالنار عبر إضرام العنف المذهبي." وبدورنا نتساءل من يتحمل مسؤولية دماء الأبرياء . هل من اجل المناصب يمكن ان نحطم الوطن ؟ إن كل المسؤولين ينطقون على الدوام بكلام فلسفي منسق وجميل في مواعظ ونصائح للوطنية والإخلاص للوطن وللشعب ، لكن كل ذلك ممكن بشرط ان لا يمس الكرسي الذي يجلس عليه فهنا الخطوط الحمراء حيث يذوب الوطن والشعب في بودقة المصلحة الشخصية او المذهبية هذا هو الواقع ، وفي العراق على مستوى المسؤولين توظيف كبير لمسألة الطائفية المذهبية هذا هو الواقع ، وما يقال عن مصلحة الوطن العراقي فإنه كلام الليل يمسحه واقع اللهاث وراء المصالح الخاصة . الأخلاص للوطن مفقود بين الساسة الذين يقفون على رأس السلطة . ولو كان هناك إخلاص ووفاء للوطن لما كان العراق لحد اليوم بعد تسع سنوات غارقاً في الظلام وغارقاً في الفاساد الإداري والمالي . ولما كانت السدود الكونكريتية حاجزة بين ابناء الشعب الواحد في المدينة الواحدة وفي المحلة الواحدة . ولما كانت بغداد تقبع في المركز 220 في اخر المدن التعيسة في العالم . العراق بلد ممزق بكل معنى الكلمة ويتحمل وزر ذلك الحكومة العراقية والبرلمان العراقي والرئاسة العراقية . إنهم جميعاً شركاء في تمزيق الوطن وليس في إرساء دعائم بنائه . حبيب تومي / اوسلو في 24 / 12 / 11
#حبيب_تومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الأستاذ فاضل الميراني سكرتير الحزب الديمقراطي الكورد
...
-
الأخوة في حركة التغيير ولماذا إقحام الأيزيدية والمسيحيين في
...
-
بعد استهداف االمسيحيين والإيزيدية في كوردستان سيأتي دور استه
...
-
الأعتداءات على المسيحيين في اقليم كوردستان ومخاطر تردّي الأو
...
-
سؤال لدولة رئيس الوزراء نوري المالكي لماذا بغداد المدينة الأ
...
-
تصريحات السيد يونادم كنا الأستفزازية ضد الكلدان،اين البرلمان
...
-
ماذا لو ظهر ان القوش عائمة على بحيرة من الذهب الاسود ؟
-
الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان خطوات ثابتة وقرار مس
...
-
ماذا ابقيتم للكلدان ؟ واليوم تمنعون عنهم حتى حق المعارضة
-
تمخض الربيع العربي فولد حكماً اسلامياً
-
العمل القومي الكلداني من اين نبدأ ؟
-
المطران سرهد جمو فكر قومي كلداني واضح وبمنأى عن تخوم السياسة
-
الأعتداء على اهالي برطلة سوف لا يكون الأخير في مسلسل الأعتدا
...
-
معظم اوساط شعبنا الكلداني ليسوا مع إقامة محافظة مسيحية ؟
-
ثورة ايلول التحررية ودور الشعب الكلداني والشهداء الأبرار في
...
-
المحافظة المسيحية المفترضة تحترق في أتون المصالح المتناقضة
-
نحن الكلدان ماذا جنينا من الكوتا المسيحية لندعم إقامة محافظة
...
-
عزيزي نبيل دمان لا يجوز الكتابة مع ميلان الريح
-
الفساد في اقليم كوردستان وآليات المعالجة ، كتاب قرأته وأقدمه
...
-
لماذا انسحاب الحزب الديمقراطي الكلداني من تجمع احزاب شعبنا ؟
المزيد.....
-
إسرائيل.. إعلان وزارة الدفاع عن إنشاء مستشفى ميداني للأطفال
...
-
استطلاع: 80% من الأمريكيين متشائمون عقب محاولة اغتيال ترامب
...
-
شاهد: بوتين يقود -لادا أورا- الجديدة ويفتتح بها الطريق السري
...
-
ألمانيا تعلن مبادرة لتعليم مليوني طفل بمنطقة الساحل الأفريقي
...
-
تقرير يتحدث عن مؤامرة إيرانية لاغتيال ترامب وطهران تنفي
-
البنتاغون: نعتزم تسريع تطوير واختبار الصواريخ فرط الصوتية
-
تدمير تسع مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة كورسك الروسية
-
-نيوزويك-: أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية تشل فعالية الأسلح
...
-
انقلاب حافلة عند دخولها نفقا بالقرب من برشلونة
-
صيادون يرصدون تحليق صواريخ روسية فوق بحر قزوين
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|